“شورباء” دستورية… طبخة الرئيس لم تنضج

لبنان الكبير

هي مرحلة الشغور والفراغ والتعطيل بامتياز. وهي الأيام الرمادية القاحلة التي لا طعم ولا لون لها، يمر بها البلد وكأنه يعيش على هامش الزمان والمكان، والسلطة تستمر في لعب دورها والافادة من الوقت الضائع قبل تلقيها الاشارات الخارجية، فتقدم العروض الأسبوعية على مسرح مجلس النواب، لكن بسيناريو متكرر، ملّ منه اللبنانيون لأن أحداثه متوقعة، وأبطاله يرددون المعزوفة نفسها، ومشاهده مألوفة على الشكل التالي: ترفع الستارة، وتنطلق الجلسة، وينتخب نواب الأمة، لتعود الستارة وتسدل مرة جديدة من دون نهاية سعيدة أو حزينة. لكن ما لا يدركه المسؤولون أن نهاية البلد ستكون على أيديهم، حزينة، ولن يرحمهم التاريخ لأنهم أطلقوا رصاصة الرحمة على شعب بأكمله تماماً كتلك الرصاصة التي اخترقت سطح الطائرة التابعة لـ “طيران الشرق الأوسط” أثناء هبوطها في مطار رفيق الحريري الدولي.

بعد أيام على بدء حقبة الفراغ الرئاسي، لا شيء جديد يلوح في الأفق لابعاد البلد عن فوهة البركان المهدد بالانفجار في أي لحظة، وهذا ما تعترف به الجهات الداخلية والخارجية، والتي تحذر من تداعيات الشغور والفراغ والتعطيل وانعكاساتها. وما يزيد الأفق انسداداً، المعطيات التي تشير الى أن هناك بعض الكتل والنواب يدرس خياراته في عدم حضور أي جلسة تشريعية قد يدعو اليها رئيس المجلس نبيه بري على اعتبار أن الأولوية اليوم لانتخاب رئيس الجمهورية، ما يعني السير وفق المعادلة التالية: تعطيل جلسات الانتخاب يقابلها تعطيل جلسات التشريع. وبالتالي، ربما نكون أمام باب جديد من الخلاف والانقسام في المجلس النيابي .

وفي هذا السياق، أكد أحد نواب المعارضة لموقع “لبنان الكبير” أن هذا الخيار وارد جداً لأن الأولوية اليوم لانتخاب رئيس الجمهورية، واعادة انتظام السلطة من رأس الدولة الى الحكومة وصولاً الى كل المؤسسات العامة. ثم لا بد أن نسأل هنا: بماذا تفيد التشريعات طالما أنها لا تسلك طريقها نحو التنفيذ؟ نحن ندرس هذا الخيار مع قوى أخرى، لكن لا شيء محسوم في هذا الاتجاه حتى اللحظة. فيما رأى نائب آخر أنه لا تجوز مقاطعة الجلسات التشريعية لأن ذلك يعني أننا نزيد تأزيم الأمور خصوصاً أن هناك تشريعات ملحة، لكن في الوقت نفسه يجب أن يقف النواب وقفة ضمير وأخلاق ووطنية، وينتخبوا رئيساً للبلاد بعيداً عن التعطيل، لأننا وصلنا الى دائرة الخطر لا بل الأكثر خطورة في تاريخ لبنان.

وانطلاقاً من هذا الخيار، يمكن تفسير بعض المواقف التي صدرت عن بعض النواب خلال الجلسة، إذ سأل رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميّل، رئيس المجلس عن المواد الدستورية المعمول بها لتحديد سير الجلسات من حيث الانتخاب، وتحديد النصاب؟، فأجابه بري: “اقرأ الدستور”. رد الجميّل: “سبق وقرأته جيداً جداً”، ليرد بري: “سأفسر لك لاحقاً”. كما اقترح النائب ملحم خلف، جلسة انتخاب مفتوحة لا تنتهي الا بانتخاب رئيس للجمهوريّة ولو تطلّب الأمر عدّة أيّام لأن لا وقت ولا رفاهيّة لانتظار أيّ تسوية، ومن الضّروري استنباط حلول من المواد الدّستوريّة لانتخاب رئيس جديد. فردّ عليه الرئيس بري: “ما بدي كتّر الاستنباطات، عم تعطيني شي مش وارد، بلا محاضرات”. وذكر بنص المادة 74 من الدستور التي تنص على أنه “إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر، فلأجل انتخاب الخلف، يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون. وإذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلاً، تدعى الهيئات الانتخابية من دون ابطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الأعمال الانتخابية”. كما تنص المادة 49 على أن “رئيس الجمهورية ينتخب بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي”. أما النائب نديم الجميّل، فقال: “مع احترامي للمجلس الكريم، فمن يشاهدنا منتظراً انتخاب رئيس يسأل ما اذا كانت الجلسات (مسخرة) أو مجرد فولكلور لأنّ الشعب اللبناني يدفع ثمن التراخي الذي يحصل اليوم”. فردّ برّي قائلاً: “إذا بدكن انتو بتعملوها مسخرة”.

وفي الجلسة الخامسة، جاءت النتيجة اثر انتهاء الدورة الأولى على الشكل التالي: 44 صوتاً للنائب ميشال معوض، 6 لعصام خليفة، صوت لزياد حايك، صوت للوزير السابق زياد بارود، 6 “لبنان الجديد”، صوت “لأجل لبنان”، صوت “خطة ب” (ملغاة) و47 ورقة بيضاء. ثم طيّر نواب 8 آذار النصاب، ورفعت الجلسة ثم حدد بري موعداً جديداً للجلسة السادسة لانتخاب رئيس، يوم الخميس المقبل في 17 تشرين الثاني الجاري.

وفيما اعتبر بعض النواب أن ما يجري في جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، جريمة بحق لبنان وبحق الشعب، أبطالها النواب الذين يعطلون النصاب أو ينتخبون بورقة بيضاء، واصفين الحالة بالاستعصاء السياسي، أوضح أحد الخبراء الدستوريين لـ “لبنان الكبير” هذا المسار العقيم، لافتاً الى أن “من الثابت أن رئيس مجلس النواب، عملاً بأحكام النظام الداخلي للمجلس النيابي، تحديداً المادة 54 و55 منه، يتمتع بسلطة اجرائية في اطار إدارة جلسات مجلس النواب، لكن يفترض بالرئيس بري أن يستند الى مواد دستورية من جهة والى مواد النظام الداخلي من جهة ثانية. اليوم، يوجد خلاف حول موضوع النصاب اذ هناك من يقول ان النصاب يجب أن يبقى 86 نائباً، وهناك سوابق بذلك، والبعض يقول ان النصاب ممكن أن ينخفض الى 65 نائباً. تم اعتماد عرف دستوري منذ العام 1976 حتى تاريخ اليوم، بنصاب الثلثين دائماً في كل دورات الانتخاب. وبالتالي، ليس هناك من نص دستوري صريح وواضح. والمادة 49 ملتبسة، وعند وجود الالتباس، نذهب الى التفسير والى العرف. كما أن المادة 49 لا تتضمن النصاب انما أكثرية الفوز، وتماهياً مع نصاب الفوز، ذهب الفقه الدستوري الى اعتماد نصاب الثلثين دائماً في كل دورة اقتراع. هذا نتاج اجتهاد دستوري وعرف دستوري. ما يقدم عليه الرئيس بري هو انفاذ لعرف دستوري واجتهاد اتبعه مجلس النواب منذ العام 1976 حتى اليوم. الظاهر أن طبخة انتاج رئيس جمهورية لم تنضج بعد. وبالتالي، هناك ضرورة لابقاء مجلس النواب منعقداً ولدورات متتالية ومتعاقبة وصولاً الى الاتفاق على اسم رئيس لأن الدستور لا ينص على جلسات انما على دورات. ويفترض برئيس مجلس النواب أن يعقد جلسة للمجلس، وتستمر في اطار دورات متتالية على أن يتخللها امكان التشاور بين الكتل النيابية على الأسماء بين دورة وأخرى، لكن على أن تبقى الجلسة مفتوحة وصولاً الى انتخاب الرئيس. وربما يوم واحد غير كاف لانجاز كل الدورات التي قد تستغرق أياماً قبل الظهر وبعده أي يخصص مجلس النواب نفسه فقط لانتخاب الرئيس. وبالتالي، الرئيس بري يحاول أن يحافظ بهذا الأداء على عدم السماح لغالبية معينة من التحكم بانتخاب الرئيس، ويحاول الابقاء على نصاب الـ 86 من أجل عدم السماح لرزمة من النواب بايصال رئيس جمهورية بـ 65 صوتاً. والمخرج يكون بدورات متتالية حيث يبقى مجلس النواب في حالة انعقاد حتى انتخاب رئيس الجمهورية، اذ ليس هناك من أولوية قبل انتخاب رئيس الدولة.

هوكشتاين: الترسيم لا ينهي التوتر بين الحزب وإسرائيل

على صعيد آخر، وفيما أفيد أن المنشآت النفطية في طرابلس، تعرضت لسرقة آلاف الليترات من المازوت من بعض خزاناتها على مدى عدة أشهر بالاضافة إلى أغطية حديدية، أكد الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في حديث صحافي أن “الاتفاق بين لبنان وإسرائيل يعزز الأمن في المنطقة نظراً الى وجود حدود بحرية نهائية بينهما، لكنه لا يحل النزاعات بين لبنان وإسرائيل ولا ينهي التوتر بين حزب الله والجيش الاسرائيلي”، مشيراً الى أن “شركات الغاز ستبدأ بالعمل بعد الاتفاق معها، وسيتدفق الاستثمار الأجنبي إلى لبنان لتعزيز ازدهاره. انني واثق من أن إسرائيل ستواصل الامتثال لاتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان”.

القاضية عون أمام النيابة العامة التمييزية الاثنين

الى ذلك، أفادت “الوكالة الوطنية للاعلام” بأن النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، تبلغت إستدعاءها الى جلسة أمام النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، عند الساعة العاشرة من قبل ظهر يوم الاثنين في 14 الجاري، للاستماع اليها على خلفية الشكوى التي تقدّم بها الرئيس بري بإسمه وإسم عقيلته رندة، بواسطة وكيلهما علي رحال، بجرائم القدح والذم.

شارك المقال