جبران يخوّن “الوعد الصادق” ويهدد بحرق الورقة البيضاء

لبنان الكبير

ليس هناك كلام أبلغ وأكثر تعبيراً للواقع اللبناني مما وصفه أحد السياسيين “المعتقين” والأوادم كما يعتبره المقربون منه: “نحن نواجه كتل أزمات بنيوية، وأوراماً طائفية خطيرة لا بل مميتة، ومسؤولين غير قادرين وليست لديهم النية بأن يكونوا مسؤولين، يتعاطون في شؤون البلد كالأطفال الذين يتقاتلون على كرة في ملعب المدرسة فيما نحن بحاجة الى رجال دولة، يعملون بصدق وبعقلانية وليس بخبثنة وغرائزية. وطالما هذا النوع من الحكام في السلطة، عبثاً الأمل في الخروج من النفق المظلم الى الضوء”.

قبل أن تمر ساعات على تداعيات جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، وما رافقها من بلبلة دستورية، وزعزعة سياسية بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”، نبتت في الأرض الخصبة، أزمة جديدة في محصول الأزمات الوفيرة اذ تأجلت جلسة الهيئة العامة التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم لمناقشة العريضة الاتهامية في حق وزراء الاتصالات السابقين نقولا صحناوي، بطرس حرب وجمال الجراح في ضوء إجماع القوى المسيحية على عدم المشاركة فيها على اعتبار أن المجلس هيئة انتخابية فقط في ظل الشغور، في حين لفت أحد نواب الموالاة في حديث لـ “لبنان الكبير” الى أن الجلسة ليست تشريعية، بل هي للمحاسبة، ولا يمكن للمجلس الا أن يقوم بدوره الرقابي والمحاسبي، والأمر يتعلق بملف فساد، لذلك من الأفضل للجميع في هذه المرحلة الدقيقة الابتعاد عن المواقف الشعبوية التي لا تخدم لا البلد ولا انتظام مؤسساته”.

وعلى صعيد المواقف، برزت أمس لغة جديدة استخدمها نواب وقياديون في “التيار الوطني الحر” مع “حزب الله”، وصلت الى مستوى الاتهام بالخيانة والغدر، اذ اعتبروا أن من أكثر النقاط الخلافية مع الحزب منذ اتفاق مار مخايل حتى اليوم، ما جرى في جلسة الحكومة، واذا لم تستدرك قيادة الحزب الأمور بسرعة، فالاتجاه نحو تغيير في التعاطي، والرد سيكون الخميس على رسالة الاثنين حتى أن السير بالنائب ميشال معوض أو قائد الجيش جوزيف عون وارد، كما أن التناغم مع “القوات” وارد أيضاً.

وفي هذا السياق، قال النائب جبران باسيل بعد اجتماع تكتل “لبنان القوي”: “سنسعى الى أن نطلع من الورقة البيضاء ونروح صوب مرشح رئاسي، ونحن نبحث جدياً عن مرشح و(مش ماشي حال البلد هيك). اذا كان أحد يظن أنه يضغط علينا في الموضوع الرئاسي، فنقول له لن ينفع هذا الأمر انما يؤدي الى تصلب أكبر. لن نقبل بما جرى، والموضوع لن يمر ولا أحد يتعاطى معنا بأقل من ذلك، وما حصل ليس أقل من سطو على موقع رئاسة الجمهورية عن سابق اصرار وتصميم. جلسة مجلس الوزراء أمس (الأول) غير دستورية وغير شرعية وغير ميثاقية”.

وفيما يرى البعض أنه لا يمكن لوم الحزب على مشاركته في الجلسة في وقت يقف “التيار” كسد منيع في وجه ايصال رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية الى القصر الجمهوري، يعتبر بعض المحللين أن الكباش السياسي سيتطور ويأخذ منحى أكثر خطورة، وسيتجلى في أكثر من استحقاق. في حين يؤكد آخرون أن الاختلاف لا يزال تحت السيطرة، ولا يهدد أسس العلاقة والتحالف بين الفريقين على الرغم من الاعترافات العلنية بأن اتفاق مار مخايل بات بحاجة الى نوع من الصيانة أو الحوار حول كثير من القضايا. لكن هذا لا ينفي أن “التيار” اليوم أمام خيارات عدة يمكن أن يتخذها لتكون بمثابة رسائل مضادة لرسائل الحزب. وهناك من يقول انه يحضّر لـ “قنابل سياسية”، ومنها أن يختار بعض النواب التصويت للنائب ميشال معوض في جلسة انتخاب الرئيس غداً، وفي حال استمر التشنج على ما هو عليه، فالتصعيد وارد في تبني ترشيح معوض وتأمين وصوله الى بعبدا، وهذا ما يفسر قول أحد النواب: “نطمح الى التوافق والتلاقي مع القوّات والكتائب بما يخص رئاسة الجمهورية والعلاقة مع حزب الله بحاجة الى انعاش”. واكتفت مصادر “القوات” بالتأكيد أن مرشحها لا يزال معوض، وأنها لا تريد اعادة تجربة انتخاب الرئيس ميشال عون مرة أخرى، وأن لا تواصل مع باسيل في الاستحقاق الرئاسي، واذا كان يريد التصويت لمعوض، فلن نمنعه لأن هدفنا ايصال الرئيس الذي نجد فيه المواصفات المطلوبة الى سدة الرئاسة. كما جرى الحديث عن أن “التيار” في صدد التحضير لتقديم دعوى باسم الوزراء الثمانية الذين قاطعوا جلسة مجلس الوزراء، أمام مجلس شورى الدولة طلباً لإبطال قراراتها.

وفي هذا الاطار، أكد أحد الدستوريين أنه يحق لأي فريق الطعن بقرارات الجلسة باعتبار أنها، حسب الجهة التي تريد الطعن، تضمنت بنوداً لا تتسم بالقضايا الملحة والطارئة، ولا تستوجب اجتماع مجلس الوزراء. كل البنود التي طرحت في الجلسة، وأقرت تتسم في غالبيتها بصفة الالحاح والضرورة والأمر الطارئ الذي كان يستوجب من الحكومة أن تجتمع. مجلس شورى الدولة هو من يحدد إن كانت البنود طارئة وملحة، وإن كانت هناك حاجة الى اجتماع الحكومة لاقرارها. السلطة التنفيذية لا يمكنها التقاعس عن ادارة شؤون وشجون البلاد والعباد.

وعن خيارات “التيار” في المرحلة المقبلة خصوصاً بعد كلمة باسيل التي اعتبرت نارية، بحيث نال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي حصة الأسد منها، لكنها لم تخلُ من توجيه الرسائل الى الحزب، حين قال: “وقفنا معهم سنتين في الشارع أيام الحكومة التي سُمّيت بالبتراء، فهل تصبح الحكومة اليوم ميثاقية بوجود سعادة الشامي ونجلا رياشي؟”، مضيفاً: “مشكلتنا مع الصادقين الذي نكثوا بالاتفاق وبالوعد والضمانة، وهذه ليست المرة الأولى أقله في الفترة الأخيرة، من انتخاب المنتشرين والانتخابات بحد ذاتها الى الحكومة”، أشار أحد المحللين السياسيين الى أن باسيل يشعر للمرة الأولى أنه ليس الحاكم بأمره في البلد منذ أن انقلبوا على حكومة الرئيس سعد الحريري سنة 2011، وشكلوا حكومة اللون الواحد برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي. منذ ذلك الحين هو حاكم بأمره من خلال رئاسة الجمهورية وتحالفه مع “حزب الله”. اليوم بعد انتهاء ولاية الرئيس عون، يشعر باسيل أنه فقد السيطرة على القرار في البلد، وبالتالي، انتقل من مرحلة ادعاء مركزية القرار الى مرحلة ادعاء المظلومية، وأن كل الأطراف تكتلت ضد هذا الفريق المسيحي لتستهدف الوجود المسيحي كاملاً. هذه الأعذار لم تعد تنفع حتى مع حليفه الذي لم يعد بإمكانه تأمين الغطاء له في كل المحطات السياسية. معركة باسيل اليوم مع كل اللبنانيين، معركة بين الواقع والشواذ. وأول محطة من محطات انهزام باسيل بدأت تتبلور. باسيل يحاول رد الصفعة الى الحزب عبر خيارات معينة، لكنه لن يذهب الى منحى تسمية معوض، ويفضل أن يبقى في موقع المعارضة على أن يسمّي أي خصم سياسي له سواء فرنجية أو معوض أو حتى قائد الجيش. لن يذهب الى المواجهة مع الحزب بل لا يزال يحاول المقايضة لأنه اذا لم يصل الى الرئاسة أو لم يتمكن من ايصال رئيس من محوره، يريد أن يحصل من الرئيس المقبل على ضمانات، وأي مرشح حالي لن يلتزم بهذه الضمانات. الحزب قد يخسر الغطاء المسيحي الأول في البلد اذا “فرط” تفاهم مار مخايل، لكنه يقول بصورة علنية انه لم يعد بحاجة لا الى غطاء مسيحي ولا الى غيره. هو من يقرر وليس بحاجة الى التفاهم والشراكة مع أي طرف بعد توقيع ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، والدخول في مرحلة من الهدنة الطويلة أو الاستقرار. باسيل يريد من “حزب الله” أن يقر بتفرده في الساحة المسيحية في وقت الحزب لديه حلفاء آخرون وشركاء التزموا معه أخلاقياً وأدبياً، ومنهم مرشحه فرنجية. وتمنى على باسيل أن يسير معه في هذا الخيار، لكن الأخير لا يرى أي أحد مرشحاً للرئاسة الا هو. وبالتالي، كان يراهن على أن الحزب قد يتبع النهج نفسه الذي اتبعه بالتعطيل عندما كان عون المرشح الأوحد. في حين أن الحزب كان وفياً كثيراً مع باسيل، عندما أوصل عون الى رئاسة الجمهورية، ومكّنه من الحكم خلال ست سنوات ماضية.

الرواتب والضرائب

اقتصادياً، التأمت جلسة لجنة المال والموازنة برئاسة النائب ابراهيم كنعان للاستماع الى وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل حول التعاميم والقرارات الصادرة والمتعلقة بسعر الصرف ورواتب القطاعين العام والخاص. وأشار كنعان بعد الجلسة إلى أنه “لا يجوز إخضاع رواتب القطاع العام الاضافية للضريبة (حتى ما نشلحن بيد يلي أعطيناهم اياه بيد). كان إجماع على ضرورة أن تراعي قرارات وزارة المال أوضاع الناس والمؤسسات، والشطور كما هي اليوم مجحفة بحق الناس”.

شارك المقال