لعبة الرئاسة “فرنجية” وأحلام أهل البلد “محبوسة”

لبنان الكبير

هي اللجان النيابية بتعددها وتنوعها، تكثف من اجتماعاتها تحت قبة البرلمان، لكن ما النفع منها ومن قراراتها ودراساتها ومناقشاتها طالما أنها لا تقدم ولا تؤخر في حياة اللبنانيين لأن غالبيتها تبقى حبراً على ورق، وما وصل اليه البلد خير دليل، فاستحقت عن جدارة لقب “مقبرة القوانين”.

هؤلاء النواب أنفسهم الذين يعطلون الاستحقاقات الكبرى بحيث أصبح الشغور يهدد مؤسسات الدولة كافة، وتداعياته ستطال أكثر المواقع حساسية، ومنها الأمنية، اذ ستشغر مراكز عدة قريباً مع احالة رؤسائها الى التقاعد في ظل ظروف استثنائية تشهد تسللاً للمجموعات الارهابية، وتكثر أعمال النهب والقتل والسرقات المستشرية حتى داخل مؤسسات الدولة، وآخرها ظاهرة التعدي على منشآت النفط في طرابلس، وسرقتها مع انعدام السبل الأمنية والقضائية لانهاء هذه الظاهرة، فأقفلت وفق بيان صادر عن وزارة الطاقة والمياه. في حين أجرى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الاتصالات اللازمة لافراغ أول باخرة مازوت في المنشآت مع إقامة نقطة أمنية ثابتة لحمايتها من الاعتداءات.

انها الدولة الكرتونية التي لا تستطيع حماية أملاكها، فكيف يمكنها أن تحمي المواطنين من جشع التجار، المستفيدين من زيادة الضرائب، ومن دخول موازنة 2022 حيز التنفيذ التي ستؤدي الى ارتفاع جنوني في أسعار معظم السلع والخدمات؟ ويبشرنا الوزراء المعنيون بأن فواتير كهرباء “الدولة” ستصبح مليونية مطلع العام المقبل معطوفة على ملايين “دولة” أصحاب المولدات الخاصة، لكن يمكن الاطمئنان الى أن اقتراحات قوانين الصندوق السيادي سلكت طريقها الى الدرس والتمحيص بعد أن عقدت لجنة المال والموازنة جلسة، على جدول أعمالها بند اقتراحات قوانين الصندوق بحيث أن العائدات النفطية ستذهب مباشرة الى جيوب اللبنانيين، تعويضاً عن خسائرهم وعن سرقة أموالهم في المصارف.

على أي حال، وسط هذه الأجواء، هناك استعجال أممي للاصلاحات وانتخاب رئيس للجمهورية، عشية انعقاد الجلسة السادسة لانتخاب الرئيس أو المسرحية المهزلة التي تحصل أسبوعياً في ساحة النجمة، والتي لا ينتج عنها سوى بعض الاستعراضات والمواقف الشعبوية، وكأن البلد لا يقف على حافة المهوار، وشعبه ليس في النار، هذا الشعب الذي لم يعد يؤمن سوى بحل يأتيه من الخارج والا فعلى الدنيا السلام بعدما فقد الأمل بمسؤوليه على قاعدة أن من يمتهن الهدم لا يمكنه البناء.

إذاً، لا بوادر لأن تحمل جلسة اليوم جديداً إلا اذا فاجأ فريق الممانعة بالتصويت لصالح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، وهذا ما استبعده كلياً أحد المراقبين على اعتبار أن “حزب الله” سيواصل مساعيه مع النائب جبران باسيل لاقناعه بالسير بفرنجية وتوفير أكبر تغطية مسيحية له، كما ولابعاد شبح حرق الأسماء عنه في هذه المرحلة الضبابية.

وبغض النظر عن التحليلات والمعطيات التي تتحدث عن أن “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” لا يمكنهما فك تحالفهما نظراً الى مصالحهما السياسية المشتركة، فإن بعض المصادر يعتبر أن تبني الموالاة لفرنجية يسهل الطريق على قوى المعارضة نحو التوافق على تسمية النائب ميشال معوض لأنه لم يعد أمامها خيار آخر سوى التصويت لاحداهما بحيث يتخذ المسار الانتخابي طابع الجدية أكثر، وتسقط لعبة الأسماء العشوائية، والشعارات التي لن تجدي نفعاً في العملية الديموقراطية لا بل تكون المعرقل لها.

وفي المحصلة، فإن كل القوى واقعة في مأزق رئاسي، لكن السؤال اليوم: في وقت لم تتمكن فيه قوى المعارضة من توفير 65 صوتاً لمعوض، هل يمكن لقوى الموالاة تأمين هذه الأكثرية لفرنجية؟ مع العلم أن أحد المراقبين يقول ان الرئيس نبيه بري قادر على اقناع رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط بالتصويت لفرنجية، والكل يعلم العلاقة الوطيدة بينهما اذا تمكن الحزب من اقناع باسيل بسحب الفيتو الذي يضعه على انتخاب فرنجية رئيساً، في مقابل سلة من الضمانات والوعود.

واعتبر أحد وزراء المعارضة السابقين أنه يمكن توفير 65 صوتاً لفرنجية اذا كان هناك اتفاق ضمني داخل فريق الممانعة. ومن دون التوافق مع “التيار الوطني الحر” لا يمكن تأمين الأكثرية المطلوبة لانتخاب الرئيس. لكن الى اليوم لا يزال التشرذم يسود داخل هذا الفريق، بانتظار أن يرسو على اسم نهائي. اذا لم يكن هناك من اتفاق على اسم معين، فيجب الانتقال الى اسم ثان وثالث ورابع الى حين اتفاق كل الأفرقاء على مرشح. يجب مد اليد الى الآخر للتوصل الى انتخاب رئيس للجمهورية يكون مقبولاً من الجميع، وهذا ما نحاول القيام به ضمن اطار المجموعات المعارضة. على أي حال، في حال حصل أي مرشح على هذه الأكثرية، فإن نصاب الثلثين ليس متوافراً لدى أي جهة، وكل فريق باستطاعته تعطيل الجلسة للفريق الآخر.

وأكد مصدر مقرب من جنبلاط أن العلاقة مع الرئيس بري عميقة وتاريخية، لكن كل طرف لديه خياراته السياسية، وبالتالي، العلاقة ليست على قاعدة أن جنبلاط لا يخالف الرئيس بري في قضايا لا تكون معه على الموجة نفسها، فيمكن أن يلتقيا كما يمكن أن يفترقا في الخيارات السياسية. نحن متمسكون بمعوض طالما ليست هناك أي خيارات أخرى مطروحة وليس هناك من أفق للتسوية على مرشح. وفي حال برزت معطيات جديدة في المرحلة المقبلة، نتشاور مع معوض حول كيفية التعاطي مع المستجدات. الى اليوم، ليس هناك من معطى سياسي يدفعنا الى التفكير بأي خيار آخر لا بفرنجية ولا بغيره.

اما أحد الخبراء فلفت الى أن ما من رئيس منذ الاستقلال الى اليوم، وصل الى سدة الرئاسة بقدرات النواب اللبنانيين. قبل حصول التسوية الخارجية التي تعطي كلمة السر للنواب باتجاه معين، لا يمكن أن نتوقع انتخاب رئيس للجمهورية. وليس في مكانه الحديث عن تقدم حظوظ مرشح وتراجع حظوظ آخر. أثبت النواب خلال انتخاب 13 رئيساً سابقاً للجمهورية، أن خياراتهم ليست بيدهم انما الاختيار يتم في الخارج، والتنفيذ في البرلمان. ربما تطرح التسوية الخارجية اسماً غير مطروح في الداخل، ويلتزم به النواب، والتجارب في هذا السياق كثيرة حتى أن هناك شخصيات نامت على أنها الرئيس المنتخب، واستفاقت على اسم آخر في القصر الجمهوري. لا تعويل على توزع القوى، وعلى قرارات النواب لأنهم لا يملكون القرار النهائي، ويمكن أن ينتقلوا بسهولة من ضفة الى أخرى. وكل الكلام عن أن تركيبة المجلس المختلفة عن السنوات السابقة، تلعب دورها في الاستحقاق الرئاسي، غير دقيق، ولا يشكل أي أهمية، وهذا خارج البحث لأن الرئاسة في مكان آخر. أما الذين يتحدثون عن لبننة الرئاسة، فهذا يقتضي تغيير العقلية والذهنية اللبنانية، واللعبة السياسية الداخلية الخاضعة لتدخلات الخارج. حتى لو أسقطنا من الحسابات، التسويات الخارجية، فإن ما من فريق لديه قدرة تأمين الثلثين في الجلسة، مما يحتم تحالف مجموعة قوى مع بعضها البعض لتأمين النصاب ومن ثم انتخاب الرئيس. أما التسويات في الداخل، فلا تقدم ولا تؤخر لأنه لا يمكن أن يجتمع النواب تحت سقف واحد الا إذا أتت التعليمات من الخارج بذلك. وأي كلام آخر هو لذر الرماد في العيون، وما يقوم به النواب اليوم من نقاشات وحوارات وجلسات، لتقطيع المرحلة حتى تتكشف معالم التسوية الخارجية.

شارك المقال