التجنيس يحرّك عون… والترئيس يتحرك نحو عون؟

لبنان الكبير

“الناس بالناس والقطة بالنفاس”. انه لسان حال اللبنانيين الذين أنهكوا من الركض لتأمين لقمة العيش وحبة الدواء، وأهل السلطة يتلهون بسجالاتهم ومناكفاتهم بدل أن ينكبوا ليل نهار على وضع خطة طوارئ لانتشال ما تبقى من أشلاء دولة، وإنقاذ من بقي من أهل البلد.

حرب البيانات والبيانات المضادة بين رئيس الجمهورية السابق ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي حول مرسوم التجنيس، أعادت الناس الى مرحلة لا يريدون حتى استذكارها لأنهم لم يصدقوا بعد أن صفحة العهد البرتقالي انتهت الى غير رجعة، وتوجه أحد الوزراء المخضرمين الى بعض المسؤولين، بالقول: “أنتم لستم بمسؤولين ولا تتمتعون بحس المسؤولية، وهذا أخطر ما يكون على البلد وأهله. أنتم تتصارعون كالديوك في حلباتكم الشعبوية الطائفية، وتتركون البلد ينحدر بسرعة قياسية نحو المهوار. يكفينا تهريج سياسي، وشبعنا من ألاعيبكم وأكاذيبكم. يا عيب الشوم”.

وفيما بدا البلد كالحافلة بلا سائق، وملف لبنان يحضر في محادثات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ونظيره الأميركي جو بايدن في واشنطن في الساعات المقبلة، وسط نفي مصادر ديبلوماسية فرنسية زيارة ماكرون الى لبنان، يبدو أن زمام الاستحقاق الرئاسي أفلت كلياً من يد اللبنانيين، وبات محور كباش ايراني – أميركي إذ بعد الكلام العالي السقف لمرشد الثورة الايرانية علي خامنئي، جال وفد من الكونغرس الأميركي على المسؤولين في بيروت وشدد على أهمية إنتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة جديدة وتطبيق شروط صندوق النقد الدولي والمضي بالاصلاحات. إلا أن أحد المطلعين على أجواء زيارة الوفد أشار الى أنها لا تؤثر في المسار الرئاسي، وتأتي في اطار تثبيت الوجود بحيث أن الأميركيين لاحظوا في الفترة الأخيرة تراجع دورهم على الساحة اللبنانية، ويعوّضون عن هذا الغياب، وهذا النقص بهذا النوع من الوفود خصوصاً أن لدى الولايات المتحدة اليوم اهتمامات أكبر بكثير من لبنان. علينا أن نكون متواضعين، ولبنان ليس محور الكون. هناك الحرب الأوكرانية – الروسية، وأزمة النفط العالمية. الأميركيون سيعطون دوراً وهامشاً أكبر للتحركات الفرنسية في ما يتعلق بالملف اللبناني مع الاحتفاظ بنقاط القوة والأدوار التي تثبت وجودهم على الساحة الداخلية بحيث أنهم لن يتخلوا عن لبنان لكن في الوقت نفسه لن يكونوا لاعبين مباشرين أقله في هذه المرحلة. واذا أرادوا ارسال رسالة الى طرف ما، فسيتولى ذلك الجانب الفرنسي، لأن الأميركيين يهمهم إرضاء الفرنسيين لما لهم من تأثير على الموقف الأوروبي من الحرب الروسية -الأوكرانية خصوصاً أن هناك رأياً عاماً أوروبياً بأن الحرب مضرة على المستوى الأوروبي.

وعشية الجلسة المحددة لانتخاب رئيس للجمهورية بعد غد الخميس، والتي لن تشهد، في ظل المعطيات المحلية والاقليمية الراهنة، أيَ خرق ايجابي يذكر في نتائجها، يبدو أن الجمود الرئاسي سيستمر الى السنة الجديدة أو ربما الى الربيع وفق بعض المراقبين الذين يعتبرون أن الطبخة الخارجية لم تنضج بعد كما هناك عدم جهوزية في الداخل لاتمام الاستحقاق خصوصاً ضمن فريق الموالاة بحيث أن “حزب الله” لم يتمكن من اقناع حليفه النائب جبران باسيل بتبني ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية.

وفي هذا السياق، يشير أحد المحللين السياسيين الى أن الحزب لا يريد المفاضلة بين حليفيه باسيل وفرنجية على اعتبار أن الأخير لديه حظوظ بالوصول الى بعبدا، وأن الظروف مؤاتية لمثل هذه الشخصية الرئاسية في حين أن باسيل المقتنع بأنه معاقب أميركياً بسبب مواقفه الداعمة للحزب، يملك حيثيته النيابية والشعبية المسيحية، لكن حظوظه الرئاسية غير متوافرة. من هنا، لم يحسم الحزب موقفه، ويريد الحفاظ على ماء الوجه مع حليفيه، وليس مستبعداً أن يذهب الى خيار ثالث بعد ايصاله رسالة الى فرنجية مفادها أنه فعل ما أمكن لتعبيد طريق القصر الجمهوري أمامه، لكن هناك صعوبات تحول دون تحقيق ذلك، ويذهب حينها الى التوافق مع رئيسي “التيار الوطني الحر”، و”المردة” على اختيار اسم ثالث، ويكون بذلك حافظ على حليفيه في آن.

ووفق أحد المراقبين لا بد من التساؤل حول دور رئيس الجمهورية المقبل؟ الجواب: العمل مع الحكومة الجديدة لوضع حد للانهيار. كيف السبيل الى ذلك؟ بتأمين مصادر تمويل للبنان ووقف الفساد والهدر. وهذا يتأمن من خلال صندوق النقد الدولي ودعم الدول العربية وأبرزها المملكة العربية السعودية. اذا لم ننتخب رئيساً قادراً على استعادة ثقة الدول العربية وصندوق النقد والدول الممولة له، فلا يمكن أن تكون هناك حلول. بالتالي، انتخاب الرئيس اليوم مرتبط بسلة كاملة تتضمن رئيس جمهورية ورئيس حكومة واصلاحات وربما كيفية تعاطي لبنان مع القرارات الدولية. و”حزب الله” يدرك حجم المأزق الذي يقع فيه لبنان، ويدرك أن أي رئيس من فريقه من دون الحصول على دعم خارجي لن يستطيع اخراج لبنان من مأزقه المالي والاقتصادي بل سيزداد الانهيار انهياراً. نحن في مرحلة هدوء الى ما بعد الأعياد وانتهاء مونديال قطر.

في حين لفت مصدر آخر الى أن كل الخيارات مفتوحة، و”حزب الله” لن “يزرك” نفسه بخيار واحد مهما كان متمسكاً بهذا الخيار، لكن ليس واضحاً اليوم توجهه الفعلي، وهو يراقب الظروف والتطورات في المنطقة التي على أساسها يتخذ قراراته النهائية ان كان يتمسك بمرشحه غير المعلن أو يقايض في الرئاسة. اذا أراد أن يكون أكثر ليونة، وارضاء للفرنسيين والأميركيين، يذهب الى اسم آخر خصوصاً أن هناك من يسوّق أن العماد جوزيف عون هو مرشح الفرنسيين والأميركيين. مع التأكيد أنه اذا تعثرت الأمور ووصل الملف الرئاسي الى حائط مسدود، فسنصل الى السيناريو التالي: يعقد فرنجية مؤتمراً صحافياً يعلن فيه انسحابه من السباق الرئاسي وكذلك يفعل النائب ميشال معوض. وتتفق القوى السياسية على اسم شخصية تكون مدعومة من الخارج ما يعني أن حظوظ العماد جوزيف عون هي الأوفر نحو الرئاسة خصوصاً أن لبنان لا يمكن أن يخرج من أزماته من دون المساعدات الخارجية وأبرزها الخليجية.

وفي وقت يستعد فيه اللبنانيون لموجة جديدة من ارتفاع الاسعار تزامناً مع بدء اعتماد الدولار الجمركي على أساس سعر صرف ١٥ ألفاً مطلع الشهر المقبل ما سيؤدي الى ارتفاع كبير في أسعار السلع، اعتبر المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في حديث صحافي أن “المرحلة التي نمر بها، دقيقة على المستوى الوطني، والتحديات في هذا الاطار متنوعة. خلو سدة الرئاسة يترك تحديات ومسؤوليات ومخاوف، لأن عمل مؤسسات الدولة يصبح بلا غطاء. في كل ظرف سياسي ووطني مشابه تزداد المخاوف من أي تحديات أمنية”. وكشف عن اعتزامه إقامة دعوى قضائية خلال الفترة المقبلة ضد مَن نشروا ما وصفها بـ”الشائعات والأكاذيب المضللة” بحقه في قضية انفجار مرفأ بيروت.

من ناحية أخرى، التقى النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات في مكتبه في قصر العدل، المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بناء لطلب الأخير، وتم البحث في مضمون المذكرة التي أصدرها اللواء عثمان لعناصر الضابطة العدلية حول كيفية التعاطي مع الجرائم المشهودة، في ظل اعتكاف القضاة وامتناع النيابات العامة في المناطق عن تلقي الاتصالات من القوى الأمنية وإعطاء الاشارة اللازمة.

وبعد اللقاء، أكد عثمان أن “لا خلاف مع النيابة العامة، وربما هناك من يريد ضرب الأمن في لبنان، وهذا لن نسمح به”.

شارك المقال