ميقاتي في القمة برعاية بري

لبنان الكبير

وأسدلت الستارة على عهد الرئيس ميشال عون، وأقفلت أبواب القصر الجمهوري على مرحلة لا يريد اللبنانيون تذكرها، وأنزل العلم اللبناني عن شرفة القصر على أمل عودته مرفرفاً عالياً بين أعلام الدول التي لا تكل ولا تمل من الدعوة الى الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، وآخرها ما جاء على لسان وزارة الخارجية الفرنسية والاتحاد الأوروبي.

الدعوات الاوروبية تتطابق مع دعوات عربية الى انتخاب رئيس في أسرع وقت ممكن، بحيث أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط الذي زار الرئيس نجيب ميقاتي في مقر اقامته في الجزائر، وقوف الجامعة العربية الى جانب الحكومة اللبنانية، داعياً الى القيام بكل ما يلزم لاجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها. اما ميقاتي الذي زار الممثل الخاص لملك البحرين، الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، فأكد في حديث صحافي “أننا سنعمل على ادارة شؤون البلاد من دون استفزاز، ولكن الأولوية تبقى لانتخاب رئيس جديد وتأليف حكومة جديدة. واذا لم يكن من موجب وطني أساس وملح، فإنني لن ادعو الى جلسة لمجلس الوزراء وسنستمر في تصريف الأعمال بصورة عادية”.

واذا كان من المتوقع أن يعقد الرئيس ميقاتي اجتماعات وزارية تعويضاً عن اجتماعات مجلس الوزراء، فإن رئيس مجلس النواب نبيه بري أراد تبرئة ذمته تجاه الرئيس عون في جلسة مناقشة رسالة الأخير حول الحكومة وسحب التكليف من رئيسها، يوم غد الخميس، اعتبرها أحد المحللين شكلية بحيث سيعيد مجلس النواب الاعتبار الى ميقاتي كرئيس لحكومة تصريف الأعمال في النطاق الضيق لتسيير أمور البلاد الى حين انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة .

على أي حال، فإن كل التهديدات بخطوات تصعيدية على خلفية انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية الى الحكومة المستقيلة، ماتت في مهدها، ولم تجد آذاناً صاغية في الداخل، ولم تؤثر على مشاركة ميقاتي في القمة العربية الـ 31 في الجزائر، على رأس وفد يضم وزراء برتقاليين، بحيث أكد أحد المحللين المخضرمين أن حضور الرئيس ميقاتي له مفعول معنوي كبير بالنسبة اليه في هذا الظرف بالذات وفي ظل الشغور الرئاسي. المشاركة بحد ذاتها هي تأمين حضور سياسي ومعنوي للبنان في المقررات التي تصدر عن القمة، وطالما أن الحكومة حكومة تصريف أعمال، يقوم بهذه المهام، الرئيس ميقاتي خصوصاً أن القمة لن تتخذ قرارات اجرائية بمعنى أنها قابلة للتنفيذ للتو، وأي قرار يتخذ وله طابع اجرائي يفترض أن يعود الى مجالس الوزراء والمجالس النيابية للنظر به. حضور الرئيس ميقاتي بروتوكولي أكثر مما هو عملي وجوهري. الشرعية تعطى في الداخل وليس في الخارج. وأمام مجلس النواب رسالتان: واحدة من رئيس الجمهورية وأخرى من الرئيس ميقاتي، ومن المتوقع أن يعيد مجلس النواب الاعتبار الى الرئيس ميقاتي كرئيس لحكومة تصريف الأعمال في النطاق الضيق لتسيير أمور البلاد الى حين انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة. لا شك في أن الرئيس ميقاتي يمثل حضور لبنان معنوياً كبلد عضو في الجامعة العربية، ولا يجوز تغيبه عن هذا الاجتماع الدوري. أما ما يصدر بشأن لبنان، فهي قرارات تكرر نفسها في كل القمم العربية وفي كل اجتماعات وزراء الخارجية العرب، وبالتالي، ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن الحرص على لبنان وسيادته واستقلاله، وكل هذه المعزوفة التي تتردد منذ نشوء الجامعة العربية الى اليوم. القرارات التي تصدر عن الجامعة العربية، عندما تتخذ طابع التنفيذ، تعود لكل دولة وفق مؤسساتها الدستورية الى اتخاذ موقف من القرارات المعروضة عليها، لكن الى اليوم، فإن مثل هذه القرارات التي هي نوع من الترجمة لما تم التوافق عليه، لم تأخذ طريقها الى التنفيذ، وبقيت حبراً على ورق. وأهم قرار اتخذ كان في قمة بيروت عام 2002 عندما صدرت مبادرة السلام العربية. أين هي المبادرة العربية اليوم بعد 20 عاماً؟

وبالعودة الى الداخل، يحضّر للحوار من خلال مبادرة يقوم بها الرئيس بري، يسعى من خلالها الى استمزاج آراء الكتل النيابية وقادة الأحزاب حول الدعوة الى حوار يكون عنوانه: انتخاب رئيس الجمهورية، لتأمين أوسع تأييد نيابي لانتخاب رئيس توافقي، وقطع الطريق على شغور مفتوح، ووقف الانهيار للانتقال الى مرحلة التعافي. وسط تساؤل إن كان سينجح الرئيس بري في جمع الجهات السياسية تحت سقف واحد، والتداول في أسماء يمكن أن يشكل أحدها نقطة التقاء وتوافق بين الحاضرين مع اقتناع كثيرين بأن انتخاب الرئيس يتم على ايقاع تسوية أو طبخة خارجية، وبالتالي، لا جدوى من الحوار.

وأوضح مصدر مقرب من عين التينة لموقع “لبنان الكبير” أن الحوار عبارة عن حركة سياسية هدفها وصل القوى السياسية ببعضها البعض. لم يتبلور شكل الحوار الى اليوم، لكن الرئيس بري يحاول جمع الكتل لطرح الهواجس والاشكالات ونقاط التباعد وربما عندما يتواجدون مع بعضهم البعض، ويتبادلون الآراء ويتناقشون، تُحل بعض العقد بحيث أن استمرار كل جهة في متراسها لن يؤدي الى نتيجة. عنوان المرحلة المقبلة دور الرئيس بري الحيادي بحيث سيحاول جمع كل الأفرقاء من أجل انجاز الاستحقاق الرئاسي. في حال حصل الحوار حول طاولة يكون حصل، واذا لم يحصل ستكون عين التينة مقصداً لكل النواب.

ولفت أحد النواب الى أن “الرئيس بري يجري مشاورات مع الكتل النيابية، للاعلان عن الخطوة اللاحقة في الوقت المناسب. ليس هناك من أسماء في الحوار انما مواصفات وتفاهم على ضرورة انتخاب الرئيس، والتعويل على ارادة الكتل، والتلاقي بين الجميع وصولاً الى صيغة مشتركة، للخروج من المأزق. لا ننتظر أي تسوية، ومن ينتظر التسوية من الخارج فليقدم تنازلاً لهذا الخارج، ونحن نتمنى أن يكون التنازل لبعضنا البعض”.

أما أحد نواب المعارضة فرأى أن “الحوار والنقاش بين الكتل يجب أن يحصل في الجلسات الانتخابية المتتابعة والمتتالية وصولاً الى انتخاب الرئيس. ويكون هناك نوع من تفاهم وطني بعدم الانسحاب قبل الوصول الى انتخاب الرئيس حتى لو تطلب الأمر جلسات متعددة. هناك أفرقاء يحاولون تأجيل الانتخابات وتطييرها ليفرضوا أنفسهم كمرشحين، أي الوصول الى الرئاسة بالتفاهم مع قوى اقليمية من خلال تسوية على حساب الشعب اللبناني، لكن نحن نرفض هذا المنطق ونحاول مواجهته”.

وفي قراءة لهذا المشهد، اعتبر أحد المحللين أن الحوار من قبل قوى معينة، بداية لادارة الفراغ وليس للوصول الى انتخاب رئيس للجمهورية. ليس هناك من ضرورة للحوار الذي يضرب فكرة الانتخابات الديموقراطية بالمعنى الدستوري والحقوقي وليس السياسي. الدستور يقول إن من واجب النواب انتخاب الرئيس حتى لو اضطروا الى النوم في البرلمان. الحوار ليس اضاعة للوقت انما نوع من صيغة باتجاه استيعاب الواقع الحاصل للتخفيف من وطأته. الهدف منه ادارة الشغور لفترة زمنية معينة بانتظار تحولات خارجية، ومحاولة الافادة من ضغط الشغور الذي يترتب عنه نتائج اقتصادية ومالية ونقدية وربما تفلت أمني ما يشكل نوعاً من الضغط على بعض الجهات للدخول في تسويات تؤدي الى انتخاب رئيس من اختيار فريق معين، ويخضع لامتداد هذا الفريق. الرئيس بري على الرغم من احترام الجميع له، لكنه في النهاية طرف ورئيس حركة “أمل” وجزء من “الثنائي” المسلح وليس حراً بالكامل في إدارة الحوار. من واجب المجلس النيابي التشاور، لكن فكرة الحوار تخضع لميزان قوى وليس للدستور الذي لا يتطلب حواراً انما تطبيق وانتخاب الرئيس. ومن المتوقع أن يحصل الحوار بصيغة شكلية ولن تنتج عنه أي نتيجة مهمة. كنا نتمنى أن تعلن بعض الجهات علناً أن لا ضرورة للحوار لأنه خارج المؤسسات الدستورية ما يعني ضرب الفكرة السيادية التي تتعرض للانتهاك. شئنا أم أبينا هناك انتظار لتسوية خارجية ما خصوصاً أن هناك جهة مرتبطة بطرف خارجي ارتباطاً وثيقاً، لكن يجب على الداخل الوقوف في وجه من يضرب الدستور والسيادة والتماسك. وهنا نحمّل مسؤولية للنواب التغييريين الذين يفيدون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، القوى التي تنتهك الوحدة والدستور .

اجتماع الصيفي

وكان الاستحقاق الرئاسي ودعوة الرئيس بري إلى عقد جلسة لتلاوة رسالة الرئيس عون ومناقشتها، محور اجتماع نيابي تشاوري عقد في بيت “الكتائب” المركزي في الصيفي، وتم الاتفاق على بيان وقعه 27 نائباً هم: سامي الجميّل، رامي فنج، أديب عبد المسيح، إيهاب مطر، وليد البعريني، سليم الصايغ، أشرف ريفي، محمد سليمان، مارك ضو، نجاة صليبا، نعمة افرام، عبد العزيز الصمد، سجيع عطية، أحمد الخير، نبيل بدر، ميشال الضاهر، فؤاد مخزومي، عماد الحوت، بلال الحشيمي، غسان سكاف، وضاح الصادق، نديم الجميّل، جان طالوزيان، جميل عبود، أحمد رستم، الياس حنكش وميشال معوض. وأعرب المجتمعون في بيانهم عن رفضهم لمحاولات إشعال التجاذبات الطائفية عبر افتعال السجال في موضوع صلاحيات الحكومة خلال فترة الشغور الرئاسي لأن هذا الموضوع محسوم في الدستور، مؤكدين أن على المجلس الالتئام اليوم قبل الغد، لانتخاب رئيس الجمهورية لأن هذا وحده من شأنه أن يعيد الانتظام الى عمل المؤسسات. ودعوا رئيس مجلس النواب الى تكثيف الجلسات لانتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن.

شارك المقال