خريف الوطن… مسرحيات سياسية في حضور الشغور

لبنان الكبير

الخريف هذا العام أرخى بظلاله بقوة على السياسة التي دخلت في موسم خريفي سياسي طويل، وأصبحت تعاني من شلل كلي، ولن تعيد الحركة الى قوامها ولا العافية الى مفاصلها سوى عجيبة سماوية أو تدخلات خارجية حاسمة جازمة غير قابلة للتفاوض قبل رد الروح الى البلد المريض.

خريف سياسي ليس بسبب العوامل الطبيعية، انما بسبب منظومة أصبحت عاجزة، مسنة، مترهلة غير قادرة الا على إخراج المسرحيات تارة من القصر الجمهوري وطوراً من المجلس النيابي، وما يحصل أسبوعياً على مسرح البرلمان، بعناوين متعددة، يبشر بالآتي الأعظم إذ يبدو المشهد على الشكل التالي: نواب ينسحبون لأن المجلس النيابي الآن هيئة ناخبة فقط، وآخرون يتناكفون ويتقاتلون ويتبادلون التهم كالصبيان في ملعب المدرسة، والناظر المشرف يقرع الجرس للالتزام بالقواعد، ويشكر الله لأن نواب الأمة اتفقوا على أن الأولوية الأولى ثم الأولى ثم الأولى هي لانتخاب رئيس للجمهورية، وهكذا تحيا الأمة وتعمر الدار مع جلسة مقبلة حددها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، يوم الخميس المقبل بنتيجة مؤكدة سلفاً: صفر إيجابية.

جلسة “لزوم ما لا يلزم” التي خصصت لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية السابق ميشال عون حول وظيفة حكومة تصريف الأعمال وصلاحياتها، انتهت كما بدأت، وخلصت حسب التوقعات بتأكيد المجلس ضرورة المضي قدماً وفق الأصول الدستورية من قبل رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي بالقيام بمهامه كحكومة تصريف أعمال. وتخللها القليل من الجدية والكثير من المماحكات والسجالات السياسية العقيمة بحيث قال الرئيس ميقاتي للنائب جبران باسيل رداً على ميثاقية تكليفه: “انا كان لازم اعتذر بوقتا بس لأنو انت طالبت بالاعتذار انا بطلت”.

الى ذلك، قال ميقاتي لبري: “أريد أن أطلب من الجامعة اللبنانية اضافة cours عن المفاوضات على حافة الهاوية”، فرد باسيل: “هذه تأتي بالفطرة ولا تحتاج الى علم”. سجال آخر دار بين النائب ستريدا جعجع وباسيل، الذي دعا الى أن “ينتخب الرئيس من الشعب”، فردّت جعجع: “إمشي لكن بسمير جعجع فهو الأقوى مسيحياً”. وقال باسيل: “ما تشوشي في أمور جانبية”، فكان جوابها: “هو الأقوى مسيحياً حط إيدك عا شواربك”. ليعود ويقول: “اللي بحط إيدو عا شواربو هوي اللي بيحكي عن داعش وسوريا مش أنا”، لتردّ جعجع: “اللي عندو شوارب بكون رجّال”.

وفي هذا الاطار، أشار أحد المتابعين الى أن ما جرى في جلسة الأمس ليس تبادلاً للاتهامات أو السجالات انما تبادل للأدوار في مسرحية مستمرة على الشعب اللبناني أبطالها النواب، ومكانها مسرح البرلمان. المسرحية الكبيرة التي استمرت على مدى سنوات باتت في نهاية فصولها، وهي على مشارف الانتهاء والاختتام. ولم يعد بإمكان المنظومة الضحك على الناس والتعامل معهم على أنهم مشاهدون أغبياء. أبطال مسرح البرلمان، فشلوا في كل شيء الا في لعب أدوارهم الشريرة التي باتت مكشوفة، لكن للأسف سيتحمل نتائجها الشعب الذي ينتظره المزيد من الخراب والانهيار. مع التأكيد هنا أن المجتمع الدولي سيجعل هذه المنظومة تدفع ثمن أفعالها، وسيفرض المزيد من العقوبات عليها. والمخرج الرئاسي سيأتي بعد انضاج المسارات والتسويات الخارجية التي تطبخ على نار هادئة، لكنها لن تكون هذه المرة على حساب لبنان، ولن تغلب الفريق المستقوي بالسلاح على غيره. التسوية ستأتي لمصلحة الشعب اللبناني، وغداً لناظره قريب. مع الاشارة الى أن هناك دينامية داخلية بموازاة الدينامية الخارجية.

وللخروج من المأزق الرئاسي، برز أكثر من طرح ومن أكثر من جهة دولية ومحلية، وآخرها دعوة السفارة السويسرية في بيروت مختلف الأطراف، إلى مأدبة عشاء، تمهيداً لعقد طاولة حوار في سويسرا إلا أن الدعوة ولدت ميتة، ولم تتم بسبب مقاطعة بعض القوى الذي تخوف من خلفياتها السياسية. أما في الداخل، فقد دعا الرئيس بري الى حوار، لكن لم يكتب له النجاح، واعتذر عن السير قدماً في هذا التوجه نتيجة الاعتراض والتحفظ لاسيما من كتلتي “القوات” و”التيار الوطني الحر”.

وتداركاً للتداعيات الخطيرة للواقع القائم منذ سنوات، دعا البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي خلال أكثر من عظة ومناسبة الى مؤتمر من أجل لبنان بإشراف الأمم المتحدة، وهذا ما كرره على هامش ملتقى البحرين للحوار امس.

وفيما أكدت مصادر مقربة من بكركي أن المسار السياسي منذ سنوات يشير الى أن هناك الكثير من الاصلاحات التي يجب القيام بها في مختلف المؤسسات، ومن دون ذلك سنستمر في الوضع الراهن، أشار أحد الناشطين الى أن البطريرك الراعي ثابت في موقفه، انطلاقاً من حرصه على ضرورة صون الهوية اللبنانية الحضارية في مواجهة محاولات الانقضاض عليها، وضرورة العودة الى منطق الدولة والدستور، وتأكيده على حاجة الانتقال الى دولة المواطنة وتجاوز كل المنعزلات الطائفية والمذهبية. من هنا مشاركة البطريرك الماروني في ملتقى البحرين للحوار، التي تؤكد عملياً على استمرار نضاله من أجل لبنان، وهو يحمل إرث البطريركية المارونية، لكن حتماً بالشراكة مع إخوته في المواطنة. لذلك، رأيناه محاطاً بمرجعيات إسلامية، سنية وشيعية، وهذه الاحاطة لها رمزية أساسية. انعقاد المؤتمر الدولي برعاية الأمم المتحدة، مسار طويل، وعلينا الاستمرار في مراكمة النضال، لتعود القضية اللبنانية الى أولوية الأجندات العربية والدولية مع أن هناك مؤشرات واضحة على أن لبنان غير متروك على المستوى العربي والدولي، وهناك حرص كبير على انقاذه وتحييده عن الصراعات القائمة. وهناك خوف كبير أيضاً على استمرار بعض القوى التي تحمل إيديولوجيا وأجندة إقليمية لا علاقة لها بالقضية اللبنانية من الاستمرار في الانقضاض على الدستور، وتدمير المؤسسات الدستورية اللبنانية. علينا أن ندرك أن هناك آلية ومنهجية علمية وعملية للذهاب في اتجاه بلورة نوعية المؤتمر الذي يجب أن يعقد، والأجندة التي سيحملها والتي تتعلق بالقضايا البنيوية التي يعاني منها لبنان، وفي الوقت نفسه من هي الأطراف التي ستكون حول الطاولة.

من جهة ثانية، وفي ظل القطيعة بين “التيار الوطني الحر” وحركة “أمل”، لفتت معلومات الى امكان خلط الأوراق الرئاسية من خلال اعادة التواصل بين الحركة و”القوات” و”اللقاء الديموقراطي” و”الكتائب” وبعض المستقلين، والتوافق على اسم لرئاسة الجمهورية ، إلا أن مصدراً سياسياً أكد أن هذا الكلام غير دقيق وليس له أي مفعول على أرض الواقع لأن “حزب الله” هو ضابط الايقاع ولا يسمح بذلك. وكل السجالات القائمة تهدف الى شد العصب الطائفي والمذهبي، وهذه مسرحية رأينا مثلها سابقاً وتعودنا عليها. وما جرى بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف في تشكيل الحكومة يصنّف من هذا النوع من المسرحيات، لكن في النهاية المنظومة متواطئة لادخالنا في شغور رئاسي، وفتح مسار النقاش في النظام اللبناني،

ما يعني أن الانقلاب على الطائف لا يزال مستمراً. انها أجندة الحزب و”التيار” في الواجهة.

“الدستوري” يرد 4 طعون

على صعيد آخر، بعد بتّ الدفعة الأولى من الطعون النيابية الـ15 المقدّمة أمام المجلس الدستوري، صدرت أمس دفعة جديدة من النتائج، قضت برد أربعة طعون من دوائر بيروت الاولى والثانية وكسروان وجزين،ضد كل من: النائبة سينتيا زرازير، النائبين فيصل الصايغ ووضاح الصادق، النائب فريد الخاز،والنائب سعيد الأسمر. فيما يبقى البتّ بالطعون الأخرى إلى جلسة لاحقة حيث يُبقي المجلس جلساته مفتوحة.

شارك المقال