“معراج” إيراني عندنا… ودرس أخلاق من “حزب الله” لباسيل

لبنان الكبير

في وقت يبدو فيه البلد كورقة تتطاير على طاولات التفاوض والمصالح الاقليمية والدولية، وتتناثر أشلاء الدولة ومؤسساتها في أجواء ضبابية، كان ينقص خبر إستغلال الحرس الثوري الايراني رحلات شركة الطيران الايرانية “معراج” لنقل أسلحة ومعدات حساسة إلى “حزب الله” ليكمل النقل بالزعرور، الا أن المدير العام للطيران المدني فادي الحسن أكد أن هذا الخبر عار من الصحة، وأن الشركة التي بدأت أول رحلة لها إلى مطار رفيق الحريري الدولي في 14 تشرين الثاني الماضي، تستوفي كل الشروط الأمنية، كما أن وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي شدد خلال تفقده جهاز أمن المطار على تطبيق القوانين وعلى حماية لبنان.

وإذا كانت الرحلات الجوية تتطلب الدعاء للوصول بالسلامة، فإن سلامة الاستحقاقات الدستورية لا تخضع لأدنى القوانين والمعايير الانسانية، وهي تواجه مطبات هوائية خطيرة، تعرضها لكثير من الحوادث والاصطدامات والعراقيل السياسية الأرضية، ما يتطلب تدخلاً سماوياً حاسماً وجازماً.

والخطورة الأكبر اليوم على الاستحقاق الرئاسي الذي يواجه كتلاً متضاربة في السخونة والبرودة، جعلت من جلساته الانتخابية محطة سخرية ومسرحية هزلية بحيث بات كل اللبنانيين على قناعة بأنها تجسد حالة مناوراتية وتكتيكية في انتظار اللحظة الاقليمية والدولية المناسبة، وكل ما يدور في فلكها من اختلافات وتصعيد وتصريحات هجومية وبيانات توضيحية، لا مفاعيل رئاسية له.

إذاً، عقدت الجلسة التاسعة أمس من دون أي جديد أو مفاجأة يمكن أن تغير في النتيجة، لكنها اكتسبت بعض الدلالات المختلفة اثر التوتر بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” بحيث تساوت أصوات مرشح المعارضة النائب ميشال معوض مع الأوراق البيض التي تراجعت من 52 إلى 39 صوتاً ما يعني أن عدداً من نواب تكتل “لبنان القوي” لم يصوّتوا بالطريقة المعتادة اذ برز صوتان حملا إسم “ميشال” وصوتان حملا إسم “معوض” بهدف ايصال رسالة اعتراضية على مواقف الحزب الأخيرة، لكن، من دون أن يذهب “التيار البرتقالي” نحو الخيارات الحاسمة كما توعد رئيسه النائب جبران باسيل في مؤتمره الصحافي الأخير. مع العلم أن “حزب الله” استبق الجلسة ببيان أوضح فيه أنه “لم يقدّم وعداً لأحد بأنَّ حكومة تصريف الأعمال لن تجتمع إلا بعد اتفاق جميع مكوناتها على الاجتماع، ولم يقدّم وعداً للتيار بأنه لن يحضر جلسات ‏طارئة للحكومة إذا غاب عنها وزراء التيار، لذلك، فإنَّ الصَّادقين لم ينكُثوا بوعد وقد يكون التبسَ الأمر على الوزير باسيل فأخطأ عندما اتّهم الصَّادقين بما لم يرتكبوه”، معتبراً أن “مسارعة بعض أوساط التيار الى استخدام لغة التخوين والغدر والنكث خصوصاً بين الأصدقاء، هو تصرّف غير حكيم وغير لائق”.

وبعد الجلسة، عقد لقاء بين باسيل الذي وصل متأخراً 37 دقيقة، ونائبي كتلة “الوفاء للمقاومة” علي فياض وحسن فضل الله في أحد أروقة المجلس بمشاركة عدد من نواب تكتل “لبنان القوي”، وأشارت المعلومات الى أن النائب آلان عون هو من رتّب اللقاء بعدما قاد جولة اتصالات ليلية بين الطرفين أفضت الى احتواء الخلاف ومنع تجاوزه الخطوط الحمر.

ورأى أحد المحللين السياسيين في حديث لـ “لبنان الكبير” أن الجلسة التي أعقبها اجتماع بين رئيس التيار ونواب من كتلة الحزب، جاءت لختم مرحلة التصعيد واعادة عقارب الساعة والبوصلة السياسية بين الطرفين، ودائماً تحت شعار تصحيح أو تطوير ورقة التفاهم. وبالتالي، عاصفة “التيار العوني” التي أطلقها رئيسه قبل يومين، تلاشت بسرعة قياسية بحيث بدأ يمهد الطريق للعودة الى بيت الطاعة لدى الحزب، والبرهان ما حصل في جلسة الأمس، فبعدما لوّح رئيس “التيار” بالخروج من الورقة البيضاء، إذ به يعود الى الالتزام بها مع خروق شكلية محدودة تثير السخرية السياسية أكثر مما تحمل مدلولاً أو معنى سياسياً. أما تلويح “التيار” بإسم معين لرئاسة الجمهورية في الجلسة المقبلة فلا يعني في السياسة أي جديد، وكلام بعض نوابه عن التحضير لطرح اسم ليس سوى من باب التكتكة السياسية في أكثر من اتجاه نحو الخصوم ونحو الحلفاء في آن معاً.

اما في ما يتعلق ببيان الحزب الصباحي، فكان في جوهره احتوائياً أكثر مما هو تصعيدي، والدليل ما جرى في الجلسة: أولاً، التزام التيار العوني بالورقة البيضاء أي ورقة الحزب عملياً. ثانياً، الاجتماع الذي حصل بين الطرفين بعد انتهاء الجلسة. كان لا بد لـ “حزب الله” من اصدار بيان كي يضع حداً لتفاقم الاتهامات التي أطلقها رئيس “التيار العوني”، وكان مضطراً لنفي وعوده والعودة الى الكلام العاطفي عن الصادقين والوعود الصادقة. هذا البيان من شأنه أن يضع الأمور في الميزان المتساوي على مستوى الهجمات وردها، وهذا يعني التمهيد لحوار واتفاق ربما تحت الطاولة أو فوقها لا فرق. وجميع المراقبين يدركون أن “التيار” ليس قادراً على التملص من ورقة التفاهم خصوصاً لجهة التزامها المطلق بسلاح الحزب، ولو كان أخذ موافقة مسبقة من الحزب نفسه للتصعيد ضده لعله يستخدم هذه الورقة في استعطاف الجانب الأميركي لرفع العقوبات عنه. وفي النتيجة العامة لما جرى فان باسيل وضع نفسه في مأزق وفق معادلة: خاسر خاسر أي أنه كان سيخسر حليفه أو ولي نعمته ولا يربح في المقابل ضمن بيئته المسيحية، لأن الرأي العام المسيحي مدرك تماماً هذه اللعبة وهذه المناورة، لكسب شعبوية فقدها منذ سنوات. لذلك، “التيار العوني” ملزم اضطرارياً بالعودة الى قواعده التي لا يستطيع الفكاك منها، وسنشهد في الأيام المقبلة حركة واسعة من الاتصالات بين الطرفين لاعادة تركيز تحالفهما على أساس البند العاشر في ورقة التفاهم.

وبالعودة الى ساحة النجمة، فقد التأم المجلس النيابي برئاسة رئيسه نبيه بري. وبعد فرز أصوات الدورة الأولى، أتت النتائج كالتالي: 39 صوتاً لميشال معوّض و39 ورقة بيضاء و5 أصوات لعصام خليفة و9 أصوات لـ”لبنان الجديد” و1 “لأجل لبنان” وصوت واحد لزياد بارود وصوت واحد لصلاح حنين الذي أعلن ترشيحه رسمياً للانتخابات الرئاسية، و3 أصوات لبدري ضاهر وصوت واحد لفوزي أبو ملهب وصوت واحد لـ”التوافق” وصوت لـ”معوّض بدري ضاهر” و4 أصوات ملغاة، من أصل 105 اصوات. وقبل الدورة الثانية، وكالعادة، طيّر نواب 8 آذار النصاب، وحدد الرئيس بري جلسة الخميس المقبل على أن تكون الأخيرة هذا العام كما قال، متمنياً لو يوافق الجميع على الحوار لتحويلها الى جلسة للحوار.

وفي وقت لفتت الزيارة التي قام بها مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق ديفيد هيل الى الرئيس بري واعتباره أن الوضع في لبنان غير ميؤوس منه ولكن ما ينقص هو الارادة السياسية بالاصلاح، أفادت المعلومات بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يحسم نهائياً أمر زيارته للبنان، اثر مشاركته في قمة بغداد – 2 في الأردن والتي يعوّل عليها في تحريك الملف الرئاسي.

وفي هذا السياق، جزم أحد الوزراء السابقين والمطلعين على الملف الرئاسي، في حديث لـ “لبنان الكبير” بأنه على الرغم من كل ما يحصل، فإن انتخاب الرئيس لم يتخط بعد الحالة المناوراتية والتكتيكية انما ينتظر اللحظة الاقليمية. شئنا أم أبينا، الوضع الداخلي مرتبط بالحالة الخارجية، وطالما الوضع الاقليمي ليس في حالة حرب ولا في حالة سلم ولا في حالة اتفاق انما لا يزال في حالة تفاوض ولم ينضج بعد، فإن الفرقاء في لبنان الذين بمعظمهم مرتبطون بالحالة الخارجية، غير جاهزين لاختيار الرئيس. والخشية اليوم أن يذهب الوضع الاقليمي نحو التدهور وعندئذ نخشى عدم انتخاب الرئيس في المدى المنظور واما أن يذهب الى نوع من الهدنة، حينها ستأتي الاشارة التي تطالب الأطراف في الداخل بالذهاب نحو مرشح توافقي فعلي، وليس بمعنى أن يأتي رئيس لا طعم ولا لون له. مع العلم أنه قد تظهر أسماء جديدة تشكل حالات توافقية، اذ ليس لدى أي فريق القدرة على إيصال مرشح تحدٍ، كما أن معظم الجهات لا تريد هذا النوع من المرشحين.

شارك المقال