بري يضرب عون قضائياً… وهل يولّد العقم السياسي إرهاباً؟

لبنان الكبير

هو العقم السياسي الذي ما بعده عقم، المنعكس سلباً الى أبعد الحدود على حياة المواطن اليومية والمعيشية وحتى الأمنية، والمسؤولون قبل ساعات من جلسة انتخاب رئيس الجمهورية يستمرون في غناء مواويلهم، وتقديم أرقى السجالات الزجلية، ويستمتعون بأيامهم ولياليهم على ايقاع العتابا التناحرية، وموال أبو الزلف ليكتمل مشهد الاحتفال بالبلد المنكوب والشعب المنهوب. ولعل ما قاله أحد الديبلوماسيين المخضرمين يعبّر خير تعبير عن الحالة التي وصلنا اليها: السياسيون في لبنان يتصرفون وكأنهم وصلوا حديثاً من كوكب عطارد أو أنهم ركبوا فوق أكتافهم رؤوساً عاطلة عن العمل أو وضعت خارج الخدمة. البعض منهم مرتاح لخيار الاستمرار في التعطيل من خلال الانتخاب بالورقة البيضاء بعيداً عن الحسابات ووجع الرأس، وتفادياً لاحراق الأسماء والمراحل. وحرص رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل قبل سفره الى قطر على أن يغادر مطمئن البال بعدما أوعز الى تكتله بعدم التصويت لأي شخصية طالما لم يتوضح المشهد بعد. وبالتالي، تستحق الطبقة السياسية، التهنئة لعدم استخفافها بالاستحقاقات الدستورية المصيرية خصوصاً أن البلد بألف خير، والناس تعيش في بحبوحة، وصفيحة البنزين لم تصل بعد الى المليون ليرة، والأمن ممسوك والوضع مستقر ومستتب.

وطالما أن المسؤولين غارقون في نومهم العميق، مطمئنون الى أن جلسة اليوم لن تشهد أي تغيير يذكر، وأن البلد أمام حائط مسدود، ومكشوف ومفتوح على كل الاحتمالات، ستكون البداية مع الواقع الأمني بحيث أن تحذير مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، من أن لبنان مفتوح أمام كل السيناريوهات، بما فيها تفكك كامل للدولة، لم يمر مرور الكرام بل زاد من منسوب الهلع لدى اللبنانيين الذين يعيشون الهاجس الأمني بصورة يومية، بحيث أشارت الى أن “القوى الأمنية والعسكرية قد تفقد السيطرة، وتكون هناك هجرة جماعية. وفي الوقت نفسه أتخيل أن البرلمانيين أنفسهم سيحزمون حقائبهم ويسافرون إلى أوروبا حيث ممتلكاتهم”.

تصريح المسؤولة الأميركية، دفع وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي الى الطمأنة والاعلان أن “الوضع الأمني بالنسبة الى الظروف التي نعيشها جيد ومقبول”، مشيراً الى أن “شعبة المعلومات تمكنت خلال العام 2022 من توقيف ثماني خلايا إرهابية، ونحن نتقيّد بمهنيّة التحقيق وسرّيته، وما نكشف عنه هو لطمأنة اللبنانيين فقط، والأجهزة الأمنية ساهرة على تأمين حمايتهم”.

وعطفاً على ما أعلنه مولوي، أصدرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي – شعبة العلاقات العامة، بلاغاً توضيحياً، لفتت فيه الى أنه “بنتيجة المتابعة الاستعلامية والميدانية، التي تقوم بها القطعات المختصّة في شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي لجهة المتابعة الجدّيّة لنشاطات الخلايا الإرهابية وبصورةٍ خاصّة تلك المرتبطة بتنظيم داعش الإرهابي، تمكّنت الشعبة من تنفيذ عمليات نوعية استباقية دقيقة خلال صيف عام 2022، (اعتباراً من شهر تموز لغاية شهر تشرين الأول)، أسفرت عن رصد ثماني خلايا إرهابية وتحديدها وتوقيفها في مختلف المناطق اللبنانية (البقاع – بيروت – الشمال – الجنوب – جبل لبنان) ينتمي أعضاؤها إلى تنظيم داعش الارهابي. وتبيّن بعد التحقيق معهم تخطيطهم للقيام بعمليات إرهابية تستهدف مراكز عسكرية وأمنية وتجمّعات دينية ومدنية مختلفة. وبلغ عدد موقوفي هذه الشبكات، ثلاثين إرهابياً غالبيتهم من الجنسية اللبنانية، وآخرين من الجنسيّات السورية والفلسطينية وإرهابي من الجنسية المصرية، وقد أحيلوا جميعاً على القضاء المختص. كما تبيّن من خلال التحقيقات معهم، أنه خلال تواصلهم مع قيادات التنظيم في الخارج كانوا يطلبون تسهيل أمر خروجهم من لبنان للذهاب والقتال في سوريا أو العراق، فكانوا يشدّدون على البقاء في لبنان بغية تنفيذ أعمال إرهابية فيه، كون الظروف في هذا البلد قد أصبحت مؤاتية لذلك”.

وإذا كانت المديرية لم تعلن عن هذه المعطيات والتوقيفات في حينه، لعلمها أن ذلك قد يؤثّر سلباً على حركة السيّاحة وموسم الاصطياف، فإنه لا بد من التساؤل: هل أصبح البلد في مرمى الخلايا الارهابية فعلاً في ظل الظروف المؤاتية لأعمالها؟

أحد الخبراء العسكريين أجاب بأنه لا يمكن استبعاد وجود خلايا ارهابية في أي دولة من دول الشرق الأوسط، ولكن بعد التجرية التي مرت بها عدة دول مع تنظيم “داعش” وغيرها من التنظيمات المماثلة، فإن كل المجتمعات على الصعيدين الشعبي والأمني في حالة استنفار ضد هذه المجموعات التخريبية التي تتعاطى مهنة القتل الأعمى. في لبنان، أصبحت لدينا أجهزة ونشاطات أمنية مكثفة قد تفوق حاجة لبنان، وهذه الحالة تدفع الى نوع من التنافس بين الأجهزة التي تتسابق لتسجيل مواقف بطولية في مكافحة الارهاب والجريمة. مثل هذه الحالة تدفعنا الى الخشية من أن يكون هناك مغالاة في توصيف الحدث الأمني، والاعتقاد أن هناك نوعاً من افتعال البطولات.

في حين اعتبر أحد العمداء المتقاعدين أننا في مرحلة الفراغ، وكل فريق يحاول فرض آرائه السياسية عبر اطلاق شائعات محددة بهدف الاستحواذ على مواقف سياسية داعمة له. كلما يكون هناك فريق محشور في الزاوية، يتحدث عن وجود خلايا ارهابية، وكلما يكون وضع ايران وأذرعها مأزوم، تبدأ ببث الأخبار عن الخلايا الارهابية، وكلما ارتاحت الى وضعها تختفي مثل هذه الأخبار. وعلى الرغم من ذلك، لا يخلو الأمر من أن هناك خلايا ارهابية نائمة لأننا لسنا في حالة استقرار واسترخاء، لكن بأحجام محدودة نتيجة عدم الاستقرار. من يمسك الأمن على الأرض ومن يسيطر على القرار السياسي وعلى قرار الحرب والسلم والقرار الاستراتيجي هو “حزب الله”. حين تضخّم الأخبار عن خلايا ارهابية يعني أن من يمسك القرار هو من يثير هذه الأخبار.

شكوى من بري والقاضية عون تتراجع

على صعيد آخر، تراجعت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون عن تغريدة اتهمت فيها عدداً من السياسيين بامتلاكهم حسابات مجمّدة في البنوك السويسرية. ويأتي تراجع القاضية عون إثر شكوى تقدّم بها رئيس مجلس النواب نبيه بري لدى المدعي العام التمييزي غسان عويدات ضدها بعد ورود اسمه في اللائحة التي نشرتها.

وتعليقاً على ذلك، لفت أحد الحقوقيين الى أنه لا بد من الانطلاق من حقيقة ثابتة: كشف الحقيقة مهما بلغ ثمنها، ومحاسبة المرتكب والمجرم والفاسد بغض النظر عن انتمائه الطائفي والمناطقي والحزبي. لكن لا بد من ايضاح بعض الأمور: أولاً، اذا أراد القضاء أن يحقق في قضية أو يفتح ملفاً ما، فلا يجوز أن يدخل في لعبة الأسماء قبل اجراء التحقيق كاملاً، والوصول الى نتيجة. العمل القضائي لا يجوز أن يتحول الى عمل اعلامي، وهذا ما تقوم به القاضية عون بغض النظر إن كانت الأسماء مرتكبة أو غير مرتكبة. ثانياً، العمل القضائي يتطلب تحقيقات وجمع الأدلة والبراهين والمعطيات والوثائق لكشف الحقيقة كاملة التي لا تقبل الشك أو الريب. ثالثاً، لا تجوز الاستنسابية والزبائنية والانتقائية في العمل القضائي، ويجب السير بالملفات مع بعضها لأنه لا يجوز للضمير القضائي أن يتحول الى انتقائي.

من جهة أخرى، لا تزال الملاحقات مستمرة في هيئة إدارة السير والمركبات وفي مصلحة تسجيل السيارات، اذ أشارت معلومات الى أن الأجهزة الأمنية تقوم بمراقبة موظفين يعملون في الدوائر العقارية في محافظتي جبل لبنان وبيروت، تمهيداً لاستدعاءات بشأن ملف ضبط الادارات الرسمية.

وشدد أحد المتابعين على أنه أينما وجد الفساد يجب اقتلاعه وملاحقة الفاسدين من القضاء المختص الذي عليه التمييز بين الفاسد والآدمي. والمتعارف عليه أن هناك الكثير من المؤسسات التابعة للدولة تعتبر أوكاراً للصوص، ومن بينها النافعة والمالية والمؤسسات العقارية والطاقة والمياه والاتصالات والكهرباء والسدود وغيرها حيث يتم ابتزاز الناس. أي ملف يمكن أن يكشف مغاور الفساد والسرقات والسمسرات في المؤسسات العامة التي تحولت الى محيط عميق فيه الكثير من الدهاليز.

شارك المقال