إمتنان أميركي للانفتاح اللبناني على الترسيم مع اسرائيل

لبنان الكبير

الأيام الأخيرة من عهد رئيس الجمهورية ميشال عون التي زخرت بالأوسمة من مختلف الرتب، كان ينقصها تقليد النائب جبران باسيل وسام الشرف من رتبة ضابط في التعطيل والتكبيل والتعتيم والتهويل والتهديد لأنه أكثر المستحقين له بعد 6 سنوات من التعب والجهد والكد وسهر الليالي لايصال البلد الى مرحلة استحق فيها وبجدارة وسام البؤس والفقر والتعاسة من أرفع الجهات الدولية.

وفي وقت انطلقت امس قافلتان في عودة طوعية للنازحين السوريين، من عرسال والنبطية، باتجاه الحدود السورية، وضمتا حوالي 100 عائلة سورية، انطلقت قافلة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين من الأراضي الأميركية نحو المنطقة حيث تجندت القوى السياسية لمواكبة توقيع اتفاق الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل في الناقورة والذي بقيت تفاصيله سرية وغير معلنة، اذ أن المعلومات المتوافرة مصدرها تسريبات غير مؤكدة، ولم تصدر من جهة رسمية، وتشير الى أن التوقيع سيحضره ممثلو لبنان وإسرائيل، لكن كل طرف سيوقع أمام الوسيط الأميركي بصورة منفصلة، ولن تكون هناك صور مشتركة، ولم يعرف بعد الطرف الذي سيتولى التوقيع. وأفادت بعض المصادر أن الجيش اللبناني لم يبلغ أي اجراءات من أجل القيام بالترتيبات اللوجستية اللازمة. وسأل أحد العمداء السابقين عبر “لبنان الكبير”: “لماذا يريدون مشاركة الجيش في التوقيع على صفقاتهم، وهم لم يشركوه في مفاوضات الترسيم، والكل يعلم موقف الجيش من الحدود البحرية الجنوبية؟ ثم لماذا كل هذه السرية، وعدم اطلاع الشعب على ما يجري خصوصاً أن الصفقة قد تمت؟ هل تكريم السفير السوري في القصر الجمهوري ومنحه وساماً أهم؟”، معتبراً أن “ما يحصل اليوم في الترسيم وفي توقيع الاتفاق في الناقورة نوع من القمع، ونكتشف يوماً بعد يوم أننا شعوب محكومة من نظام شمولي. يتعاملون معنا على قاعدة أنهم يتركون لنا حرية الرأي والتعبير لكنهم يفعلون ما يريدون. لا يحق لنا الاطلاع على مجريات الأمور، ولم يسمح حتى للوزارات أو المجلس النيابي أو المحاكم أو المجلس الدستوري بمناقشة الاتفاق واعطاء الرأي. لم يكشفوا حتى عن الوفد الرسمي الذي سيشارك في التوقيع، ويهندسون تخريجة تناسبهم، لكن هذا قمة القمع والاستبداد في حين أن اسرائيل التي تعتبر عنصرية، عرضت الاتفاق على المؤسسات المعنية، ويتم التوقيع بعد نيل موافقتها. هذه السرية المعتمدة في الترسيم والتوقيع، تزيد الشك بأنهم خائفون من انكشاف أمر ما، كما أن الارتياح الاسرائيلي لا يوحي بالاطمئنان”.

وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنّ “هوكشتاين يجتمع في بيروت برئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي للتعبير عن امتنانه لكل منهم على روح التشاور والانفتاح التي ظهرت خلال المفاوضات، والتي وضعت أسسها في اتفاق الاطار سنة 2020 بقيادة رئيس مجلس النواب نبيه بري، كما يزور الناقورة لاتخاذ الخطوات النهائية لدخول اتفاق إسرائيل ولبنان حيز التنفيذ. وبعد ذلك سيقدم الطرفان إحداثيات بحرية إلى الأمم المتحدة بحضور الولايات المتحدة. وسيتوجه هوكشتاين بعد ذلك إلى إسرائيل حيث سيلتقي برئيس الوزراء يائير لبيد ويشكره وفريقه على ديبلوماسيتهم المثابرة والمبنية على المبادئ من أجل التوصل إلى حل بشأن هذا الملف الحساس”.

وفيما أعلنت شركة “إنرجين”عن البدء بانتاج الغاز في حقل “كاريش” البحري الذي تضمنه اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، لفتت بعض المصادر الى أن حفل توقيع اتفاق الترسيم البحري مع اسرائيل سيشهد تسليم رسالتين من الجانب اللبناني: الأولى موقّعة من رئاسة الجمهورية (رئيس الجمهورية أو من يمثّله) تتضمّن موافقة لبنان على الإتفاق وما أعلنه رئيس الجمهورية في اطلالته المصوّرة، ويأتي الرد مباشراً من رئاسة الجمهورية كون الجانب الأميركي بعث هذه الرسالة باسم رئيس الجمهورية. والثانية رسالة تقنيّة ستوقّعها وزارة الخارجية اللبنانية، كونها ستودع لدى الأمم المتحدة، التي تعتبر الخارجية اللبنانية هي الجهة الرسمية المخوّلة التراسل معها. وأنهت قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب استعداداتها اللوجستية والعسكرية والأمنية لاستضافة حفل التوقيع، وسط معلومات عن أن “حزب الله” اشترط مسبقاً التعتيم الإعلامي على المراسم، وطلب من السلطات اللبنانية التشديد على منع تواجد الاعلاميين في حفل الناقورة، وحظر التقاط أي صورة فوتوغرافية خلاله، لكن كلها تبقى سيناريوهات ومعلومات غير رسمية وغير دقيقة في ظل السرية التامة التي تنتهجها السلطة.

وبما أن السلطة ستحتفي بتوقيع الترسيم، فلا جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية اليوم على أن يحدد موعد الجلسة المقبلة لاحقاً وفق ما أكد المكتب الاعلامي لرئيس مجلس النواب نبيه بري، بحيث أنه قبل أربعة أيام من انتهاء ولاية العهد الحالي، بات مؤكداً أن لا رئيس جديداً قبل نهاية المهلة الدستورية في 31 من الشهر الجاري، لكن من غير المؤكد ان كانت هناك حكومة جديدة أو تستمر حكومة تصريف الأعمال في مرحلة الشغور لتتسلم صلاحيات رئيس الجمهورية في ظل التخوف من اشتباكات دستورية في هذا الشأن، والخطوات التي قد يلجأ اليها “التيار الوطني الحر” لأنه وفق ما يقول رئيسه النائب جبران باسيل ان محاولة تسليم صلاحيات الرئيس لحكومة تصريف الأعمال عملية سطو على الدستور والموقع الأول في الدولة من هيئة فاقدة لصلاحياتها، وفاقدة لشرعيتها، وميثاقيتها، ودستوريتها.

كل الأطراف في حالة ترقب للمساعي التي لا تزال قائمة لكنها لم تصل الى أي نتيجة حتى الساعة، فيما المطلعون على ملف التأليف لا يحسمون الأمر، ولا ينفون كما لا يؤكدون أن العهد سيشهد ولادة الحكومة لأن ذلك منوط بمسار التفاوض والتنازلات التي سيقدمها كل طرف معني بالتشكيل خصوصاً أن “حزب الله” والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم سيضغطان حتى ربع الساعة الأخير للتشكيل، مع العلم أن مصادر معنية أكدت لـ “لبنان الكبير” أن الأبواب شبه مقفلة حتى اللحظة، كما تحدثت معلومات عن أن هناك ضغطاً خارجياً كبيراً من السفراء لاتمام الاستحقاق الحكومي بهدف منع الفوضى في ظل الانقسام حول صلاحيات الحكومة المستقيلة.

وفيما يعتبر البعض أن صفحة الحكومة طويت بعد الزيارة الأخيرة غير المنتجة للرئيس المكلف نجيب ميقاتي الى قصر بعبدا، وتلاها تصعيد من النائب باسيل، يعوّل كثيرون على حس المسؤولية الوطنية لدى المعنيين بالتأليف لتجنيب البلاد مخاطر فوضى بغنى عنها، ولا بد من صحوة ضمير حتى لو قبل دقائق قليلة من منتصف ليل 31 الجاري مع العلم أن هناك تسريبات تؤكد أن رئيس الجمهورية وقّع استقالة الحكومة الميقاتية، بانتظار نشرها وتعميمها على الدوائر المعنية ليتصرف الوزراء والنواب العونيون على أساسها.

على أي حال، ما هو مؤكد أن “حزب الله” يسعى منذ مدة الى انجاز التأليف، لكن السؤال هنا: ألا يستطيع الحزب أن يمون على حليفه النائب باسيل لتسهيل التشكيل، وابعاد كأس الفوضى عن البلاد والعباد؟ وهل علاقة الحزب بميقاتي ستكون أمام منعطف خطير في حال لم تتشكل الحكومة خصوصاً أنه لم يلب المطالب العونية؟

في هذا الاطار، أشار بعض النواب الى أنه لا يمكن تبسيط الأمور لأن الحزب مرتبط بـ “التيار الوطني الحر” بصورة كبيرة، وعلى قدر حاجة التيار الى الحزب هكذا حاجة الحزب الى التيار. هناك تقاطع مصالح كبير بينهما، لذلك، فإن التيار يريد من الحزب تسهيل تحقيق مطالبه في الحكومة، وأهدافه خصوصاً أنه قدم للحزب ما لم يقدمه أي فريق لبناني على حساب لبنان الدولة وعلى حساب اللبنانيين. وهنا يطرح السؤال: ماذا يمكن أن يعطي الحزب لباسيل الذي هو غير قادر على تحقيق مطالبه بدون دعمه؟ وهل يريد الحزب الذهاب في هذا الاتجاه، وتغيير الوضع القائم الموجود اليوم ارضاء لباسيل؟ ليس مرجحاً ذلك، بل هو ذاهب باتجاه عدم تلبية مطالبه لأنه في هذا الظرف تحديداً، لا يريد الاصطدام مع الرئيس ميقاتي. يفضل الحزب تبريد الأجواء مع السنّة لأن المسيحيين قبضوا ثمن التحالف معه. مع التأكيد أن الرئيس ميقاتي يحافظ على أفضل العلاقات مع الجميع وفي أحلك الظروف، وينطلق من ثوابت تحظى بتقدير الذين يقرأون السياسة بموضوعية لأنه لا ينطلق من أمور شخصية انما من ثوابت وطنية خصوصاً على مستوى التوازنات الداخلية. الرئيس ميقاتي لا يعادي أحداً ولا يرغب في ذلك.

أما أحد المحللين فلفت الى أن “حزب الله” يعرف اليوم أنه اذا تخلى عن حلفائه لاسيما الحليف المسيحي الأساس أي “التيار الوطني الحر” الذي هو على أبواب نهاية الحياة السياسية، فسيتعرض الى سهام أكثر. لا بد أن الحزب سيدعم “التيار” في الحكومة لاكمال المسيرة بحيث أن النائب باسيل يسعى الى الحصول على الحصة الأكبر، وبالتالي يمكن أن نتفهم موقف الحزب في هذا الاطار، لكن من ناحية أخرى، فإن الحزب لديه استراتيجية أبعد من لبنان ففي اللحظة التي يحصل فيها الترسيم مع اسرائيل باتفاق أميركي – ايراني، يتمتع الحزب بغطاء على المستوى الاقليمي والدولي، وبالتالي، لا يريد المزيد من المشكلات في الداخل اللبناني. حسابات الحزب في المرحلة الراهنة دقيقة، فهو لا يريد ارضاء حليفه المسيحي على حساب الطرف السني وحليفه الأساس الرئيس نبيه بري، وليس مستبعداً أن يترك الأمور على ما هي عليه من دون تعميق الازمة أكثر الى حين انقشاع الرؤية في المنطقة في المرحلة المقبلة. والتهديدات المحلية اللبنانية لا تقدم ولا تؤخر، والنائب باسيل رفع من سقف مطالبه وتهديداته سابقاً ولم يفعل شيئاً. الحزب يساير الجميع، ولن يتصادم مع الطائفة السنية من أجل الحليف المسيحي، فهو لا يريد تعميق الأزمة أكثر في حال استجاب لمطالب باسيل التعجيزية. اما بالنسبة الى باسيل، فلن يتنازل عن مطالبه لأن ذلك يكون بمثابة انتحار سياسي، وهذه هي الورقة الأخيرة القوية بين يديه قبل انتهاء العهد. لذلك، نسمع أنه يمكن أن نشهد على ولادة الحكومة في ربع الساعة الأخير من العهد. اذاً، الكرة في ملعب باسيل ان كان سيتنازل أو سيبقى متشبثاً بمطالبه، لكن “حزب الله” مرتاح إن حصل التشكيل أو لم يحصل بانتظار التسوية الخارجية كما حصل في الترسيم البحري مع اسرائيل. كل المؤشرات تفيد بأن الحزب يمسك العصا من منتصفها بحيث لا يريد أن يلبي مطالب باسيل كاملة كما لا يريد أن يقف الى جانب ميقاتي، وفي حال شعر أن الشرخ في البلد سيتعمق أكثر، يمكن أن يكثف ضغوطه نحو التشكيل لأنه لا يريد أن ينهار البلد كلياً انما أن يبقى مستقراً في الأزمة. مع التأكيد أن الحزب اليوم لا يريد أن يتسبب بامتعاض الشارع السني الذي لا يمون عليه خصوصاً في ظل حالة الاحباط التي يمر بها، وهو يقيم حسابات لرد فعل قوي في الشارع في حال تمكن باسيل من تحقيق مطالبه. اذاً، يحاول الحزب مسايرة باسيل الى حد ما، لكنه لن يكون انتحارياً أمامه. وفي ما يتعلق بالتشكيل من عدمه، فإن من مصلحة ميقاتي عدم التشكيل للحفاظ على ماء الوجه أمام طائفته، وأنه متمسك بصلاحيات رئيس الحكومة، ولن يخضع للضغوط. على أي حال، العلاقة ستكون أكثر من جيدة بين الحزب وميقاتي بعد الشغور الرئاسي بحيث سيكون الأخير شرطي السير الى حين انقشاع الرؤية الدولية، وتلقف لبنان مزيداً من التفاهمات الاقليمية والدولية التي ستنعكس على الداخل اللبناني بصياغة العراب الأساس الذي هو “حزب الله”.

من جهة أخرى، رفع مناصرو “التيار الوطنيّ الحرّ” صوراً لرئيس الجمهورية على جدران مدينة طرابلس، وأرفقوها بشعار “معك مكملين”، في مواكبةٍ منهم لانتهاء ولاية عون الرئاسية بعد أيام. وأثارت هذه الظاهرة استفزازاً شديداً في أوساط سكّان المنطقة، الذين أقدموا على تمزيق الصور وإزالتها من شوارع المدينة.

شارك المقال