باسيل يطعن بالدستور ويهدد اللبنانيين بـ”أبعد من الفوضى”

لبنان الكبير

غريب أمر المسؤولين في لبنان الذين أوصلوا البلد الى المراكز الأولى في الفقر والجوع والعجز والاحباط والتعاسة، ولا يزالون يتناتشون الحصص، ويتقاتلون على ما تبقى من الهيكل العظمي للمؤسسات، ولا يفكرون للحظة واحدة في التنحي أو أخذ العبر من حكام الدول الأوروبية التي يعتبرونها مثالاً يحتذى به. رئيسة وزراء بريطانيا ليز تراس قدمت استقالتها بالأمس بعد ستة أسابيع فقط من تعيينها تحت ضغط برنامجها الاقتصادي، وبررت الاستقالة بأنها لا تستطيع متابعة مهامها، لكن لو اطلعت على أداء السلطة في لبنان، لعدلت عن قرارها لأنه على الرغم من الانهيارات الحاصلة، فإن الحكام يثقون ثقة عمياء بأنفسهم وبقدرتهم على أنهم “قد الحمل وزيادة” في القضاء على آخر بصيص أمل وآخر نفس حياة.

وما يجري على صعيد الاستحقاقين الرئاسي والحكومي، يبرر هذه الثقة بالنفس، ويبرر أيضاً اللامسؤولية واللاأهلية اذ كما كان متوقعاً، فإن الجلسة الثالثة لانتخاب رئيس الجمهورية أمس لم تؤد الى أي نتيجة ولم تسجل أي مفاجأة، ومن المتوقع أن يتكرر هذا السيناريو خلال الأيام العشرة الأخيرة من ولاية العهد الحالي حين يتحول البرلمان الى هيئة ناخبة.

وافتتح رئيس مجلس النواب نبيه بري جلسة الانتخاب في حضور 119 نائباَ، وتليت أسماء النواب المتغيبين بعذر، وبوشر توزيع الأوراق والاقتراع. وبعد فرز الأصوات، نال النائب ميشال معوض 42 صوتاً، “لبنان الجديد” 17 صوتاً، 55 ورقة بيضاء، وصوت لميلاد أبو ملهب، ووجدت أربع أوراق ملغاة باسم “سيادي اصلاحي”، “لا أحد”، “ديكتاتور عادل” و”لأجل لبنان”. ثم بدأ عدد من النواب بالخروج من القاعة ليفقد النصاب، وطلب الرئيس بري تعداد الموجودين، فتبين فقدان النصاب، حينها دعا الى جلسة لانتخاب رئيس في الحادية عشرة من قبل ظهر يوم الاثنين المقبل في 24 الحالي، قبل أن يرفع الجلسة التي لم تسجل أي تغيير سوى في صفوف التغييريين الذين تراجعوا خطوة الى الوراء، ولم يسموا أحداً من الأسماء التي كانوا يتداولون بها، اذ عمدت غالبيتهم الى التصويت لـ “لبنان الجديد”.

وتعليقاً على الجلسة، اعتبر أحد الوزراء السابقين أنها تعبّر عن واقع خارطة المجلس النيابي الحالي التي لا تسمح لأي فريق وحده أن يأتي برئيس، من هنا المطلوب التوافق بين الأفرقاء على اسم معين. اذا سلمنا جدلاً أن ما من فريق وحده يمكنه ايصال رئيس الى القصر الجمهوري، وأن هناك ضرورة لانتخاب الرئي ، فهذا يعني أننا نسلم بضرورة التفاهم بين الكتل الكبرى على اسم مشترك. علينا أن نفهم أن البلد مركب بهذا الشكل، وهذه التركيبة تفرض رئيساً تتفق عليه القوى الكبرى في البرلمان، ومن دون ذلك لا رئيس، ما يعني الذهاب نحو المجهول والمزيد من التدهور على المستويات كافة. كما يمكن القول ان ما يسمى بالوحي الخارجي لم يصل بعد، وبالتالي، لم يتلق الأفرقاء الضغط الايجابي باتجاه انتخاب رئيس يتوافقون عليه. هذا الضغط موجود حالياً على مستوى التمني والنصائح التي لا تكفي لانتخاب رئيس للجمهورية.

أما أحد النواب السابقين، فأسف لما يحصل من تخبط وتأخير في انتخاب رئيس في ظل الانهيار الاقتصادي والاجتماعي وشبه انحلال للدولة، مؤكداً أن الكل محكومون بالاتفاق على رئيس، والاتفاق لا يعني التسوية لأن المرشح التسووي لا طعم ولا نكهة له ولا موقف ولا خبرة، اذ يأتي كي لا يفعل شيئاً، وليس هذا هو المطلوب، بل الاتفاق على شخصية يمكن أن تلعب الدور المحدد لها في الدستور الى أقصى الحدود الممكنة لاعادة بناء الدولة على أسس جديدة. وتمنى على رئيس المجلس أن يدعو النواب الى جلسات استشارية عامة تسبق العملية الانتخابية للمناقشة حتى الاتفاق، داعياً الى اعتماد نظام يشبه نظام انتخاب البطاركة أو المطارنة بحيث يقفل باب البرلمان على النواب، فلا يخرجون منه قبل انتخاب الرئيس، ويخرج الدخان الأبيض قبل نهاية الولاية الحالية.

وعلى الصعيد الحكومي، فإن كل الجهود المتعاظمة والضغوط لمحاولة اقناع النائب جبران باسيل بالنزول عن شجرة شروطه العالية، باءت بالفشل حتى اللحظة، وأكد مصدر معني بالتأليف لموقع “لبنان الكبير” أن لا خرق فعلياً وجدياً للمراوحة القائمة في الملف الحكومي على الرغم من المحاولات الحثيثة لحلحلة العقد. الرئيس نجيب ميقاتي الذي سيرأس وفد لبنان الى القمة العربية التي تعقد في الجزائر في 1 و2 تشرين الثاني المقبل، كان من البداية عازماً على التشكيل في أسرع وقت ممكن لكن التفاصيل والمطالب التي تضاف، تعرقل مسار التأليف. وبالتالي، لا يمكن أن نقول اليوم ان الأبواب أقفلت، ولكن هناك صعوبة كبرى في التشكيل وفق الشروط الموضوعة. على أي حال اذا صفت النوايا، وكان هناك تسهيل من الأفرقاء، فيمكن الافادة من النافذة الصغيرة المفتوحة في هذا السياق. واذا كان هناك من يحاول رمي الكرة في ملعب الرئيس ميقاتي من خلال هذه الحركة، فإن كل من تابع الملف منذ أشهر، يدرك تماماً أنه ساهم وبصورة كبيرة في تدوير الزوايا انما هناك ثوابت تتعلق بالتوازنات لا يمكن القفز فوقها، والا لن تحصل الحكومة على ثقة المجلس النيابي بالاضافة الى أن مروحة التعديلات الواسعة لا يمكن ضبطها، وتعقد التشكيل الذي يبدو صعباً حتى هذه اللحظة، وبالتالي، التعديلات المتوسطة أو الضئيلة مع الحكومة الحالية تعتبر الأجدى. المعطيات التي تسرّب الى الاعلام قد تكون صحيحة وقد لا تكون، انما في المحصلة تعرقل التشكيل أكثر مما تسهله، وفي بعض الأحيان تسرب معلومات بهدف التشويش، فلنترك الأمور خارج الأضواء. أما أبرز العقد أمام ولادة الحكومة، فتكمن في عملية التوسع في التعديلات الحكومية التي ربما لن تحصل على ثقة مجلس النواب. الرئيس ميقاتي لم ولن يرضى بشروط في التعيينات والوظائف، ولن يقبل بالبحث خارج نطاق التأليف، ولا بالتشكيل بشروط مسبقة، وهذه المواضيع تبحث في أوقاتها وأماكنها. يمكن القول ان الأمور مقفلة طالما تستمر وتيرة الشروط في الارتفاع. الرئيس المكلف يتجاوب قدر المستطاع لكن ضمن ثوابت معينة. واذا كان هناك اصرار على المطالب فلن تتشكل الحكومة، واذا كان هناك نوع من الليونة، فهو منفتح على الأمور المنطقية والتي لا تخرج عن الأصول. في لبنان لا يمكن لأي فريق أن يتفرد في الحكم أو الرأي، وعلى الرغم من الواقع الذي نعيشه هناك دستور نحتكم اليه حين نصل الى مرحلة الشغور لأن استمرارية الدولة أساس الى حين انتخاب رئيس للجمهورية. وهنا لا بد من التأكيد أن لا رغبة عند أي فريق أو جهة خارجية في أن تكون هناك فوضى عارمة في لبنان.

وفيما حذر باسيل من أنه “إذا لم تتشكل حكومة جديدة فنحن ذاهبون إلى أبعد من فوضى دستورية واجتماعية”، رأى أحد النواب السابقين أن العهد يحاول استثمار إنجاز الترسيم، وانتزاع تنازلات إضافية من ميقاتي، لكن هذا التهديد يصب في اطار الحصول على حصة الأسد في حال تشكلت الحكومة، وهذا نوع من التهويل بأنه اما أن تتشكل حكومة كما نريد أو لا حكومة. منذ زمن طويل، نعيش في فوضى دستورية كبيرة، لا بل في عصفورية دستورية، وهي مستمرة، وهذا ليس وضعاً مستجداً. عندما ندخل في العصفورية، فكل الأسباب الموجبة لادارة العصفورية تكون غير طبيعية. وبقدر ما هو غير طبيعي ألا ينتخب رئيس الجمهورية ضمن المهل الدستورية بقدر ما هو غير طبيعي أن تستمر كل هذه المرحلة من دون تشكيل حكومة. والعصفورية الأخرى في القول ان حكومة تصريف الأعمال لا يمكن أن تتسلم صلاحيات رئيس الجمهورية في حين أن الدستور لم يفرق بين حكومة تصريف أعمال أو حكومة مكتملة الصلاحيات. في ظل هذه العصفوريات، أصبح التحدي أن يكون هناك حكومة، وأن ننتخب رئيساً للجمهورية. في تركيبتنا السياسية الداخلية، فإن الانتخاب من دون الحوار السابق له لن يكون سهلاً.

ورأى أحد النواب السنّة أن ما يجري في التشكيل هو تجاهل للدستور، وهذا أمر خطير، وما يحصل اليوم من تعد على صلاحيات الرئيس المكلف غير مقبول، وربما يؤدي الى وضع لا تُحمد عقباه، مشدداً على التشكيل ضمن المسار الصحيح، وبما ينص عليه الدستور. وأكد أن ما يصدر عن النائب باسيل من تهديد غير مقبول، واذا كان يعتبر أنه بهذه الطريقة يمكنه تخطي الدستور، فيكون مخطئاً، ونحن نقول ان كان يريد المواجهة الدستورية، فنحن مستعدون لها لأن الدستور واضح حين يتحدث عن صلاحيات الحكومة في حال الشغور. على أي حال، يمكن وضع هذه المواقف التصعيدية في خانة الحصول على مزيد من المكتسبات في الحكومة الجديدة في حال تشكلت، لكن التصعيد اليوم ليس لمصلحة أحد.

وفي قراءة قانونية حول امكان أن يعطي المجلس النيابي الثقة للحكومة في حال تشكلت خلال الأيام العشرة الأخيرة من الولاية، أوضح أحد الدستوريين أنه عند دخول المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية خصوصاً في الأيام العشرة الأخيرة يتحول مجلس النواب الى هيئة انتخابية وليس تشريعية. هناك وجهتا نظر في هذا الاطار: وجهة نظر يؤيدها الرئيس بري والتي يطبقهاً حاليا بحيث أنه بعد فتح جلسة لانتخاب الرئيس ثم اقفال محضرها، يعود المجلس الى هيئة اشتراعية، وبالتالي، وفق وجهة النظر هذه يمكن للبرلمان أن يمنح الثقة للحكومة، وأن يقوم بعمل غير انتخابي. أما وجهة النظر الأخرى، فتقول انه خلال المهلة الدستورية أي خلال شهرين على الأكثر وشهر على الأقل من نهاية الولاية، يتحول المجلس النيابي الى هيئة انتخابية، ولا يحق له القيام بأي عمل آخر. وجهتا نظر متناقضتان لكن الرئيس بري يطبق النظرية الأولى. وبالتالي، يمكن للمجلس النيابي بعد انتهاء العهد الحالي أن يعطي الثقة للحكومة في حال تشكلت قبل نهاية العهد، شرط أن يكون وقع على مرسوم تشكيلها رئيس الجمهورية قبل 31 تشرين الحالي لأن مجلس النواب لا يتأثر بالرئاسة الأولى ان كانت شاغرة أو غير شاغرة. أما في ما يتعلق بتهديد باسيل، فإن الخيارات أمامه محدودة، وكلامه يصب في خانة التهديد السياسي، وترك الأمور مبهمة، ولم يكشف أوراقه بهدف الضغط نحو تشكيل حكومة كما يريد.

الدستوري يرد 5 طعون نيابية

الى ذلك، قرر المجلس الدستوري رد 5 طعون بالانتخابات النيابية، وهي لكل من: بول حامض على الياس الخوري (طرابلس)، محمد شفيق حمود على بلال الحشيمي (زحلة)، ابراهيم عازار على سعيد الأسمر (جزين)، طانيوس محفوظ على جميل عبود ( طرابلس )، و”الأمل والوفاء” على فراس حمدان ( حاصبيا مرجعيون).

وكان المجلس التأم في مقره امس برئاسة رئيسه القاضي طنوس مشلب وحضور الأعضاء القضاة: عوني رمضان، أكرم بعاصيري، البرت سرحان، رياض أبو غيدا، عمر حمزة، ميشال طرزي، فوزات فرحات، الياس مشرقاني وميراي نجم. وأكد مشلب أن “التكهنات لم تكن في مكانها ولم يسألني شخص عن أي ملف أو يُمارس أي ضغط عليّ”.

كبتاغون في المرفأ وتوقيف المتورط

من ناحية ثانية، غرّد وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي عبر حسابه الخاص على “تويتر”، كاتباً: “إنجاز جديد للأجهزة الأمنية في إطار مكافحة تهريب المخدرات، فتمكنت شعبة مكافحة المخدرات في إدارة الجمارك من ضبط كمية كبيرة من الكبتاغون في مرفأ بيروت مخبأة داخل محدلة كان من المنوي تصديرها الى السودان كوجهة أولى. على الأثر، أوقفت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي المتورط الرئيسي (خ.س) وهو سوري الجنسية استخدم هوية مزورة لبنانية في اتمام معاملات الشحنة. بعد تفتيش محتوى الشحنة المذكورة عثر بداخلها على 165 كيلوغراماً من الكبتاغون أي ما يعادل المليون حبة. المتابعة مستمرة لكشف تفاصيل العملية”.

شارك المقال