هدف مفاجئ لعثمان في الاستقلال… والسعودية تباغت العالم

لبنان الكبير

مفاجأتان كبيرتان خففتا من وقع الملل اللبناني في “العطلة الوطنية” للاستقلال، الأولى غير اعتيادية من المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان الذي غرّد منفرداً عن “أنّ الأناشيد الحماسية والاستعراضات والشعارات لا تحافظ على الاستقلال، فيما الاستقلال الحقيقي يكون بالتوقف عن تأمين مصالح جميع الأطراف بالتوافق والتسويات، في حين المطلوب تأمين مصلحة الوطن ودولة العدالة فقط آمنة للجميع”.

المفاجأة الثانية كانت صاعقة تردد صداها في أرجاء الكرة الأرضية، ودخلت تاريخ كرة القدم، إذ صعق المنتخب السعودي نظيره الأرجنتيني، بقيادة ميسي، المحسوب بين أقوى أقوياء المونديال، وفاز عليه بهدفين لهدف، وصعق معه جماهير الفوتبول، وباغت العالم بكل معنى الكلمة، فعمت الفرحة أوطان العرب، ووجد فيها اللبنانيون متنفساً من الخسائر المتكررة التي تصيبهم.

بالأمس كانت ذكرى اللاذكرى للاستقلال الأكثر ألماً ووجعاً وحزناً وحسرة منذ ٧٩ عاماً ليس بسبب الفراغ والشغور والتعطيل واستقلال المسؤولين عن مؤسساتهم، واستقالتهم من واجباتهم فحسب، انما لأن كل مواطن بات على يقين بأن الاستقلال الذي انتزعه رجال الدولة الكبار عام ١٩٤٣، تناوب رجال السياسة على إفراغه من معانيه وأبعاده، وباتوا يلهون الناس ببعض الاحتفالات البروتوكولية والاستعراضات العسكرية مع وضع بعض أكاليل رفع العتب على أضرحة رجالات الاستقلال. والأخطر أن غالبية اللبنانيين أصبحت مقتنعة بأن الاستقلال لم يبق منه سوى ذكرى تتجسد في يوم واحد، وباقي أيام السنة شاهدة على كل أنواع الانتدابات المقنعة، وكل أشكال الوصايات والتدخلات المعلنة وغير المعلنة، وعلى الكثير من الارتهانات لدول قريبة وبعيدة، والمواطنون في أعماق نفوسهم غير مبالين وغير مهتمين وغير راغبين وغير متحمسين وغير طامحين لا الى الاستقلال ولا الى ذكراه لأنهم قرفوا وتعبوا واشمأزوا وأحبطوا وانكسروا وملّوا من كثرة النفاق والدجل والفساد والشعارات الرنانة والمواقف الشعبوية لرجال السلطة الذين لن يذكر لهم التاريخ تسجيل أي هدف في مرمى المصلحة الوطنية لأنهم عمدوا على مدى سنوات الى ركل الشعب ورميه خارج ملعب مصالحهم ومكتسباتهم.

انها الحقيقة المرة حين يفقد المواطنون حسهم الوطني، وأهمية انتمائهم الى وطن مستقل وسيد وحر. كيف لا، وهم يتابعون جلسات انتخاب رئيس الجمهورية حيث تحول البرلمان الى مسرح لعرض مسرحية هزلية، والنواب الممثلون الأبطال، يهرّجون، ويمرحون ويسرحون، ويتبادلون التهم والشتائم، ويضيّعون الوقت علهم يتلقون إشارة من هذه الدولة أو تلك لملء الشغور. اما الحكومة المستقيلة التي تسيّر أمور البلد بحدها الأدنى، فكل وزير فيها ملك، يغني على ليلاه، ويتنقل بين عواصم العالم للحصول على رضى من هنا أو هبة مرهونة من هناك. وعن المسؤولين الآخرين، الروايات تطول وتطول حول مناكفاتهم وتمترسهم وتصلبهم في مواقفهم وعدم أهليتهم وكفاءتهم في إدارة شؤون الدولة، وكأن الدولة بألف خير، لا تشوبها شائبة، وأضحت مثلاً يحتذى به في التطور والعمران والازدهار والبحبوحة، متناسين أن الناس بلا كهرباء ولا ماء ولا استشفاء ولا تعليم، ويقفون على أبواب السفارات للحصول على تأشيرة خلاص أو يرتمون في البحر علّ الأمواج تقذفهم الى شاطئ أمان. وهل يجوز العتب بعد، على الاحساس بالغربة في الوطن وعنه؟ هذا الوطن الذي ضاع استقلاله في ملاعب مصالح الدول الكبرى والصغرى، وبين دهاليز المؤسسات والمنظمات والصناديق الداعمة والراهنة للبلد وأهله. وهل يجوز العتب على شعب لا يعرف تاريخ استقلاله، ولا رجالاته، ولا ظروفه بعد أن تاه وداخ وضاع عن أية دولة يجب أن يستقل؟

مرّت ذكرى الاستقلال في ٢٢ تشرين الثاني ٢٠٢٢ كسائر الأيام مع عطلة رسمية استفاد منها الموظفون والعمال والتلامذة للراحة، كما السياسيون المرتاحون دوماً من الهموم والشجون، والذين بحسب أحد المراقبين يجب أن تحفزهم الذكرى الباهتة التي تدمي القلوب، على التعالي عن الصغائر، والعودة الى ضمائرهم، واعلان حال طوارئ سياسية، والتوافق على شخصية لرئاسة الجمهورية، والكف عن المراهنات على الخارج لأنهم اذا استمروا في هذا النهج، فلن يبقى بلد لنحتفل بذكرى استقلاله.

وفيما ألغيت الاحتفالات في الداخل، ونكست الأعلام، رفرف العلم اللبناني على الصفحة الرئيسة لمحرك البحث “غوغل”، في لفتة تضامنية، والذي ينقل المتصفح عند النقر عليه إلى أهم الروابط المتعلقة بذكرى الاستقلال. وكثرت التعليقات والمواقف حول ذكرى الاستقلال الـ ٧٩ على مواقع التواصل الاجتماعي، اذ أجمع المتخاصمون على أن لبنان لم يعرف طعم الاستقلال يوماً على الرغم من بعض المراحل الذهبية.

وغرّد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عبر حسابه على “تويتر”، قائلاً: “كلنا أمل بأن يتعاون السادة النواب لانتخاب رئيس جديد إيذاناً بمرحلة جديدة من التعافي والنهوض. كما أننا سنمضي في العمل الوطني والدستوري المطلوب منا، مؤمنين بأن الاستقلال نضال يومي بكل الأشكال، ووليد قناعة من قلب الانسان وصميم وجدانه”.

وأي كلام أصدق من كلام أحد الضباط الذي فقد الكثير من زملائه في سبيل الحفاظ على البلد، لموقع “لبنان الكبير”: “نحن العسكر، لدينا شعور خاص تجاه هذا اليوم، لأننا أمضينا سنوات من عمرنا على الجبهات وبين المتاريس وتحت الرصاص في سبيل الحفاظ على السيادة والاستقلال. ونأسف لأننا وصلنا إلى هذا الانحطاط، وكأننا نتنكر لتضحيات شهدائنا الذين قدموا أغلى ما لديهم لنعيش في بلد وليس دويلات، وفي ظروف أفضل بكثير من الحالية. لكن، مهما اشتدت الأزمات، لن نسمح بأن تذهب دماء الشهداء هدراً، ولا بد من أن تدق ساعة الحقيقة، وتنجلي الغيوم السود، مهللة بالاستقلال الحقيقي”.

في حين رأى أحد نواب الموالاة أن “هذا اليوم يمر على لبنان في ظروف غير طبيعية، وهذا الأمر يجب أن يحفز كل القوى السياسية وكل المعنيين على العمل لاعادة انتظام المؤسسات، وأن يضعوا في رأس أولوياتهم، انتخاب رئيس جديد للبلاد على ان يعقبه أيضاً تشكيل حكومة توحي بالثقة، وتستطيع تنفيذ المهام المنوطة بها لخدمة المواطن. نقول دائماً ان لبنان بحاجة الى أن يكون وطناً للعدالة وللانسان. النعمة التي أعطانا اياها الله لجهة تعدد الأديان التي كلها تدعو الى المحبة والوحدة والصفاء، واستحق معها لبنان أن يكون بلد الرسالة، حري بها أن تحفزنا على الاهتمام بأمور البيت الداخلي، ونصوّب البوصلة نحو الاستقلال الحقيقي”.

اما أحد النواب المستقلين، فاعتبر أن “مشهد الأجيال التي تجتمع وتتحد تحت العلم اللبناني في كل المناطق وفي كل الأماكن، هو الاستقلال الحقيقي على الرغم من كل الأوجاع والصعوبات. هذه الصورة الجامعة يجب أن تبقى، ونحافظ عليها، والأهم أن نعرف قيمة الوطن الذي قدم آلاف الشهداء من أجل السيادة والاستقلال والحرية. لا يجوز أن تذهب هذه الدماء هدراً وبلا قيمة. فلنتحد حول هذه التضحيات والدماء لتزهر وطناً على قدر التطلعات، ورجاء بلبنان الذي لا يموت”.

فوز تاريخي سعودي على الأرجنتين

وبعيداً عن الهموم السياسية، والغصة الاستقلالية، تستكمل فعاليات مونديال قطر ٢٠٢٢ بأبهى حللها، وبأجمل المباريات العالمية التي تتابعها شعوب الكرة الأرضية بحماس وشغف كما اللبنانيون بحيث تمكنت الكرة من جمع المتخاصمين وتفريق المتحالفين .

وجاءت المفاجأة الكبرى امس من ملاعب الدوحة حيث حقق منتخب السعودية فوزاً مهماً وتاريخياً على منتخب الأرجنتين، ويكون بذلك أوقف المسيرة الأرجنتينية على مدار 36 مباراة من دون أي خسارة، وحرم الأرجنتينيين من تحطيم الرقم القياسي الذي سبقتهم إليه إيطاليا. وهكذا، أتت الضربة قوية وقاسية لراقصي التانغو في انطلاق مشوارهم الكروي في كأس العالم بحيث يعتبر الفريق الأرجنتيني أحد أبرز المرشحين للتتويج باللقب.

وتابع اللبنانيون والعرب المباراة بكثير من الحماس، وبعد أن انتهت، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بتهنئة الفريق السعودي الذي أثبت أن كرة القدم العربية ليست أقل شأناً من الكرة العالمية.

شارك المقال