الترسيم يربك لبنان دستورياً واسرائيل سياسياً… وباسيل يلهو بالتأليف

لبنان الكبير

الهدوء على الساحة السياسية أمس بعد عاصفة الترسيم البحري لم ينسحب على الواقع المعيشي، بحيث عاد مسلسل اقتحامات المصارف من المودعين لتحصيل ودائعهم، وارتفعت أسعار المحروقات من جديد، كما أن المؤشرات تدل على أننا أمام أزمة رغيف تلوح في الأفق، في حين انصرف رئيس مجلس النواب نبيه بري الى توقيع مشروع موازنة العام 2022 وأحاله على رئاسة مجلس الوزراء.

وفي وقت يتوقع تسليم الرد اللبناني الى الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في الساعات القليلة المقبلة، لا يزال التخبط سيد الساحة الاسرائيلية بحيث أن المواقف النارية بشأن الترسيم تعبّر عن حجم الخلاف بين الطرفين المتنافسين، في حين شددت السفيرة الأميركية دوروثي شيا على ضرورة انجاز الرد اللبناني في أسرع وقت خوفاً من “شيطان” تفصيل لبناني أو انتكاسة قد تطرأ من الجانب الاسرائيلي ما يعرّض العرض الأميركي للخطر.

واذا سلمنا جدلاً أن الأمور ستسير وفق التوقعات، الا أن آلية التعاطي القانونية مع الملف لا تزال ضبابية خصوصاً أن كل المسؤولين والمعنيين يؤكدون أن لبنان لا يعترف بالعدو الاسرائيلي، وبالتالي، لا يوقّع على معاهدة أو اتفاق معه، والوسيط الأميركي كان حريصاً من هذه الناحية بحيث هناك ترتيبات للتوقيع ما يعني أن الاتفاق على الترسيم الحدودي لا يسري عليه مفعول المادة 52 من الدستور التي تقول: “يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وابرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة ولا تصبح مبرمة الا بعد موافقة مجلس الوزراء، وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. أما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يمكن ابرامها الا بعد موافقة مجلس النواب”. أما لناحية العدو الاسرائيلي، فقد قررت المحكمة العليا، النظر في الاستئناف ضد الاتفاق المحتمل مع لبنان، ومنحت ممثل الادعاء، فرصة لتقديم رد الدولة بشأن اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان حتى موعد أقصاه يوم الخميس 27 تشرين الأول الجاري، في وقت أعلن رئيس الحكومة الاسرائيلية الأسبق بنيامين نتنياهو أن الحكومة اليمينية التي ينوي تشكيلها في حال عاد إلى السلطة، ستعمل على إلغاء أي اتفاق مع لبنان ولن تكون ملزمة به ما قد يهدد مصيره.

على أي حال، اذا وافقت اسرائيل على ملاحظات لبنان، وحصل التوقيع على الصيغة المتفق عليها، فكيف يقرأ الدستوريون ما يجري بين لبنان واسرائيل على الصعيد القانوني؟

رأى أحد القضاة أن كل ما حصل في ملف الترسيم منذ البداية الى اليوم مخالف للقانون ولأحكام الدستور. هذا لم يحصل سابقاً الا خلال اتفاق القاهرة حين تنازلنا عن سيادتنا وتركنا الاتفاق سرياً ولم نعرضه على مجلس النواب. هنا يحصل الشيء نفسه، لا نفهم لماذا هم خائفون من مصارحة الناس مع العلم أن المصارحة واجب. الآلية التي تتبعoriginal ، اليوم يحاولون التحايل، وابرام الاتفاق ملتوٍ. انه شبه اتفاق، لكنه ليس اتفاقاً بالمعنى القانوني على الرغم من أن البعض يريد التبرير ويقول “عنزة ولو طارت”. ما يجري اليوم على هذا الصعيد لا يمت لا الى القانون ولا الى أحكام الدستور بصلة.

أما أحد نقباء المحامين السابقين، فأوضح أن المعاهدة أو الاتفاقية لها قوة الزامية بين الدول بحسب موجبات كل طرف من أطراف المعاهدة. من الناحية القانونية وبحسب قواعد القانون الدولي، فإن المعاهدة أكثر قوة الزامية لالزام الأطراف بتنفيذ موجباتهم حسب المعاهدة أو الاتفاق لكن هناك الخصوصية اللبنانية بسبب وجود مقاطعة بين لبنان واسرائيل، يتم تجنب الذهاب نحو المعاهدة أو الاتفاقية. هناك أسئلة كثيرة تطرح: ما هي الوسائل القانونية التي تؤمن حسن تنفيذ هذا المسار بين دولتين غير صديقتين لا بل عدوتين؟ ما يطرح اليوم أن هذا الاتفاق يوقع من كل طرف لكن ليس على الأوراق نفسها، ما يعني أن الاتفاق يوقع عليه لبنان كما توقع عليه اسرائيل لكن في وثيقتين منفصلتين. وما يؤمن مسار التنفيذ هو ايداع الاتفاق بنسختيه اأامم المتحدة بحضور الوسيط، وبالتالي، يمكن أن تكون له قوة الالزام لكن ليس بقوة المعاهدة. وهنا نسأل: هل اتفاقية الهدنة التي حصلت بين لبنان واسرائيل وقعت على ورقتين بحيث أن كل ورقة تحمل توقيع دولة أو حملت توقيعي الدولتين على الورقة نفسها؟ اذا وقعت اتفاقية الهدنة من الطرفين على الورقة نفسها، فلا مبرر لأن يوقع كل طرف على ورقة اليوم. السؤال الأصعب: هل تحتاج هذه الوسيلة الى مسار دستوري؟ وهل يجوز أن تبرم هذه الرسالة بهذه الطريقة من دون اجازة من المجلس النيابي؟ هنا المشكلة لأن قوتها الالزامية في الاجازة من المجلس النيابي، اذ أن كل اتفاقية فيها مسائل مالية تحتاج الى اجازة من البرلمان حتى لو كان لبنان يرسلها على شكل رسالة أو موافقة وليس على شكل اتفاقية أو معاهدة وحتى لو كان لبنان يوقع عليها بصورة افرادية، لأن ما هو قائم اليوم توافق ضخم جداً ويتعلق بثروات هائلة، مع التأكيد هنا أن رئيس الجمهورية هو الذي سيوقع. وفي حال سارت الأمور كما يقولون أي بدون مرورها واجازتها من المجلس النيابي، يكون التوافق لا يرتقي الى مفهوم الاتفاقية أو المعاهدة ولا الى مفهوم القوة الالزامية. يجب اتخاذ الخطوات بهدوء وليس بتسرع. ما يجري اليوم كأنه عقد بيع أو رسالة يمكن التراجع عنها اذ أن قوتها الدستورية تكون ضعيفة، في حين أن المعاهدة لا يمكن الرجوع عنها الا من خلال البرلمان اللبناني والكنيست الاسرائيلي. ولا يكفي بالقانون أن تكون بعض الدول الكبرى ضامنة لهذا التوافق بحيث أنه لو أردنا النزاع القضائي مع اسرائيل، كيف سيحصل ذلك؟.

وعلى صعيد الترسيم الحكومي، فإن كل شياطين التفاصيل حاضرة وبقوة ومن الممكن أن تنسف التأليف من أساسه، اذ أنه بغض النظر عن الهبات الباردة والساخنة على هذا الصعيد، يمكن القول ان ظروف التأليف لم تنضج بعد وان الحكومة لا تزال عالقة في عنق زجاجة العراقيل الباسيلية. وتشدد مصادر الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي على ضرورة التشكيل الذي سيتم لا محالة حتى لو في ربع الساعة الأخير من ولاية العهد الحالي لأن “حزب الله” يتخوف كما كل الجهات السياسية من التفسيرات والاجتهادات الدستورية التي ستؤدي الى انزلاق البلاد نحو مشكلات بغنى عنها حالياً خصوصاً أن الناس تمر بضائقة صعبة وليس مستبعداً استغلالها وجرها الى أحداث أمنية لا أحد يعرف أين تنتهي وكيف تنتهي.

وبعد أن تخطى النقاش حول الحكومة مرحلة مهمة، وانحصر بين وزير أو اثنين، وكاد أن يصل الى مرحلة التشكيل، أعيد خلط الأوراق من جديد لأن النائب جبران باسيل عاد الى نغمة المحاصصة، والحفاظ على ثقله السياسي بعد ولاية رئيس الجمهورية، وهو يطالب اليوم بتبديل 6 وزراء يكونون من حصته ويخضعون لتعليماته بصورة مباشرة، الا أن مصادر أكدت لموقع “لبنان الكبير” أن “حزب الله” تمكن من اقناع باسيل بالتنازل عن بعض المطالب، وكل يوم يمر ينخفض سقف العراقيل لكن في الوقت نفسه لا يمكن القول ان مسار التشكيل معبد، وان الحكومة على وشك الولادة.

وفيما استبعد مرجع سياسي مطلع على أجواء النقاش أن تتشكل حكومة جديدة خلال ولاية العهد الحالي، مؤكداً أن الأجواء ملبدة بالسوداوية في هذا السياق، جزم مصدر مطلع على التشكيل بأن هناك حكومة جديدة كاملة الصلاحيات لتفادي الالتباس الدستوري الذي سيؤدي الى الفوضى والأزمة والفتنة، ولا مخرج أمام الجميع سوى بالتشكيل. هذا هو الجو العام بأن الحكومة ستلد لكن الولادة عسيرة.

وشددت أوساط الرئيس ميقاتي على الاستمرار في المساعي للتشكيل حتى الرمق الأخير واللحظات الأخيرة لأن الرئيس المكلف مقتنع، كما غالبية القوى السياسية بضرورة التشكيل الا أن هناك أطرافاً لا تزال تعرقل، وتعمل وفق أجندتها الخاصة وليس لمصلحة البلد، وعلى الرغم من أننا نحترم الالتزام بعدم الدخول في التفاصيل والعراقيل، الا أن ما قاله الرئيس ميقاتي أمس يعبّر خير تعبير عن الواقع، اذ أكد “أننا ماضون في عملية تشكيل الحكومة الجديدة على الرغم من العراقيل الكثيرة التي توضع في طريقنا والشروط والايحاءات التي تهدف الى خلق أمر واقع في أخطر مرحلة من تاريخنا”.

وتحدثت المعلومات عن أن “حزب الله” سيرسل في الساعات المقبلة موفداً منه الى الرئيس ميقاتي في اطار مهمة تتصل بمحاولة تذليل العراقيل التي لا تزال كامنة في درب ولادة الحكومة.

شارك المقال