وحي الميثاق يوقظ عون… وبكركي حيط مبكى باسيل

لبنان الكبير

لقاءات خارجية وداخلية، تصريحات ومواقف، واجتماعات متنوعة ومتعددة، وملاحقات وتوقيفات، وجرائم وارتكابات، وأزمات معيشية وحياتية، وتحركات واضرابات، كلها تصب في اطار التكتيكات والتصرفات والفذلكات والاجراءات التي لا تتعدى كونها خبريات، خارجة عن سياق الاهتمامات والمسؤوليات، ولا تقدم ولا تؤخر في الاستحقاقات، ولا تنقذ من الانهيارات والصعوبات.

في وقت كان يتحدث رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في القمة العربية – الصينية التي استضافتها المملكة العربية السعودية، في “مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات” في الرياض عن أن لبنان يتطلع إلى تطوير العلاقات مع الدول العربية ومع جمهورية الصين، وشدد البيان الختامي للقمة على “أهمية إجراء الاصلاحات اللازمة، والحوار والتشاور بما يضمن تجاوز لبنان لأزمته، تفادياً لأن يكون منطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضنة للتنظيمات والجماعات الارهابية التي تزعزع أمن المنطقة واستقرارها، أو مصدراً أو معبراً لتهريب المخدرات”، كان “التيار العوني” برئيسه الفخري ورئيسه الحالي، يحجان الى بكركي بعد الجرح الذي تسبب به الحليف “حزب الله” على خلفية جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، بحيث حمّل الرجل “المسالم” النائب جبران باسيل الجميع مسلمين ومسيحيين مسؤولية ما حصل في مجلس الوزراء الاثنين وهو أمر فظيع عبر حذف توقيع رئيس الجمهورية للمراسيم وضرب للميثاق وللكيان والجمهورية وليس لرئاسة الجمهورية وحسب. استكمل البحث في الملف الرئاسي مع البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي بحيث يجب ايجاد طريقة للوصول الى مرشح ينال ثلثي الأصوات “ونحن منفتحون على الجميع لكن هناك من ليس منفتحاً ولا يمكن أن نجبره”. وإمكان ترشيح أحد من “التيار الوطني الحر” لرئاسة الجمهورية، “هيدا حكي للتسلاية”. من دون أن ينسى توجيه سلاحه نحو رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، ويقنصه، قائلاً: “لا بدّو يجي على بكركي ولا بدّو يعمل حوار”. ليرد عليه جعجع، مغرداً عبر حسابه على “تويتر”: “الحوار بدو أهل حوار”. وكلام باسيل الصباحي، ردده الرئيس عون في زيارته المسائية الى بكركي حيث قال: “هناك ضرب للميثاق والدستور وحقوق غير مصانة والأزمة كبيرة ولا مجال للكلام المباح”.

اما الراعي فقال: “لطالما كنّا من دعاة الحوار وأنا يلّي بدعي لحوار من الـ2009 ولا حلّ إلا بالحوار بين الأفرقاء إما بحوار ثنائي بيني وبين كلّ فريق وإما بحوار جامع والحوار الجامع تتخلّله صعوبات. ما حصل من عقد لجسلة مجلس الوزراء (ما كان لازم يصير) وخصوصاً أنّ عدة أطراف كانت غائبة عن الجلسة”.

إذاً، يبدو أن الزوبعة التي تسببت بها جلسة مجلس الوزراء لم تهدأ بعد خصوصاً بالنسبة الى “التيار البرتقالي”، اذ لفتت مصادر مطلعة لموقع “لبنان الكبير” الى أن الزيارتين العونيتين الى الصرح البطريركي، محاولة للاستثمار في الشحن الطائفي بحجة الحفاظ على حقوق المسيحيين، وأن الخطر اليوم على وجودهم ودورهم ومواقعهم، وأهمها رئاسة الجمهورية، وكأن هناك نوعاً من محاولة الاستغناء عنها، في ظل تحالفات واصطفافات بدأت تظهر وتتجلى في أكثر من استحقاق وملف وقضية. وبالتالي، هناك العديد من الملفات والمسائل التي تم التطرق اليها خلال اللقاء، ومنها: تداعيات جلسة مجلس الوزراء الأخيرة على الوضع الداخلي وعلى صلاحيات رئيس الجمهورية، والاستحقاق الرئاسي الذي يعتبر العنوان الأبرز الذي يطالب الراعي بحسمه خلال عظاته المتتالية ولقاءاته وجولاته الخارجية، والطلب من البطريرك جمع القادة المسيحيين تحت جناحه في الصرح البطريركي لتبديد الخلافات القائمة بينهم، ومحاولة التفاهم والتوافق أقله بالنسبة الى رئيس الجمهورية، لكن ربما هذا الطلب لن يلقى آذاناً صاغية ولن يجد تشجيعاً من البطريرك الذي سبق وقام بخطوة سابقة ولم تصل الى الهدف المنشود بسبب حدة الخلافات بين القادة واستحالة اتفاقهم.

واعتبر أحد نواب المعارضة أن الحج العوني الى بكركي خصوصاً باسيل محاولة لطلب النجدة من البطريرك الماروني للحفاظ على موقعه وانطلاقاً من رغبته في الترشح لرئاسة الجمهورية. يريد اعادة تجربة انتخاب الرئيس ميشال عون، ونحن نقول ان من “جرب المجرب كان عقله مخرب”. باسيل هو رجل الأنا وليس رجل الحوار. ومن يحمل لواء الدفاع عن المسيحيين يجب أن يدافع عنهم فعلاً، فأين هم المسيحيون اليوم؟ ثم لماذا الحديث بلغة طائفية دائماً وليس بلغة وطنية للوصول الى دولة تحمي كل أبنائها؟

أما أحد نواب تكتل “لبنان القوي”، فأشار الى أن “بكركي معنية بحماية المواقع الدستورية وخصوصاً موقع رئاسة الجمهورية، ثم ان زيارات باسيل الى البطريركية، دورية، والتنسيق مع البطريرك دائم. التشاور مع بكركي ضروري في هذه المرحلة لأن هناك مساساً بصيغة العيش المشترك التي أرساها اتفاق الطائف والدستور الذي تم خرقه في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة. لا يهم من يقف الى جانبنا في القضايا الوطنية والمحقة والتي تحافظ على صيغة العيش المشترك، واذا كنا وحدنا ندافع عنها، فهذا شرف كبير لنا”.

ورأى أحد المحللين السياسيين أن العودة الى بكركي كسقف، وربما الرئيس عون وباسيل خصوصاً يحاول ايجاد هذا السقف في حال قرر الغاء اتفاق مار مخايل والقطيعة مع “الثنائي الشيعي”. هناك موضوعان في بكركي: نوع من المصارحة حول هوية الرئيس الذي يجب أن يأتي بحيثية مسيحية وليس بحيثية “الثنائي الشيعي”، كما وطرح لامركزيات فاعلة انمائية على الأقل، طالما أن المناطق المسيحية هي أكثر المناطق التي تدفع الضرائب للدولة في حين أن الكثير من المناطق الأخرى لا تدفع وتستثمر. باسيل على المستوى السياسي يريد خطاً مستقلاً بمعنى أنه اذا لم يكن من حظوظ له في رئاسة الجمهورية، فسيكون في الخط المعارض أياً يكن الرئيس. وبالتالي، ربما يرى أن هناك المزيد من الحرية في الخروج من اتفاق مار مخايل لأن هذ الاتفاق كما يقال قد أدى قسطه للعلى مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون. وبالتالي، هناك عدة اعتبارات تدفع باسيل في اتجاه الاستقلالية. لا شك في أنه يسعى الى أن يكون مرشحاً جدياً للرئاسة، لكن في المقابل يحاول منذ الآن أن يكون له موقع في النفط والغاز اللبناني من خلال اتصالاته مع قطر التي كان لها دور بارز في الترسيم، ولها دور مستقبلي في الاستثمار بحقول النفط في لبنان وأيضاً مع فرنسا صاحبة شركة “توتال”. لذلك، يتبع ثلاثة مسارات متفرعة: أولاً، طموحه الرئاسي الذي لا يزال احتمالاً وارداً، ويراهن على تغيرات دولية واقليمية تنعكس محلياً على الرغم من أن حظوظه حتى الآن تحت الصفر. ثانياً، يحاول أن يكون المعارض في أي عهد الا اذا كان صاحب العهد على علاقة جيدة معه أو ينتسب اليه. وفي لبنان، المعارضة دائماً تجذب، وتكون مستقطبة للشارع، وهذا ما يراهن عليه باسيل. ثالثاً، بقدر ما يعمل سياسة، يعمل كرجل أعمال واستثمار. ويبقى السؤال المحوري اليوم: اذا انتخب الرئيس، هل تحل الأزمة؟ المشكلة ليست في الرئيس انما في ايجاد تسوية للوضع الاقتصادي والسياسي والمالي والأمني والاستشفائي والتربوي. تسوية تحاول تصحيح النظام، وتفعيل المؤسسات والعودة الى دولة القانون وليس الى دولة الفئويات والمحسوبيات. اذاً، هناك عنوانان: رئاسة الجمهورية، وأي لبنان نريد؟ وهنا نلاحظ أن هناك عودة مسيحية الى بكركي كمرجعية، وبدأ البحث عن قواسم مشتركة مارونية – مارونية لمستقبل الطائفة خصوصاً أن النسبة الأكبر من شبابها هاجرت. وهنا نقول ان الاصطفاف الطائفي قائم على قدم وساق في البلد، والتشرذم ليس موجوداً سوى في الطائفة المسيحية. وهذا التشرذم مكّن الآخرين من التطاول على الدور المسيحي وعلى حضوره في المؤسسات. هذا النظام الطائفي أثبت أنه لا يمكنه بناء دولة قوية قادرة وعادلة.

وفيما يبدو واضحاً أن الشحن الطائفي سيتقدم في المرحلة المقبلة للتغطية على فشل المعنيين في انتخاب رئيس جديد للبلاد، فإن أحد المتابعين أشار الى أن أجواء مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري في الدعوة الى الحوار ايجابية أكثر من المرة السابقة بحيث أن الكل محرج ويحتاج الى مخرج من مسرحية الخميس، على الرغم من أن البعض ربطها بالإبقاء على جلسات الانتخاب مفتوحة بالتزامن مع حلقات حوارية داخل القاعة العامة، مع العلم أن معظم الكتل لم يتخذ موقفاً رسمياً بعد بانتظار مناقشة الموضوع خلال اجتماعاته.

وأوضح أحد نواب “التيار” أن القرار لم يتخذ بعد بشأن المشاركة من عدمها، لكن كان الأجدى بالداعين الى الحوار حول ملف رئاسة الجمهورية أن يقوموا بمبادرة، ويدعون الى حوار حول اجتماع حكومة تصريف الأعمال، لأن الموضوع خلافي ويمكن أن يفجر أزمة. أما أحد النواب المستقلين، فتخوف من عدم التواصل بين الكتل قبل الجلسة، ومن تطيير الحوار والجلسة في الوقت عينه.

ويحسم أحد المحللين أن كل الدعوات الى الحوار تضييع للوقت، معتبراً أن ليس هناك من حوار لبناني – لبناني الا اذا كان هناك أمر مفروض خارجي على اللبنانيين بأن يتحاوروا. ثم التحاور حول ماذا؟ حول مواصفات الرئيس؟ المواصفات يجب أن تكون حول أي وطن نريد وأي دولة؟ البلد ينتظر تفاهماً خارجياً لانقاذ الوضع، وعبثاً المحاولة في الداخل.

توقيف صليبا

على صعيد آخر، وفي وقت حلق سعر صرف الدولار أمس، أوقفت المحامية العامة المالية القاضية إيمان عبد الله الممثلة ستيفاني صليبا بناء لاشارة النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم بعد الاستماع اليها. وكانت تقارير صحافية قد تحدثت عن أن النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أصدرت مذكرة بحث وتحر بحق صليبا، بناءً على التحقيقات اللبنانية والأوروبية التي تجري في ملف إختلاس وتبييض وسرقة أموال.

شارك المقال