بخاري يحرّك الجمود في بكركي… باريس قلقة وواشنطن تحبط “بغداد 2”

لبنان الكبير

في وقت ينهي فيه الشغور الرئاسي يومه الواحد والخمسين، وفيما كانت الأنظار متجهة الى الحدث الاقليمي الأبرز أي قمة “بغداد 2” التي تعقد في الأردن، في حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي يعوّل عليها في تحقيق أي خرق في الاستحقاق الرئاسي اللبناني، لفتت الزيارة التي قام بها السفير السعودي وليد بخاري الى بكركي وكسرت الجمود السياسي الداخلي بحيث كان ملف الانتخابات الرئاسية الطبق الأساس في محادثاته مع البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي.

وقالت مصادر بكركي ان بخاري شدد على ضرورة اجراء الانتخابات الرئاسية في أسرع وقت، وتشكيل حكومة منسجمة مع الرئيس للنهوض بالبلد، وأن المملكة لن تتردد في القيام بأي جهد يتطلب المساعدة في موضوع الانتخابات وأن التنسيق مع الجانب الفرنسي مستمر. وأشارت معلومات صحافية الى أن بخاري، قال في بكركي إن المطلوب اليوم رئيس مقبول من الجميع وأن يكون على علاقة جيدة بمختلف الدول. وفهم البطريرك الراعي من كلام بخاري أن المملكة تحبّذ رئيساً لا ينتمي إلى أي محور سياسيّ. كما أثنى بخاري على عظات البطريرك الراعي لا سيما في ما يتعلّق بالحياد وبضرورة انتخاب رئيس للجمهورية.

ودعت باريس أمس بلسان وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا القادة اللبنانيين إلى “تحمل مسؤولياتهم”، والعمل على “إجراء انتخابات سريعة”. وعبّرت في مؤتمر صحافي في ختام قمة “بغداد 2” التي عقدت في السويمة على شواطئ البحر الميت عن “قلقها”، داعية القادة اللبنانيين الى “الاضطلاع بمسؤولياتهم في تسهيل الانتخاب السريع لرئيس جديد في لبنان وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات قادرة على تنفيذ الاصلاحات التي يحتاج اليها لبنان بشدة”.

أما واشنطن فاختارت “بنشرة دواليب” قمة “بغداد 2” وإحباط توقعات متفائلة بإمكان تحريك الملف النووي على هامش هذه القمة عبر التواصل الأوروبي – الايراني، معلنة أن الاتفاق النووي ليس محل تركيزها حالياً. وأكدت أن لا تقدم حالياً باتجاه هذا الاتفاق وهي لا ترى تقدماً متوقعاً في المستقبل القريب.

الموقف الأميركي هذا يعيد كل الكلام عن إمكان تحرك الملف الايراني ايجاباً الى نقطة الصفر، لترتفع الخشية من أن يصبح الانفراج اللبناني أبعد بكثير مما يفترض حالياً، باعتبار لبنان “ساحة سهلة” للرسائل الايرانية خصوصاً التصعيدية.

على أي حال، من يدقق في المشهد السياسي، يعترف سريعاً بأنه ليس شريعة غاب وحسب، بل مسرحية درامية، مأساوية، وصل فيها الجنون والاحباط واليأس الى حد تعطل لغة الكلام والتفاهم والتواصل بين المسؤولين الذين يلهون الناس بنتائج قمة من هنا، ومقررات مؤتمر من هناك، والنتيجة في المرمى اللبناني: صفر مكعب مع اهانة في الكرامة التي مسحوا فيها الأرض. واليوم تريد المنظومة إقناع الجميع بأن الحق “مش علينا ربما ع الطليان” أو على قمة “بغداد 2” التي افتتحت امس في الأردن، بمشاركة مصر وفرنسا والامارات والسعودية وقطر وتركيا وإيران وفرنسا وعُمان والبحرين، لأنها لم تضع بنداً أولاً ملف لبنان الذي استبعد عنها، على جدول أعمالها حتى أن الرئيس الفرنسي اكتفى بالقول: “أزمات العراق وسوريا ولبنان تتطلب لحلّها أجندة تعاون صادق بين الدول المعنية. ان منطقة الشرق الأوسط تمتلك كل المقومات لتكون في مقدمة الأجندة الدولية، إنما تعاني من انقسامات وتدخلات تؤثر على استقرارها. الأمن والاقتصاد والبنية التحتية هي الركائز الأساسية لتحسين استقرار المنطقة برمتها”.

وفي هذا السياق، يقلل أحد المحللين السياسيين من أهمية نتائج القمة وانعكاساتها على الوضع اللبناني. أما بالنسبة الى الرئيس الفرنسي، فيبدو أن لديه مبادرات أكثر من “أرانب” رئيس مجلس النواب نبيه بري، لكن لا جدوى منها، ولا نتيجة لها على أرض الواقع. ولو عددنا المبادرات منذ ثلاث سنوات لتخطت الدزينة. وبالتالي، انتظار قمة الأردن وغيرها من القمم أن “تشيل الزير من البير” في لبنان، وهم كبير، ومن يعوّل على هذه الحركة الدولية يكون مخطئاً، ولا يقرأ في السياسة اذ أن كل دولة تعمل لمصالحها الخاصة، وما رأيناه من قمم ومؤتمرات منذ الأزمة الى اليوم خير دليل. إذاً، لماذا ننتظر القمة اليوم في الأردن؟ وماذا سيصدر عنها من نتائج أو مقررات جديدة يمكن البناء عليها؟ لا شيء ففي أحسن الأحوال ستكون حصة لبنان من البيان الختامي كسابقاتها من البيانات أي الدعوة الى انتخاب رئيس للجمهورية والقيام بالاصلاحات والالتزام باتفاق الطائف وبالقرارات الدولية. هي املاءات لا تطعم خبزاً اذا لم يسرع اللبنانيون في ” تقليع شوكهم بيدهم”. وهنا لا بد من ن نسأل: على ماذا الرهان اليوم في قمة الاردن؟ العيون والاهتمامات متجهة الى اللقاء الثنائي الذي قد يحصل على هامش القمة بين السعودية وايران بحيث أن التمثيل ارتفع على الرغم من أنه كان هناك مسعى فرنسي – أردني أن يكون أرفع.

في هذا الوقت، تتحدث المعلومات عن أن الأطراف في الداخل لا تزال مستمرة في السعي الى ايجاد حلحلة داخلية، لكن لن يظهر أي شيء قبل السنة المقبلة خصوصاً وأن الاتصالات والمشاورات في الخارج بين الدول الفاعلة والمؤثرة في الساحة الداخلية، قائمة، وربما ستشهد تبلوراً للأفكار والطروحات خلال الأشهر الأولى من سنة 2023 أي تتلاقى مع المساعي الداخلية التي ربما تتوصل الى تفاهم على صيغة للخروج من الجمود في الاستحقاق الرئاسي. وأوضح أحد المعنيين لموقع “لبنان الكبير” أن في جلسات الانتخاب المقبلة، ستكون مقاربة الاستحقاق مختلفة، وسيتم اللعب على المكشوف مع العلم أن البعض يتحدث عن اتصالات على محاور متعددة منها عين التينة وبكركي ومعراب وميرنا الشالوحي للتفاهم على اسم معين خارج تسمية النائب ميشال معوض أو رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية.

وأكد أحد النواب في حديث لـ “لبنان الكبير” أن “الحركة محلية واقليمية ودولية بحيث أن العالم كله يعمل للقضية اللبنانية، لكن النتائج لن تظهر قبل بداية الشهر الثاني من السنة المقبلة، ونتوقع أن تكون ايجابية. ليس هناك من حوار عام حالياً انما الحوارات الثنائية والثلاثية قائمة، والكل يتحدث في الاستحقاق الرئاسي لمحاولة تقريب وجهات النظر، لكن لا شيء ملموس اليوم”.

أما أحد المواكبين للملف الرئاسي فلفت الى أن “ليس هناك أي حركة رئاسية في الداخل، والكل ينتظر القمم والمؤتمرات، وكأن البلد بألف خير، والأنكى من كل ذلك أن لا نتيجة منها ولا انعكاسات ايجابية على الأزمة اللبنانية. منذ الجلسة العاشرة الى اليوم، لم نشهد أي حراك رئاسي أو أي تطور يمكن البناء عليه. طالما الجو بهذه المعادلة السلبية، فإن الأفق مقفل الى حين تنامي الأزمة، وحصول انهيار اقتصادي كبير، ويحقق سعر صرف الدولار ارتفاعاً قياسياً، وهذا يجر الى أعمال فوضى أمنية”، معتبراً أن “أخطر ما يمكن في السيناريو المرتقب هو تأجيل البحث الجدي في الاستحقاق الرئاسي، وبلائحة جديدة من المرشحين. المشهد اللبناني سيكون على الشكل التالي: ملل وفشل وعجز وتعطيل. فشل المنظومة في إدارة البلد، وفي كل الملفات، وهذا بطبيعة الحال سيؤدي الى انفجار اجتماعي واقتصادي لأن الأمور لم تعد تحتمل”.

وإذا كان الاستحقاق الرئاسي بات في مهب التطورات الاقليمية والدولية، فإن الوضع الأمني أصبح خارج اطار الدولة ومفهومها. وبينما لا جديد أو موقوفين في ملف حادثة العاقبية، وفيما ملف الاعتداءات على أراضي بلدة رميش من قوى الأمر الواقع في المنطقة الحدودية قيد المحادثات المستمرة بين أهالي البلدة ومن اعتدوا على أراضيهم، سُجل تطور أمني جديد جنوباً اذ أفاد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، بأن “قوات جيش الدفاع رصدت ‏مسيرة درون تسللت من داخل لبنان الى الأراضي الاسرائيلية في منطقة بلدة زرعيت وقامت بإسقاطها، بحيث تابعتها أنظمة المراقبة طيلة الحادث. تعود المسيرة كما يبدو الى (منظمة حزب الله الارهابية). جيش الدفاع سيواصل العمل لمنع أي خرق لسيادة دولة إسرائيل”.

أما معيشياً وحياتياً، فليس اقتحام أحد المصارف بالأمس والذي استخدمت فيه السكاكين، بالجديد، لكنه ينذر بالوضع النفسي والاجتماعي والمعيشي الذي وصل اليه الناس حتى أن معظم الخبراء والمحللين يتفق على جملة واحدة: الله يستر من الآتي العظيم، والفوضى الاجتماعية التي ستنتج عنها حوادث أمنية لا بد أنها حاصلة، عاجلاً أم آجلاً، وعلى المسؤولين أن يسمعوا أنين الموجوعين قبل فوات الأوان.

هؤلاء المسؤولون هم أنفسهم الذين أخذوا عطلة الأعياد باكراً، وكأن البلد بألف خير والشعب يعيش في رخاء كبير. البعض منهم أقفل هواتفه كي لا يتعرض لأي اقتحام مزعج أو خبرية تعكر مزاجه، والبعض الآخر سافر الى أجمل دول العالم، ليس بحثاً عن إبرة في كومة قش من أجل البلد، بل للاستجمام والاستمتاع برغد العيش في مدن وعواصم سعى حكامها الى تطويرها حتى باتت تسبقنا بأشواط وأشواط من الازدهار والتطور، من دون أن يخجلوا مما اقترفته أيديهم بحق البلد الذي حوّلوه من سويسرا الشرق الى بقعة مظلمة تسود فيها شريعة الغاب.

شارك المقال