جلسة البرلمان اليوم: نصاب مؤمن… للفراغ

لبنان الكبير

بعد ست سنوات من العيش في أعماق جهنم في عهد جهنم، استبشر اللبنانيون خيراً بجلسة انتخاب رئيس الجمهورية اليوم على الرغم من أن هناك قناعة بأنها لن تؤدي الى انتخاب رئيس جديد لكنها تشكل بارقة أمل في انتهاء مرحلة كانت الأقسى والأصعب والأسوأ. اذاً، بدأ العد العكسي، وانطلقت الجلسة الأولى لانتخاب رئيس للجمهورية سيرث حملاً ثقيلً على أكتافه على أمل أن يكون على قدر الحمل والمسؤولية، وخشبة الخلاص للبلد الغارق.

واذا كانت الأنظار ستتجه اليوم الى ساحة النجمة حيث تكثفت الاتصالات بين القوى السياسية للتنسيق في الاستحقاق الرئاسي، الا أن العرقلة على صعيد التشكيل الحكومي، وعودة المطالب الباسيلية القديمة الجديدة، جعلت القصر الجمهوري والسراي الحكومي محط اهتمام الوسطاء والمعنيين بالتشكيل على أمل تذليل العقبات.

48 ساعة أعطاها رئيس مجلس النيابي نبيه بري للنواب لتحديد خياراتهم، كانت كفيلة باستنفار القوى السياسية والكتل النيابية كلها تهيّباً للحدث المنتظر، بحيث أن الاجتماعات استمرت حتى فجر اليوم لأن تحديد موعد الجلسة كان مباغتاً وليس كافياً للتشاور. وأشار مصدر سياسي متابع الى أن من واجبات رئيس المجلس أن يدعو الى جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية، لكن لا ندري ان كانت ستعقد خصوصاً أن القوى السياسية لم تحدد مواقفها. وربما كانت هناك اعتبارات لدى رئيس المجلس لتعيين الجلسة بعد ساعات من الاعلان عنها، اذ كان الأفضل أن يعينها بعد أسبوع ليفسح المجال للاتصالات بين الكتل. وهنا السؤال: اذا عقدت الجلسة واكتمل النصاب، هل ستستمر في الانعقاد أو سيطلب النواب تأجيلها لمزيد من المشاورات؟ سيناريو التأجيل وارد أكثر من غيره، وبالتالي، لا امكان لانتخاب رئيس للجمهورية في جلسة اليوم لأن ما من طرف يملك ثلثي الأصوات مع العلم أن مختلف الكتل النيابية ستشارك لأن المقاطعة تعني تعطيلاً لاكتمال النصاب، وما من جهة تتحمل مسؤولية التعطيل خصوصاً أن انتخاب رئيس جديد مطلب اللبنانيين منذ أكثر من 3 سنوات. النصاب سيؤمن، لكن السؤال المشروع: ما هو السيناريو المتوقع طالما أن لا توافق على اسم رئيس؟ هل يمكن أن تحصل مفاجأة ما أو يكون لدى أي طرف مخطط غير معلن؟ كل الأمور واردة، والجلسة مفتوحة على كل السيناريوهات على الرغم من أرجحية التأجيل وعدم انتخاب رئيس. المسألة ليست تقنية وحسب، انما سياسية وفيها توافقات من تحت الطاولة وفوقها، والانتخاب رهن بالتطورات والمحادثات، وما يمكن أن يتوصل اليه الأفرقاء قبل الدقائق القليلة من انطلاق الجلسة .

وفي انتظار انضاج الطبخة الرئاسية، اعتبر البعض الدعوة الى جلسة الانتخاب اليوم بمثابة رد على الدعوات التي يطلقها أكثر من طرف ومرجعية دينية في الداخل لتحديد موعدها، اضافة الى الضغط الخارجي خصوصاً أن البيان الثلاثي الأميركي – الفرنسي – السعودي شدد على ضرورة اجراء الاستحقاق في موعده، في حين رأى البعض الآخر أن الرئيس بري أراد ضرب عصفورين بحجر واحد، فكانت ضربة معلم من خلال وضع الجميع أمام مسؤولياتهم قبل موعد الأيام العشرة الأخيرة من انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون حين يصبح المجلس في حالة انعقاد دائم حكماً لانتخاب رئيس الجمهورية، كما أراد ارباك العهد وفريقه السياسي بعد الحديث عن انقلاب رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره النائب جبران باسيل على التفاهمات التي كانت قائمة قبل سفر الرئيس نجيب ميقاتي، بحيث يقطع الطريق على المطالب والشروط التي لا تنتهي للامساك بزمام السلطة في حال الشغور الرئاسي، ويشكل عنصر ضغط لاستعجال تشكيل الحكومة وتضييق هامش المناورة.

واذا كانت الجلسة تعطي أملاً باحتمال تفادي سيناريو الشغور بعد 31 تشرين الأول الذي يبدو مرجحاً حتى الساعة، فإن مختلف الكتل النيابية أكدت مشاركتها في جلسة اليوم على الرغم من اقتناعها بأنها لن تؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية بل هي بمثابة جس نبض، ويطغى عليها الطابع الاستكشافي بحيث ستحدد توجه الكتل، لكنها في الوقت نفسه، حفزت الجميع على تسريع وتيرة التشاور والانتقال من مرحلة المواصفات الى مرحلة الأسماء ومحاولة التوافق على اسم لايصاله الى كرسي بعبدا خصوصاً أن الضغوط الدولية تزداد كلما اقتربنا من الاستحقاق الرئاسي لاتمامه في موعده.

وعلى صعيد الاستحقاق الحكومي، يبدو أيضاً أن الاجواء ضبابية، وعلى الرغم من أن الاطراف المعنية بالتشكيل تصر على الايجابية في هذا الاستحقاق من دون أن تنكر عودة العراقيل القديمة – الجديدة، الا أن دخول المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم على خط المحاولات لتدوير الزوايا بين قصر بعبدا والسراي الحكومي لا يوحي بالأجواء التفاؤلية التي كانت سائدة قبل سفر الرئيس ميقاتي، اذ حينها كان هناك بعض التفاصيل الصغيرة التي يمكن تخطيها بسهولة ما أوحى بأن الحكومة باتت قاب قوسين من الولادة، لكن بعد عودة ميقاتي من السفر تبين أن “حليمة عادت لعادتها القديمة” بحيث أرسل باسيل لائحة بشروطه باعتبارها مطالب رئيس الجمهورية تتضمن تعيينات في الفئة الأولى، الا أن ميقاتي ردّ بأنه لن يؤلف حكومة بشروط أحد، ونصوص الدستور واضحة، وهكذا أرجئت الزيارة التي كانت متوقعة الى القصر الجمهوري في اليومين الماضيين.

وفي هذا الاطار، أكدت مصادر مواكبة للتأليف في تصريح لـ “لبنان الكبير” أن هذين اليومين حاسمان جداً بالنسبة الى الحكومة، وكيفية توجه الأمور، وأغلب الظن أن الرئيس المكلف سيزور رئيس الجمهورية بعد ظهر اليوم أو صباح غد الجمعة، وليس مستبعداً أن تولد الحكومة نهاية الأسبوع الحالي. المعطيات الأخيرة في النقاش تشير الى أن الاتفاق أصبح شبه منجز، والتبديل انحصر بـ 4 وزراء حتى اللحظة هم: وزير المهجّرين عصام شرف الدين الذي سيتم تبديله بوزير درزي آخر يسميه رئيس الجمهورية، وزير المال يوسف الخليل سيبدل بالنائب السابق ياسين جابر بمطلب من الرئيس بري، وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام الذي سيسمّي بديلاً عنه الرئيس عون، شخصية من عكار أو أن الرئيس ميقاتي يسمي الوزير السني على أن يترك الخيار لرئيس الجمهورية أن يسمّي وزيراً كاثوليكياً. مع التأكيد أن الكل يريد تشكيل الحكومة، وليس صحيحاً أن عملية التشكيل عادت الى المربع الأول لكنها في الوقت نفسه لم تصل الى صيغتها النهائية. اما الكلام عن مطالبة باسيل باضافة 6 وزراء الى الحكومة فغير صحيح لأن هذا الطرح أصبح خارج البحث، لكنه طالب بتعيينات في الفئة الأولى، وهذه المطالب غير مستجدة، ويعرفها الرئيس ميقاتي، لكنها تبقى في اطار المطالب وليس الشروط.

اما مصادر الرئيس المكلف فتقول ان هناك مطالب اضافية في موضوع تشكيل الحكومة. الانطباع في الاجتماع السادس مع رئيس الجمهورية كان يشي بأن العملية انحصرت ببضع نقاط كانت قابلة للحل، ولكن في الساعات الماضية استجدت أمور معينة أعادت خلط الأوراق في التشكيل. المرحلة مفصلية بحيث أن كل طرف يطلب الحد الأقصى. النائب باسيل يريد اما أن يكون في الحكومة أو يسمي أحداً من قبله. جلسة انتخاب رئيس الجمهورية ستحدد توجه “التيار الوطني الحر” وتعطي باسيل مؤشراً اما نحو التشكيل سريعاً كي لا يخسر كل شيء أو يبقى متمسكاً بمطالبه وخياراته التعطيلية. أصبح الاستحقاق الرئاسي الهاجس الأساس على مستوى التوازنات في موضوع تشكيل الحكومة. اليوم، الرئيس ميقاتي أمام واقع لا يمكّنه من الدخول في تشكيلة جديدة، والحصول على موافقة الكتل الكبيرة للحفاظ على التوازنات، وبالتالي، الحفاظ على هذه التوازنات في الحكومة الحالية أفضل من الدخول في متاهات التوازنات الجديدة. ولا بد من الاشارة الى أن الرئيس ميقاتي كان يحصر علاقته برئيس الجمهورية الذي لدى فريقه السياسي آراء أخرى بالنسبة الى التوازنات والمطالب. ونؤكد أن ميقاتي يفاوض على الثوابت، ولكن لا يتنازل الا ضمن قناعات محددة. هذه القناعات تدخل في عملية التوازنات، لذلك نراه ينسّق مع مختلف القوى الأساسية في البلد، وهو منفتح على تعديلات ضمن سقف معين. ولا يجوز أن نغفل التأثير الاقليمي والدولي في الاستحقاقات، ونسأل: هل هناك رغبة فعلية اقليمية دولية في التشكيل؟ اذا توافرت هذه الارادة فستفرض الحكومة فرضاً. وللتوضيح، الرئيس ميقاتي لم يقل قبل سفره انه يريد أن يزور القصر فور عودته انما قال عندما أزور القصر الجمهوري سأنام فيه الى حين التشكيل، والى الآن لم يتوجه الى بعبدا، وهو بانتظار أن تتبلور التعديلات الجديدة.

شارك المقال