بطاقتان حمراوان من “الدستوري”… و”النيابي” يواصل الوقت المستقطع

لبنان الكبير

من يراقب كيفية تفاعل المواطنين مع المونديال وتفاعلهم مع جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، يدرك تماماً عمق الهوة التي باتت تفصلهم عن المسؤولين وكأنهما من كوكبين متباعدين وفي زمنين متفاوتين. انه مشهد سريالي، مضحك مبكٍ، يجب أن يشكل وحده حافزاً لنواب الأمة وحكامها كي يستقيلوا، ويتنازلوا عن مراكزهم، ويعتذروا عن ارتكاباتهم ولا يفرحوا أو يهللوا لفوز متأخر بمقعد نيابي.

عند انطلاق مسرحية انتخاب رئيس الجمهورية بفصلها السابع، يلعب أبطالها النواب أدوارهم المملة فيما يسارع المواطنون الى انهاء أعمالهم، غير مبالين بمسارها وأحداثها، ليتسمروا أمام الشاشات، تشجيعاً لهذا الفريق أو ذاك. يتحمسون، يصرخون، يجلسون على أعصابهم، يلتقطون أنفاسهم مع كل ركلة كروية، يتنفسون الصعداء مع كل هدف ولا بأس من باقة “تزريك” مباشر وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. أما جلسة الانتخاب التي فقدت كل عناصر التشويق والحماس، فلا مشجعون ينتظرون نتيجتها على أعصابهم لأنهم يعرفون خاتمة اللامسك، ولا مهتمون بالركلات السياسية لأنهم يعلمون أن غاية لاعبي البرلمان تمرير الأهداف السياسية في مرمى بعضهم البعض، فيحافظون على تعادلهم السلبي في كل المباريات وعلى مدى السنوات، ليستحقوا كأس بطولة العالم في التعطيل والتخريب وأكثر في بخلهم وجشعهم وطمعهم حتى أن أحداً من بينهم لم يتشجع على وضع يده في جيبه، وإخراج بعض مما سرقوه ونهبوه من الأموال العامة لتأمين نقل فعاليات المونديال على شاشة “تلفزيون لبنان”، والكثيرون يترحمون على الرئيس الشهيد رفيق الحريري لأنه كان فعلها من دون تردد.

التأم مجلس النواب أمس الا أنه كما المرات السابقة لم يحصل انتخاب رئيس للجمهورية، وحدد رئيس مجلس النواب نبيه بري موعداً جديداً الخميس المقبل في 1 كانون الأول. وسجل خروج نواب من كتلتي “التنمية والتحرير” و”الوفاء للمقاومة” من القاعة قبل اعلان نتيجة فرز الأصوات التي جاءت على الشكل الآتي: 50 ورقة بيضاء، 42 صوتاً ميشال معوض، 8 “لبنان الجديد”، 6 أصوات عصام خليفة، زياد بارود صوتان، بدري ضاهر صوت وورقة ملغاة.

وأهم ما يمكن تسجيله في الجلسات المتتالية لانتخاب رئيس الجمهورية، قرف اللبنانيين من مشاهدة هذه المسرحية الهزلية كما واقتناع النواب ومسؤولي الأحزاب والتيارات السياسية بأن هناك استحالة في التوصل الى نتيجة اذا لم يطرأ تطور ما داخلي أو خارجي يبدل في المشهد النمطي القائم. وبما أن المحاولات الداخلية التي تهدف الى ردم الهوة العميقة بين الأطراف، وحصر خياراتهم الرئاسية بإسم تقبله الأكثرية، لم يكتب لها النجاح أقله الى اليوم، يبقى التعويل على مبادرات خارجية علها تتمكن من خرق جدار التعطيل والجمود على قاعدة أن “الكنيسة القريبة لا تشفي”.

ولطالما اعتبرت فرنسا عبر التاريخ الأم الحنون للبنان، لذا ينتظر كثيرون أن تلعب دور المنقذ أو الاطفائي أو الوسيط بين الدول المؤثرة في الساحة الداخلية، وبين القوى المختلفة التي لها ثقلها في اللعبة السياسية وفي الاستحقاقات الدستورية. وتسجل في هذا الاطار حركة لافتة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يطرح القضية اللبنانية مع العديد من قادة دول العالم. كما هناك أحاديث في الكواليس منذ أشهر عن تسويات ومبادرات ستقودها فرنسا لتقصير مرحلة الشغور قدر المستطاع وعدم السماح بمزيد من الأزمات والمعاناة، والاسراع في وضع البلد على سكة الاصلاح قبل الانهيار الكلي. لكن، لم تظهر أي نتائج ملموسة للحراك الفرنسي على الواقع السياسي المحلي مع العلم أن بعض المعلومات الصحافية أشارت الى إمكان قيام ماكرون بزيارة سريعة الى لبنان في عطلة الأعياد لتمضيتها مع أفراد وضباط الوحدة الفرنسية العاملة ضمن قوّة “اليونيفيل” في الجنوب. الزيارة إن حصلت لن تكون الأولى لماكرون بل سبقتها زيارتان بعد انفجار مرفأ بيروت، وقدم مبادرة انقاذية لم يكتب لها النجاح. وفي هذا الاطار، يتبادر الى الأذهان بعض التساؤلات: ماذا يمكن أن تقدم الزيارة الافتراضية في الواقع المأزوم؟ وهل سينجح في اقناع المسؤولين بملاقاته الى منتصف الطريق وصولاً الى انتخاب رئيس للجمهورية أو ان الظروف الاقليمية والدولية لم تنضج بعد لمثل هذه الخطوة؟ وهل هناك من مبادرة أو تسوية فرنسية أصلاً أو أنها تبقى في اطار المحادثات من دون أن ترقى الى مستوى التدخل الفاعل بدعم إقليمي ودولي؟

في السياق، لم يعول النواب إن كانوا من الموالاة أو المعارضة على الزيارة في حال تمت لأن المشكلة الأساسية بين الأطراف في الداخل، اذ لفت أحدهم الى أن كل رئيس دولة يقف الى جانب لبنان يشكل مكسباً ديبلوماسياً ودعماً سياسياً بصورة مباشرة أو غير مباشرة. زيارة الرئيس الفرنسي ربما تكون محصورة بلقائه مع الجنود الفرنسيين ضمن قوة “اليونيفيل”، وهي غير مؤكدة انما مرتبطة بالوضع الأمني. فرنسا تلعب دور الوسيط لتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، لكن تقع المسؤولية الأولى على اللبنانيين، ولا يجوز أن نستمر بانتظار المبادرات الخارجية لمساعدتنا. علينا أن نساعد أنفسنا، وهذا ما يقوله كل المسؤولين في الدول. نأمل أن تكون الزيارة مثمرة مع الممتنعين عن القيام بواجبهم الدستوري والوطني. الكل وصل أمام حائط مسدود، وبانتظار مبادرة ما من مكان ما لكن المشكلة في لبنان لأنهم لو كانوا يريدون رئيساً لانتخبوه.

ورأى أحد نواب الموالاة أن عنوان الزيارة، اللقاء مع الجنود الفرنسيين في الجنوب، لكن قد تحصل على هامشها لقاءات مع القوى أو الكتل النيابية، والقيام بدور ما. وقد تكون عاملاً مساعداً نظراً الى الدور الفرنسي الذي يحاول أن يأخذ موقعاً في المسار اللبناني، لكن علينا ألا ننتظر الكثير. هناك حث للبنانيين على اجراء الانتخابات الرئاسية لأنها مفتاح أساس لاعادة تفعيل عمل المؤسسات، لكن ليست هناك من مبادرة مباشرة على أي مستوى حتى اللحظة.

من جهة أخرى، سُجلت مفاجأة على خط الطعون النيابية، اذ أبطل المجلس الدستوري نيابة رامي فنج وفراس السلوم، وأعلن فوز فيصل كرامي عن المقعد السني وحيدر آصف ناصر من لائحة فنج عن المقعد العلوي. وأوضح رئيس المجلس الدستوري القاضي طنوس مشلب أن “نتائج المتن وعكار تحتاج إلى بعض الوقت لتظهر وربما بعد أسبوعين سيتم الإعلان عنها”.

اقتصادياً، افتتح إتحاد المصارف العربية، فعاليات “منتدى بيروت الاقتصادي 2022″، بعنوان “التجارب العربية في الاصلاح الاقتصادي وصولاً الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي”، برعاية رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي شدد على أن “لا مخرج للأزمة الاقتصادية النقدية الراهنة التي يعاني منها لبنان من دون إقرار الاتفاق النهائي مع صندوق النقد. عمق الأزمة التي يمر بها الاقتصاد اللبناني وتشعبّها يستوجبان قرارات شجاعة وقوانين إصلاحية لاعادة هيكلة القطاع المصرفي ليصبح في وضع سليم بعد عقود من السياسات الاقتصادية والمالية الخاطئة أو غير المتوازنة”.

في حين أعلن مصرف لبنان في بيان، عن “إنجاز عملية التدقيق في موجودات خزنة المصرف من الذهب (سبائك ونقود معدنية) التي أجرتها شركة تدقيق عالمية متخصّصة ومحترفة في هذا المجال، تم اختيارها وتكليفها من قِبَل مفوَّض المراقبة الخارجي للمصرف وبالتنسيق والتوافق مع صندوق النقد الدولي. وتبيّن لها وبعد استكمال عملية التدقيق، أن موجودات خزنة مصرف لبنان من الذهب مطابقة تماماً، كمّاً ونوعاً، للقيود المسجّلة في السجلات المحاسبية لمصرف لبنان”.

شارك المقال