ترسيم بحري… فـ”تقريش” سياسي

لبنان الكبير

في ظل الحركة بلا بركة على صعيد الترسيم الرئاسي، واللاحركة واللابركة على صعيد الترسيم الحكومي، تصدر الترسيم البحري الحدودي أمس الأحداث السياسية، اذ أن حركة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين أثمرت بركة الاتفاق بين لبنان واسرائيل باعتراف الجانبين الا اذا طرأ ما ليس في الحسبان.

وفي حال سارت الأمور كما هو مخطط لها، فإن المعلومات تشير الى أن التوقيع سيكون في أقصى حد بعد 3 أسابيع، ما يعني أن لبنان سينطلق في رحلة الاستكشاف والاستخراج التي تستمر سنوات لكنها تنعكس ايجاباً على وضعه المالي والاقتصادي انما الأهم من كل ذلك، أن الترسيم يكون قد فتح نافذة على الاستقرار الطويل الأمد ما يضع علامات استفهام حول الجدوى من استمرار سلاح “حزب الله” الذي سيكون مادة نقاش جدية بين اللبنانيين في المرحلة المقبلة في ظل التسويات الكبرى التي تحصل على صعيد المنطقة.

وفيما انطلق الحديث سريعاً عن “التلوين” و”التقريش السياسي” للترسيم البحري، تخوف محللون من السرية التي ترافق الملف وعدم اطلاع ممثلي الأمة عليه، واعتبر خبراء أنه اتفاق تقاسم الثروات والمصالح بين المسؤولين، وانتصار لهم على حساب الشعب اللبناني الذي سيكون آخر المستفيدين، وأن من أهدر مليارات الدولارات لن يصعب عليه هدر الثروات الطبيعية.

على أي حال، بعد الكثير من الأخذ والرد، والنقاشات المكوكية والمفاوضات الشاقة غير المباشرة بين لبنان واسرائيل، تمكن هوكشتاين من تخطي العراقيل، ونجح في تقريب وجهات النظر بين الطرفين وصولاً الى صيغة نهائية في ملف الترسيم البحري، بحيث أشارت بعض المصادر الى أن الجانبين يستعدان لتوقيع الاتفاق في منطقة رأس الناقورة قبل 20 الجاري.

وبعد ساعات على تسلُّم لبنان المسوّدة النهائية لاتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، سلم نائب رئيس مجلس النواب النائب الياس بو صعب، رئيس الجمهورية ميشال عون النسخة الرسمية النهائية المعدلة للاقتراح الذي كان تقدم به الوسيط الأميركي، مؤكداً أنها تفي بجميع متطلبات لبنان، ويمكن أن تؤدي قريباً إلى “اتفاق تاريخي”. ثم توجه الى السراي الحكومي قبل أن ينتقل الى عين التينة ليسلم الرئاستين الثانية والثالثة نسخة الترسيم التي على ما يبدو أن مختلف الجهات وافقت على بنودها بحيث أن رئاسة الجمهورية اعتبرت أن الصيغة النهائية لهذا العرض، مرضية للبنان لا سيما وأنها تلبي المطالب اللبنانية التي كانت محور نقاش طويل خلال الأشهر الماضية، كما أن الرئيس عون لفت الى أن المشاورات ستجري مع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي لاتخاذ موقف نهائي بشأن صيغة الاتفاق.

اتصال بايدن بعون

وتلقى رئيس الجمهورية اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأميركي جو بايدن هنأه خلاله على الاتفاقية التاريخية بشأن إنشاء حدود بحرية دائمة بين لبنان وإسرائيل.

وأعرب بايدن بحسب بيان وزارة الخارجية الأميركية، عن تقديره للرؤساء عون وبري وميقاتي على “الروح التشاورية والانفتاح اللذين تحلوا بهما طوال فترة المفاوضات”. كما سلط الضوء على العمل الدؤوب الذي يقوم به النائب بو صعب للتواصل مع الفريق الأميركي لإبرام هذا الاتفاق، معرباً عن التزام “الولايات المتحدة المتواصل تجاه الشعب اللبناني ودعم استقرار لبنان وسيادته”. وأمل في “أن يشكل إعلان اليوم (امس) فصلاً جديداً للشعب اللبناني”، مشيراً إلى أن “الولايات المتحدة لا تزال مستعدة لتسهيل حل القضايا التي قد تنشأ بموجب الاتفاقية إذا طلب الطرفان ذلك”. وأعاد التأكيد أنه يأمل في “أن تجري الانتخابات الرئاسية في موعدها بما يتوافق مع الدستور اللبناني”.

وهنأت السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، الشعب اللبناني بإنجاز الترسيم البحري وكل من لعب دوراً بناء في المفاوضات، مؤكدة أن هذا الاتفاق “سيعزز الاستثمار الخارجي في لبنان وهذا أساسي إزاء الوضع المأساوي في البلد”.

زيارة ميقاتي بعبدا

والتقى عون مساء أمس، الرئيس ميقاتي ووزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بوحبيب. وشكر ميقاتي بعد اللقاء فريق العمل اللبناني الذي انكب على درس اتفاق الترسيم، والادارة الأميركية التي بذلت جهداً كبيراً للوصول اليه، والحكومة الفرنسية والرئيس الفرنسي بالذات لما قاموا به في الساعات الأخيرة، في ما يتعلق بشركة “توتال” وانجاح هذا الاتفاق.

وقال: “حالياً يجري فريق العمل قراءة أخيرة وهناك بعض التفاصيل الصغيرة التي تتعلق بالترجمة الى اللغة العربية، وفخامة الرئيس سيطل على اللبنانيين الليلة (امس) أو غداً (اليوم) على أبعد تقدير ليزف البشرى الى اللبنانيين ببدء مرحلة جديدة نأمل أن تحمل الخير للبنان، بعدما انتهينا من مرحلة كانت صعبة. ولا بد أيضاً من توجيه الشكر الى الجيش ومصلحة الهيدروغرافيا التي قامت بجهد كبير مع فريق العمل التقني اللبناني للوصول الى هذه النتيجة”.

وكان ميقاتي اجتمع مع وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، ووفد من شركة “توتال” الفرنسية، وطلب من ممثلي الشركة المباشرة بالاجراءات التنفيذية للتنقيب في المياه اللبنانية فوراً. كما أكد فياض أن “العمل سيكون جدياً، هذا ما وعدتنا به شركة توتال، وهذا أمر ايجابي جداً بالنسبة الى لبنان وسيسمح له أن يكون دولة على الخارطة النفطية لمنطقة البحر الأبيض المتوسط، لكن الأمور اللوجستية يلزمها وقت، ولكن ستبدأ الأعمال فوراً”.

نصرالله: ننتظر لحظة التوقيع في الناقورة

وفي وقت أشارت معلومات الى أن “حزب الله” وافق على بنود الاتفاق، أعلن الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله خلال المهرجان المركزيّ الذي أقامه الحزب بمناسبة المولد النبوي الشريف وأسبوع الوحدة الاسلامية، في باحة عاشوراء في الضاحية الجنوبية “أننا أمام ساعات حاسمة في ملف ترسيم الحدود البحرية، والمعني باعلان الموقف اللبناني هو فخامة الرئيس ميشال عون بعد التشاور مع رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، ونحن ننتظر إعلان الموقف الرسمي من فخامته. وننتظر الموقف الرسمي من حكومة العدو ولو أن رئيس الحكومة أعلن موافقته، تبقى موافقة الحكومة، وبالنسبة الينا نحن سننتظر اللحظة التي تذهب فيها الوفود إلى الناقورة للتوقيع وفق آلية معينة حينها يمكننا القول ان الاتفاق حصل”.

وقال: “بعد كل السلوك الذي مارسه حزب الله منذ بداية الترسيم حتى اليوم، تأتي بعض وسائل الاعلام لتقول بأنه يسعى الى تخريب الاتفاق. بالنسبة الينا كمقاومة ما يعنينا هو الموقف اللبناني ونحن إلى جانب الدولة، وما يهمنا هو ما يقوله المسؤولون اللبنانيون بأن هذا الاتفاق يلبي المطالب اللبنانية. في لبنان يخرج أناس يخوّنون ويتهمون ويهينون ويعترضون على الاتفاق وتضييع الثروات، أنا أنصحهم بانتظار الورقة النهائية وحينها يمكنهم الاعتراض ولكن بروح وطنية وموضوعية وليس بروح تصفية حسابات”.

أضاف: “البعض اتهمنا بتضييع الحقوق والتنازل عن خطوط ونحن ليس لنا أي علاقة بالترسيم، وإن سألتموني أين بحرنا أقول لكم إن بحرنا يمتد إلى غزة. أيضاً للفرحين بالاتفاق وهم الأعم الأغلب، عليكم الفرح بروح موضوعية ووطنية ولا أحد لوحده سبب للانجاز”.

اسرائيل: إنجاز تاريخي يعزز أمننا

اما على المقلب الاسرائيلي، فلفت رئيس الوزراء يائير لابيد الى أن الاتفاق مع لبنان “إنجاز تاريخي سيعزز أمن إسرائيل ويضخ المليارات في الاقتصاد الإسرائيلي ويضمن استقرار حدودنا الشمالية وسيتم عقد اجتماع للحكومة الأمنية المصغرة وللحكومة للموافقة على الاتفاق”. فيما قال وزير دفاع إسرائيل بيني غانتس: “لم نتنازل قيد أنملة في اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان. وسنعرض الاتفاق على الجمهور بشفافية”.

إذاً، وفق أجواء المسؤولين اللبنانيين والاسرائيليين، فإن الترسيم أصبح قاب قوسين من التوقيع، فيما لفتت معلومات الى أن واشنطن قدمت ضمانات الى شركة “توتال” لبدء التنقيب بالمنطقة الاقتصادية للبنان، كما أن العرض الأميركي سيسمح للبنان بتحويل خط العوامات البحرية إلى منطقة متحفظ عنها، ويحسم أمره عند ترسيم الحدود البرية لاحقاً، لكن لا شيء دقيق طالما لم يكشف عن بنود الاتفاق.

آراء وتحليلات

وفي السياق، اعتبر عدد من السياسيين أن استخراج الغاز سيفرض استقراراً أمنياً على المدى الطويل، بحيث أن الشركات التي تتكلف مبالغ باهظة للانتاج لن تقبل أن تكون عرضة لعدم استقرار أمني أو سياسي، وبمجرد التوقيع على الاتفاق، ستفتح نافذة الاستقرار في جنوب لبنان إن كان بحراً أو براً. الترسيم جيد للبنان اقتصادياً وسياسياً وأمنياً بحيث أن عنوان المرحلة المقبلة هو الاستقرار الأمني الذي سينعكس استقراراً سياسياً، ويترافق استخراج الغاز مع عملية اصلاح اقتصادي. وبالتالي، في المرحلة اللاحقة سيتم التعاطي مع سلاح “حزب الله” عبر الاستراتيجية الدفاعية. ويمكن القول اليوم ان لبنان على تقاطع طرق دولية، والمطلوب الانتقال الى مرحلة الاستقرار ومعالجة المشكلات الداخلية مع التشديد على ضرورة الاسراع في دراسة صندوق سيادي يضمن عائدات الغاز للأجيال المقبلة.

وفيما يجمع المطلعون على أن الترسيم مسألة أميركية وأوروبية ودولية، وهي أكبر من اسرائيل ومن لبنان، يرى أحد الخبراء العسكريين أننا خسرنا بهذا الترسيم جزءاً كبيراً من ثروتنا النفطية ومن حقوقنا بحيث أن الخط 29 هو حق لبنان، تخلينا عنه، وعدنا الى الخط 23 الذي تقاسمناه مع اسرائيل. مع التأكيد أن الحدود البرية لا تحتاج الى ترسيم جديد انما تتطلب تثبيتاً لترسيم سنة 1923 الذي تأكد سنة 1943 في اتفاقية الهدنة. هذه هي الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين المحتلة ولكن منذ سنة 1949 الى اليوم تعدت اسرائيل على مساحات شاسعة من الأراضي اللبنانية، وهنا لا نتحدث عن مزارع شبعا انما عن الحدود الدولية بين البلدين. وليس لدي أي ثقة بأننا سنتجه الى الحلحلة على الصعيد الاقتصادي لأنه حتى الآن لم نشهد انشاء هيئة ناظمة للنفط والغاز التي تتولى ادارة القطاع كي تعود ايراداته الى خزينة الدولة. نحن عرفنا أن أمراء الطوائف أسسوا شركات ستتولى التفاوض مع شركات الاستخراج والانتاج الأجنبية، وتبرم العقود معها ما يعني أن الدولة ستحصل على حصة قليلة من النفط، والشعب لن يستفيد من ثروته. انه انتصار للطبقة السياسية ولمصالحها مع أميركا وليس انتصاراً للشعب.

وفي قراءة لأحد المحللين، اعتبر ما يحصل في الترسيم البحري مجرد عملية تقنية بسيناريو مسرحي لتثبيت اتفاق تبادل المنافع الذي حصل منذ أيار الماضي، والواضح أن هذا السيناريو مرّ بمراحل شد حبال. كل ما يجري يخفي خلفه اتفاقاً لتبادل المنافع وتقسيم الثروات. ويوهم المسؤولون الناس بأنه لم يعد أمام لبنان أي خيار سوى النفط للانقاذ، لكن في الواقع، الترسيم بالتخريجة التي جرى فيها يعني انقاذاً للمنظومة ولديمومتها واستمراريتها. ويمكن اعتباره استمراراً للـ 1701 الذي يضمن عدم حصول توتر على الحدود الجنوبية، وفي الوقت نفسه عدم تغيير قواعد الاشتباك القائمة على الحدود، وهذا ما أرادوا تطبيقه على المياه الاقتصادية بمعنى أن يحصل منع اشتباك وتوتر بين الجانب الاسرائيلي ولبنان. ليس هناك من ترسيم حدود خصوصاً أن في صلب الوثيقة الكثير من الاحتيال في جوانب متعددة علماً أن لا جدل حول أن حق لبنان هو في الخط 29 +، واتفاقية الهدنة بين لبنان واسرائيل تلحظ الخط 29، واليوم تنازلنا عبر السلطة الى الخط 23 بخسارة 1476 كلم مربع، واستعيض عنه بما يسمى حقل قانا غير المعروف بعد على ماذا يحتوي لأنه قد يحتوي على ثروة والعكس صحيح أيضاً. وهنا لا بد من التأكيد أن ما حصل ليس ترسيماً بالمعنى الجغرافي لأنه لو كان ترسيماً لكنا لجأنا الى قانون البحار والى المنظمات الدولية التي تفصل بدقة الحدود، وتفصل بين المياه الاقتصادية الخالصة والمياه التي تعتبر فاصلة. ونتخوف في المرحلة اللاحقة من أن ينتقل سيناريو الترسيم البحري الى الحدود البرية أي تقاسم المصالح والمنافع في ظل أطماع العدو في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وجبل الشيخ لما تمثل هذه الأراضي من مناطق سياحية وثلجية وزراعية ومصادر للمياه. يمكن اعتبار ما جرى على صعيد الترسيم البحري خطوة نحو بداية تسوية قد تتضمن مشروع فك اشتباك مع العدو الاسرائيلي، لا يرتقي الى مرحلة السلم والتطبيع لكن يفك الاشتباك والتوتر مستقبلاً تمهيداً للتسوية على مستوى المنطقة لأن التعهد الاسرائيلي في المياه البحرية ولاحقاً على الحدود البرية، بأن لا يحصل الاعتداء من الطرفين، وكأننا دخلنا في تسوية أو شبه معاهدة منع توتر. والواضح حتى الآن أن السلطة لم تشأ أن يكون الترسيم في معاهدة، ولجأت الى صيغة الرسائل التي توضع لدى الأمم المتحدة. وبالتالي، مستقبل لبنان يرتكز على بنود الاتفاق من جهة وعلى وجهة الغاز في حال استخراجه بكميات وافرة، اذ ليس المهم اليوم الاستخراج انما كيفية تصديره عبر أي أنبوب أو عبر أي خطوط، وان كان لبنان سيبقى في تحالفه مع الغرب أو سيكون في الاتجاه الآخر. في كلتا الحالتين قد يستفيد لبنان من الايرادات التي ستتأتى عن هذا الاستخراج، وهذا البيع. ويبدو أن خلفية اتفاق تقاسم المنفعة، يعطي للشركات حق التصرف، ولبنان يأخذ حصته فقط، وهذا ظهر في البند المتعلق بحقل قانا، ما يؤشر الى أن التلزيم سيكون للشركات على أن تعمد الى بيع الغاز سواء عبر الخط مع العدو الاسرائيلي بحيث أن هذا السيناريو الأكثر واقعية أو سواء التوجه نحو المقلب الآخر، وهذا أمر صعب نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية. وفي حال تولت الشركات توزيع الحصص يعني أنها ستسرع في عملية التنقيب. وهنا لا بد من الاشارة الى أنه يحكى عن مبالغ خيالية الا أن الاستخراج والبيع لن يتعدى المليار ونصف المليار دولار سنوياً أي أنه يكون عاملاً مساعداً في تعديل حالة الانهيار القائمة ولكن لا يمكن انتقال لبنان الى مصافي الجنات في سنة واحدة. في هذا الوقت، نخشى أن يلاقي النفط وايراداته مصير الايرادات السابقة في ظل السلطة القائمة، اذ أن من هدر مليارات الدولارات في سنوات يمكنه هدر المليار ونصف المليار من دون الاستفادة منها .

أما من الناحية القانونية، فأوضح أحد الدستوريين أنه بغض النظر عما يصفه البعض مما يجري على صعيد الترسيم ان كان معاهدة أو اتفاقية أو محضراً أو كتاباً، فإنه يتضمن التزامات من الدولة اللبنانية وحقوقاً وواجبات متبادلة بينها وبين العدو الاسرائيلي. وبالتالي، بغض النظر عن الوصف والمعطى لهذا المستند أو هذه الوثيقة، يفترض أن يعرض على الحكومة من جهة وبعدها على مجلس النواب لابرامه أصولاً طالما أن الأمر يتعلق بالحدود البحرية العائدة للبنان، والمادة 2 من الدستور اللبناني تنص صراحة على أنه لا يجوز التخلي أو التنازل عن أي شبر من الحدود اللبنانية وحقوق الدولة اللبنانية ما يقتضي وجوب عرض هذه الوثيقة على مجلس النواب كي تناقش، ويتخذ القرار المناسب بشأنها. الاكتفاء بمحضر وكتب متبادلة لا يكون له القيمة القانونية نفسها والقوة الملزمة نفسها كما في المعاهدة أو الاتفاقية الموقعة أصولاً، وعدم عرضها على مجلس النواب يمكن أن يطرح أكثر من علامة استفهام. نحن لا نخوّن أحداً أو نتبنى نظرية التقصير من أي من الأطراف المعنية انما نقول لمزيد من الشفافية يقتضي عرض الوثيقة على البرلمان لاسيما وأنها تحتوي على التزامات وتحديد الحدود وضمانات معينة يفترض أن يكون ممثلو الشعب مطلعين وموافقين عليها. أما آلية التوقيع، فتعود الى اتفاق الفريقين مع الوسيط الأميركي، هل يتم عن طريق محضر يكون بنسختين يوقع كل فريق نسخة أو التوقيع على نسخة واحدة وترفع الى الأمم المتحدة؟ ذلك يقرره الفريق المفاوض بعهدة الوسيط. كلنا نتذكر أن اتفاقية الهدنة عام 1949 وقعها لبنان بواسطة ضابطين برتبة رائد وكانت ملزمة للبنان. ولا ندري من هو الفريق أو الطرف الذي سيوقع هذه الوثيقة اذ أنه حتى اريخ اليوم نحن غير مطلعين على بنودها، والمعلومات المسربة لا يمكن أن تشكل مستنداً للمناقشة، ولا يمكن الجواب على ما يتسرب في الاعلام. وفي المحصلة، ما يجري اليوم كان يفترض أن يجري منذ 10 أعوام، والعدو الاسرائيلي سبق لبنان بأشواط لناحية الاستخراج. لبنان والأجيال الصاعدة بحاجة الى هذا الغاز والثروة شرط أن يصار الى الحفاظ عليها وعدم التصرف بها أو اقتسامها أو تحاصصها. من هنا أهمية الصندوق السيادي وكيفية ادارة هذا القطاع.

الى ذلك، سلّم رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، رئيس الجمهورية والبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي نسخة من ورقة الأولويات الرئاسية التي كان حددها في مؤتمره الصحافي الأخير.

اما قضائياً، وعلى الرغم من غياب القاضي سهيل عبود، عقد مجلس القضاء الأعلى بناء على دعوة وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري، جلسة رأسها القاضي غسان عويدات، وانسحب منها مع الوصول الى البند المتعلق بتعيين قاض رديف في ملف انفجار المرفأ، ما أفقدها نصابها. وبالتزامن مع انعقاد الجلسة، نفذّ أهالي ضحايا تفجير المرفأ وبعض الناشطين، وقفة احتجاجية أمام قصر العدل للتعبير عن رفضهم لما يحصل من تلاعب في هذا الملف.

شارك المقال