بئر العبد تخترق مسيحياً بهدف تمرير الوقت

لبنان الكبير

انه البلد الواقف عن العمل حتى اشعار آخر. انه التعطيل المميت في المؤسسات كافة الذي ينسحب على القطاعات من أكبرها الى أصغرها لأن المسؤولين أرادوا وضع البلاد والعباد في قمقم التعذيب والقهر والجوع والمرض حتى الرمق الأخير. كيف لا، وقد حوّلوا جلسات أهم استحقاق دستوري الى مسرحية هزلية، قرف اللبنانيون من مشاهدتها على مدى 8 حلقات متتالية، متشابهة لا بل مستنسخة، وكتبوا لها نهاية مأساوية لأنهم لا يضمرون ولا يفكرون ولا يحبذون ولا يفهمون الا بلغة الشر. وأكثر، قرروا، وتناقشوا في غرفهم السود، ونفذوا حكم الاعدام بحق الشعب بعد سنوات من الحياة الشاقة، والأعمال الشاقة اذ بات اعتماد سعر الدولار الجمركي على 15 ألف ليرة ساري المفعول وسط تحليق سعر صرف الدولار الذي لامس الـ42 ألفاً، ما يعني أننا مقبلون على انفجار اجتماعي حتمي وفق أحد الخبراء الاقتصاديين الذي قال لموقع “لبنان الكبير”: “المستهلك متروك لمصيره الأسود ولرحمة جشع التجار، وكل البضائع المخزنة في المخازن التي تم استيرادها على سعر الدولار الجمركي 1500 ليرة ستباع على أساس دولار جمركي 15 ألفاً، ما سيؤدي الى ارتفاع كلفة المعيشة علماً أنه منذ أسبوعين، أظهر مؤشر استهلاك الخضار والفواكه، وهو مؤشر مهم جداً، تراجعاً بنسبة 70 في المئة عما كان عليه في تشرين الأول الماضي. وهذا يدل على أن غالبية اللبنانيين مرهقة اقتصادياً ومعيشياً، ومهما حاولت تصحيح المداخيل، فإن الضرائب تسبقها بارتفاعات مستمرة وبصورة كبيرة جداً. ثم يقولون ان الضروريات ستعفى من احتساب الدولار الجمركي على سعر 15 ألفاً، لكن أين هي اللائحة التي يجب أن تكون بين أيدي اللبنانيين ليحموا أنفسهم من التجار؟ سيختلط الحابل بالنابل، والمواطن وحده سيدفع الفاتورة غالية جداً لا بل تفوق كل قدرة على التحمل. والمشكلة ليست في ارتفاع الأسعار وحسب، انما أيضاً في ارتفاع سعر صرف الدولار الذي سيفاقم الأزمة، بما يعني أن اللبناني يواجه مشكلتين: ارتفاع الدولار الجمركي وارتفاع سعر صرف الدولار الذي ربما سيصل الى الخمسين ألفاً. ماذا سيحصل حينها؟ 80 في المئة من اللبنانيين باتوا من الفقراء، وهذا مؤشر خطير جداً. اقتصادنا أصبح من الطراز القديم، والخيارات تقليدية و(عجوزة)، والاستثمار غير ممكن في البلد في الوقت الحالي. للأسف ليس هناك من تحرك فعلي لكسر الحلقة، ولا نيات للخروج من النفق المظلم”.

أما الهيئات الاقتصادية، فهي بدورها رفعت الصوت عالياً، وأعلنت أن “قرار إلزام أصحاب العمل بتسجيل الأجور بالدولار واقتطاع الضريبة المتوجبة عليها بحسب قيمتها الفعلية هي بمثابة رصاصة الرحمة على مؤسسات القطاع الخاص الشرعية”. في حين أعلنت نقابة موظفي قطاع الاتصالات الخلوي التوقف عن العمل اليوم، وربما الى خطوات تصعيدية تالية.

وإذا كان المؤشر الاقتصادي والمالي، يوحي بانفجار اجتماعي، فإن المؤشر السياسي بلغ أدنى مستوياته بحيث أن من يرصد الحركة الساسية والمواقف المتباينة، يدرك حجم الخلاف وصعوبة المأزق، وانقسام السلطة حول الملفات الطارئة والحيوية والضرورية، وحول الاستحقاقات الدستورية اذ أخفق مجلس النواب للمرة الثامنة على التوالي في انتخاب رئيس للجمهورية. وأدلى 111 نائباً بأصواتهم في الدورة الأولى، وبعد انتهاء عملية فرز الأصوات، جاءت النتائج على الشكل الآتي: ميشال معوض: 37، زياد بارود: 2، عصام خليفة: 4، ورقة بيضاء: 52، لبنان الجديد: 9، الثوابت: 1، المواقف: 1، بشارة أبي يونس: 1، بدري ضاهر: 1، لأجل لبنان: 1، لولا دي سيلفا: 1، التوافق: 1. وبعدما طيّر النصاب نواب 8 آذار و”التيار الوطني الحر”، رفعت الجلسة الى الخميس المقبل.

وفيما أطفئت محركات الحياة في البلد، فإن السياسيين يستغلون الوقت الضائع بمناكفاتهم، ومواقفهم الشعبوية، وتحركاتهم للضحك على عقول الناس لا أكثر ولا أقل أي “جعجعة بلا طحين”. وكان لافتاً في الأيام القليلة الماضية، تسريب معطيات ومعلومات عن لقاءات جمعت موفدين من “حزب الله” مع أطراف مسيحية، ومنها البطريركية المارونية وحزب “الكتائب” وتمحورت تفاصيل اللقاءين حول الرئاسة على الرغم من أن “الكتائب” أكد ان لقاءه مع الحزب كان اجتماعياً، وأنه لا يعمل إلا بوضوح، ولا يعترض على الحوار بين الأفرقاء لأن البديل عنه هو الفوضى، لكنه يستدرك أن “حزب الله” يعمل بما يتناسب مع مصالح ايران.

وفي هذا الاطار، أشار أحد المحللين السياسيين الى أن الحزب لا يريد انتخاب رئيس للجمهورية، ويحمّل تبعات عدم الانتخاب الى الآخرين أي أنه يريد رمي الكرة في ملعب المسيحيين، واظهار أن القوى المسيحية غير متفقة. ولو كان الحزب جدياً، لقام بمبادرة ما أو طرح أفكاراً ورؤية ومشروعاً خصوصاً أنه يعتبر نفسه أم الصبي، لكنه اكتفى بلقاءات لا طعم لها ولا لون. وفي الوقت نفسه، يدعو الى الحوار، لكن ما هو موضوع هذا الحوار ومن أي منطلق ينطلق؟ انها تحركات ولقاءات لملء الفراغ. الحزب يريد اتفاقاً مع الخارج لأنه يريد ضمانات. يتحدث بكلام فضفاض عن الحوار والتوافق ولا أحد يفهم ما هو المضمون والمشروع والفكرة. يتحدث عن اتصالات ولقاءات ويرسل رسائل ايجابية تجاه المسيحيين، لكن كل ذلك لن يؤدي الى نتيجة انما لتمرير الوقت لأن عينه على الخارج. واليوم ايران في لحظة ضعف ولن تبرم اتفاقات مع أميركا لأنها ستقبل بالشروط بالحد الأدنى. وبالتالي، الحزب ينتظر اذا توافرت الشروط الجيدة مع الخارج ليسهل انتخاب الرئيس. كل ما يجري على الساحة السياسية من تحركات، وانتخاب بورقة بيضاء، محاولة لاستدراج الخارج. وعلى الرغم من الحديث عن امكان زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى لبنان كما وبحثه الوضع اللبناني مع نظيره الأميركي جو بايدن، الا أن لا شيء جدي خارجي تجاه لبنان بل الاكتفاء بالمطالبة بإجراء الاستحقاق الرئاسي والبدء بالاصلاحات، وهذا ما يزعج الحزب لأنه بعدم التسمية في الخارج، لا يمكنه المساومة. والأمر الجدي الوحيد في الرئاسة اليوم، هو التوجه الى البرلمان وتسمية أحد الأشخاص مع التأكيد أن الحزب يريد رئيساً ضعيفاً ومكبلاً بجملة شروط، أي معطل.

ورأت أوساط متابعة أن من المبكر الحديث عن فتح قنوات إتصال بين “حزب الله” والطرف المسيحي المعارض وبكركي، والحديث عن رغبة الحزب في إظهار حسن نية تجاه الطرف المسيحي المعارض لسياسته للحد من التشنج، غير دقيق، ولا يمت الى الواقع والحقيقة بصلة، خصوصاً لناحية بكركي التي انحدرت علاقته معها منذ زيارة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي الى الأراضي المقدسة لتتأزم أكثر على خلفية توقيف رئيس أساقفة أبرشيّة حيفا المارونيّة والنائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينيّة وعمّان وأراضي المملكة الأردنيّة الهاشمية المطران موسى الحاج بحيث وصفت الكنيسة حينها ما حصل بالتعدي الذي اقتُرف عن سابقِ تصوّرٍ وتصميم، وفي توقيتٍ لافتٍ ومشبوه، ولغاياتٍ كيديّة معروفة.

وأكد مصدر مطلع أن هذه اللقاءات تأتي في اطار استراتيجية المناورة لأن أزمة الحزب ليست مع المسيحيين فقط انما مع اللبنانيين عموماً. الحزب متهم من المسيحيين بتعطيل انتخاب الرئيس وأنه يحضر على المدى الطويل للتغيير في البنية اللبنانية. لذلك، يحاول أن يخترق خارج “التيار الوطني الحر”، لكن ليس هناك من حوار جدي كما يتم التداول في الصحف انما بعض التواصل والعلاقات السطحية. مع التأكيد أن الحوار بين طرفين غير متساويين في القوة، لن يؤدي الى نتيجة. وبالتالي، انفتاح الحزب على الأطراف المسيحية ليس في مكانه لأنه يأتي تحت ظرف واحد: اما الحوار وفق شروطه أو لا نتيجة، أي اما التوصل الى التوافق على رئيس لا يطعن بالمقاومة، ويسير وفق مصالح الحزب أو لن يكون هناك رئيس مع العلم أن الكلام عن هذا النوع من الانفتاح فيه مبالغة، لأن الخطوات في هذا الاتجاه خجولة، ولا دلالات مهمة لها. مصلحة الحزب في التحاور مع الجميع خصوصاً أنه على علم أن شروطه هي التي ستطبق، والحوار تحت عنوان التوافق لا يهدف الا الى تمرير الوقت الى حين نضوج تسوية دولية – إقليمية تكون رياحها مؤاتية مع المصالح الايرانية، واختيار الحزب للتصويت بالورقة البيضاء، وعدم اعلانه تبني أي مرشح خير دليل.

شارك المقال