أسبوع استحقاقات يبدأ بتفاؤل… لكن الرقاب تحت المقصلة

لبنان الكبير

الأسبوع الحالي مليء بالملفات الحيوية والاستحقاقات المهمة التي من المنتظر أن تتبلور اما سلباً أو ايجاباً، والمشترك بينها أن مصيرها غير محسوم وسيبقى معلقاً حتى اللحظات الأخيرة، ومنها: الملف الحكومي الذي يحيط به التفاؤل الحذر، وجلسة موازنة ٢٠٢٢ اليوم الموضوعة في دائرة التعطيل والتطيير وخطر الاقرار، وملف الترسيم الحدودي البحري الذي وصل الى الأمتار الأخيرة الا أن السنتيمترات المتبقية كفيلة بنسف كل تقدم.

استحقاقات وملفات مهمة تعطي بارقة أمل بالخروج من النفق المظلم الا أن الأوضاع الأمنية والقتل والسرقات التي تزداد بصورة كبيرة، تشكل هاجساً لدى اللبنانيين خصوصاً أصحاب المؤسسات التجارية منهم الذين يقفلون مؤسساتهم قبل الدوام المعتاد، ويتخذون تدابير حماية تفادياً للتعرض لأي سلب أو سرقة تحت التهديد بالسلاح، وما يقوله أحدهم يعبّر خير تعبير عن الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي يعيشها الجميع: “رقابنا تحت مقصلة سلطة لا ترحم ولا تشفع ولا ترأف ولا تهتم بإعدام شعب بأكمله. نشعر اليوم أكثر من أي وقت أننا في شريعة غاب”. الا أن مصدراً أمنياً أكد لـ”لبنان الكبير” أن القوى الأمنية تقوم بواجباتها كاملة على الرغم من الأوضاع المالية الصعبة التي يعاني منها العسكريون والأمنيون كما غالبية الناس، والتي من الطبيعي أن تنعكس زيادة في السرقات والنشل والفوضى، لكنها تبقى محصورة ضمن هذا الحد. اما على صعيد الخلايا الارهابية والعصابات المنظمة، فنحن لها بالمرصاد، وكل القوى الأمنية والعسكرية على أتم التنسيق في ما بينها لعدم السماح بأي خضة كبيرة .

والبداية مع الاستحقاق الحكومي الذي ينطبق عليه المثل القائل “ما تقول فول تيصير بالمكيول” بحيث أنه على الرغم من كل التفاؤل بولادة الحكومة التي يريدها الجميع تفادياً لأي انزلاقات دستورية، وانسجاماً مع الضغوط المحلية والدولية في هذا الاتجاه، الا أن مصدراً مطلعاً أشار في تصريح لموقع “لبنان الكبير” الى أن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الذي سيحضر جلسة الموازنة اليوم ربما سيلتقي الرئيس ميشال عون يوم غد الثلاثاء أو الأربعاء، لكن من المستبعد أن يتم التأليف خلال الأسبوع الحالي خصوصاً أن فريق رئيس الجمهورية سيبقى متمسكاً ببعض المطالب حتى اللحظات الأخيرة، ولا يزال يحاول انتزاع أكبر قدر ممكن من المكاسب من خلال هويةِ الوزراء الذين سيستبدلوا مع التأكيد أن التمسك بالحصص هذه المرة لن يؤدي الى تطيير التأليف لكنه سيؤخره بضعة أيام بحيث أن هناك ضغوطاً داخلية وخارجية نحو التشكيل. كما أن “حزب الله” الذي دخل على خط الوساطة بين الرئيسين عون وميقاتي يريد حكومة كاملة الصلاحيات.

وهنا لا بد من الاشارة الى أنه لن يحصل تعديل واسع في الحكومة الحالية كما يقال انما لا تزال النقاشات عالقة حول وزير أو اثنين وحول تسميتهما، ولا يزال طرح تغيير وزير المال ساري المفعول، وهذا لا خلاف حوله كونه من حصة الرئيس نبيه بري الذي سيسمّي وزيراً بديلاً وهو النائب السابق ياسين جابر. على أي حال، الايجابية لم تندثر على الرغم من الغموض والتكتم خلال اليومين الماضيين ما دفع البعض الى اعتبار أن نسبة التفاؤل قد انخفضت خصوصاً بعد تسريبات من هنا وأخرى من هناك، الا أن الزيارة القريبة الى بعبدا ستكشف كل الأمور، وسنرى ان كان سيتصاعد الدخان الأبيض أو الأسود من القصر الجمهوري.

وبالانتقال الى جلسة اليوم التي دعا اليها الرئيس بري استكمالاً لجلسة الموازنة للعام ٢٠٢٢ التي تم تطييرها في السابق، فقد أكد أحد المحللين أن الجلسة قائمة وسيتأمن نصابها القانوني، ولن يتكرر سيناريو الجلسة السابقة، والمعطيات تشير إلى أنها ستقر خصوصاً بعد الاتصالات التي جرت بين قوى الموالاة على اعتبار أن السيء أفضل من الأسوأ، وعلى الرغم من الشوائب التي تعتريها فهي ضرورية.

ولفت المحلل الى أن نواب “اللقاء الديموقراطي” و”التنمية والتحرير” و”الوفاء للمقاومة” و”لبنان القوي”، وربما النواب السنة، سيصوّتون لصالح الموازنة لأنهم يعتبرون إقرارها أفضل من عدمه.

اما على مقلب المعارضة التي تعتبر أن أي عاقل لن يقبل بهكذا موازنة، فهي لا تزال على موقفها القائل ان الموازنة لا تحاكي واقع الانهيار وأوضاع الناس المعيشية حتى أنها لا تستجيب لمتطلبات صندوق النقد الدولي في موضوع الدولار الجمركي، وتخلو من أي تقديمات اجتماعية ومعيشية، ومن دون أن تأخذ في الاعتبار انعكاساتها وتداعياتها على الشعب في ظل انهيار الليرة بصورة سريعة. ويبقى السؤال: هل ستصوّت الكتل المعارضة لصالح الموازنة على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات خصوصاً أنه لم يبق سوى شهرين من العام ٢٠٢٢ قبل الانطلاق بدراسة موازنة ٢٠٢٣؟

من ناحية أخرى، وعلى صعيد ملف الترسيم البحري، فإن لبنان لا يزال ينتظر أن يتسلم التقرير الخطي للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين خلال الأيام المقبلة خصوصاً أن الادارة الأميركية تضغط لحسم الملف، وانجاز الاتفاق قبل منتصف تشرين الأول المقبل. وهناك بعض النقاط التفصيلية التي تتطلب المزيد من النقاش ولاسيما أن العدو الاسرائيلي يتذرع بمطلبه حول ما سمي بالضمانات لحماية المنتجعات البحرية الاسرائيلية وضمان سلامتها والتي يمكن رؤيتها من الأراضي اللبنانية. وشدد الجانب اللبناني على أنه لن يتنازل عن شبر واحد من أراضيه وأن الجيش اللبناني هو الذي يحمي الحدود وليس أي طرف آخر .

وأشار أحد المطلعين الى أن ملف الترسيم مرتبط بتوازنات اقليمية ودولية وله ارتدادات عالمية خصوصاً وأن العالم أمام منعطف مصيري في الحرب بين روسيا وأميركا وأوكرانيا اضافة الى اعتبارات الاستقرار البعيدة المدى في المنطقة وجهوزية الأطراف المعنية به.

من جانبه، لفت أحد الخبراء الى وجوب أن يعلم الداخل اللبناني أن القضية ليست صراعاً بين لبنان والعدو الاسرائيلي وحسب، بل صراع بين لبنان ومشروع دولي يقوم على تصدير غاز منتدى الشرق الأوسط الى أوروبا. واليوم ، نقول انه لم يعد هناك وقت محدد لإنجاز ملف الترسيم، لكن لا مهلة طويلة أيضاً لأن حاجة أوروبا الملحة الى الغاز والرعاية الأميركية لهذا الأمر، تسرّعان من وتيرة التفاوض. موقف لبنان في السياسة قوي وأي نتيجة يأخذها ضمن الخط ٢٣ وحقل قانا كاملاً هي انتصار سياسي في ظل هذا الضغط الخارجي عليه اضافة الى الواقع الاقتصادي الداخلي الصعب. الأجواء لا تزال ايجابية لأن العدو الاسرائيلي أصبح مقتنعاً بأنه من دون ترسيم لا استخراج ولا تصدير، والتعطيل سيؤدي الى اشعال المنطقة، وهذا ما ترفضه أميركا وأوروبا في هذا الوقت الحساس.

الراعي: تعطيل الرئاسة لاسقاط الجمهورية واقصاء الدور المسيحي

رأس البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي قداس الأحد في الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، وقال في عظته: “صحيح أن التوافق الداخلي على رئيس فكرة حميدة، لكن الأولوية تبقى للآلية الديموقراطية واحترام المواعيد، إذ أن انتظار التوافق سيف ذو حدين، خصوصاً أن معالم هذا التوافق لم تلح بعد. إن انتخاب الرئيس شرط حيوي لتبقى الجمهورية ولا تنزلق في واقع التفتت الذي ألمَّ بدول محيطة. لا يوجد ألف طريق للخلاص الوطني والمحافظة على وحدة لبنان بل طريق واحد، هو انتخاب رئيس للجمهورية بالاقتراع لا بالاجتهاد، وبدون التفاف على هذا الاستحقاق المصيري. إن الدساتير وضعت لانتخاب رئيس للجمهورية، لا لإحداث شغور رئاسي. فهل الشغور صار عندنا استحقاقاً دستورياً، لا الانتخاب؟”.

وشدد على أن “لبنان يحتاج اليوم لكي ينهض حياً إلى حكومة جديدة تخرج عن معادلة الانقسام السياسي القديم بين 8 و14 آذار، وتمثل الحالة الشعبية التي برزت مع انتفاضة 17 تشرين، ومع التنوع البرلماني الذي أفرزته الانتخابات النيابية 15 أيار الماضي. إن الظروف تتطلب حكومة وطنية سيادية جامعة تحظى بصفة تمثيلية توفر لها القدرة على ضمان وحدة البلاد، والنهوض الإقتصادي، وإجراء الاصلاحات المطلوبة. فلا يمكن والحالة هذه أن تبقى الحكومة حكومة فئوية يقتصر التمثيل فيها على محور سياسي يتواصل مع محور إقليمي. ولا تستقيم الدولة مع بقاء حكومة مستقيلة، ولا مع حكومة مرممة، ولا مع شغور رئاسي، لأن ذلك جريمة سياسية وطنية وكيانية”، مؤكداً أن “أي سعي لتعطيل الإستحقاق الرئاسي إنما يهدف إلى إسقاط الجمهورية من جهة، ومن جهة أخرى إقصاء الدور المسيحي، والماروني تحديداً عن السلطة، فيما نحن آباء هذه الجمهورية ورواد الشراكة الوطنية. لذا، إذا كان طبيعياً من الناحية الدستورية أن تملأ حكومة مكتملة الصلاحيات الشغور الرئاسي، فليس طبيعياً على الإطلاق ألا يحصل الاستحقاق الرئاسي، وألا تنتقل السلطة من رئيس إلى رئيس. وليس طبيعياً كذلك أن يمنع كل مرة انتخاب رئيس لكي تنتقل صلاحياته كل مرة إلى مجلس الوزراء. فهل أصبح الاستحقاق الرئاسي لزوم ما لا يلزم؟ لا، بل هو واجب الوجوب لئلا ندخل في مغامرات صارت خلف الأبواب”.

شارك المقال