“الشغور” يتحرك خارجياً… بري وميقاتي مشغولان بالكهرباء

لبنان الكبير

في وقت تتواصل فعاليات مونديال قطر كما هو مخطط لها بانسيابية وحرفية وتنظيم أشاد به الجميع، من دون أن تخلو من مفاجآت في نتائج المباريات لصالح فرق غير مرشحة للفوز مع تسجيل أول حالة طرد من أرض الملعب بعد رفع بطاقة حمراء في وجه أحد اللاعبين، لا يزال السياسيون في لبنان يلعبون بمصير البلد، ويتقاذفونه تماماً ككرة القدم، ويخططون لمستقبل أكثر سواداً لأهله بعد أن رفعوا في وجهه البطاقات الحمر ليخرجوه عمداً وطرداً من وطنه، وهم يصرون على إكمال المباراة بالتكافل والتضامن في ما بينهم في كل الساحات والملاعب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية من دون أن يرف لهم جفن من الخجل لعدم تسجيلهم أي هدف في مرمى البلد المتعطش الى بارقة أمل حتى لو كانت في الأفق البعيد.

وإذ يستمر الداخل اللبناني في حركته الدائرية المملة، تتجه أنظار الباحثين عن دخان أبيض، بشرى فرج للخروج من نفق الشغور، الى الخارج، الى الفاتيكان التي وصلها البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي أمس، والى واشنطن التي سيزورها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الثلاثاء المقبل، في “زيارة دولة” ستغطي مروحة واسعة من القضايا التي تشغل العالم حالياً، وسيكون لبنان حاضراً فيها بالضرورة.

وإذا كان المسؤولون يعترفون بتقصيرهم تجاه الشعب حتى في تأمين أبسط حقوقه بنقل مباريات المونديال عبر “تلفزيون لبنان” نتيجة “النكد السياسي”، فهم يقولون على الملأ ان المواطنين ضحية حكامهم الذين لا يتحملون مسؤولياتهم الوطنية، وتخلوا عن مشاعرهم الانسانية، وعن المزايا الأخلاقية، وتشبثوا بمصالحهم الشخصية حتى لو على أنقاض ما تبقى من الدولة العلية. وخير دليل ما يحصل على مستوى جلسات الانتخابات الرئاسية التي تحولت الى مسرحية هزلية حتى أن بعض النواب وصفها بـ”جلسات طق الحنك الترفيهية”. لذلك، هناك نواب يدرسون خطواتهم المستقبلية لناحية المشاركة من عدمها في الجلسات المملة اذا استمر الوضع على ما هو عليه، في ظل اصرار الكتل على عدم تقريب وجهات النظر في ما بينها، وعدم نضوج الطبخة الخارجية ما يعني أن الشغور سيستمر الى بداية السنة الجديدة لا بل الى الربيع المقبل بانتظار تطورات إقليمية ودولية تضع الطبخة الرئاسية على نار حامية. وإلى حينها على اللبنانيين أن يتحملوا المسرحية في ساحة النجمة، ويرفهوا عن أنفسهم بمباريات المونديال لأن فصول مسرحيتهم المعيشية ستكون صعبة في الأشهر القليلة المقبلة، ولكن لا بد من أن المرحلة اللاحقة مشرقة وفق أحد المراقبين الذي أشار الى أن شهر كانون الأول المقبل ربما لن يشهد أكثر من جلستين انتخابيتين باعتبار أنه شهر الأعياد الذي يمضيه معظم السياسيين في الخارج، وبذلك يكسر رئيس مجلس النواب نبيه بري رتابة المشهد الانتخابي كما ويفسح المجال أمام الاتصالات التي من المتوقع أن يجريها على أمل التوافق على شخصية رئاسية.

وعلى ما يبدو أن الكل اصطدم بحائط مسدود، وشُرّعت الأبواب أمام التراشق بتهم التعطيل، بثقله وتداعياته وانعكاساته على البلد، بحيث أكد نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم أن “كل الكتل مسؤولة عن انتخاب الرئيس، فلا يحملن أحد حزب الله المسؤولية وحده. نحن لنا عدد معيَّن في مجلس النواب نؤثر بمقدار هذا العدد في انتخاب الرئيس، والكتل الأخرى كل منها تؤثر بمقدار عددها”.

اما وزير الاعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري، فأكد في حديث صحافي أن “حظوظ سليمان فرنجية بالوصول الى سدة الرئاسة لا زالت عالية جداً وهو الأوفر حظاً ولا يمكن لأحد أن يقول ما في رئيس من دوننا وهنا أقصد جبران باسيل الذي يعتقد أنه تحمل مسؤولية تحالفه مع حزب الله، وفرضت عليه العقوبات، وبالتالي يظن أن من حقه أن يضع شروطه في موضوع رئاسة الجمهورية. معلوماتي تؤكد أن حزب الله سيدعم سليمان فرنجية وأنا مسؤول عن كلامي ولا مشكلة في أن تكون العلاقة جيدة بين الحزب وقائد الجيش”.

وفي انتظار عجيبة ما أو وحي ينزل على المسؤولين، تسجل حركة سياسية خجولة حيث لا مواقف شعبوية، ولا جولات مكوكية استطلاعية، ولا حوارات جدية، ولا قرارات انتاجية انما بعض الزيارات التشاورية، ومنها الزيارة التي قام بها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الى عين التينة حيث عرض مع الرئيس بري للأوضاع العامة وآخر المستجدات السياسية. وبعد اللقاء، اكتفى ميقاتي بالقول: “بحثنا في مواضيع سياسية وإقتصادية عدة من بينها موضوع الكهرباء”.

وفي الوقت الضائع، وصل البطريرك الراعي الى روما في زيارة تستمر لمدة أسبوع، حاملاً معه ملف الشغور الرئاسي، وتتضمن أجندة لقاءات، وأكد مرجع روحي لموقع “لبنان الكبير” أن الهدف الأساس للبطريرك من الزيارة، كنسي بحيث سيشارك في التحضير للجمعيات السينودسية على مستوى القارات، إذ ستعقد الجمعية السينودسية القارية لكنائس الشرق الأوسط من 12 الى 18 شباط 2023، في بيت عنيا – حريصا، ويشارك فيها اكليروس وعلمانيون من بلدان عربية وسبع كنائس كاثوليكية شرقية. ويلتقي خلال زيارته أبناء الرعية في القداس الذي سيرأسه غداً الأحد في كنيسة مار مارون، في المعهد الماروني. لكن لا بد أنه سيطرح الشغور الرئاسي مع المعنيين بالملف اللبناني هناك اذ أنه يحمل هذا الهم معه أينما ذهب، مع العلم أن الدوائر في الفاتيكان على اطلاع بصورة واسعة على المشكلات والأزمات في لبنان، ومهتمة الى حد كبير ببلد الأرز، وبمستقبله الغامض خصوصاً في ظل الشغور والفراغ في المؤسسات الدستورية، وتستمر في تواصلها مع قادة العالم، وتحثهم على انقاذ هذا البلد. ولا بد من التأكيد هنا أن زيارة البابا الى لبنان تحددها الدوائر الفاتيكانية، لكنها غير واردة حالياً في ظل هذا الوضع السيء، المتزامن مع شغور في الرئاسة الأولى.

ولفت مصدر مطلع الى أن “كل الجهود منصبة اليوم على انتخاب رئيس للجمهورية، لكن لا يجوز أن نحمّل الزيارة أكثر من حجمها. الزيارة تساعد في إبقاء شعلة انتخاب رئيس جمهورية انقاذي، اصلاحي وسيادي، قائمة، والبطريرك الماروني يلعب دوراً أساسياً في هذا الاطار. الواضح لدى الفاتيكان أن هناك مشكلة أكبر بكثير من رئاسة الجمهورية، وهي هوية لبنان وكيانه ورسالته، لكن أحد المداخل الأساسية للعملية الانقاذية، انتخاب رئيس للجمهورية يلتزم بالدستور، ويطبق الاصلاحات التي وردت في اتفاق الطائف. أكثر من يفكر بهذا العمق هو الكرسي الرسولي والبطريركية المارونية معاً. التسوية التي يتم الحديث عنها في الاعلام، بأن بكركي متجهة الى تسوية مع حزب الله، وأن الفاتيكان يتواصل مع الحزب، غير صحيحة، ولن تحصل. الفاتيكان يعمل بصمت تام، ولا ينغمس في السياسة المحلية انما يؤكد على الثوابت، ويصغي الى القوى الفاعلة مع العلم أنه يؤخذ على بكركي أنها تسمع القوى التقليدية فقط. البطريركية المارونية لديها ثوابت تاريخية للحفاظ على هوية لبنان الحضارية، وهوية الحريات والانسان والعيش معاً، وهوية لبنان العربية وانتمائه الى المجتمع الدولي. والبطريرك الراعي يؤكد على هذه الثوابت كل أحد في عظاته، وكل مواقفه تقول ان ما يعيشه لبنان في هذه المرحلة هو أزمة كيانية خطيرة تهدد هويته ورسالته. وهنا يتلاقى مع ما قاله البابا فرنسيس بأن لبنان في خطر داهم. من هنا تقوم الديبلوماسية الفاتيكانية بعمل صامت لانقاذ لبنان بالتعاون مع كل أصدقائها في العالم. والبروباغندا التي تتحدث عن خلاف في المواقف بين البطريرك الراعي والفاتيكان، تدل على أن هناك ماكينة اعلامية غير مرتاحة للتوجهات الفاتيكانية والبطريركية المارونية الواضحة التي تقول: أي رئيس مقبل يجب أن يطبق اتفاق الطائف بما يعني أن هناك رفضاً لما يسمى بمؤتمر تأسيسي كما هناك تأكيد لبكركي والفاتيكان على صيغة العيش معاً في لبنان، وهذا يزعج الحزب وبعض الأطراف، وهناك انزعاج من استمرار البطريركية في المطالبة بمؤتمر دولي لو أن الفاتيكان يسأل عن خارطة الطريق لهذا المؤتمر. كل التوجهات في البطريركية المارونية واضحة، وتلاقيها الفاتيكان مع المجموعة الدولية، وهذا ما عبّر عنه البيان الأميركي – الفرنسي – السعودي”.

شارك المقال