البطاركة: لرئيس ينقذ لبنان… نصرالله: حسب مواصفاتنا

لبنان الكبير

على من تقرأ مزاميرك يا داود؟ على المسؤولين الذين أصابهم الطرش والعمى والخرف والجشع، وحوّلوا البلاد الى برج بابل حيث لا أحد يفهم لغة الآخر، ولا أحد يسمع لأحد، وألسنة شرهم تحرق الأخضر واليابس غير مهتمين بكل المناشدات الدولية والمحلية، بالعودة الى الضمير، واخراج الشعب من جهنمهم؟

آخر الصرخات الانقاذية جاءت على لسان مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك الذي بعد أن فقد الأمل بالممسكين بالسلطة، أعلن أنه سيعمل على وضع خطة تقضي بتعيين “لجنة حقيقة ومصالحة”، تضمّ حكماء وتعمل على التواصل مع جميع الأفرقاء اللبنانيين دينيين وسياسيين ومدنيين لتهيئة الأجواء تمهيداً للدعوة إلى الحوار. المصالحة باتت ضرورة ملحّة لأنّ لبنان يمرّ في أخطر مرحلة من تاريخه السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي. لا أولوية تعلو على أولوية انتخاب رئيس للجمهورية الذي بدونه لا حماية للدستور ولا إشراف على انتظام عمل مؤسسات الدولة ولا فصل للسلطات ولا خروج من الشلل السياسي والاقتصادي والمالي. الدولة من دون رئيس تقع في الشلل الكامل.

مواقف من الصرح البطريركي، تزامنت مع كلمة الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله من الضاحية الجنوبية لمناسبة يوم شهيد الحزب، التي شدد فيها على “أننا نريد رئيساً للجمهورية مطمئناً للمقاومة، أي يكون رجلاً لا يخاف، شجاعاً، ويقدم المصلحة الوطنية على خوفه، وأن يكون رئيساً لا يباع ولا يشترى. المصلحة الوطنية الكبرى هي أن ينتخب رئيس في أسرع وقت ممكن. وضرورة انتخاب رئيس للجمهورية لا تعني أن نملأ الفراغ بأي رئيس”.

هي الرئاسة الأولى، الشاغرة والشاغلة لكل المحاور والأطراف والقوى الفاعلة، لكن كل المحاولات لا تزال نتيجتها صفراً مكعباً بعد قرابة أسبوعين من عمر ولاية الفراغ مع تحول جلسات انتخاب رئيس الجمهورية الى مسرحية أسبوعية تعرض على مسرح مجلس النواب، ودخل البلد معها في دوامة عقيمة، اذ أصبح لدى الجميع قناعة بأنها لن تؤدي الى انتخاب رئيس جديد لا بل ربما ستشهد على مناكفات واختلافات حول التفسيرات الدستورية على غرار ما حصل في الجلسة الأخيرة ما دفع قوى المعارضة الى درسٍ النصوص القانونية المتعلقة بنصاب جلسات الانتخاب، والبحث عن طروحات عدة كمقاطعة الجلسات التشريعية في حال دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري على اعتبار أن الأولوية اليوم لانتخاب رأس الدولة.

وفي وقت استشرف كثيرون هذا الانسداد الرئاسي منذ أشهر، كثرت التحليلات والتوقعات، فبعضها تحدث عن تسوية قوامها التوافق على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في سلة واحدة بحيث تسمي الموالاة رئيس الجمهورية، وتسمي المعارضة رئيس الحكومة، لكن هذه التسوية تبقى في اطار النظريات وغير مطروحة على طاولة البحث، بحسب ما أكد نواب من مختلف الكتل لموقع “لبنان الكبير”، والتشاور يركز اليوم على اجراء الاستحقاق الرئاسي، ثم تكلف شخصية لتشكيل حكومة وفق الآلية الدستورية الديموقراطية. كما أفادت معلومات بأن طبخة الرئاسة توضع على نار هادئة في الخارج، لكنها لم تنضج، وظروف انتاج الرئيس لم تتوافر بعد. ويبدو أن كل المؤتمرات الدولية أو طاولات الحوار التي حُكي عنها، في محاولة لخرق الجدار الرئاسي، لم تكن واقعية أكثر مما هي طروحات تم تداولها مع المعنيين. أما على الصعيد الداخلي، فقد اقترح الرئيس بري مبادرة، تقضي بالتحاور بين مختلف القوى السياسية على أمل اخراج الاستحقاق الرئاسي من عنق زجاجة التعطيل، لكنها لم تجد سبيلها الى التطبيق بسبب اعتراض أكبر فريقين مسيحيين عليها، هما “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”. من هنا يحمّل البعض مسؤولية الشغور الرئاسي للجانب المسيحي انطلاقاً من أن “القوات” تتمسك بمرشحها الذي يعتبره الفريق الآخر مرشح تحدّ، ولن يسمح بإيصاله الى سدة الرئاسة كما أن رئيس الحزب سمير جعجع لا يريد التعاون أو الاتفاق مع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، كأكبر كتلتين مسيحيتين، على اسم معين، ويرفض رفضاً قاطعاً وصول رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية إلى قصر بعبدا. أما لناحية “التيار” الذي لن يقبل بدوره، بالتصويت لفرنجية فانه لن يرضى أن يكون الرئيس المقبل من ضفة المعارضة المسيحية أو قائد الجيش العماد جوزيف عون.

وفي هذا السياق، أشار أحد نواب المعارضة لموقع “لبنان الكبير” الى أنه “لا يمكن تحميل المسؤولية للمعارضة وللكتل السياسية التي حسمت أمرها في حضور الجلسات، والتصويت لاسم معين، وعدم تعطيل النصاب. لا يمكن أن نوجه الاتهام الى هذه الفئة بالتعطيل بينما الطرف الآخر يحضر الجلسة، ويصوّت بأوراق بيض، ويعطل النصاب في الدورة الثانية. انها قمة الوقاحة والاستهتار في تحميل الفريق الآخر مسؤولية الشغور لأنه لم يقبل بالرئيس الذي يريده فريق الممانعة. علينا أن نتعود على أن اللعبة الرئاسية لن تتم كما في السابق حين كان يسقط اسم الرئيس على مجلس النواب. واذا كانوا يعتبرون أن الاسم الذي نصوّت له مرشح تحدّ، فليطرحوا هم بدورهم اسم تحدّ، ويصوّتوا له في المجلس، ومن يحصل على 65 صوتاً، يصبح رئيساً للجمهورية”.

أما أحد نواب الموالاة فرأى أن “الشغور الرئاسي ليست له علاقة بأفرقاء انما بطبيعة البرلمان المشتت والمؤلف من مجموعات صغيرة، وامكان الجمع بينها ليس سهلاً مما يقتضي ضرورة التفاهم والحوار والنقاش المستمر بين مختلف الكتل. اذاً، القضية ليست طائفية على الرغم من أن الكلمة الأولى للمسيحيين في تسمية مرشح يمكن أن يجمع الكل حوله، لكن الشغور سببه تركيبة البرلمان التي تشكل صعوبة غير معهودة. والتصويت بورقة بيضاء هو تصويت، وعمل ديموقراطي كما أن اللجوء الى هذا النوع من التصويت يهدف الى عدم حرق أسماء معينة”.

فيما اعتبر أحد المحللين السياسيين أن جزءاً من المسيحيين التابعين لمحور الممانعة يعطلون انتخاب الرئيس، ولا يجوز ان نختبئ خلف اصبعنا، البلد مقسوم الى فريقين: فريق الممانعة الذي يصوّت بورقة بيضاء، وفريق ينتخب لصالح شخصية معينة. الفريق المأزوم اليوم هو الفريق الذي ليس لديه مرشح أما الفريق السيادي، فلديه مرشحه. طرف الموالاة، يتخبط بسبب خلافات القوى المنضوية تحت لوائه، ولهذا يحاول الاختباء خلف الورقة البيضاء. “حزب الله” لا يزال يحاول الحفاظ على حليفيه ان كان فرنجية الذي لا يقبل به “التيار الوطني الحر”، وباسيل الذي لا يقبل به الرئيس بري، ويحاول ايجاد طريقة لابقاء الرئاسة تحت جناحه، وفي الوقت نفسه، لا يريد أن يخسر أحداً من حلفائه. وهنا لا بد من الاشارة الى أنه حين يتحدث عن تسوية من دون أن يطرح مرشحاً ثالثاً يعني عملياً أنه يجب الاختيار بين فرنجية وباسيل. هذا الفريق مأزوم، ولا يعترف بالأزمة، ولا بتعطيله جلسات الانتخاب، ويرفع مسؤولية التعطيل عنه، ويرميها على الآخرين غير مهتم بتداعيات ذلك وانعكاساته على البلد واقتصاده. واذا كان جدياً في طرح الحوار، فليحصل ذلك في المجلس، ويبقي النصاب مكتملاً في الدورات المتتالية، لينتخب الرئيس. مع التأكيد هنا أن الجهة المخولة تفسير الدستور هي المجلس الدستوري الذي ألغي دوره، وانتقلت هذه الصلاحية الى مجلس النواب ثم الى رئيس المجلس حصراً.

شارك المقال