طرابلس تُغرق لبنان بالدمع… و”الدار” تلملم “الطائف”

لبنان الكبير

هي طرابلس مجدداً، المدينة الأكثر فقراً على ساحل البحر المتوسط، عاصمة المأساة والموت واليأس والاحباط التي تدفع بشبابها وبناتها وأطفالها الى الارتماء في أحضان البحر لأنهم كما يقولون: الجوع كافر، والوجع بلا دواء لا يطاق، والعيشة مرّة، وكل الأبواب في البلد أقفلت في وجههم، ولم يبق أمامهم سوى ذلك المنفذ الذي يكلفهم ثمناً غالياً لا بل الأغلى: حياتهم وشبابهم .

ليس المهم احصاء الضحايا أو الناجين انما المهم أن يكونوا عبرة لعائلات تستعد للهروب تحت أجنحة الليل في قوارب أقل ما يقال فيها انها غير صالحة حتى لرحلات صيد، وأصحابها يستمرون في مهمة القتل على الرغم من ملاحقة القوى الأمنية لهم ومن أن الجيش ضبط عدداً غير قليل من شبكات التهريب المنظمة التي لا تحصى، ليبقى التعويل على الضمير والحس الانساني.

وبعيداً عن هموم البحر والغرق، وعن الحزن الذي يخيم على مدينة طرابلس التي تدفن شبابها الواحد تلو الآخر، تتجه الأنظار اليوم الى دار الفتوى حيث دعا مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الى لقاء وطني بامتياز يجمع النواب السّنة في محاولة للم الشمل وتوحيد الموقف، والعمل للتكامل مع بقية النواب والقوى السياسية للمساهمة معاً في اعادة الهيبة والدور الى الدولة ومؤسساتها، وسيطرح وفق مصدر من دار الفتوى لـ “لبنان الكبير” ضرورة الالتزام بوثيقة الطائف، وبالاستحقاقات الدستورية وتوطيد العلاقة بين لبنان وأشقائه العرب، ودور لبنان على الساحة العربية، وإبعاده عن المحاور الاقليمية والدولية. وفيما أعلن النواب أسامة سعد وحليمة قعقور وابراهيم منيمنة عدم مشاركتهم في اللقاء الذي يليه عشاء في السفارة السعودية بدعوة من السفير وليد بخاري، الا أنه لا بد من التأكيد أن الدار كانت عبر تاريخها ولا تزال، تقارب الشأن الوطني لا السياسي، وشهدت محطات وطنية مهمة في تاريخها خصوصاً في عهد المفتي الشيخ حسن خالد وخلال الحرب الأهلية، ولعبت دوراً وطنياً جامعاً من خلال القمم التي كانت تعقد في منزل المفتي خالد في عرمون، وعرفت بقمم عرمون، ومن خلال اللقاء الاسلامي، والقمم الروحية التي كانت تجمع المفتي خالد مع القادة الروحيين من مختلف الطوائف والمذاهب لوضع حد للخلافات السياسية، بحيث كانت المراجع الدينية تلعب دور توحيد لبنان وإخراجه من الحروب التي كانت تفتعلها بعض الأحزاب والقيادات السياسية.

في هذا الاطار، أشار مصدر دار الفتوى الى أن الهدف من اللقاء اليوم وطني بامتياز، وهناك مسلمتان أساسيتان: دار الفتوى ليس لديها مشروع سياسي ولا مشروع خارج اطار الدولة اللبنانية. لذلك، فليطمئن الجميع وخصوصاً المشككون منهم ان كان البعض يسعى الى مشروع سياسي أو مذهبي أو طائفي أو كونتوني أو فيدرالي، الى أن دار الفتوى لن يكون لديها الا المشروع الوطني الجامع لكل اللبنانيين ولاسيما أن المفتي دريان عاصر المفتي خالد. هذا اللقاء للنواب السنّة الذي يهدف الى لم الشمل والعمل للتكامل مع بقية النواب والقوى السياسية للمساهمة معاً في اعادة الهيبة والدور الى الدولة ومؤسساتها وتعزيز علاقة لبنان بأشقائه العرب ليبقى بعيداً عن المحاور الاقليمية والدولية وحاضناً لجميع أبنائه من دون تمييز بين منطقة وأخرى أو بين طائفة وأخرى أو بين مذهب وآخر، لن يدخل في التفاصيل أو الدهاليز السياسية، بل يهمه لبنان بجميع فئاته والالتزام بالاستحقاقات الدستورية وبالدستور وبالنظام العام وأن يكون الجميع تحت سلطة الدولة اللبنانية. ومن بين العناوين التي ستطرح، والتي تشكل اجماعاً من قبل اللبنانيين: الدولة ومؤسساتها، الالتزام بوثيقة الطائف التي وضعت حداً للحروب العبثية، توطيد العلاقة بين لبنان وأشقائه العرب، دور لبنان على الساحة العربية، وأن يكون جهد النواب منصباً قبل كل شيء على أن الوطن من أولى الاولويات.

وأكد المصدر أن المسلمين السنّة في لبنان لن يُستضعفوا ولن يهزموا، وقد ينكفئوا لكنهم لن ينكسروا لأنهم هم أصل لبنان وركن أساسي من أركان الوطن. لكن أمام الوضع الذي يمر على البلد، وبعد انكفاء الرئيس سعد الحريري، أصبح هناك نوع من التفكك في المجموعات النيابية، والمقصود في اللقاء لم شمل هؤلاء النواب ليكونوا داعمين للدور الوطني التاريخي للمسلمين، وليلتقوا على الحد الأدنى من التوافق بينهم لا ليكون لديهم مشروع أو لأن تلعب دار الفتوى دوراً سياسياً بل دور وطني جامع. مع التأكيد أنه عندما يلتقي سفير المملكة العربية السعوية مع بعض النواب أو النواب الذين سيجتمعون في دار الفتوى، يكون ذلك جزءاً من اللقاءات الوطنية التي يلتقي فيها السفير مع كل الفاعليات، والهدف منها الحرص على سيادة لبنان ووحدته وعروبته واخراجه من المستنقع الذي يعيش فيه. أما بالنسبة الى النواب الذين لن يشاركوا، فيُترك أمرهم للناس وللهيئة الناخبة وللذين ائتمنوهم على أصواتهم. هؤلاء النواب الذين انتخبوا عن المقعد الذي يمثل أهل السنّة، اذا كانوا غير مقتنعين بأنهم يمثلون هذه الشريحة من المواطنين، فليعيدوا الأمانة الى أهلها والا تعتبر نيابتهم في غير مكانها، ولكي لا يوصفوا بصفات لا نريدها ولا نتمناها لهم.

أما على صعيد ملف التشكيل الحكومي الذي وضع على نار قوية قبل سفر الرئيس نجيب ميقاتي، وسط تأكيد أوساط الرئيسين ميشال عون وميقاتي أن الحكومة ستتشكل منتصف الأسبوع المقبل وأن مختلف العراقيل قد أزيلت من أمامها مبدئياً، الا أن مصدراً متابعاً أكد لـ “لبنان الكبير” أن المعطيات متضاربة ويبدو أن لا شيء محسوم حتى اللحظة. ونحن امام رأيين: الأول، يرتكز على الوقائع، ويقول ان الحكومة ستتألف على طريقة لا رابح ولا خاسر، ولا غالب ولا مغلوب، والرابح الوحيد هو استمرارية السلطة التنفيذية واستمرارية الوزارات والوزراء مع بعض التعديلات الطفيفة. الثاني، يتكل على تسريب معلومات لا تبشر بولادة منتصف الأسبوع المقبل، ومنها صادر عن جهات في القصر الجمهوري بأن الرئيس عون في حال استشعر أن هناك مماطلة في التأليف سيعمد قبل يوم من نهاية ولايته إلى إصدار مرسوم بقبول استقالة الحكومة بحيث تصبح حكومة الرئيس ميقاتي الحالية غير مكلفة بتصريف الأعمال، وتفقد شرعيتها ولا يحقّ لأي وزير فيها القيام بأي عمل في وزارته. ما يعني أنه لا يزال هناك نوايا في التصعيد، بهدف الحصول على كل ما يريده العهد وفريقه السياسي، لكن هناك اصرار من فريق رئيس الحكومة ومن رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط على عدم اعطاء النائب جبران باسيل الثلث المعطل. انها تسريبات لا ترقى الى مستوى القراءة الواقعية التي تؤكد أن ولادة الحكومة تنتظر زيارة الرئيس المكلف الى بعبدا لوضع اللمسات الأخيرة عليها الا اذا استجدت عراقيل لم تكن في الحسبان، والأيام القليلة المقبلة ستبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وستظهر ان كانت النوايا سليمة أو أن السلطة تعمل على الهاء اللبنانيين عن همومهم المعيشية مع العلم أن رئيس الجمهورية شدد أمس على ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية وتشكيل حكومة جديدة تنال ثقة مجلس النواب قبل انتهاء الولاية الرئاسية في 31 تشرين الأول المقبل، كما أمل الرئيس ميقاتي أن “يصار في الاجتماعات التي سأعقدها مع رئيس الجمهورية، الأسبوع المقبل الى انهاء الملف الحكومي لأنه لا يحتاج الى الكثير من النقاش”.

وفي حين اعتبر بعض المحللين أن البيان الثلاثي الفرنسي – الأميركي – السعودي في الشكل ممتاز، ووضع ملف الاستحقاق الرئاسي في سلم الأولويات الداخلية بعد صدور الكثير من المواقف التي أوحت بأن الشغور حتمي، أشار أحد المتابعين الى أنه لا يصرف في الداخل اللبناني طالما لم يلق دعم ايران للتوافق على رئيس خصوصاً أن المجلس النيابي الحالي منقسم وما من طرف يمكنه ايصال أي شخصية الى كرسي بعبدا، كما أن دار الفتوى سيكون لها دور رئيس في هذا الشأن بعد لقاء نواب السنّة.

شارك المقال