مباراة الشغور… طويلة مملة بلا حكم دولي

لبنان الكبير

بينما يلعب “منتخب الفساد” بالشعب في استاد الشغور السياسي الحافل بالأزمات المعيشية، يشغل اللبناني نفسه، بما توافر له من فرص متابعة، مرئية ومسموعة، بالمونديال الذي يتيح له أن يختار بإرادته فريقاً يشجعه، يفرح بفوزه ويحزن لخسارته، فينفصل عن واقعه البائس الى شاشة يتابع عبرها نجومه… وأحلامه.

اللبناني يعيش في الجمود بعينه الذي وصل الى مرحلة التجميد والتحنيط على المستويات كافة. وهو التعطيل الكامل بأمه وأبيه وأخواته للمؤسسات وانتظام سير عملها، وللاستحقاقات واحترام مواعيدها الدستورية حتى فقد اللبنانيون الامل بلفتة تبلسم أوجاعهم، فيعمدون الى أخذ حقهم بيدهم من خلال اقتحام المصارف، لكن ما الجدوى من ذلك طالما أن السلطة متآمرة عليهم، ومصرة على خنقهم وقطع أنفاسهم من خلال تعاميمها المتلاحقة لانقاذ ما تبقى من دولة، والقضاء على من بقي من شعب، وآخرها الكتاب الذي وجهته وزارة المال إلى مصرف لبنان ويتعلق بالبدء باحتساب أسعار العملات الأجنبية على الضرائب والرسوم التي تستوفيها إدارة الجمارك على السلع والبضائع المستوردة، على أساس 15 ألف ليرة للدولار الأميركي الواحد، وذلك اعتباراً من 1/12/2022؟

هي تعاميم وقرارات جهنمية متتالية، تواكبها فبركات وفذلكات ومخططات لضرب الاستحقاق الرئاسي الذي سيشهد اليوم فصلاً سابعاً من فصول مسرحياته بحيث أصبحت جلسات الانتخاب مملة وروتينية وهزلية حتى أن أبطالها ضجروا من أفعالهم وارتكاباتهم وسخافاتهم واستخفافهم، اذ قال أحد النواب: “بتنا نخجل من التوجه الى البرلمان على الرغم من ادراكنا أن من واجبنا ومن مسؤوليتنا اتمام العملية الديموقراطية. انها حلقة فارغة ودوامة ستكون تداعياتها وخيمة”.

وحين تتعذر الحلول البشرية، فلن يبقى سوى الدعاء والصلاة من رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس الذي وجه رسالة تهنئة الى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بمناسبة عيد الاستقلال، قال فيها: “اسمحوا لي أن أرسل لدولتكم أحر التهاني وأطيب التمنيات ليستعيد لبنان الوئام والاستقرار والازدهار. إنني، اذ أطلب من العلي أن يحافظ اللبنانيون على وحدتهم من أجل المصلحة الوطنية العامة وتأمين رعاية إخوانهم الأكثر عوزاً، أتمنى أن تحل بركة الرب على هذا البلد”. كما تلقى ميقاتي برقيات تهنئة من ملك الأردن عبدالله الثالث، وملك بريطانيا تشارلز الثالث، وملك بلجيكا فيليب ورئيس وزراء بنغلادش الشيخ حاسينا.

ولم يسجل يوم أمس أي حركة رئاسية باستثناء الزيارة التي قام بها النائب ميشال معوض الى البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، وقال بعد اللقاء: “أصر على أن أكون رئيساً لكل اللبنانيين أي لاستعادة سيادة الدولة. وأنا من الأساس قلت أمدّ يدي الى كل اللبنانيين وليس تحت تأثير الهيمنة والسلاح، انما تحت سقف الدولة الجامعة التي تحمينا وتضمن استقرارنا”.

إذاً، لا دينامية رئاسية حيوية ولا مسعى جدي حتى الساعة يشير الى أن انتخاب رئيس جديد للجمهورية بات قريبا لا بل على العكس، فإن الكثيرين يرون أن ستاتيكو التعطيل القائم سيستمر أقله الى ما بعد الأعياد المقبلة أو الى الربيع، والى حينها ستحصل زيارات تنسيقية من هنا أو تشاور وحوار بين بعض النواب من هناك، لكنها كلها لن تقدم ولن تؤخر في الاستحقاق الرئاسي الذي لا يزال عالقاً في نفق مظلم بانتظار تسوية خارجية كبرى.

وفي وقت يعتبر أحد المراقبين أن الاسماء المطروحة حالياً لن تكون ضمن سلة الأسماء حين نصل الى مرحلة الجد على الرغم من سعي هؤلاء مع الأطراف والدول المؤثرة في السياسة الداخلية، يؤكد أحد النواب السابقين المطلعين على الملف الرئاسي لموقع “لبنان الكبير”، أننا اقتربنا من قبول “التيار الوطني الحر” والنائب جبران باسيل، بتسوية تقودها قطر، وتقتضي توسطها لرفع العقوبات عن باسيل مقابل ايصال قائد الجيش العماد جوزيف عون الى القصر الجمهوري، وهذا يحصل بموافقة ودعم دوليين واقليميين. وفي حال اتجه باسيل نحو دعم قائد الجيش، وهذا هو الخيار المرجح حالياً، تصبح حظوظه نحو القصر الجمهوري عالية جداً، مع العلم أنه يفضل قائد الجيش على سليمان فرنجية لأن الأخير يمكن أن يزعجه شعبياً أما العماد عون، فمنفتح على الجميع، وخلفيته عسكرية كما الرئيس السابق ميشال عون، وغالبية مناصري “التيار” تؤيد وتميل الى مؤسسة الجيش، ما يعني أن خسارة باسيل من وصول قائد الجيش الى سدة الرئاسة أقل بكثير من وصول فرنجية الذي من المتوقع أن تحصل معه مناكفات على مدى ست سنوات، من دون أن ننسى أن العماد عون يحظى برضى كل الجهات وفي مختلف البيئات بسبب ادارته الناجحة للمؤسسة العسكرية، ولتخطيه المطبات والظروف الصعبة التي مرّ بها لبنان بحرفية ومهنية كما هناك رضى أميركي وأوروبي واقليمي عليه. في الخلاصة، يمكن القول ان باسيل اليوم على الشجرة، ولا أحد ينزله، بل سينزل تلقائياً عبر السلم من خلال قبوله بقائد الجيش لرئاسة الجمهورية. لكن، هذا السيناريو لن يحصل قبل اعلان رفع العقوبات الأميركية عنه بعد أن تعهدت قطر بدفع تكاليف مكاتب المحاماة في الولايات المتحدة التي ستتولّى الدفاع عنه عملاً بقانون “ماغنيتسكي”، وكلفت لوبي للقيام بما يلزم لرفع العقوبات. ولحظة اعلان رفعها عن باسيل يعني أنه علينا تهنئة قائد الجيش برئاسة الجمهورية.

وبين من يشدد على ضرورة لبننة الاستحقاق، وعدم السماح بتمرير التسويات، ومن يؤكد أن الرئاسة لا يمكن أن تكون من انتاج لبناني صرف، فان الحركة الفرنسية في هذا الاطار خير دليل، مترافقة مع مساع فاتيكانية بحيث أشارت المعلومات الى أن ديبلوماسيي الكرسي الرسولي، جمعوا في روما ممثلي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وعدد من الدول العربية الكبرى، لحثّهم على المساعدة في تحقيق خرقٍ في الجدار السميك للأزمة اللبنانية الآخذ في الارتفاع. يبقى التساؤل: لماذا لم ينعكس الترسيم البحري تسهيلاً لانتخاب الرئيس مع العلم أن الأجواء التي رافقت مرحلة الترسيم كانت توحي بأن الاتفاق الاقليمي والدولي ستكون تداعياته ايجابية على الملف الرئاسي على اعتبار أنها الدول ذاتها المؤثرة في اللعبة السياسية الداخلية؟ وهل الجهات الداخلية تنتظر تسوية رئاسية شبيهة باتفاق الترسيم؟

الاجابة أتت على لسان أحد النواب السابقين الذي لفت الى أن الترسيم بوابة للخروج من النفق تدريجاً، لكن الحرب الروسية – الأوكرانية، حوّلت اهتمامات الدول نحو مشكلاتها وقضاياها الداخلية بحيث أن أوروبا تشهد مظاهرات ووضعها الاقتصادي على أبواب الشتاء سيء. وبالتالي، الملف اللبناني ليس أولوية، وموضوع في الثلاجة مؤقتاً أي أنه لن يذهب الى مزيد من التأزم، ولا الى الحل، الى حين التسوية الكبرى. وفي آذار المقبل يمكن أن نشهد على حديث جدي في الاستحقاق الرئاسي بحيث ستكون المعركة محصورة بين سليمان فرنجية وقائد الجيش. ليس هناك من انفراج قبل الربيع لأن من المتوقع أن تحصل تسوية بين المخابرات الأميركية والروسية لوقف الحرب الروسية – الأوكرانية بعد رأس السنة. ويبقى الملف الأميركي – الايراني اذ أن ايران اقتربت من الحصول على قنبلة نووية، ما سيسرع وتيرة التفاوض بين البلدين للتسوية في الملف النووي. كل ذلك لن يحصل قبل شهر آذار، وحينها يوضع الملف الرئاسي على نار حامية.

وأكد أحد السفراء أن لبنان يتأثر بالخارج أما شكل التأثير، فيترك للأيام المقبلة. هناك حقيقة لا يمكن نكرانها بأن هناك قوى اقليمية ودولية تؤثر في الاستحقاق الرئاسي، والى اليوم، لم تنضج التسوية الخارجية. الجميع يعترف بأن الترسيم لم يكن ليحصل لولا التوافق الايراني – الأميركي. وبالتالي، يمكن القول انه حصل نوع من التناغم والتفاهم حول موضوع الرئاسة في لبنان. وايران لن تقبل بموقف اقليمي اذا لم يكن لديها مصلحة فيه، ومصلحتها من الترسيم يمكن ايجازها بأمرين: تخفيف الاحتقان الاسرائيلي ضدها، وتحقيق تطلعات الحزب في لبنان. لكن هذا لا يعني أن تسريع توقيع اتفاق الترسيم ينطبق على ملف انتخاب رئيس الجمهورية الذي تتعاطى معه الدول بطريقة أخرى ومن منظار آخر وبوتيرة مغايرة.

إقليمياً، أعلن الحرس الثوري الإيراني مقتل عقيد من قواته بانفجار عبوة ناسفة في العاصمة السورية دمشق، محملاً الكيان الاسرائيلي المسؤولية، حسبما أعلنت وكالة أنباء “فارس”. ولفت في بيان الى أن الكيان الصهيوني المجرم سيتلقى بلا شك الرد.

في المقابل، أصيب 18 شخصاً بانفجارين وقعا في القدس قرب محطتي حافلات بفارق زمني بلغ 30 دقيقة. وذكر أن الانفجار الذي وقع صباحاً، ناجم عن عبوة ناسفة وضعت في حقيبة في محطة حافلات على مدخل القدس. كما وقع انفجار ثان في مستوطنة راموت في القدس. وعلى الأثر قطع رئيس أركان الجيش الاسرائيلي هرتسي هاليفي زيارته للولايات المتحدة عائداً الى بلاده.

شارك المقال