عهد “مشغور” وصهر مشغول بتصريف الحكومة

لبنان الكبير

صحيح أنه لم يبق من الروزنامة الرئاسية سوى دزينة من الأيام، لكن الصحيح أيضاً أن هناك دزينات من التعطيل والعرقلة على مستوى الاستحقاقين الرئاسي والحكومي، بحيث أن رئيس الجمهورية ميشال عون سيغادر القصر الجمهوري من دون مراسم تسلم وتسليم لأن كل المعطيات تشير الى أن الشغور أصبح شبه حتمي، وجلسة انتخاب الرئيس يوم غد الخميس ستكون صورة مستنسخة عن الجلستين السابقتين لناحية نتيجتها المعروفة سلفاً: لا رئيس ولا جدية ولا مسؤولية ولا حتى انسانية تتشفع بالبلاد والعباد.

وسط العد العكسي لنهاية العهد العوني، عقدت أمس جلسة في مجلس النواب انتخب خلالها أمين سر وثلاثة مفوضين وأعضاء اللجان النيابية، تلتها جلسة تشريعية، أقرت قانون رفع السرية المصرفية بعد مناقشته بنداً بنداً بصورة موسعة وادخال تعديلات عليه. ومن المفترض أن تكون هذه الجلسة الأخيرة خارج الاطار الانتخابي يوم غد قبل أن يتحول المجلس النيابي الى هيئة انتخابية دائمة في مهلة الأيام العشرة الأخيرة من نهاية ولاية العهد.

وبما أن أركان السلطة يخططون لادخال البلد في شغور عميق، فهم يكررون محاولاتهم الفاشلة في اخراج الحكومة من عنق زجاجة الكيديات والمحاصصات والنكايات حتى قال أحدهم على سبيل المزاح: لو ولدت هذه الحكومة في ربع الساعة الأخير، فستلد مشوهة، قاصرة، غير قادرة ، عاجزة بسبب تناتشها وتجاذبها، والأفضل أن نعيش في ظل حكومة تصريف أعمال على أن نعيش في ظل حكومة تعاني من كل أنواع التشوهات الخلقية والاعاقة العقلية والبدنية، ولا تصرف سوى الخناق والكباش بين أعضائها.

إذاً، وقبل ساعات من طي صفحة الحكومة، شريط تذكاري للأشهر الفائتة يظهر أن التأليف سار على ايقاع الهبات الباردة والهبات الساخنة، وتأرجح بين الأجواء التفاؤلية والتشاؤمية، ومرّ بمطبات وعراقيل ومطالب وعقد كثيرة كادت أن تصل الى الحلحلة قبل سفر الرئيس نجيب ميقاتي الى بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية ووعده حينها بأنه سينام في القصر الجمهوري الى حين ولادة الحكومة، لكن سرعان ما عادت “حليمة الى عادتها القديمة” أي الى الدوامة عينها اذ أنه كلما تحلحلت من ناحية، تتعقد من ناحية أخرى حتى بات الجميع يقولون في التشكيل “اذا مش الاثنين الخميس”. وبالتالي، الآمال على يوم الخميس، وغداً الخميس الأخير قبل الدخول في الأيام العشرة الأخيرة من نهاية العهد الحالي، فهل يخبئ مفاجأة على هذا الصعيد خصوصاً بعد الحركة التي يقوم بها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في محاولة أخيرة لاصدار مراسيم التأليف قبل نهاية العهد؟

وفق مصادر مطلعة، فإن الحيوية عادت الى الملف الحكومي بناء على مساعٍ معينة لكن لا يمكن القول ان الأجواء ايجابية كما أنها ليست سلبية خصوصاً أن مسار التشكيل الطويل أعطانا درساً أنه لا يمكن القول “فول تيصير بالمكيول” اذ كلما تم العمل على سد ثغرة تفتح ثغرة أخرى، ولا يمكن أيضاً الحديث عن صيغة معينة لأن النقاش لا يزال قائماً حول العديد من الطروحات، لكن التبديل يتمحور حول 6 وزراء من بينهم وزراء الخارجية عبد الله بو حبيب والتنمية الادارية نجلاء الرياشي والاقتصاد أمين سلام والمال يوسف خليل والمهجرين عصام شرف الدين، مع التأكيد أنه كلما اتسعت رقعة التبديلات كلما أصبح تشكيل الحكومة أصعب لاسيما أن الوقت ضاغط جداً.

وفيما دخل ” حزب الله” على خط تدوير الزوايا، ومحاولة اقناع النائب جبران باسيل بعدم الاصرار على توزير حزبيين، اعتبر باسيل أنّه “إذا لم يُشكّل الرئيس ميقاتي حكومة جديدة قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، فسيكون عملاً مجنوناً.لا نحتاج بالإضافة إلى أزمتنا المالية والاقتصادية إلى أزمة سياسية تقسم الناس حول كيفية التعامل مع الحكومة. عدم التأليف سيؤدّي إلى فوضى دستورية، ولن نقبل أن تدير مثل هذه الحكومة البلاد، إنّها حكومة لم تفز بالثقة وتفتقد للشرعية الدستورية”.

وأوضحت مصادر الرئيس ميقاتي لموقع “لبنان الكبير” أن هناك محاولات جدية وأخيرة لتشكيل الحكومة، وبوتيرة أعلى من الأيام السابقة، لكن نتيجة التجارب والواقع السياسي، لا يمكن الحسم الا في اللحظات الأخيرة، ونأمل أن نصل الى نتيجة ايجابية. التقارب الذي يحصل في البلد على أكثر من صعيد، وزيارة النائب باسيل للرئيس نبيه بري في ظل رأي عام كبير يفضّل تشكيل حكومة للتخفيف من منسوب الاحتكاك، كلها عوامل قد تلعب دوراً في التأليف في اللحظات الأخيرة. ليس هناك من حلحلة نهائية للعقد انما محاولات جدية في هذا الاتجاه، واذا كان هناك من أجواء ايجابية فلا بد من أن تظهر خلال هذين اليومين. هناك رؤية للرئيس ميقاتي تحافظ على توازنات معينة لأخذ ثقة المجلس النيابي، لكن البعض أدخل شروطاً جديدة غير الأمور التي كانت تُبحث قبل سفره. ادخال خلطة أكبر على طاولة النقاش، أمر غير مضمون في الوصول الى نتيجة، ومن الأفضل أن تبقى الطروحات محددة بصيغ ممكن أن تصل الى نتيجة جيدة أكثر من الطروحات الموسعة والتعديلات الكبيرة التي تفتح الباب على تعديلات أخرى. الى اليوم، هناك محاولات جدية، لكن لا شيء محسوم وكلما زادت التعديلات كلما تعقدت الأمور في الوقت القصير المتبقي. اما أن تكون هناك صيغة قابلة لأن تبصر النور بأسرع وقت ممكن أو لا حكومة. الرئيس ميقاتي يحاول تشكيل الحكومة، لكن ليس وفق أي شروط انما وفق رؤيته للمرحلة المقبلة، ويسعى الى حكومة كاملة الصلاحية، لكن هذا الأمر ليس منوطاً به وحده، ولا تزال هناك بعض العقبات. وفي حال الشغور، وعدم التأليف، هناك دستور نحتكم اليه.

فيما اعتبر أحد الوزراء السابقين أن هناك محاولات حالية من جانب العهد لتشكيل الحكومة لأن لديه مصلحة بذلك بعدما تبين أن الوزراء المسيحيين الحاليين المحسوبين عليه، خرجوا من تحت عباءته وبالتالي، يحاول الحصول على حصص جديدة من خلال توزير أسماء يكونون تابعين له بصورة مباشرة. وبما أن الشغور الرئاسي بات شبه حتمي، فمن هذا المنطلق، عادوا الى البحث مجدداً في موضوع تشكيل الحكومة لأن لديهم مصلحة بذلك باستثناء الرئيس المكلف الذي من الأفضل له الاستمرار بالحكومة الحالية التي باتت بمعظم وزرائها محسوبة عليه. “التيار الوطني الحر” يطالب بالحصة المسيحية كاملة، لكن في ربع الساعة الأخير سيليّن موقفه للحصول على حصة مقبولة. وكلام باسيل أمس، يصب في خانة رفع سقف المطالب لتحسين حصته في مفاوضات التشكيل.

ورأى أحد المحللين أن الله وحده يعلم ماذا يجري في الكواليس السياسية، وما تحضره وتطبخه الطبقة السياسية للبلد المنهار والشعب الجائع، لكن كل ما يمكن قوله ان هناك أموراً غير طبيعية وغير مقبولة تجري على الساحة السياسية. على الرغم من الوساطة التي يقوم به اللواء عباس ابراهيم، فإن الوقائع تشير الى أننا تخطينا مرحلة التأليف، ومن خلال المسار الحكومي منذ أشهر الى اليوم يمكن أن نستنتج أن ما من طرف يريد حكومة جديدة. وبالتالي، الخلاف اليوم حول آلية عمل الحكومة في مرحلة الشغور مع العلم أن صلاحيات رئيس الجمهورية لا تنتقل الى رئيس الحكومة انما الى مجلس الوزراء مجتمعاً. أما لناحية فريق العهد، فليس هناك من رأي موحد ان كان في الاستحقاقات الدستورية أو في التفسيرات الدستورية والقانونية بحيث أن مجموعة المستشارين تختلف في آرائها وفي قراءاتها للمرحلة المقبلة، وان كان من الأفضل لـ “التيار الوطني الحر” أن تتشكل الحكومة أو لا تتشكل أو أن يحصل الشغور أو أن ينتخب رئيس جديد للجمهورية، وذلك بسبب التخبط الذي يعيشه التيار على مستوى التنظيم الداخلي. اليوم، كل الأطراف لديها مواقفها وتتسلح بنقاط قوة تمتلكها كما أن عقد التشكيل لا تقتصر على فريق واحد. فريق العهد مسلح بتوقيع رئيس الجمهورية فيما الرئيس المكلف مسلح بموقف الرئيس بري ودعمه، أما “حزب الله” الذي قيل انه دخل على خط الوساطة بقوة نحو تسهيل التشكيل، واقناع النائب باسيل بتدوير الزوايا والتنازل عن بعض المطالب، فإن النتائج لا توحي بذلك لا بل على العكس، كل ما يجري يدل على لامبالاته في التشكيل من عدمه. وهنا تطرح علامة استفهام حول هذه الوساطة ان كانت جدية أو تبقى في الاطار السياسي فقط، خصوصاً أن الحزب هو الطرف الوحيد الذي يتمتع بهامش حركة في الداخل وعلى الصعيد الاقليمي والدولي. وبالتالي، يمكن القول ان عقد التشكيل مزيج بين معطيات داخلية تتأثر بتطورات خارجية. انها لعبة توازن بين الداخل والخارج بحيث أن اللبنانيين لا يمكنهم التشكيل وحدهم كما أن الخارج غير قادر على العرقلة الى حد عدم التشكيل. أما بالنسبة الى مواقف باسيل في الشأن الحكومي أمس، فهنا نسأل: ماذا يمكن أن يفعل في الأول من تشرين الثاني؟ هو نائب مثل النواب الآخرين ولا يمكنه القيام بأي شيء خارج اطار الدستور، واذا كان يعول على الشارع، فيخطئ كثيراً في الحسابات لأنه بكل بساطة مقابل شارعه سيكون هناك شوارع. مواقف باسيل تأتي في اطار التهويل الذي لا يقدم ولا يؤخر، فهو يستخدم مثل هذه التعابير لزيادة حجمه، وخلق نوع من القلق ولكي يظهر في موقع القوة، لكن لا مفاعيل فعلية لها على أرض الواقع على الرغم من أن هناك خلافاً دستورياً حول حكومة تصريف الأعمال وصلاحياتها. لكن في ظل كل هذه المواقف التصعيدية، والمصالح والكيدية، من البديهي أن نسأل: أليس من المعيب أن يختلف المعنيون على الحصص والوزارات في ظل كل ما يجري في البلد؟ كيف سيتفقون على شخصية لانتخابها رئيساً للجمهورية؟ انها مهزلة، وكل ما يمكن قوله: يا عيب الشوم. في الخلاصة، ما يحصل في الاستحقاقات الدستورية خصوصاً في ملف التأليف هو استسلام مطلق استعداداً لمرحلة الشغور الرئاسي، وذلك مرده الى العجز فالمسؤولون فاشلون غير صالحين لادارة الدولة، وليسوا على قدر المرحلة وخطورتها ودقتها.

شارك المقال