عون السابق… وتيار العصيان الوطني

لبنان الكبير

إنتهى عهد الظلام لتبقى ملائكته حاضرة من خلال بعض المستزلمين الذين لا يفقهون شيئاً سوى تلقي الأوامر، واذا صحت المعلومات التي تحدثت عن أن وزير الطاقة والكهرباء وكل الطاقات، أبلغ مؤسسة “كهرباء لبنان” باعتماد التعرفة الجديدة للكهرباء ابتداء من اليوم، فيكون فتح فصل آخر من فصول الصراع السياسي والنكد والنكاية التي تفوق بها فريق العهد المنتقل الى رحمة المعارضة والمواجهة، حتى أنه لم يترك اللبنانيين يتنفسون الصعداء بعدما أمضوا عاماً بأكمله يراقبون عداد العهد الرئاسي، حتى كهربهم بهاجس العداد الكهربائي في اليوم الأول من الانفراج والانشراح والأمل بعهد سيكون أفضل “عالأكيد”.

وبعيداً عن العدادات الكهربائية وأرقامها وحساباتها التي ستكلف المواطنين المزيد من الفواتير الباهظة على كهرباء “منقرضة”، انطلق عداد الشغور الرئاسي الذي لا أحد يعلم ماذا سيسجل من أرقام، لكن ما هو أكيد أن التيار البرتقالي الذي أقام أقصى ما يمكن من احتفالات خارجة عن زمانها ومكانها وسياقها، جهز عدة التعطيل في الرابية بعد أن فككها من قصر بعبدا، رافعاً شعار المواجهة في وجه الفساد، ومحاربة الحكومة المستقيلة، الفاقدة للشرعية والميثاقية، وغداً لناظره قريب.

الصخب البرتقالي أول من أمس، قابله هدوء على الساحة السياسية أمس، وسكينة اشتاق اليها اللبنانيون منذ سنوات ست، اذ أن الفذلكات والاستقواء والعنتريات التي كانت تفوح من غرف القصر الجمهوري، ستخمد مع انطلاق اليوم الأول من نهاية الولاية حتى أنهم يرحبون بالشغور ولو مرحلياً لأنهم يريدون التمتع بالسكون بعد كل هذا الصخب التعطيلي والاستفزازي.

في اليوم الوداعي، أعلن الرئيس ميشال عون انطلاق الخطوات التصعيدية على أرض الواقع بعد توقيعه مرسوم قبول استقالة الحكومة، كما أرسل الى رئيس مجلس النواب نبيه بري رسالة طالب فيها بسحب التكليف الحكومي من الرئيس المكلف نجيب ميقاتي. والتزاماً بالنص الدستوري، دعا الرئيس بري الى عقد جلسة نيابية في الحادية عشرة من قبل ظهر بعد غد الخميس، لتلاوة الرسالة. أما الرئيس ميقاتي، فأرسل رسالة مضادة الى الرئيس بري يعلمه فيها بعزمه على “متابعة الحكومة لتصريف الأعمال والقيام بواجباتها الدستورية كافة” ما يظهر حجم الهوة بين الفريقين، وبالتالي المزيد من الفوضى والاصطفافات والتفسيرات والاجتهادات المتناقضة التي قد تتسبب بتوترات أمنية.

وأوضح أحد الدستوريين لموقع “لبنان الكبير” أن من حقوق رئيس الجمهورية الطبيعية أن يوقع المرسوم لكن درجت العادة على توقيع 3 مراسيم كرزمة واحدة: أولاً، اعتبار الحكومة مستقيلة، ثانياً، مرسوم التكليف، وثالثاً، مرسوم التأليف. اختار رئيس الجمهورية أن يوقع المرسوم قبل أن تتشكل الحكومة، وهذا من حقه لكن هذا المرسوم لا يقدم ولا يؤخر، ولزوم ما لا يلزم، وليس له أي أثر قانوني أو دستوري بحيث أن حكومة تصريف الأعمال ستبقى تصرّف الأعمال بالمعنى الضيق حتى تشكيل حكومة جديدة. أما الرسالة الموجهة من الرئيس عون الى رئيس المجلس، فأراد من خلالها استخدام صلاحياته الدستورية في توجيه الرسائل. ومبدئياً سيعمل الرئيس بري على تلاوة الرسالة في جلسة الخميس ومناقشتها، وأعتقد أن المجلس النيابي لن يأخذ بها لاسيما وأن هناك اجتهاداً سابقاً عن مجلس النواب بتاريخ 22- 5- 2022 حين وجه الرئيس عون أيضاً رسالة شبيهة اذا لم نقل طبق الأصل بحق الرئيس سعد الحريري، وخلص مجلس النواب الى القول ان أي موضوع يخالف موضوع التكليف أو يهدف الى سحب هذا التكليف بحاجة الى تعديل دستوري. أظن أن مجلس النواب سيحذو حذو الاتجاه الأول وسيهمل الرسالة.

على أي حال، بغض النظر عن مفاعيل الرسائل الى المجلس النيابي، فإن المرحلة مرحلة مواجهة بامتياز، وهذا ما أكده الرئيس عون حين قال: “اليوم تنتهي مرحلة لتبدأ مرحلة أخرى، تحتاج الى نضال والكثير من العمل”، حتى ان مصادر “التيار الوطني الحر” تؤكد أن صفحة جديدة من النضال تنطلق ابتداء من اليوم الثلاثاء، وستكون هناك لقاءات تشاورية لوضع خارطة طريق سياسية للمرحلة المستقبلية، وكيفية تنفيذها من ضفة المعارضة مع العلم أن أولى الخطوات ستكون بسحب وزراء “التيار” من أي جلسة قد يدعو اليها الرئيس ميقاتي، وعدم السماح بانتقال صلاحيات رئيس الجمهورية الى حكومة تصريف الأعمال. بمعنى آخر، “التيار” سيتجه نحو خيار العصيان السياسي وربما المدني، لكن الى اليوم لم يبلغ المناصرون أي قرار بالتحرك في الشارع.

وفي هذا السياق، أشار أحد نواب “التيار الوطني الحر” في تصريح لـ”لبنان الكبير” الى أن “التيار كان قبل 2016 وسيبقى بعد 2022 تياراً مناضلاً، وليس مستبعداً أن ينتقل الى صفوف المعارضة، وينسجم مع مبادئه. المستجدات ستحدد مواقفنا اللاحقة اذ لا يمكن اتخاذ المواقف من اليوم. وحين نرى أن هناك تعدياً على صلاحيات الرئيس أو أي مواربة على صعيد محاربة الفساد، فلن يكون هناك أي تساهل مع هذه القضايا، ويمكن أن نذهب الى المواجهة. وأول ملف يمكن أن نواجهه هو مصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية من الحكومة المستقيلة، وبالتالي، سحب الوزراء من الحكومة خيار من الخيارات لكن علينا انتظار الرئيس ميقاتي ان كان سيدعو الى جلسة”.

واستغرب نائب آخر التصعيد الكلامي واثارة الغزائز المذهبية والطائفية، معتبراً أن “الفتاوى غب الطلب وليست في موقعها. الرسالة يمكن أن تناقش الخميس أو يتم أخذ علم بها أو لا تكون لها أي مفاعيل على الاطلاق. من الطبيعي في ظل الشغور في موقع الرئاسة الأولى، وحكومة تصريف الأعمال التي تعتبر مستقيلة وفق الدستور، أن تكون البلاد في أزمة غير مسبوقة، لكن الكلام عن امكان عقد طاولة حوارية، دعا اليها الرئيس بري قد يفتح نوافذ معينة للوصول الى تفاهمات ممكن أن تبدأ بانتخاب رئيس جديد للبلاد. الآن ليس هناك موعد للجلسة، لكن التشاور لا يزال مستمراً وقائماً للوصول الى ما يمكن أن يحفز على عقد طاولة الحوار”.

وفي قراءة للمرحلة النضالية التي سينطلق بها “التيار الوطني الحر”، رأى أحد المحللين السياسيين أنها تعني استمرار الأسلوب والسلوك نفسه الذي اعتمد، لكن في ظل المزيد من التخبط السياسي بمعنى أن “التيار” يريد الشيء ونقيضه. حيناً يطالب بالعلمانية ثم يطالب بحقوق المسيحيين، يريد السلام مع اسرائيل وفي الوقت نفسه يؤيد المقاومة، يطالب بالاصلاح ويتورط بالفساد، يريد العدالة ويتهم القضاء ويحمي المتهمين من جماعته. ما يمكن أن يقدمه “التيار” قد قدمه، ونحن في مرحلة حيث أن ميشال عون اليوم ليس ميشال عون العائد من المنفى، وقدرته على المتابعة ستتراجع خصوصاً أنه لم يعد رئيساً للجمهورية. كل هذا الصراخ والاستعراض ليس سوى محاولة لتجيير النفوذ والقوة وما تبقى منهما الى النائب جبران باسيل. المشهد الجماهيري أول من أمس، أقصى من يمكن فعله. من الآن وصاعداً، من الصعب جداً رؤية هذا المشهد الذي لا يمكن أن يبنى عليه بالمعنى الاستراتيجي لأنه يعكس لحظة ساسية معينة. في المرحلة اللاحقة سيشهد “التيار الوطني الحر” انسحابات متتالية ما يعني أنه مقبل على تراجع وليس على صعود. انها معركة استعادة الشعبية غير المضمونة النتائج، وليست مرجحة للنجاح. وهنا نسأل: ما هي القضية التي سيحملها “التيار” خصوصاً بعد فشل التجربة الرئاسية؟ ما هو الطموح اليوم؟ هل هو طموح سيادي أو محاربة الفاسدين؟ انها عناوين متكررة، وحين كان الرئيس عون في قصر بعبدا لم يحقق أي انجاز في هذا الاطار، فهل سيحقق ذلك من الرابية؟ الكثير من الشعارات التي رفعت، فقدت تأثيرها. ثم إن التعطيل على مستوى الحكومة فيه شيء من العبثية الذي لن يلقى صدى في ظل الوضع الاقتصادي. وما يجب أن نعترف به هو أنه لو كان “حزب الله” حازماً أمره في انتخاب الرئيس أو حتى في تشكيل الحكومة، لكنا رأينا مشهداً مختلفاً. الحزب سيرسخ وجوده، وسيقوم بالوساطة بين رئيس الجمهورية والرئيسين بري وميقاتي، ويرسخ حضوره كعنصر ضامن في اللعبة السياسية الداخلية، ويهدف من ذلك الى استدراج خارج ما أو أي خارج لاقامة التسوية. وبالتالي، الحزب لا يريد الدخول في الانتخابات الرئاسية من دون صفقةب. ونحن اليوم في مرحلة تضييع الوقت حيث كل طرف يتعاطف مع جهة سياسية، وسيد اللعبة “حزب الله” الى حين الوصول الى تسوية ما. أما في ما يتعلق بانتقال “التيار” الى ضفة المعارضة، فهنا نسأل: كيف يمكن أن يتموضع في هذه الضفة، وهو حليف لمن يدير السلطة في البلد؟ وعن أي معارضة يتحدث؟ هل يضحكون على عقولنا؟ ما هو الخطاب الذي سيتوجه به الى الناس ازاء الأزمة المالية والاقتصادية؟ كيف يواجهها وماذا يفعل لمواجهتها؟ اما أن يخوض مواجهة بصورة مختلفة عما سبق أو لا نتيجة لهذا التصعيد والنضال كما يقولون، ولن يتسبب ذلك الا بمزيد من التدهور وتعميق الأزمة والتعطيل. عندما كان “التيار” خارج السلطة كان يعد بأنه حين يصل اليها سيحول البلد الى جنة، وقد حوّله خلال ست سنوات الى جحيم. والناس تعي كل هذه الأمور، وتسأل عن هدف النضال، وفي أي اطار يمكن أن يتبلور. لم يأت “التيار” بأي جديد مختلف عن سلوكه في الرئاسة مع العلم أنه حين كان في موقع رئاسة الجمهورية كانت لديه السلطة اما اليوم فسيفقد الكثير من الأمور كتأثيره على القوى العسكرية والأمنية الذي سيتراجع، وتأثيره على مؤسسات الدولة سيتراجع الى حد كبير، وبالتالي، القوة حكماً ستتراجع. في المحصلة، لا يكفي القول اننا نريد أن نعارض، بعد هذه المعارضة ما هي الأهداف خصوصاً أن غالبية الأطراف السياسية على خصومة مع التيار البرتقالي. الرئيس عون الى نهاية وليس الى بداية جديدة كما يقولون، والنائب باسيل لن يحل محله لأن الظروف التي توافرت لعون لم تتوافر لأحد. وهنا نسأل: هل “التيار” منزه عن الفساد؟ ألم يتدخل في القضاء وفي التعيينات الادارية؟ هذه العناوين تجد آذاناً صاغية في السلطة، لكن بعد الخروج منها سيفقد الكثير من الوزن والدور والقدرة، وليست هناك من قدرة على الاستمرار بالمستوى السابق نفسه.

ميقاتي في الجزائر

على صعيد آخر، بدأ الرئيس ميقاتي زيارة على رأس وفد، الى جمهورية الجزائر الديموقراطية الشعبية لتمثيل لبنان في القمة العربية، في دورتها الحادية والثلاثين التي ستعقد اليوم وغداً.

شارك المقال