حقوق المرضى والمعلمين والعسكر تنتصر على “شعبويي الصلاحيات”

لبنان الكبير

يمكن اختصار المشهد السياسي أمس بجلستين: الأولى نيابية في نسختها التاسعة لمناقشة مشروع قانون “الكابيتال كونترول” في مجلس النواب برئاسة نائب رئيس المجلس الياس بوصعب الذي لفت الى “أننا متفقون على طريقة الكابيتال كونترول لضمان الودائع القديمة بقيمتها الفعلية”. والثانية وزارية، جاءت استثنائية في ظروف انعقادها، وبنود جدول أعمالها، وردود الأفعال عليها، وتزامنها مع بلبلة دستورية، وتحريض طائفي، واستباقها بإعلان 9 وزراء عدم المشاركة فيها، وبث شائعات بأنه لن يكتب لها الانعقاد وأن نصيبها تطيير النصاب، حتى أن البعض اعتبرها معركة تحد بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الذي أراد أن يضرب بيد من حديد كما كان يفعل على مدى ست سنوات، مستنداً الى موقع رئاسة الجمهورية، ومستقوياً بحليفه بفائض من القوة، لكن هذه المرة جرت الرياح بما لا تشتهي سفنه، وتلقى صفعتين مرة واحدة: الأولى من حليفه الذي حضر الجلسة، والثانية من وزير لطالما اعتبر من حصته، فأنقذ الجلسة بتوفير الثلثين، وأقرت البنود الانسانية التي كانت سبباً لانعقاد الجلسة الاستثنائية وفق الرئيس ميقاتي.

وفيما أكدت مصادر مواكبة أن “حزب الله” أراد توجيه رسالة موجعة الى “التيار الوطني الحر” بمشاركته في الجلسة، يبدو أن الرسالة وصلت، وتردداتها لن تمر مرور الكرام بالنسبة الى البرتقاليين الذين رفضوا التعليق على تأمين نصاب جلسة الحكومة، وما جاء على لسان أحد النواب يشير الى أن التصدعات بين الحزب والتيار بدأت بالظهور بحيث حمّل الثنائي الشيعي مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية.

على أي حال، انعقدت جلسة مجلس الوزراء في السراي الحكومي بعد تأمين نصابها. وفي مستهلها، اعتبر ميقاتي أنها “استثنائية بكل معنى الكلمة، والأكثر استثناء فيها هو الملف الطبي الذي كان شرارة عقدها، والمتعلق بحقوق مرضى السرطان وغسيل الكلى. ولولا هذا الملف لما دعونا الى هذه الجلسة، لكن اذا كان البعض يتلطى وراء الدستور والعيش المشترك فنقول له انهما لا يتحققان بموت الناس، وفي كل الأحوال لن يحصل ذلك على يدنا”. وبعد الجلسة، أكد أنه اختصر جدول الأعمال لأنه يجب اتخاذ قرارات ضرورية. وعندما طرحت جدول الأعمال طلب بعض الوزراء شطب بعض البنود وتم التجاوب معهم وليس هناك “وزير ملك” فنحن جميعاً “خدم للبنانيين”.

وقبل ساعات من الجلسة التي أقرت الموافقة على الطلب من مصرف لبنان سداد مبلغ 35 مليون دولار لشراء الأدوية وحليب الأطفال، والمساعدة الاجتماعية للعسكريين والمتقاعدين تقدر بضعفي الراتب، أشيعت أجواء أنه لن يكتب لها الاجتماع لأن نصاب الثلثين لن يتأمن خصوصاً بعد البيان الذي صدر بتوقيع 9 وزراء، للاعلان عن مقاطعتهم الا أن المفاجأة كانت بحضور وزيرين ورد اسماهما في بيان المقاطعة، هما: هكتور حجار وجورج بوشكيان الذي اعتبر الوزير الملك.

وأشار أحد نواب حزب “الطاشناق” لموقع “لبنان الكبير” الى أن “الوزير بوشكيان لم يلتزم بقرار الحزب، وحضر الجلسة على مسؤوليته الخاصة. تحدثنا معه عن البيان عشية الجلسة، ووافق على أن يرد اسمه من بين المقاطعين، لكن لا نعرف ماذا حصل لاحقاً، ولم يلتزم بالبيان. هو صديق الرئيس ميقاتي”. في حين لفت أحد المطلعين الى أن حزب “الطاشناق” كان مجتمعاً ليقرر المشاركة من عدمها في الجلسة، في حضور الوزير بوشكيان، وتفاجأ حين صدر بيان باسم الوزراء التسعة، وهذا ما أثار غضب الحزب، وما دفع بوشكيان الى المشاركة في الجلسة. ما يعني أن البيان صدر من مكتب النائب باسيل، ووضع فيه اسم بوشكيان من دون علمه.

وقد حاول بعض الأطراف اقناع الرأي العام بانها جلسة مجلس وزراء غير حاصل على ثقة البرلمان، وتستهدف طائفة معينة، والسيطرة على صلاحيات رئيس الجمهورية، الا أن مصادر من مختلف الكتل المسيحية أكدت لـ “لبنان الكبير” أنهم لا ينطلقون في مواقفهم من الجلسة من اعتبارات طائفية لا من قريب ولا من بعيد، انما بناء على الدستور الذي يحصر عمل حكومة تصريف الأعمال بالأمور الطارئة والضرورية والملحة. ونحن مع انعقاد جلسة لها علاقة بحياة الناس وبصحتهم من دون تردد. مع تأكيد أحد نواب “القوات”، على “أننا لسنا ضد اجتماع مجلس الوزراء لأمور استثنائية وطارئة لا بل قد نطلب من الرئيس ميقاتي أن يدعو الى جلسة لأمور ملحة، لكن الجلسة لن تكون استثنائية وطارئة عندما تكون فضفاضة البنود الى هذا الحد، اضافة الى أنه تم الاتفاق عند الشغور الرئاسي خلال جلسة نيابية على أنه لا تتم الدعوة الى جلسة وزارية الا بالاتفاق على جدول عملها مع كل الأطراف السياسية الأساسية في البلد كي لا نذهب الى جدل عقيم. اما مشاركة الوزراء الذين أعلنوا عشية الجلسة عدم المشاركة، فتدل على عملية المحاصصات التي كانت تتم والتي قد تنقلب في أي لحظة ضد المتحاصصين. انها نتيجة المحاصصات بين المعنيين، والتي أخذت البلد الى الهاوية، ولا يزالون يتمسكون بالمبدأ نفسه، واستمرارهم في السلطة سيأخذنا الى نهاية القعر”. فيما أكدت المعلومات أن كل الوزراء كانوا على علم ببنود الجلسة، ووضعوا شؤون وزاراتهم على جدول عملها، ولولا ذلك، من أين أتت كل هذه البنود؟ كل وزير طرح بنود وزارته وليس الرئيس ميقاتي من وضع البنود.

أما نواب “التيار الوطني الحر” فيصرون على اعتبار الجلسة غير دستورية، ويقولون ان التلطي خلف أمور انسانية غير مقبول خصوصاً أن جدول أعمال الجلسة كان أكثر من 300 بند ليتقلص لاحقاً. ويتساءلون: هل الشؤون الطارئة والملحة تصل الى هذا الكم من البنود؟ ثم كان تم الاتفاق سابقاً على أن مجلس الوزراء لا ينعقد الا للضرورة القصوى، وبعد توافق الأطراف، وهذا لم يحصل، ولم يتم اطلاع الوزراء على البنود وجدول الأعمال. انها جلسة شعبوية، وكانت هناك طرق أخرى يمكن اللجوء اليها لتسيير الشؤون الصحية. التصعيد والاستفزاز ليس في محله. ومن اليوم وصاعداً ستتخذ الجلسات الوزارية طابع التحدي.

واعتبرت مصادر مطلعة أنه لو كان الرئيس ميقاتي يهدف الى الشعبوية، لكانت لديه الفرصة الأكبر لدعوة مجلس الوزراء الى الاجتماع، لاقرار نقل المونديال عبر شاشة “تلفزيون لبنان”. لم يفعل ذلك، لكن حين شعر بالخطر على صحة الناس، دعا الى الجلسة، وما قاله بعدها أكد هذا التوجه، اذ لم يستفز أحداً ولم يعلن انتصاراً ما، انما من انتصر في جلسة الأمس هم المرضى من خلال البت بملفاتهم. وهنا لا بد من الاقرار بأنه يمكن وضع مواقف الوزراء جميعاً في كفة، وموقف وزير الاقتصاد أمين سلام في كفة أخرى لأنه لم تجر العادة على أن يكون وزير سني ضد رئيس الحكومة وتوجهاته بهذا الشكل الفاضح، ويتعاطى مع الجلسة بهذه الخفة. وفي المعلومات أن سلام ورده اتصال من النائب باسيل حين كان في أحد أسواق بيروت، فجلس في أحد الاماكن، وكتب بياناً بعدم المشاركة. كان هناك اجماع على الجلسة التي شارك فيها “المردة والثنائي الشيعي و”الطاشناق” والحزب “التقدمي الاشتراكي” ورئيس الحكومة مع الوزراء السنة. اذاً، الجلسة ضرورة قصوى لأن الامر يتعلق بحياة آلاف المرضى، هل يريدون ابادة جماعية؟ وللمفارقة أنه يطلب من ميقاتي الكثير بحد أدنى من العمل، فكيف ذلك؟ من يصدق أن باسيل يعمل على تطبيق الدستور ويحرص على تنفيذه؟ من خرق وحرّف في الدستور وأدخل أعرافاً جديدة عليه أكثر من باسيل؟ هو الذي يدافع عن الدستور؟ تبين في جلسة الأمس أن الرئيس ميقاتي التزم بكل كلمة قالها للبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي بأنه اجتماع بالحد الأدنى لاقرار القضايا الملحة، وقد أقرت. هو لم يتواصل مع البطريرك الا قبل الجلسة بيومين، ليبدد هواجسه من الجلسة التي تتمحور حول قضايا ملحة، ولم يسمع اعتراضاً من البطريرك الذي كان بإمكانه القول انه يرفض الجلسة بكل بساطة. وفي الخلاصة، الرئيس ميقاتي انتصر في الجلسة لمرضى السرطان وغسيل الكلى، وانتصر للمعلمين والعسكريين ولتأمين اتصالات الناس مع العالم. لا يصح الا الصحيح، ولا يجوز الانصياع الى باسيل الذي يضع الناس أمام معادلته الخاصة: اما ان أصبح رئيساً للجمهورية أو تموتون.

جلسة حوارية

وبعد الظهر، عقد الرئيس ميقاتي لقاءً وزارياً تشاورياً في السراي الحكومي، حضره 12 وزيراً بمن فيهم الوزيران هكتور حجار ووليد نصار الذي قال: “نأخذ القرار بما خص حضور جلسات مجلس الوزراء من عدمه كل جلسة بجلستها”. اما وزير التربية عباس الحلبي، فقال: “ربما نكون مدعوين الأسبوع المقبل إلى جلسة حوارية أخرى للوزراء قبل اجتماع لجلسة مجلس الوزراء”.

شارك المقال