ثلاثية أوجاع لبنانية… وثلاثية جلسات بلا طائل

لبنان الكبير

صرخات ثلاثية الأبعاد انطلقت بالامس على خلفية تأزم الأوضاع، وانسداد الأفق: صرخة صحية ترقى الى مستوى الانسانية بحيث أن عدداً كبيراً من المرضى مهدد بالموت في كل لحظة بسبب فقدان الأدوية وصعوبة تأمين العلاج في المستشفيات التي تعاني من النقص المالي، وقد دعت نقابة المستشفيات الى اتخاذ القرار المطلوب لتلافي الكارثة الصحية الوطنية المحتمة، وترك التفسيرات الدستورية والمواقف السياسية المتشنجّة جانباً لنجدة المرضى بأي وسيلة. ونداء اتخذ صفة العاجل، وارتقى الى مستوى القلق والخوف والخطر بعد أن كثرت جرائم القتل، اذ سجلت 3 جرائم خلال يومين، وأكثر من 5 خلال أسبوع ما انعكس سلباً على الناس الذين باتوا قلقين من التفلت الأمني، الا أن مصدراً أمنيا أكد لـ “لبنان الكبير” أن “نسبة الجريمة في انخفاض، والجرائم المرتكبة في الأيام القليلة الماضية تزامنت مع بعضها صدفة، وكلها قيد المتابعة والملاحقة، وأوقف بعض المجرمين، وأصبح لدينا الكثير من الخيوط المهمة مع التأكيد أن الأمن لا يزال مقبولاً على الرغم من كل شيء، ولن نسمح بالفلتان تحت أي ذريعة”. أما الصرخة الثالثة، فأتت من المواطنين الذين يعلقون عند كل شتوة في سياراتهم لساعات طويلة ما يعرضهم لأخطار كبيرة خصوصاً أولئك الذين “تبهدلوا” على طرقات كسروان أول من أمس، مناشدين المعنيين المتنصلين من مسؤولياتهم، معالجة الأسباب وعدم التلهي بتراشق الاتهامات لأن هناك أناساً يموتون اختناقاً وغرقاً على الطرقات التي أصبح عبورها هاجساً لدى المارة والعابرين.

وسياسياً، هناك أيضاً جلسات ثلاثية الأبعاد يتم الحديث عنها، منها تحولت الى فولكلورية، مملة، ومنها اتخذت صفة المعجلة والطارئة والمهمة، ومنها تتعرض لنكسات وتفسيرات دستورية متضاربة.

والبداية، مع جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في نسختها الثامنة التي ستكون كسابقاتها، وسط معلومات تحدثت عن أن رئيس مجلس النواب نبيه بري يتجه الى تغيير طريقة تعامله مع جلسات اللاانتخاب بعد أن تحولت الى مسرحية هزلية، ومقاربتها بطريقة مغايرة، بحيث أكد مصدر مقرب من عين التينة أن الرئيس بري طلب من كل الكتل النيابية حصر ترشيحاتهم بين شخصية الى 3 على أبعد تقدير، للدخول في مرحلة الجدية والمسؤولية في اختيار رئيس الجمهورية، مع تأكيده المستمر أن البلد لم يعد يحتمل اطالة فترة الشغور الحاصل.

واذا كانت جلسات انتخاب الرئيس أصبحت بالنسبة الى النواب كالفرض الذي يجب أن يؤديه الطالب كي لا يقاصص على تقصيره حتى أن بعضهم يدرس خيار عدم المشاركة طالما أن الأمور تسير بالطريقة نفسها، فإن هناك من يعتبر أن انعقاد جلسة لمجلس الوزراء بات ضرورة ملحة للبحث في الأولويات، وفي أمور تتعلق بحياة الناس اليومية وبصحتهم بعد نداءات الجهات الصحية ووزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض الذي لفت الى أن وزارة المالية أبلغته تعذّر صرف مستحقات المستشفيات، ما يهدد استمرارية تقديم الخدمات للمرضى.

وفي هذا الاطار، ترددت معلومات عن امكان دعوة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، مدعوماً من الرئيس بري، الى جلسة لمجلس الوزراء قريباً للبحث في الأولويات التي لم تتحدد بانتظار التأكد من انعقادها ثم يوضع جدول أعمالها. وأكد مصدر مقرب من الرئيس ميقاتي لموقع “لبنان الكبير” أن انعقاد مجلس الوزراء أمر وارد جداً طالما أن هناك ملفات ملحة وخطيرة لأنه لا يجوز السماح بوقف العمل في مرافق لها علاقة مباشرة بحياة الناس، مع التأكيد أن ليس الهدف من الجلسة، النكد والكباش السياسي انما البتّ بأمور مالية طارئة. نحترم كل الوزراء، ولا نظن أن أحدهم يتنصل من مسؤوليته في ظل الظروف الصعبة بل يجب على الجميع وضع الكيديات السياسية خلفهم، والتصرف بعقلانية. لكن، على ما يبدو، فإن الجميع في واد، و”التيار البرتقالي” في واد آخر، ويغرّد خارج سرب هموم الناس ومعيشتهم وأزماتهم ومشكلاتهم بحيث يتمسك بالكيديات والتفسيرات والتأويلات الدستورية حتى لو على حساب صحة الناس وتدمير البلد. ولا تخفي مصادره أنه “في حال انعقد مجلس الوزراء، فلن نقبل بهذا الأمر، وستكون لنا مواقف ورود فعل مناسبة في الوقت المناسب على اعتبار أن اجتماع حكومة مستقيلة بكامل أعضائها يعني أنه ستصدر عنها قرارات أو مراسيم، وهذا غير دستوري خصوصاً أن ليس هناك من ضرورات قصوى لتشريع الضرورة. وهم يعوّلون على عدم انعقاد الجلسة، واذا كان رئيس الحكومة ومن معه، يتحججون بأمور الناس الملحة لتمرير مثل هذه الجلسات، فنقول لهم ان اللجان الوزارية تسيّر شؤون الناس حتى أن وزير المالية وقّع القرار المتعلق بإقرار الجمرك على سعر 15 ألفاً من دون العودة الى مجلس الوزراء مجتمعاً. إذاً، رئيس الحكومة يحاول اللعب بالوقت، ويستغل الفراغ لعقد مثل هذه الجلسات التي يطمح اليها منذ اليوم الأول من الشغور، وكأن الحكومة كاملة الصلاحيات، وحاصلة على ثقة المجلس النيابي. كل ما يجري غير مقبول، والضحك على عقول اللبنانيين غير مقبول لأن الأمور التي يقولون انها ملحة، عالقة منذ سنتين، اذ كيف لم تكن ضرورة حينها واليوم أصبحت ضرورة؟”.

أما دستورياً، فأوضح أحد الخبراء الدستوريين أن الدستور لم ينص صراحة ولا بالتلميح ولا يوجد أي عرف يحّرم على حكومة تصريف الأعمال عقد جلسة على صعيد الحكومة ككل. وبالتالي، يحق للحكومة المستقيلة أن تعقد جلسات وزارية. ولا يجوز أن تبرر الحكومة سبب انعقادها، وهي ليست مضطرة لحدوث ظروف طارئة كي تجتمع. انها حكومة تصريف الأعمال، يحق لها الاجتماع وعقد الجلسات شرط أن تكون في اطار معالجة الأمور الضرورية والتي تتعلق بمفهوم تسيير الأعمال أي عدم اتخاذ قرارات تخرج عن الضروري أو عن سير الأعمال، ويجب أن تتخذ القرارات لتسيير المرافق العامة لأنه في العلم الدستوري لا وجود لنظرية الفراغ في السلطة، ولا يمكن الا أن تستمر هذه المرافق. ولا يجوز القول ان الضرورات تبيح المحظورات لأنه ليس هناك من محظور في اجتماع حكومة تصريف الأعمال، لا بل عليها واجب دستوري أن تجتمع لتسيّر شؤون البلاد والعباد، لكن بالقدر الضروري والضيق أي أن لا ترتب التزامات جديدة على البلاد.

أما الجلسة الثالثة المنتظرة، فهي تشريعية بامتياز بحيث دعا الرئيس بري الى عقد جلسة يوم الأربعاء في 7 كانون الأول الجاري لدرس اقتراح وادعاء الاتهام في ملف الاتصالات. وأشارت مصادر مطلعة الى أن الرئيس بري لن يتردد في الدعوة الى جلسة تشريعية أو أكثر اذا لزم الأمر حتى لو أن بعض الكتل يعترض على ذلك باعتبار أن المجلس النيابي بعد الشغور تحول الى هيئة ناخبة فقط.

ووفق أحد الدستوريين، فإن السجال قائم بين وجهتي نظر في موضوع التشريع: الأولى، تقول ان المجلس النيابي بعد دخول الأيام العشرة الأخيرة من قرب انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، وبعد بدء الشغور، يتحول الى هيئة انتخابية ولا يحق له التشريع أو القيام بأي عمل سوى انتخاب الرئيس، وهذه النظرية ليست غالبة ولا تطبق. الثانية، والتي ينتمي اليها الرئيس بري، تقول انه خلال جلسة الانتخاب لا يحق للمجلس التشريع أي منذ افتتاح الجلسة حتى اختتامها. وخارج نطاق الجلسات الانتخابية، يحق للمجلس أن يجتمع، ويشرّع. والرئيس بري يلجأ الى تكتيك ذكي بحيث يقفل الجلسة الانتخابية بعد اختتامها، ولا يتركها مفتوحة. مع التأكيد أنه يحق للمجلس التشريع لأنه لا يجوز خلال الشغور الذي قد يطول لسنوات أن يبقى مجلس النواب معطلاً الا لجلسات انتخابية مسرحية.

“كابيتال كونترول”

على صعيد آخر، وفيما يدخل قرار رفع الدولار الجمركي الى 15 الف ليرة، حيز التنفيذ اليوم، عُقدت جلسة جديدة للجان النيابية المشتركة لمتابعة المناقشة في مشروع قانون “الكابيتال كونترول”. ومع بدء الجلسة، علا الصراخ داخل القاعة بين نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب والنائب جميل السيد على خلفية حديث بو صعب أول من أمس الذي قال فيه إنّ عدداً من النواب لا يريد القانون وعدد آخر لا يريد مناقشته.

المطار الى الاقفال؟

الى ذلك، حذر اتحاد النقل الجوي في لبنان UTA، في بيان “وزير المالية من القرار الجائر بتحصيل ضريبة على الجزء الذي نتقاضاه بالدولار وبمفعول رجعي الذي نعتبره بمثابة جزية تفرض علينا، ولن نسكت على القرار الذي يريد تمويل عجز في موازنته على حساب قوت يوم محدودي الدخل، تاركاً كل مزاريب الهدر في الدولة والاعتداء على الطرف الضعيف والمنهك من شرائح اللبنانيين. ندق جرس الانذار، تراجعوا عن القرار الجائر ولا تدفعوا بنا إلى السلبية وإغلاق مطار بيروت أسوة بموظفي الدولة والقضاة”.

شارك المقال