اللبنانيون بانتطار عجيبة… والحريرية عصية على أقلام الفتنة

لبنان الكبير

أقرت أو لم تقر الموازنة، رممت الحكومة الحالية أو لم تُرمم، وقع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل أو لم يُوقع، فهناك قناعة لدى اللبنانيين اليوم أنهم باتوا يحتاجون الى عجيبة لتنقذهم لأن الخلاص على يد المنظومة الحاكمة كمن يحاول احصاء السمك في البحر، الذي فضّل الشعب الجائع واليائس الارتماء في أحضانه على أن يتذوق طعم الذل اليومي.

وفيما البلد وأهله يبحثون عن حبل نجاة بأي ثمن، هناك أقلام صفر تتلهى بالاساءة وبث الفتن وضرب وحدة الصف الاسلامي لأن مشهد وحدة النواب السنّة تحت عباءة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، أصابها في الصميم، وأقلق راحتها من اجتماعين اعتبرت أن خلاصتهما تقديم النواب السنة كورقة ضغط سعودية الى الغرب وانهاء الحريرية السياسية بتعيين دريان وريثاً شرعياً، الا أن الجواب جاء سريعاً من دار الفتوى على لسان رئيس “المركز الاسلامي للدراسات والاعلام” القاضي الشيخ خلدون عريمط الذي قال في تصريح لموقع “لبنان الكبير”: “أولاً الحريرية السياسية باقية لأنها حريرية وطنية، حريرية البناء والاعمار، وهي التي أعادت لبنان إلى الخارطة الدولية، ولا يملأ فراغها إلا الحريرية، ولا يملأ فراغ الرئيس سعد الحريري، إلا سعد الحريري، وإن من يراهن على خلاف بين دار الفتوى والرئيس سعد الحريري، إنما يراهن على سراب، وهذه الأقلام الصفر والجرائد الصفر التي لا همَّ لها إلا الاساءة والفتن، وضرب وحدة الصف الاسلامي والوطني لن تحصد إلا السراب”.

وأكد عريمط أن “المملكة العربية السعودية، لم تتعود عبر تاريخها إلا لعب دور جامع في لبنان، وسياستها دائماً وحدة اللبنانيين والمسلمين، ومن يراهن على خلاف بين الحريرية والسعودية ودار الفتوى، انما يراهن على سراب الماء في الصحراء وهو ليس بماء”، مطمئناً الجميع الى أن “الحريرية السياسية الوطنية باقية، ودار الفتوى متكاملة ومتعاونة مع كل رؤساء الحكومات، وفي مقدمهم الرئيس سعد الحريري، ولا يمكن أن تلعب إلا دوراً جامعاً، على الصعيد الوطني والاسلامي”.

وبالعودة الى جلسة الأمس لدرس موازنة 2022 وسط دفع مُوال، لاسيما من عين التينة والسراي الحكومي، لاقرارها على الرغم من الانتقادات التي صُوّبت اليها حتى من أهل البيت، وبينما كانت التصريحات والمواقف والمزايدات تعلو من الجلسة، كانت أصوات العسكريين المتقاعدين ترتفع من محيط المجلس حيث حاولوا الدخول اليه بالقوة، وذلك بعدما تردد أن رواتبهم ستتضاعف مرة ونصف المرة فقط. وإثر دخول وفد منهم الى البرلمان حيث طرح مطالبه، خرج وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم الى حيث المتظاهرين، وأبلغهم أن “المطالبة بالحقوق تشمل العسكريين بفئاتهم كافة وعوائل الشهداء والعسكريين المتقاعدين بما فيها كل الأسلاك العسكرية”.

وفي قراءة للموازنة، أكد أحد الخبراء الاقتصاديين أنه اذا أقرت أو لم تقر فلا فرق لأنها موازنة تحمّل الناس أعباء ضريبية ورسوماً اضافية في حين لا سعي الى التفتيش عن الأموال المفقودة. انها موازنة وهمية، موازنة الواجب ورفع العتب وكأن أحدهم يقول ان لدينا سيارة لكنها معطلة ولا تسير. بدل أن تترافق الموازنة مع التفتيش عن الأموال المفقودة، تضمنت أعباء ضريبية جديدة لا يمكن أن يتحملها الناس الذين يفتشون عن طعام في النفايات. كان يجب منذ 3 سنوات رفع الدولار الجمركي بصورة تدريجية وليس زيادته 10 أضعاف من 1500 ليرة الى 15 ألفاً دفعة واحدة. ثم يتحدثون عن الضروريات والكماليات، لكن اليوم ليس هناك من تمييز بينهما بحيث كل شيء بات ضرورياً. منذ خمسين سنة كانت المواد الغذائية كالفول والحمص والعدس من الضروريات، لكن اليوم التكنولوجيات والالكترونيات أكثر من ضرورة. ثم كيف لا تكون قطع السيارات في خانة الضروريات؟ أليست السيارة هي التي ستنقل الضروريات، وفي حال تعطلت القطع يتعطل النقل؟ لا رؤية في هذه الموازنة ولا اعادة هيكلة للمصارف، ونتخبط منذ 3 سنوات بالأزمة المالية والاقتصادية، ولا زلنا نطرح الحلول الترقيعية حتى تعاميم البنك المركزي غير دستورية لأنها لا تكفل الملكية الفردية كاملة. أما بالنسبة الى صندوق النقد الدولي، فلا يحق له الحديث عن الاصلاحات أو يطالب لبنان بها اذ كان من المفروض أن يمنع لبنان والبنك المركزي من تثبيت النقد منذ سنة 1993 ويتدخل في موضوع الهدر والانفاق العام والمحاصصة. أين هي تقاريره في هذا الشأن؟ اليوم يعتبرون هذه المؤسسة الدولية المالية خشبة الخلاص للبنان في حين أنها تغاضت عن رؤية كل هذه الأخطاء وعن ذكرها في تقاريرها، والمطالبة بتصحيحها وتصحيح المسار النقدي والمالي والسياسي. وهنا نسأل: كيف يزيدون الرسوم على الاتصالات وتتم جبايتها؟ هذه مخالفة قانونية لأن الحكومة لا يحق لها أن تشرع في جباية الضرائب قبل أن تقدم موازنتها الى مجلس النواب ليقرها. حتى أنهم وضعوا ضريبة على المباني الشاغرة التي هي بلا مردود وعلى الأملاك غير المستعملة، وعلى النفايات في حين أن الدولة لا تجمع ولا تعالج ولا تفرز. في الخلاصة، يجب أن تتضمن الموازنات دوراً اجتماعياً وتربوياً وصحياً، ودوراً يحفز النمو الاقتصادي، وتأمين فرص العمل، وتكون هناك جدوى اقتصادية من الانفاق بمعنى أن يكون الانفاق على المشاريع التي تحفز على مزيد من الانتاج، وتخفض من الأكلاف غير المباشرة لكل قطاعات الانتاج، وتعالج موضوع المصارف.

وعلى صعيد تشكيل الحكومة، أكد مصدر مقرب من الرئيس المكلف نجيب ميقاتي أن اللقاء بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون سيحصل اليوم الثلاثاء الا اذا استجد أي طارئ.

وفي هذا الاطار، لا شيء محسوم حتى الساعة، اذ هناك معلومات تتحدث عن أن فريق العهد عاد الى محاولاته السابقة لتحسين مكاسبه في الحكومة الجديدة، وأنه جرى خلط أوراق عدد قليل من الوزراء الذين لم يكن يتم التداول بهم، بحيث جرى الحديث عن استبدال نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي برجل الأعمال وديع العبسي، وتغيير وزيرة الاصلاح والتنمية الإدارية نجلا رياشي الى جانب التعديلات التي باتت شبه محسومة وتطال وزير الاقتصاد أمين سلام الذي سيستبدل بوزير سني من عكار، ووزير شؤون المهجرين عصام شرف الدين الذي لم يتم حتى الآن التوافق على اسم بديل عنه، ووزير المال يوسف خليل الذي يرغب الرئيس نبيه بري في استبداله.

وشدد المصدر على أنه لا يمكن التكهن بأي شيء، وكل ما يقال في الاعلام يبقى في اطار التكهنات. فلننتظر الاجتماع بين الرئيسين الذي على أساسه ستتوضح الكثير من الأمور مع التأكيد أن لدى الجميع مصلحة في التشكيل، وعلى الرغم من كل العراقيل تقتضي المصلحة الوطنية العليا تأليف حكومة جديدة كاملة الصلاحيات، وهذا ما يمكن استنتاجه من تصريح الرئيس المكلف حين قال انه سينام في القصر الجمهوري الى حين تشكيل حكومة. تعودنا في تشكيل الحكومات والتفاوض، أن تبقى كل الطروحات قائمة حتى ربع الساعة الأخير، وبالتالي، كل ما يتم الحديث عنه اليوم لا يمكن تأكيده كما لا يمكن نفيه، والموضوع عند الرئيسين حصراً.

وعمن يقولون ان لا تشكيل خلال هذا الأسبوع، تمنى المصدر أن يحصل التأيف في أسرع وقت ممكن. اما بشأن الذين يقللون من أهمية تشكيل حكومة جديدة خصوصاً أن عمرها لن يطول في حال تم انتخاب رئيس للجمهورية كما ستكون صورة طبق الأصل عن الحكومة الحالية التي لم تقم بأي اصلاحات، وبالتالي لا يمكنها اليوم انتشال الزير من البير، فأكد المصدر أنه على الرغم من كل شيء، فإن تأليف الحكومة مهم جداً كي نتفادى اللغط والتحليلات الدستورية حول حكومة تصريف الأعمال في حال الشغور كما نعيد اعطاء الثقة لحكومة من خلال مجلس نواب جديد كي لا يقال ان المجلس الحالي لم يعط الحكومة الحالية الثقة. هذه النقاط الايجابية تريح البلد والصيغة السياسية في هذه المرحلة المفصلية والصعبة جداً. اذاً، من الأفضل أن تتشكل حكومة حازت على ثقة البرلمان المنتحب، وترضى عنها الأطياف السياسية.

وعلى جبهة الترسيم البحري الحدودي بين لبنان واسرائيل، فإن الجانب اللبناني لا يزال يعتمد سياسة الصمت الا أنه يتحدث عن ايجابية في هذا الملف، وينتظر مسودة اتفاق خطي من الجانب الاسرائيلي، اذ أكد نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب أن العرض الخطي الذي سيرسله الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين من المتوقع وصوله الى بعبدا قبل نهاية الاسبوع الحالي.

وفيما تتقاطع مواقف الجهات المعنية بملف الترسيم حول إمكان الوصول الى اتفاق في وقت قريب، اذ لفت المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر الى أن اتفاق الترسيم بات قريباً، فيما قدّر مسؤولون أمنيون إسرائيليون أنه سيتم التوصل إلى اتفاق حول ترسيم الحدود البحرية خلال الأسبوع أو الأسبوعين المقبلين، شدد أحد الخبراء والمستشارين في الشؤون النفطية على أن أهم نقطة في الترسيم هي أن تعترف اسرائيل بالخط 23 كخط نهائي لحدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين جنوب لبنان وشمال فلسطين بأسلوب واضح غير مبهم اضافة الى حق لبنان بالاستخراج والتنقيب في حقل قانا بصورة كاملة متكاملة بما فيه الجزء الموجود في شمال فلسطين اضافة الى ضرورة تحديد بداية الخط بحيث أن نقطة البداية يجب أن تنطلق من نقطة b1 البرية بين شمال فلسطين وجنوب لبنان بخط مستقيم غير متعرج الى الخط 23 بحراً. العدو يحاول الفصل بين المنطقة الاقتصادية الخالصة والحدود الدولية، وهذا أمر ملغوم لأن الانطلاق يجب أن يكون من أول نقطة في البر اللبناني وصولاً الى النقطة الأخيرة في البحر الذي يضم الحدود الاقليمية وامتدادها الى المنطقة الاقتصادية الخالصة. ولا يمكن التأكيد أن لبنان حصل على مئة في المئة من مطالبه طالما أننا لم نتسلم أي وثيقة خطية. المهم أن يكون هناك وضوح في الاتفاق الخطي من دون الابقاء على أي نقطة ملتبسة، كما لا بد من ضرورة التنبه الى المكامن النفطية المشتركة بين لبنان واسرائيل تحت البحر لأن منطقة الجنوب جيولوجياً وحسب المسوحات واعدة جداً أي بلوكات 8 و9 و10 كما منطقة شمال فلسطين التي حصلت فيها الاستكشافات. وحقل “كاريش” يبعد 4 كلم عن الخط 23. هذا ما يجب أن تلحظه وثيقة الاتفاق في حال تم التوصل اليه بحيث يسري تطبيق القانون الدولي على المكامن المشتركة، اذ أن كل طرف يأخد حصته من المكمن بحسب النسبة المئوية من وجوده في هذا الجانب أو ذاك، بمعنى أنه اذا تواجد 70 في المئة من المكمن في الجانب اللبناني فهذا يعني أن لبنان يأخذ ما نسبته 70 في المئة من انتاجه واسرائيل 30 في المئة، وذلك بغض النظر عن الجهة التي اكتشفته. وهنا نشير الى أن اسرائيل تفرض سياسة الأمر الواقع وكما تقوم بعملية القضم في البر كذلك تفعل في البحر. وفي حال تضمن الاتفاق تحديد نقطة البداية براً b1 والنهاية بحراً الخط 23، والاتفاق على المكامن المشتركة في البحر وتطبيق القانون الدولي عليها بحيث تتلاءم الحصة من المكمن مع نسبة تداخله الجغرافي لهذه الجهة أو تلك، يكون لبنان حقق شيئاً ايجابياً، وبدأنا برحلة الألف الميل في الطريق الصحيح، وانتهينا من المشكلات على الحدود، وغير ذلك نكون تنازلنا كثيراً خصوصاً أن التفاوض اليوم سياسي أكثر مما هو تقني.

أما من الناحية القانونية، فأشار أحد الخبراء الدستوريين الى أنه عملاً بأحكام المادة 52 من الدستور، من يتولى التفاوض في شأن ترسيم الحدود هو رئيس الجمهورية الذي يوقع على الاتفاق مع رئيس الحكومة ولا تصبح هذه الاتفاقية مبرمة الا بعد موافقة مجلس الوزراء، واضافة الى ذلك، كون هذه الاتفاقية لا يمكن فسخها سنة فسنة، يجب أن تنال موافقة مجلس النواب. وبالتالي، من يبرم الاتفاق بصورة نهائية مجلس النواب. وفي حال كان هناك رئيس دولة وحكومة تصريف أعمال، باستطاعة الحكومة أن تبرم هذه الاتفاقية كون القرار الأخير يعود الى مجلس النواب، لكن لا يمكن لحكومة تصريف أعمال أن توقع الاتفاقية عن رئيس الجمهورية. هذا يخرج عن سياق تصريف الأعمال وعن الصلاحيات التي تنتقل الى الحكومة نتيجة الفراغ الرئاسي.

شارك المقال