التمديد لـ”جهنم”… والشغور يحضر في “بغداد 2”

لبنان الكبير

يبدو أن إصرار المسؤولين قوي على عدم ترك أي نافذة أمل للشعب الذي ضيّقوا عليه حياته، وهم يجددون اقامته في جهنم الى أجل غير مسمى حتى أنهم لن يسمحوا له بتمرير أيام الاعياد على خير في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار، والمواد الاستهلاكية بصورة جنونية. والأنكى من كل ذلك، أنهم يطمئنون الناس الى أن الدولار الجمركي لن يؤثر على أسعار المواد الغذائية انما سيطال 6 في المئة منها. لكن جولة في السوبرماركات تظهر حجم الكذب وتضخم الحجج التي لا تنتهي في ضوء الارتفاع الجنوني للأسعار، ومشهد عجوز أو صبية أو شاب يعيدون مشترياتهم لدى وصولهم الى صندوق المحاسبة، يتكرر على مدى ساعات النهار، ما يدمي القلوب بسبب الحالة التي وصل اليها الناس، لكن المسؤولين في عليائهم لا يعرفون بهذه القصص السخيفة والعابرة خصوصاً أنهم يمضون عطلة الأعياد مع عائلاتهم في دول أوروبية وغربية.

هذا الواقع المرير، دفع أحد الخبراء الاقتصاديين الى اطلاق صرخة عبر “لبنان الكبير” لانقاذ الشعب “لأن الآتي من الأيام سيكون أسوأ خصوصاً أن ليس هناك أي اجراء للجم سعر صرف الدولار، والتجار الذين باتت سمة الجشع تلازمهم، يتحججون بأنهم يستوردون البضاعة على سعر الصرف الحالي فيما البضاعة عندهم تكفي لأشهر مع أنهم يستفيدون من شراء الدولار على منصة صيرفة، كما أنهم يستوردون البضاعة اليوم من الدول القريبة وليس من أوروبا كما في السابق. ليست هناك رقابة، ووزارة الاقتصاد لديها عدد قليل من المراقبين، وبين حجج التجار وشكاوى الوزارة، المواطن وحده يدفع الثمن (وبتطلع براسو). كان هناك تثبيت لسعر صرف الليرة للجم التضخم الذي كان معدله بين 1997 و2019 أقل من 3 في المئة بسبب وجود سياسة نقدية لاستقرار سعر الصرف. اليوم أصبحت نسبة التضخم مرتفعة جداً. وبعيداً عن الأرقام والحسابات المالية، فإن الناس سيكتوون بأسعار السلع، والله يستر من المرحلة المقبلة بحيث أن كل المؤشرات تدل على أن الانفجار الاجتماعي بات قريباً اذا لم يتم تدارك الأمور. ما يحصل اليوم في لبنان جنوني، ولم يسبق أن شهده أي بلد. إذا كان مونديال قطر قد شغل اللبنانيين لفترة قصيرة، فإنّهم سيعودون إلى مواجهة واقعهم المزري والمؤلم من دون أي مسكنات”.

الصرخة المعيشية، كررها أحد السفراء، لكن هذه المرة من باب السياسة بحيث أن الأنظار متجهة الى أعمال القمة الثانية لدول الجوار العراقي التي عرفت بـ “بغداد 2″، في مدينة العقبة الأردنية، في ظل الانسداد الداخلي، ولبنان يغرد خارج السرب العربي والدولي. وسأل: “أين أصبح لبنان؟ وماذا تركوا منه؟ وما هي امكاناته؟ وماذا يمكن أن يقدم؟ ألم ينسفوا كيانه؟ ألم يحطوا من شأنه ومن موقعه؟ ألم يهينوا كرامته بين الدول؟ مسحوا لبنان مسحاً. حوّلوا بلد الأرز الى بلد شحاذ على أبواب الدول لا أكثر ولا أقل. هل هذا هو دور لبنان؟ أليس من المعيب أن نشارك في قمم دولية، ونتحدث؟ كل ما فعلوه، وارتكبوه يدعو الى الخجل. يا عيب الشوم، فالأشرف لهم أن يبتعدوا للحفاظ على شيء من الكرامة والهيبة”.

إذاً، لا جديد على المسرح السياسي أمس، فالمسؤولون العاطلون عن العمل، والمعطلون لكل المؤسسات الدستورية، استفادوا من عطلة الأعياد باكراً، يراقبون عن بعد المجريات والتطورات، ويتطلعون الى القمة التي دعا اليها عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني، يومي 21 و22 الجاري، بمشاركة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والتي يراد لها أن تكون استمراراً لقمة “بغداد 1” التي عقدت في العراق في آب الماضي علّها تكسر الجمود الداخلي أقله على المستوى الرئاسي. وتشارك فيها الى الأردن، مصر والسعودية والامارات وقطر وتركيا وايران والعراق وفرنسا الى جانب عضوين جديدين هذه السنة هما البحرين وعُمان، ولا تختلف كثيراً في عناوينها عن العام الماضي أي كيفية مساعدة العراق على توفير الأمن والاستقرار والازدهار، وتحديات الأمن الغذائي والدوائي وأمن الطاقة في المنطقة والعالم، ومناقشة ملفات تهم المنطقة. وعلى الرغم من عدم دعوة لبنان الى مؤتمر “بغداد 2″، مع العلم أن العديد من الدول المشاركة فيه يمكن اعتبارها لاعباً أساسياً على الساحة الداخلية، أشارت مصادر لموقع “لبنان الكبير” الى أنه ستتم مناقشة أوضاع المنطقة برمتها، وهي متشابهة ومترابطة، ولا بد أن القضية اللبنانية ستكون على الطاولة خصوصاً أن الرئيس الفرنسي يحرص على طرح الملف الرئاسي اللبناني في مختلف القمم واللقاءات العربية والغربية، وسيستفيد من مشاركة الرياض وطهران في هذا السياق لمقاربة مشكلة لبنان بموضوعية مع كل منهما، والتفاهم على كيفية المساعدة. وتحدثت المعلومات عن أن اتصالات سبقت المؤتمر لتضمين بيانه الختامي فقرة عن لبنان، تعبّر عن خلاصة المشاروات التي جرت في قطر بين ماكرون وعدد من المسؤولين من مختلف الدول الذين زاروا الدوحة مؤخراً اضافة الى لقائه مع الرئيس الأميركي جو بايدن.

وأكدت احدى الباحثات في العلاقات الدولية أن الملف اللبناني سيكون حاضراً على الطاولة خصوصاً أنه يأخذ حيزاً كبيراً من الاهتمام الفرنسي والايراني والسعودي، وهم يشاركون في القمة. الانتخابات الرئاسية ستكون الموضوع الأساس في البحث كما تشكيل الحكومة بحيث أن الملفات الأخرى الاقتصادية أو المالية أو المعيشية أو الخدماتية مهمة انما لا يمكن أن يحصل النقاش بشأنها اذا لم يكن هناك رئيس وحكومة كاملة الصلاحيات. وكما كان لافتاً غياب سوريا عن القمة في نسختها الأولى في بغداد خصوصاً أنها دولة حدودية مع العراق، اليوم غياب لبنان عن القمة في الأردن لافت وغامض، ويطرح تساؤلات كثيرة. ربما لأن هناك شغور في الرئاسة الأولى وحكومة تصريف أعمال وربما أيضاً لبحث الملفات اللبنانية الشائكة بتروٍ، لأن ماكرون يسعى الى تهدئة الأوضاع، وايجاد قواسم مشتركة أو توافقات خارجية يمكن أن تنعكس فيما بعد على الداخل اللبناني. ربما اللقاءات على هامش القمة، ستساهم في تقريب وجهات النظر بين الدول الفاعلة، وربما الرئيس الفرنسي سيجس النبض، بتفويض أميركي، حول اسم الرئيس المقبل وإن كان هناك توافق على قائد الجيش العماد جوزيف عون بحيث أن هبة طائرات الهليكوبتر للجيش منذ أيام اشارة الى أن الولايات المتحدة تدعمه.

أما أحد الديبلوماسيين فاعتبر أن القمة لن تتطرق الى القضية اللبنانية وتحديداً الملف الرئاسي، وفي حال كان على طاولة البحث لن يحقق خرقاً لأن المشكلة في الداخل. وصلنا الى حائط مسدود بفضل المعنيين الذين يتصلبون في مواقفهم، ولو اجتمع العالم لن يتمكن من الحلحلة. فرنسا مشكورة تهتم بالقضايا اللبنانية، لكن الى اليوم لا نرى أي مفاعيل أو نتائج على أرض الواقع لهذا الاهتمام. الدول تتصرف مع المسؤولين وفق المثل القائل “مين جرب المجرب كان عقلو مخرب”. المسؤولون تحولوا الى بياعي كلام، يسرقون، ويعدون، وكل الكلام والوعود كاذبة. واذا كان البعض في الداخل مستعد لسماعهم، فإن الخارج غير مستعد وغير مهتم، ولا يقيم أي وزن لما يقولون خصوصاً بعدما أثبتوا فشلهم في إدارة أمور بلدهم الداخلية، ويفرطون بمصالحه ومصالح شعبه.

على صعيد آخر، وفيما زار وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم مقر الوحدة الايرلندية لتقديم ‏واجب العزاء بمقتل الجندي الايرلندي، مؤكداً أن “التحقيقات جارية في حادثة العاقبية والأجهزة الامنية تقوم بدورها”، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب خلال لقائه مجلس نقابة المحررين في السراي الحكومي أن “الجيش يجري التحقيقات اللازمة في حادثة اليونيفيل، ونأمل الوصول الى النتيجة ‏قريباً. المزايدات ‏في هذا الملف مرفوضة وكذلك مرفوض الاستخفاف بخطورة ما حصل أو اعتباره حادثاً ‏عادياً أو عرضياً. الحادثة يجب أخذها بجدية، واجراء كامل التحقيقات والمحاسبة. أما ما يتعلق بملف بلدة رميش الحدودية، فطلبت من الجيش تقريراً كاملاً عن الموضوع، ‏علماً أن التعاون قائم بين الجيش واليونيفيل في هذا الملف، والكشف ومراقبة المواقع ‏التي يتم الحديث عنها والتابعة لجمعية (أخضر بلا حدود)”. ‏

وبينما أخفق الاجتماع الرباعي الوزاري السبت الماضي في التوصل الى ‏صيغة تحيي العمل الوزاري، قال ميقاتي: “عند الضرورة والحاجة سأدعو مجلس الوزراء ‏الى الانعقاد، وفق الصلاحيات الدستورية المنوطة بي، لكن في الوقت الراهن لا شيء ‏طارئاً يستدعي عقد جلسة”. وأعرب عن رفضه صيغة “المراسيم الجوّالة” التي يقترحها البعض، “‏لأن لا سند دستورياً لها”، مؤكداً أن “لا أسلحة ايرانية يتم ادخالها عبر المطار”.

شارك المقال