79 إستقلالاً… ولا رئيس ولا حكومة ودولة أنقاض

لبنان الكبير

تتواصل أجواء الفرح والمباريات الكروية في أهم حدث رياضي على مستوى الكرة الأرضية في قطر، وتستمر الأجواء القاتمة والملبدة في لبنان في يوم استقلاله الـ 79، والذي لم يعرف يوماً طعم الاستقلال، وبقيت الذكرى على مدى سنوات وسنوات خارج اطار مرمى التجسيد والتفعيل، وفاقدة لمعناها الجوهري. واليوم في 22 تشرين الثاني 2022 لا استقلال ولا ذكرى ولا من يسألون ولا من يحزنون على وطن كتب له الحظ السيء منذ نشأته لأن حكامه ليسوا رجال دولة بل رجال سياسة، يريدون مراكمة المكتسبات والصلاحيات، وتنفيذ الأجندات، وامتهنوا الارتهانات، وآخر همهم مصير البلاد والعباد. وهل يجوز أن نسأل بعد عن احتفال بعيد الاستقلال؟

مرارة الذكرى التي يغص بها كل اللبنانيين، عبّر عنها رئيس مجلس النواب نبيه بري حين سأل: “الاستقلال بدأ قبل 79 عاماً من الآن، برئاسة وحكومة، أين منهما نحن اليوم؟ كي لا يتحول الاستقلال إلى ذكرى يجب أن يبقى نهج حياة وفعلاً يومياً لإرادة وطنية واحدة وموحدة حيال كل العناوين المتصلة بحياة الدولة ومؤسساتها وإنسانها في الحرية والكرامة والأمن والاستقرار”.

سؤال منطقي وبديهي، يوجهه اللبنانيون الى مسؤوليهم لأنهم منذ سنة 1943، لم يشعروا يوماً أنهم يعيشون في شبه بلد حتى في عز أيام الحرب، ولم تكن كرامتهم وعزتهم في هذا المستوى من الانحطاط، ولم يُذلوا ويتبهدلوا في حياتهم اليومية كما هم حالياً. وعن أي استقلال نتحدث؟ حتى أن مراسم ذكراه البروتوكولية والعروض العسكرية أُلغيت في ظل الفراغ والشغور في المؤسسات، وما لها من انعكاسات وتداعيات على المواطنين.

والأنكى من كل ذلك، أن لا بصيص أمل يلوح في الأفق. البرنامج البروتوكولي أُسقط من قاموس الجمهورية لهذا العام تماماً كما أسقطت كل المعاني والأبعاد الفعلية للاستقلال على مدى سنوات سابقة، واقتصر احياء الذكرى على بعض الاحتفالات الصغيرة والضيقة ووضع الأكاليل على أضرحة رجالات الاستقلال. والمعزوفة الخاصة برئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة كما نشيد التعظيم لرئيس الجمهورية والنشيد الوطني، سيحل محلها نشيد الموت على الوطن وأهله، واطفاء شعلة الحياة والسيادة والاستقلال الى حين عودة المسؤولين الى ضمائرهم.

ضمائر يريد القاصي والداني ايقاظها قبل فوات الأوان، وهذا ما عبّر عنه مراراً وتكراراً الكرسي الرسولي، اذ أكد الأمين العام لجمعية الصداقة الايطالية – العربية عبد القادر عميش، عشية ذكرى الاستقلال، أن البابا غير مرتاح الى نهج الطبقة الحاكمة التي تمتاز بعرقلة المسيرة الديموقراطية والاصلاح السياسي، ولأن لا ثقة بالمؤسسات التي يترتب عليها حماية الدستور اللبناني وصيانته. لذلك، نستبعد أن تكون زيارة قريبة للبابا الى لبنان.

بابا السلام موجوع لما آلت اليه الأمور، والمسؤولون غير آبهين لا بل يفخرون، ويبررون أنها ليست المرة الأولى التي تلغى فيها ذكرى الاستقلال بسبب الشغور انما سبقتها مراحل مماثلة بين عهدي الرئيسين ميشال سليمان وميشال عون وبين عهدي الرئيسين إميل لحود وسليمان. أما في العام 2020 وفي الذكرى ال 77 للاستقلال فقد غاب الاحتفال المركزي نتيجة جائحة كورونا، وإثر انفجار المرفأ، والأمر نفسه انسحب على الذكرى 78 بحيث أقيم عرض عسكري رمزي في وزارة الدفاع. وفي سنة 2019، اتخذت ذكرى الاستقلال طابعاً خاصاً بعد ثورة 17 تشرين بحيث قابل الاحتفال الهزيل في وزارة الدفاع، عرض شعبي كبير في وسط بيروت شاركت فيه مختلف القطاعات. لبنان في الاستقلال الـ 79 محرر من الجيوش الغريبة على أرضه ومن الانتدابات والوصايات، لكن، كل ذلك لا يزال متجذراً في النفوس اذ بات الاستتباع لدى بعض الجهات محل تباه واعتزاز، وما يحصل في الانتخابات وتأليف الحكومات والاستحقاقات الدستورية وملء الشغور الرئاسي خير دليل على أن لبنان لم يستقل يوماً، ولم يعرف طعم الاستقلال لألف سبب وسبب. وهنا لا بد من التساؤل: لماذا لم يتمكن لبنان من تجسيد الاستقلال الحقيقي والفعلي طوال هذه السنوات؟ وفي أي عهد ظهرت بعض معالم الاستقلال؟ وهل يمكن وصف التدخلات الخارجية في مفاصل الحياة السياسية اليومية، بأنها انتداب مقنع أو وصاية مخفية؟رأى أحد نواب المعارضة أن “المحاصصة وصراع الطوائف والمسؤولين الذين يتقاسمون مغانم السلطة، أوصلا البلد الى هنا والى عدم تحقيق الاستقلال، كما أن اللبنانيين لم ينجحوا في تنظيم مؤتمر مصالحة ومصارحة بين بعضهم البعض بل بقيت الهواجس وأحقاد الحرب في النفوس. المسؤولون يمتهنون التعطيل، والدولة تُستباح بدستورها، وباستباحة الدستور وتخطي سقف القانون لا يمكن بناء دولة فعلية، وسيبقى لبنان أشبه بالبلد. عهد الرئيس فؤاد شهاب من العهود التي بنت أسس الدولة الحقيقية على الرغم من شوائب كل عهد، كما أن النموذج الآخر الذي خلق أملاً ببلد مستقل وقوي يتجسد بالرئيس بشير الجميل. التدخلات الخارجية، انتداب مقنع، ولبنان صندوق بريد لكل الدول، وهذا ما يجب أن نعمل على الحد منه. لذلك، نحن حريصون على الحياد لابعاد البلد عن التجاذبات الدولية والصراعات الاقليمية.

أما أحد نواب الموالاة، فلفت الى أنه منذ بداية نشأة لبنان الكبير، لم تكن هناك صيغة عملية تستطيع أن تؤمن الازدهار الحقيقي بدليل ما شهدناه من أحداث، ووضع لبنان في منطقة حساسة، بالاضافة الى التخبط والمناكفات والفساد وعدم اللجوء الى مؤسسات فعلية تشدد على الخطاب الوطني، اضافة الى أمر أساس وهو ما يسمى بحصار خارجي والاملاءات التي تفرض على لبنان الاتجاه بمناخات معينة، لا تخدم الوحدة الداخلية ولا الاستقلال الحقيقي. كل تلك العوامل السلبية أدت الى استقلال منقوص. يصعب أن نجد مرحلة عرفت الاستقلال الحقيقي لأن لبنان كان دائماً محكوماً بعوامل اقليمية تحدد المسارات على الرغم من أن هناك فترات شهدت استقراراً أمنياً وبحبوحة. وليس هناك من بلد في العالم يخلو من التأثر بالجوار حتى الدول التي تدعي أنها صاحبة سيادة وديموقراطية.

وعلى صعيد آخر، قال قائد الجيش العماد جوزيف عون في أمر اليوم للعسكريين لمناسبة الاستقلال: “مع دخول البلاد مرحلة الشغور الرئاسيّ، يبقى حفظ الأمن والاستقرار على رأس أولويّاتنا، ولن نسمح بأيِّ مسٍّ بالسلم الأهليّ”.

أما المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم فرأى أن “علينا أن نكون على أهبة الإستعداد لما قد يحصل على كل المستويات، خصوصاً أننا مسؤولون أمام اللبنانيين لصون الوطن وحمايته في وجه كل العاتيات. طالما أن هناك مسؤولين يدعون أنهم ضمانة الدولة، فلن يكون لنا وطن، لأن الدول لا تقوم على ضمانات أشخاص، بل المؤسسات الدستورية والالتزام بتطبيق القوانين هما وحدهما اللذان يبنيان الدول ويحميان مستقبل الأجيال”.

“كابيتال كونترول”

اقتصادياً، عقدت اللجان النيابية المشتركة جلسة في ساحة النجمة، لمتابعة البحث في مشروع “الكابيتال كونترول”. وأكّد نائب رئيس مجلس الوزراء النائب الياس بو صعب بعد الجلسة التي رأسها “أننا سندخل في مناقشة المادة التي تُعنى بإنشاء لجنة خاصة للكابيتال كونترول. الـIMF اليوم بشروطنا اللبنانية، ضرورة”.

من جهة ثانية، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن المجلس التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي قرر في اجتماعه الأخير في روما تخصيص مبلغ 5 مليارات و400 مليون دولار أميركي للبنان للسنوات الثلاث المقبلة.

شارك المقال