فوضى وإنتظارات من صوب ايران والعراق على درب الرئاسة

لبنان الكبير

بالتزامن مع الأجواء الملبدة والضبابية في الاستحقاقات الدستورية، والتقاعس في الاصلاحات الحياتية، شددت مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان في بيان بمناسبة انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، على أهمية انتخاب رئيس جديد يخدم المصلحة العامة من خلال البدء الفوري بتمهيد الطريق لتطبيق إصلاحات شاملة، لكن عبثاً تحاول الجهات الدولية، والفاعليات الروحية مع المسؤولين في لبنان لأنهم يدرون تماماً ماذا يريدون وماذا يفعلون. يريدون تفتيت البلد واذلال أهله أمام المستشفيات والأفران ومحطات الوقود وعلى أبواب المصارف التي تحولت الى ساحة صراع مع المودعين، تارة باحتجاز رهائن تحت قوة السلاح، وتارة بالتهديد بالقتل واضرام النيران، وتارة بإطلاق الرصاص الحي داخل الفروع حتى أن هذا المشهد ارتقى بالأمس من المستوى الشعبي الى المستوى السياسي والنيابي لكن على طريقة الاقتحام “الرسمي السلمي”.

إذاً، أجواء الاستحقاق الحكومي لا تبشر بولادة قريبة انما ستكون في ربع الساعة الأخير، وتشير مصادر مطلعة الى ضرورة حسم الملف قبل منتصف الشهر الحالي لافساح المجال أمام الحكومة الجديدة، وضع بيانها الوزاري الذي ستنال الثقة على أساسه. كذلك الاستحقاق الرئاسي، اذ بات من المؤكد أن الطريق غير سالكة باتجاه بعبدا لا بل فيها الكثير من المطبات والعراقيل والحواجز التي تحول دون وصول الرئيس المقبل الى القصر الجمهوري الذي يستعد للأسبوعين الأخيرين من ولاية الرئيس عون بحيث وضع جدول أعمال يتضمن لقاءات رسمية وشعبية، وتجري ترتيبات خروجه من القصر الى الرابية، وأعرب أحد السياسيين عن قلقه من هذه اللحظة لأنه مع العهد الحالي يمكن أن نتوقع كل شيء. العهد الذي أوصل شعبه الى هذا المستوى من المعيشة يمكن أن نتوقع منه أي خطوة تأخذنا الى المجهول. الخطر الأمني أو البلبلة الأمنية وخطر الاغتيالات وأحداث تشبه أحداث عين الرمانة أو 7 أيار تبقى من الهواجس طالما أن هناك طرفاً يملك السلاح، ويستقوي به على الآخرين. يجب أن ننتبه الى خطورة المرحلة من انقلاب فعلي على أرض الواقع، ما يدفع في اتجاه أكثر من سيناريو.

في حين اعتبر مرجع سياسي آخر أن من يقصد إحداث الفوضى عليه أن يتحمل مسؤولية أفعاله، لكن هناك ثقة عمياء بالجيش اللبناني والقوى الأمنية القادرة على حسم أي تطور أمني، ولا نتخوف من تزامن مغادرة الرئيس عون القصر الجمهوري مع أي فوضى أو اشكالات بين المناصرين من جهة والمحتفين بخروجه من جهة أخرى، وكل ما نسمعه في هذا السياق، يأتي في اطار التهويل و”الطبل والزمر” كي يخرج بـ “رهجة”، لكن “الرهجة” الحقيقية في هذا اليوم أنه سيترك القصر الجمهوري .

وفيما تحدثت المعلومات عن أن رئيس مجلس النواب نبيه بري سيدعو الى عقد جلسة تشريعية في 13 تشرين الأول الحالي لمتابعة مناقشة بعض القوانين، ويرجح أن يدعو الى عقد جلسة ثانية لانتخاب رئيس الجمهورية في 14 منه، تتكثف اللقاءات بين قوى المعارضة للتنسيق في ما بينها، ومحاولة تقريب وجهات النظر، والنقاش في الجلسة النيابية المقبلة على أمل رفع رقم المصوتين للنائب ميشال معوض بعد أن أعلن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أن معوض هو المرشح النهائي للمعارضة، وتأكيد رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط أن معوض ليس مرشح مواجهة بل مرشح الطائف.

وفي هذا الاطار، سيزور معراب اليوم تكتل “الاعتدال الوطني”، الذي أكدت مصادره أن أي مرشح مواجهة يعني اطالة أمد الشغور الرئاسي، ويجب إيصال رئيس يحظى بموافقة غالبية القوى السياسية لأن هذا هو الواقع اللبناني شرط أن يتمتع بصفات ومزايا لا تنازل عنها، في حين أن “القوات” تريد رئيساً يواجه، ويغير في المشهد السياسي المتبع منذ 6 سنوات الى اليوم مع العلم أن الطرفين يلتقيان ويتفقان على الخطوط الوطنية العريضة والنظرة الى البلد. أما النواب التغييريون الذين رفضوا التعليق على الحركة المكوكية لقوى المعارضة، فيريدون الاجتماع في ما بينهم قبل اتخاذ أي موقف، لكن وفق أحدهم، فإن عملية اقناعهم بالسير بالنائب معوض صعبة، ويتمسكون بمبادرتهم التي على أساسها سيسمون الرئيس المقبل، وهم يؤكدون أنهم خارج اصطفاف المعارضة والموالاة، ويريدون رئيساً يجمع ولا يفرق.

ولفت أحد نواب “الاعتدال” الى أن التكتل لديه قناعة بأن مرشح مواجهة لن يتمكن من الوصول الى بعبدا، لذلك نريد مرشحاً يحظى بشبه اجماع من مختلف القوى السياسية. رئيس المواجهة اليوم يعني أننا ذاهبون الى شغور والى مرحلة تعطيل، وهذا لا يخدم البلد. الاختلاف بيننا وبين “القوات” يكمن في أنها ترى وجوب أن تسلك طريق المواجهة، فيما نحن نعتبر أن المواجهة تأخذ البلد الى الشغور في موقع الرئاسة الأولى. أما أحد نواب “الجمهورية القوية” فأشار الى أهمية اللقاءات التي تحصل، اذ سنستمع الى بعضنا البعض، ونطرح وجهات النظر، ونرى من هو الأقرب الى تحقيق الأفضل. نحن متفقون على الهدف وعلى نظرتنا للبلد وعلى تحرير لبنان من قبضة محور الممانعة واعادته الى علاقته الجيدة مع الدول العربية، ويتم البحث في كيفية الوصول الى تحقيق هذه الأهداف خصوصاً أن منظومة الممانعة تصادر الاستحقاقات الدستورية، وتدرك التكتلات في المعارضة خطورة هذا الأمر.

وفي قراءة لما يحصل على جبهة المعارضة، رأى أحد المحللين السياسيين أن النقاش والتواصل بين قوى المعارضة ليس حركة بلا بركة بل كل الكتل السيادية تعرف الى أين هي ذاهبة ومتجهة. الجو على المستوى الاقليمي والدولي لا يميل الى دفة “حزب الله”، لذلك اختار الأوراق البيض، ولم يصوّت لأحد من مرشحيه في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية لا للنائب جبران باسيل ولا للنائب السابق سليمان فرنجي ، وأغلب الظن أن الحزب اليوم ينتظر بلورة ما سوف تؤول اليه الأوضاع اقليمياً ودولياً. ما يحصل في ايران ليس تفصيلاً بسيطاً، كما أن ما يحصل في العراق ليس تفصيلاً، وموضوع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، ودخول الحزب على الخط بصورة مباشرة ليس تفصيلاً. من هنا يجب أن ننطلق في قراءة الاستحقاق الرئاسي. اذاً، الاجتماعات متواصلة وجدية، وتتكثف بين قوى المعارضة بحيث أن بعض اللقاءات علنية والبعض الآخر يجري بعيداً عن الاعلام والأضواء، والسعي دؤوب للوصول الى قرار اجماعي، لكن حتى اللحظة المرشح الجدي هو النائب ميشال معوض بعكس كل ما يقال. السعي اليوم للوصول الى أكبر عدد من النواب للتصويت لصالح معوض، وهناك نتائج ايجابية، واجتماع اليوم لن يكون يتيماً بل ستتبعه لقاءات أخرى. وهنا نسأل: من صوّت لسليم إدّه الذي هو شخصية محترمة، أليس ابن سياسي، ووالده كان وزيراً لسنوات طويلة، فلماذا يريدون نسب التهمة الى معوض أنه من المنظومة؟ هل يريدون اختيار شخصية من خارج الكوكب؟ مقاربة التغييريين في هذا الشأن فشلت، وأظهرت ارتباط بعض النواب بأطراف معينة، والبعض منهم يدور في فلك مجموعة سياسية. على التغييريين اليوم أن يخرجوا من فكرة “الريموت كونترول”، لأنه لا يمكن انتخاب رئيس للجمهورية لا لون ولا طعم له لأننا نعود الى التجربة التي عشناها على مدى 6 سنوات، ويأخذنا الى جهنم آخر، والشعب ليس مستعداً لهذا الخيار. وهنا نسأل التغييريين: هل تريدون الانخراط في لعبة السلطة أو التغيير؟ الشعب انتخبكم بهدف التغيير الفعلي لمسار الادارة الحالية، واذا لم تعملوا للتغيير، تكونون قد غدرتم بالصوت الذي أوصلكم الى الندوة البرلمانية. التغييريون لم يغردوا يوماً داخل سرب المعارضة، وطريقة ترشيحهم ووصولهم ومقاربتهم للكثير من الملفات تؤكد اأ هؤلاء يغردون خارج سرب المصلحة الوطنية والا فعليهم الاجتماع والتناغم مع قوى المعارضة الأخرى. قسم كبير منهم يدفع دينه لمن سلفه بعض الأصوات في معاركه الانتخابية. اليوم المسؤولية تقع على من صوّتوا بأوراق بيض، والمطلوب من “حزب الله” الافراج عن الاستحقاق الرئاسي. نحن بحاجة الى رئيس يكون لكل لبنان ولكل اللبنانيين، ويغلّب نصوص الدستور خلال توليه سدة الرئاسة. وهنا لا بد من الاشارة الى أن هناك احتمال عدم عقد الجلسة المقبلة وربما الرئيس نبيه بري لن يدعو الى جلسة في حال لمس فريق الممانعة أن الأمور يمكن أن تتفلت باتجاه لا يناسب مصلحته اضافة الى التطورات الاقليمية الكبيرة التي تنعكس على الداخل اللبناني.

شارك المقال