“الريموت كونترول” الرئاسية… ضائعة

لبنان الكبير

ما النفع أن يعلن وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال وليد نصار حملة موسم الشتاء والأعياد على غرار حملة “أهلا بهالطلة” الصيفية طالما أن اللبنانيين يعيشون خارج اطار الفرح والسلام والبحبوحة، وتحولت “طلة” الأعياد والمناسبات الى ذكرى ثقيلة عليهم وعلى عائلاتهم بسبب الضائقة الخانقة التي يمرون بها؟ و”أهلا بهالشتوية” أصبحت “أهلا بالبهدلة والصقيع” في ظل ارتفاع أسعار المحروقات بصورة جنونية. والأنكى من ذلك أن المسؤولين لا يحاولون ولو مرة انقاذ البلد لأنهم منقسمون، متناحرون، كيديون، يتمترسون خلف مصالحهم، وهذا ما ظهر جلياً في جلسات انتخاب رئيس الجمهورية التي حوّلوها الى جلسات فولكلورية هزلية عقيمة. وكما يتم ترحيل انتخاب الرئيس الى الجلسة المقبلة كذلك حصل مع قانون “الكابيتال كونترول” الذي يرحل من جلسة الى أخرى لأن عدوى التعطيل تفشت بين الكتل النيابية، وأصبحت تهدد الحياة السياسية، والمؤسسات الدستورية برمتها.

وبين “الكابيتال كونترول”، واستعراض المواقف النيابية المتعارضة والمتناقضة ضمن الفريق الواحد، و”الريموت كونترول” الرئاسية التي تتحكم بها قوى خفية تدير اللعبة وتحدد مسارها بعد اتضاح الصورة، فإن الكثيرين يرجحون أن يكون انقشاع الرؤية مع بداية السنة الجديدة، ولا جديد في المشهد الرئاسي أمس سوى الزيارة التي قام بها النائب تيمور جنبلاط الى بكركي حيث أعلن أن نواب “اللقاء الديموقراطي” سيواصلون انتخاب النائب ميشال معوض لرئاسة الجمهورية. كما عُقد في المجلس النيابي، اجتماع موسع ضمّ 19 نائباً يمثلون 32 نائباً مستقلين وتغييريين ومنضوين في كتل “الكتائب” و”التجدد” و”مشروع وطن” و”الائتلاف النيابي المستقل”، وأعطى المشاركون الأولوية المطلقة لكسر جدار التعطيل، والتوجه فوراً الى انتخاب رئيسٍ للجمهورية كمدخل لإعادة انتظام المؤسسات تطبيقاً للدستور وإنقاذاً للبلاد. وحذروا من خطورة الغوص في جلسات تشريعية تكون عاملاً في تكريس الشغور الرئاسي.

وفي هذا السياق، لفت أحد المراقبين الى أن هذه المحاولات المتكررة أسبوعياً وربما يومياً في تقريب المواقف بين أطياف المعارضات النيابية، يمكن أن تؤدي الى بلورة موقف سياسي على خلفية الموقف التشريعي أي ان هؤلاء النواب سيتفقون على رفض قيام مجلس النواب بعمل تشريعي نزولاً عند منطق الدستور الذي يحوّل المجلس الى هيئة ناخبة فقط. لكن هذا الاتفاق، على هذا المستوى، مرشح للتوسع بمعنى أن يشمل مسألة الانتخاب الرئاسي لأن السيد حسن نصر الله بشكل أو بآخر قدم هدية مجانية الى هؤلاء النواب بحيث أن الخيار لديهم بات أسهل، فلم يعد أمامهم الا الانخراط في أحد الاتجاهين: اما انتخاب رئيس لـ “حزب الله” أو انتخاب رئيس للبنان. وهذا الاختبار، بدأ أمس في الاجتماع الذي عقده النواب، وسيتوسع تشاورهم على هذه الخلفية لأن الترف السياسي والتباطؤ في حسم الخيارات لم يعودا ممكنين. “حزب الله” يفرض سياقاً حاسماً أمامهم، وعليهم أن يختاروا الخط الشعبي والسياسي و”الثوري” الذي يمثله التغييريون والنواب المستقلون طالما أن الشعب انتخبهم على خلفية رفض الحالتين المتكاملتين أي السلاح غير الشرعي والفساد. والكل يدرك أن هناك حلفاً جحيمياً بين السلاح والفساد، فلا يمكن أن يرفعوا بعد الآن شعار مكافحة الفساد، ويتجاهلوا شعار مكافحة السلاح غير الشرعي. هؤلاء النواب الذين تشتتوا على مدى الجلسات الخمس لانتخاب الرئيس، باتوا أمام واقع يفرض عليهم الاختيار والقرار، وهذا هو الاختبار الأهم الذي سيخوضونه في الأيام المقبلة.

ودائماً من ساحة النجمة، ومن ساحة التشريعات، وعشية انعقاد الجلسة السادسة لانتخاب رئيس الجمهورية، يبدو أنها ستكون شبيهة بالجلسات السابقة مع إمكان حصول مفاجأة بناء على نتائج لقاء نواب المعارضة أمس، اذ ليس مستبعداً أن تتوسع دائرة المصوتين للنائب معوض. أما على خط الموالاة، فإن الاتصالات لا تزال قائمة بين تكتل “لبنان القوي” وحلفائه، للسير برئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، لكن حتى الساعة لم يتمكن “حزب الله” من اقناع النائب جبران باسيل بالتصويت له، وأشارت المعلومات الى أن الحزب بدأ جدياً بإزالة العوائق من أمام مرشحه، وهذا ما أبلغه الى النائب طوني فرنجية ليكون بذلك وفق أحد المحللين، حشر باسيل في الزاوية خصوصاً بعدما تبين أن حظوظه الرئاسية ضئيلة. وإذا قبل بفرنجية بديلاً من الورقة البيضاء، فهو يشترط ضمانات تبقي حصته السياسية والادارية، وعلى صعيد تعيينات الفئة الأولى، وازنة. أما باسيل، فلديه قناعة بأنه لا يزال قادراً على المناورة في الجلسات الانتخابية، وكسب المزيد من الوقت قبل تجرع كأس القبول بفرنجية خصوصاً أنه يحاول بصورة حثيثة رفع العقوبات الأميركية عنه بوساطة قطرية .

على أي حال، باسيل يدرس خياراته، والكل ينتظر ان كان سيلتقي فرنجية قريباَ، اذ أن المعلومات تقول ان الاخير على استعداد لزيارة الرئيس السابق ميشال عون في الرابية، وفي حال حصولها يبنى عليها في الاستحقاق الرئاسي. وبغض النظر عن آلية اخراج الانتخابات الرئاسية من عنق الزجاجة، فإن الكل يجمع على أن باسيل في موقع لا يحسد عليه، وفي مأزق كبير.

وفي هذا الاطار، اعتبر أحد المحللين أن باسيل بين نارين: نار القبول بفرنجية وتعريض نفسه وتياره لخطر التآكل أمام فرنجية الرئيس، وسمير جعجع المنافس، ونار التمسك برفض انتخاب فرنجية وخسارة التفاهم مع “حزب الله”، فيصبح معزولاً داخلياً بفقدان آخر حلفائه.

في حين رأى أحد المراقبين أن بعد انتهاء عهد الرئيس عون، لا يحسد باسيل ولا عون على وضعهما السياسي خصوصاً بعدما تبين أن المغطس الشعبي الذي ودع عون، تفكك أو تبخر بشكل أو بآخر الى درجة الاضطرار الى اللجوء لاستخدام أسلوب ميليشيوي ضيق الأفق كما جرى في الاعتداء على قناة الـ MTV. لذلك، فإن عون وباسيل يسعيان الآن الى التخفيف من الأضرار الكبيرة والموجعة التي لحقت بهما بعد انتهاء العهد، ويحاولان التعويض بشكل أو بآخر في الادارة السياسية المقبلة، وهذا ما يعملان عليه الآن مع “حزب الله” تحديداً لأنهما وضعا نفسيهما في حالة عزلة واقعية بحيث خسرا حلفاءهما، ولم يربحا من خلال أسلوب التهويل والتهديد بالفوضى الدستورية وأبعد منها أي الفوضى الأمنية. فلا الفوضى الدستورية حصلت، علماً أن الحكومة الحالية تقوم بعملها بصورة طبيعية، ولا الفوضى الأمنية نجحا في التسبب بها بعد محاولتهما الفاشلة في النقاش. لذلك، الخاسر الأكبر في هذه المرحلة السياسية الدقيقة هو التيار العوني لاسيما أنه يعاني من أزمة داخلية سواء داخل التكتل النيابي أو داخل الخيارات والانتخابات والتعيينات، ولا يمكن أن نرى في العراضة السياحية التي قاما بها في البترون سوى تعويض معنوي مثير للشفقة. فليست السياسة نزهة في مركبة كهربائية ولا في الايحاء بالارتياح السياسي في غمرة الأزمة الكبرى.

شارك المقال