كرجت الطابة… شكراً قطر

لبنان الكبير

إنطلق الحدث الرياضي العالمي في قطر، وقرع المسؤولون القطريون جرس حبس أنفاس شعوب الكرة الأرضية، متحدين كل العراقيل والصعوبات كأول دولة عربية لا بل شرق أوسطية، تستضيف على أرضها أهم المهرجانات الكروية وأعرقها بحيث تشهد ساحاتها وشوارعها وملاعبها، عرساً كونياً سيكتب عنه التاريخ بأحرف ذهبية، صفحات مجيدة من العز والتقدم والتطور، تحمل في طياتها الكثير الكثير من حب الوطن.

وعلى قدر الفرح بالانجاز القطري، يحزّ في قلوب اللبنانيين، تزامن هذا الحدث العالمي المشرق مع انهيار قاتل للبلد الذي لطالما اعتبر منارة المنطقة، ولؤلؤة البحر المتوسط. وينتظر اليوم من يجرؤ من مسؤوليه على قرع جرس إنذار تفتت الدولة، وتحلل مؤسساتها، من أعلى الهرم الى أسفله، والاعلان عن تخطيطهم المسبق لتصدر البلد لائحة أسوأ الأزمات التاريخية، وإدراج شعبه على لائحة الأكثر فقراً وعوزاً وحاجة وتعاسة ويأساً، ولا ينقصهم سوى إطلاق رصاصة الرحمة على الوطن وأهله أو اصدار حكم الاعدام المبرم بحقهم، حينها سيفخرون بالانجاز العالمي الأكبر والفريد من نوعه بحيث سيدعون شعوب الأرض لمشاركتهم جنازة جماعية، سيذكرها التاريخ بأحرف سود، وستتحدث عنها الأجيال بكثير من الغصة والحزن والألم والنقمة على حكام كرهوا بلدهم حتى الموت.

هي الفرحة برؤية توافد شعوب العالم، بتقاليدهم وثقافاتهم وتعدد أديانهم وألوانهم، بفقرائهم وأغنيائهم ومسؤوليهم، يرفعون أعلام بلدانهم، يحتفلون، ويبتهجون، ويركضون ويلعبون ويتبارون بكل روح رياضية على أرض دولة عربية. مشهد الاحتفالية المبهرة، يدمي قلب اللبنانيين، حسرة ووجعاً على بلدهم الذي نكس علمه على الأسطح والشرفات لترفرف محله أعلام دول بعيدة وقريبة. نكس العلم لأن المسؤولين فشلوا في تسجيل هدف واحد لصالح الوطن لا بل رسبوا في كل الاستحقاقات، وتلكأوا في الواجبات، وأداروا البلد على قاعدة النكايات والزكزكات، وسرقوا الخيرات والمليارات، ونفضوا أياديهم من الاتهامات والمسؤوليات، ويكملون مسيرة العنتريات والتجاذبات والتناتشات على أنقاض البلاد، ما اضطر حكام العالم الى رفع البطاقات الصفر والحمر والسود وكل ألوان قوس قزح في وجههم لأن نتائجهم لم ترق الى مستوى الصفر بل تحته بكثير. وهل يجوز أن نسأل بعد اليوم لمَ الحسرة والغيرة والألم بعد أن أصبحنا في آخر سلم التصنيفات والترتيبات؟

ولسخرية القدر، يحل عيد الاستقلال بعد ساعات، لكن بأية حال تعود يا عيد؟ تعود في ظل فراغ وشغور وتعطيل حيث لا رئيس جمهورية ولا حكومة كاملة الصلاحيات، ومجلس نيابي تحول إلى مسرح انتخابي، يؤدي نوابه أدوار البطولة، وشعب يئن تحت وطأة الغلاء الفاحش حيث فرّطت المنظومة بكل طيب خاطر، بالأمانة التي تسلمتها من رجالات الاستقلال الكبار سنة ١٩٤٣، فضربت عرض الحائط بالسيادة والبلد والدولة والكيان والمؤسسات والاستقلال حتى أنها حرمت اللبنانيين من نعمة تناسي أزماتهم، والترفيه عن أنفسهم من خلال متابعة مباريات مونديال ٢٠٢٢ مجاناً، تماماً كما حرمتهم من بصيص أمل بحياة لائقة.

ويأسف أحد المدربين لوصول لبنان الرسمي الى هذا المستوى، وكأننا بتنا خارج الزمان والمكان. الشعب سبق الدولة، وتخطاها بأشواط، ويحقق الانجازات الرياضية وغيرها، معتمداً على قدراته ومهاراته. واليوم، لم نستغرب فشل المسؤولين في التوصل الى صيغة لنقل المونديال مجاناً، وكالعادة، الاتكال على المبادرات الخاصة لأن دولتنا تخلت عن شعبها منذ زمن طويل وليس اليوم.

على أي حال، كل المناخات الداخلية، ملبدة وقاتمة، وبانتظار فكفكة عقدة الاستحقاق الرئاسي بحيث يبدو أن جلسات انتخاب الرئيس لن تأتي بأي خرق، والكل يلعب دوره في الوقت الضائع بانتظار حراك خارجي لسد الفراغ بأسرع وقت ممكن. وبغض النظر عن المستفيدين من الوضع القائم على أمل جلاء المشهد الاقليمي والدولي، وبعيداً عن التحليلات السياسية الكثيرة والمتناقضة، لا بد من قراءة وجدانية عشية الاستقلال الذي تغيب مراسمه الرسمية هذا العام حيث لا احتفالات ولا شعارات ولا استعراضات ولا حتى كلمات طنانة رنانة، ووعود كاذبة في الولاء للوطن أولاً وأخيراً.

ويرى أحد المراقبين أن الذكرى تمر هذه السنة، وهي فارغة من معانيها وأبعادها بسبب حالة انعدام التوازن والاتزان، والفراغ الرئاسي والخلاف الحكومي، ومجلس النواب شبه العاجز، أو بالاحرى دون المستوى المطلوب لأداء وظيفته التشريعية كما الانتخابية. نحن نبحث عن رئيس للجمهورية، يستطيع اعادة انتاج رؤية سياسية جامعة، ويضع خارطة طريق لخروج لبنان من نفق الأزمة الى ساحة الانتعاش والازدهار والبناء. نحن نفتقد رجالاً على مستوى المسؤولية، يعتبرون الشؤون الوطنية أولوية وليس المصالح الشخصية، ومصالح الطائفة والمذهب والحزب. نتطلع الى قيادات تعتبر مصلحة الوطن وشعبه أهم بكثير من مصلحة دول المحور. تمر الذكرى، والقضاء معطل بقرارٍ من وزير أو مرجع سياسي، فلا التحقيق يتواصل لتحديد المسؤول أو المتورط في جريمة انفجار المرفأ، ولا محاسبة لمرتكبي جرائم الاغتيالات السياسية المتتابعة منذ العام 2005. يأتي الاستقلال ليشهد على رضوخ لبنان لمطالب العدو الاسرائيلي، فتخلى عن الخط 29، كما سمح له بالتصرف بعقود التنقيب والانتاج مع الشركات الدولية المعنية وخصوصاً شركة “توتال” الفرنسية. يأتي الاستقلال، ويفتقد لبنان منبره الحر في التعبير عن الرأي اذ لم يعد واحة استقرار ولا ساحة نقاش فكري وحوار أدبي أو حتى مصدر الهام للشعراء والكتاب. نفتقد الأمن والاستقرار، ونشهد على احتجاز الأموال في المصارف نتيجة سياسات الهدر والفساد والمحسوبيات. لكن على الرغم من كل هذا الألم، فإننا على ثقة بأننا سنخرج من هذه الأزمة، ولبنان بخير وأقوى وأفضل بتكاتف أبنائه وبوعي مثقفيه وبرفض مواطنيه لكل مشاريع التقسيم والارتباط والاستزلام للخارج كما لبعض قيادات الداخل.

الراعي: نحمّل النواب مسؤولية خراب الدولة وتفكيكها

من جهة ثانية، قال البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في عظة الأحد التي ألقاها عنه المطران حنا علوان بسبب وعكة صحية أصابته: “ننتخب رئيساً لاستعادةِ الاستقلال. فأيُّ خيارٍ جيّدٍ يُنقذُ لبنانَ، وأيُّ خيار سيّء يُدهورُه؟ إنَّ قيمةَ الانسانِ أن يُقيِّمَ المسؤوليّةَ الـمُناطةَ به، فلا يجازفُ بها ولا يساوم عليها. لذلك نناشد النوّاب ألّا يَقعوا من جهةٍ ضحيّةَ الغِشِّ والتضليلِ والتسوياتِ والوعودِ الانتخابيّةِ العابرة، ومن جهةٍ أخرى فريسة السطوة والتهديد والوعيد. ونحن أصلًا شعبٌ لا يَخضعُ لأيِّ تهديدٍ، ورئيسُ لبنان لا يُنتخَبُ بالتهديدِ والفَرْض”.

أضاف: “كم يؤلمنا عندما نرى المجلس النيابي يهدر الزمن خميساً بعد خميس، وأسبوعاً بعد أسبوع في مسرحيّة هزليّة لا يخجلون منها، وهم يستخفّون بانتخاب رئيس للبلاد في أدقّ الظروف. إنّنا نحمّلهم مسؤوليّة خراب الدولة وتفكيكها وإفقار شعبها. تُطِلُّ علينا بعد يومين ذكرى الاستقلالِ في غيابِ الشعورِ بها، كأنَّ اللبنانيّين يَخجلون من أنفسِهم ويُدركون أنهم نالوا استقلالهَم سنةَ 1943 لكنّهم لم يحافظوا عليه، وتَناوبَ عليهم من يومِها أكثرُ من احتلالٍ ووصاية. تأتي ذكرى الاستقلال هذه السنة شاغرة وفارغة هي أيضاً من معانيها وأبعادِها. إذ ليس الاستقلال أنْ يخرج الأجنبيُّ من لبنان بل أن يدخل اللبنانيّون إلى لبنان. والحالُ أنّنا نرى فئاتٍ لبنانيّةً تَستجدي الوصايةَ وتَتسوّلُ الاحتلال وتشحذُ التبعيّة”.

وأشار الراعي إلى أن “البلاد تحتاج، بعيداً عن الصفاتِ المتداولةِ بشأنِ رئيسِ تحدٍ أو رئيسِ وفاق، إلى رئيسٍ مُنقِذٍ يُعلن التزامَه الحاسمَ بمشروعِ إخراجِ لبنان من أزْمته، ويلتزم بما يلي: تأليفُ حكومةِ إنقاذٍ، إحياءُ العملِ بالدستورِ اللبناني والالتزامُ به إطاراً للسلمِ اللبنانيِّ، ومرجِعيّةً لأيِّ قرارٍ وطنيّ، واعتبارُ اتفاق الطائف منطلقاً لأيٍّ تَطورٍ حقوقيٍّ من شأنِه أن يُرسِّخَ العدالةَ بين اللبنانيّين، إعادةُ الشراكةِ الوطنيّةِ وتعزيزُها، الشروعُ بتطبيقِ اللامركزيّةِ الموسّعةِ، البَدءُ الفوريُّ بتنفيذِ البرامج الاصلاحيّةِ السياسيّةِ والاداريّةِ والقضائيّةِ والاقتصاديّة، دعوةُ الدول الشقيقة والصديقة إلى تنظيم مؤتمر لمساعدة لبنان أو إحياءِ المؤتمرات السابقة وترجمتِها سريعاً على أرض الواقع، وتطبيق قرارات مجلس الأمن المختصّة ببسط السلطة اللبنانيّة الشرعيّة على كامل أراضي البلاد، مع تثبيت حدوده مع كلّ من إسرائيل وسوريا، إيجادُ حلٍّ نهائيٍّ وإنسانيّ لموضوعَي اللاجئين الفِلسطينيّين في لبنان والنازحين السوريّين، إخراجُ لبنانَ من المحاورِ التي أضَرّت به وغيّرت نظامَه وهُويّتَه، وأخذُ مبادرةٍ رئاسيّةٍ إلى دعوةِ الأممِ المتّحدةِ بإلحاحٍ إلى رعايّةِ مؤتمرٍ خاصٍّ بلبنان، والقيامُ بجميعِ الاتّصالاتِ العربيّةِ والدُوليّةِ لتأمين انعقادِ هذا المؤتمر.”

انتخابات نقابية

الى ذلك، شهد يوم أمس، انتخاب ٤ أعضاء لنقابة محامي بيروت، وعضوين لنقابة محامي طرابلس. كما جرت انتخابات في نقابة أطباء الاسنان.

ولفت أحد المحامين الى أن انتخابات نقابة المحامين يجب أن يحتذى بها لناحية سير العملية الانتخابية بكل ديموقراطية على الرغم من الطابع السياسي الذي تتخذه. وأكد أن المحامين والفائزين تحديداً، يريدون العمل في أجواء متجانسة لاتخاذ القرارات التي تصب في مصلحة النقابة والمصلحة العامة خصوصاً في ما يتعلق بتفجير الرابع من آب، منوهاً بسرعة الفرز ودقته بفضل المكننة.

شارك المقال