ميلاد لبنان… عجقة “ATM”

لبنان الكبير

يقال عندما تكبر الشدة وتتفاقم حدتها، تكثر التضرعات والطلبات السماوية لأن الحلول الأرضية تصبح تعجيزية. وبالنسبة الى اللبنانيين الذين دخلوا في نفق مظلم، لا يجدون وسيلة للخروج منه سوى بعجيبة الهية أو بعصا سحرية يملكها الخارج أي خارج، يستخدمها لعقد مؤتمر أو قمة أو مبادرة أو اجتماع من دون أن يدركوا أن كثرة الطباخين تحرق الطبخة، وكثرة الذواقين تفسدها. وهذا تماماً ما يحصل في طبخة الانتخابات الرئاسية التي تارة توضع على نار هادئة وطوراً على نار قوية، واليوم تحضّر كل مكوناتها، لكن المفارقة أنه لم يتم التوافق حتى الآن على طباخيها، وكيفية تقديمها. هناك من يتحدث عن مشاورات ستنطلق بعد الأعياد، اذ من المرجح أن يزور لبنان عدد من الموفدين الدوليين. وهناك من يشير الى التحضير لاجتماع رباعي، أميركي – فرنسي – سعودي – قطري لبلورة مساعي اتصالات الأشهر الأخيرة مع الأطراف اللبنانية، وهذا ما ألمح اليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حين قال انه سيتخذ “مبادرات في الأسابيع المقبلة بشأن لبنان”. وحبل الطبخات الرئاسية طويل، لكن لا رائحة ولا نكهة ولا طعم لها طالما أن الصراع الاقليمي قائم لأنه ينعكس على الداخل تأزماً وتعقيداً وتعطيلاً وانهياراً أي “شم ولا تدوق”.

عشية عيد الميلاد، تبدو ولادة لبنان الجديد بعيدة، وأمامها مخاض عسير، والفرح العظيم حوّله المسؤولون الى حزن عميق بعد ما تسببوا به من انهيارات وأزمات غير مسبوقة، وبدل أن يعيدوا اللبنانيين برزمة من الانجازات والاصلاحات واجراء الاستحقاقات، أشعلوا الأسعار بنار كيدياتهم ومصالحهم وأنانياتهم، وكأنهم لا يسمعون ولا يشاهدون ولا يعرفون أن هناك الكثير من الناس سيمضون العيد في الفراش لأن ليس بمقدورهم شراء المازوت أو الغاز للتدفئة بسبب الأسعار التي تتسابق صعوداً وسعر صرف الدولار، وسينامون جائعين لأن أبسط الحاجيات والضروريات أصبحت تتطلب ميزانية. لكن عليهم أن يكونوا مطمئني البال لأن السياسيين سيمطرونهم بالمعايدات والكلام الجميل والشعارات الرنانة والمعايدات المجيدة .

طوابير الذل أمام ماكينات الصراف الآلي (ATM) حيث انتظر مواطنون ساعات طويلة للحصول على رواتبهم، التي ما عادت أصلاً تكفي لوجبة ميلادية بسيطة، كانت أبشع علامات العجقة عشية الأعياد المعلقة لهذا الوطن بانتظار فرج ما في العام الجديد.

إذاً، دخلت البلاد رسمياً مدار عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة، اعتباراً من اليوم حيث تنكفئ الحركة الداخلية، المعطلة والمكبلة أصلاً مقابل ملامح حراك خارجي خجول بحيث أن الرئيس ماكرون أعرب عن استيائه من الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، نافياً “إمكان جمع مؤتمر دولي للبنان”. وقال: “ما يهمني هم اللبنانيون واللبنانيات لأن الطبقة السياسية التي تعيش على حساب البلد ليست لها الشجاعة للتغيير. نريد المساهمة في إيجاد حل سياسي بديل عبر إقامة مشاريع ملموسة وفي الوقت نفسه عدم التساهل مع الطبقة السياسية. فرنسا لن تدخل في لعبة الأسماء للرئاسة لأنها سبق وتدخلت مرات كثيرة في الماضي وقد فشلت مرة على اثنين. لبنان يحتاج الى رئيس ورئيس حكومة نزيهين. نريد مساعدة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يبذل على الرغم من كل شيء، جهداً للقيام بما يتمكن ولا يتنازل للذين اغتنوا ويريدون البقاء والابتزاز. أما حزب الله فهو موجود في لبنان إن على الصعيد الأمني، وإن على الصعيد الرسمي، ومنتخب ويستفيد من نظام وآلية سياسية. مشكلة لبنان في حل مشكلات الناس وإعادة هيكلة النظام المالي ثم وضع خطة مع رئيسين نزيهين للجمهورية والحكومة. المشكلتان اللبنانية والسورية لا يمكن حلهما الا في اطار محادثات هدفها تقليص التأثير الاقليمي لايران. سنعمل على مشاريع ملموسة، وتطرقت مع العاهل الأردني الى مشروع في قطاع الكهرباء للبنان”.

وفي قراءة لمواقف الرئيس الفرنسي، لفت أحد وزراء الخارجية السابقين في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن ماكرون يعتبر أنه اذا مورست ضغوط قانونية وغيرها على المسؤولين اللبنانيين وعلى القوى الأساسية، ستندفع باتجاه ايجاد الحلول. هذه القوى غير قادرة اليوم على أن تتحرر من ارتباطاتها الخارجية، ومن العبث إن مورست عليها الضغوط أن تأتي بحلول اذا بقي الوضع الاقليمي على ما هو عليه. الأمر بحاجة الى معالجة في الخارج أولاً، لينعكس ذلك على الوضع الداخلي. في كل الأحوال، الوضع الخارجي يمسك بالوضع الداخل. الخارج قابض على الداخل. لسوء الحظ، لبنان ساحة مستباحة لهذا الصراع الخارجي الذي يمنع أي حلول داخلية، وهذا يمكن أن يمدد الأزمة الى سنوات طويلة. وجبران باسيل هو المستهدف الأول من كلام ماكرون عن الذين اغتنوا ويريدون البقاء والابتزاز. الفرنسيون واضحون بالقول اننا سنحاول اتخاذ التدابير والعقوبات حيال كل من يعرقل الحل، وحيال القوى المتحكمة بالحل والربط في لبنان. انه كلام واضح ولا ندري الى أي مدى في ظل غياب التوافق الخارجي، يمكن أن تكون هذه التدابير فاعلة.

واعتبر أحد النشطاء أن من يجلس مع الأشخاص المسؤولين عن الأزمة والانهيار وعن تفجير المرفأ، لا يمكن أن ننتظر منه حلولاً. لا يهم الكلام والتصريحات انما الأداء على أرض الواقع. أين هي العقوبات اليوم؟ ما يلوح به ماكرون يشبه تهديد الأهل للأولاد بالضرب، ولا ينفذون ذلك ولو لمرة واحدة. وصلنا الى مرحلة أن الديب أكل الغنم والرئيس الفرنسي لا يزال يستخدم الأسلوب نفسه. هذا النوع من الكلام سمعناه أكثر من مرة. الأسلوب في التعاطي مع الملف اللبناني ولادي ويظهر كأن الرئيس الفرنسي لا يفهم اللعبة الداخلية. ولا بد من التأكيد أن التأثير الايراني كبير على الداخل اللبناني لأن الدول الغربية متساهلة، وتقول في العلن شيئاً وتفعل شيئاً آخر.

وفي حين أشار أحد المحللين لـ” لبنان الكبير” الى أن الرئيس الفرنسي سيصل اليوم الى بيروت، ولن يلتقي سوى الرئيس ميقاتي في قصر الصنوبر قبل أن يتوجه لتمضية ليلة العيد مع قوات بلاده في “اليونيفيل” في الجنوب الا اذا طرأ أي مستجد، عاشت العاصمة الفرنسية، ظهر أمس، جواً مرعباً، إثر قيام شخص في الستين من العمر، بإطلاق النار على نحو عشوائي، أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وجرح أربعة آخرين، في الدائرة العاشرة من باريس. وبحسب قناة “بي إف إم” الفرنسية، فإن الشرطة تمكنت من توقيف المشتبه به، الذي لم تتضح بعد دوافعه، بينما هناك اثنان من المصابين في حالة حرجة للغاية.

وبالعودة الى المساعي الرئاسية الكثيرة، يتم التداول في اجتماع أميركي – فرنسي – سعودي – قطري في العاصمة الفرنسية، قبل نهاية السنة، للبحث في حصيلة النقاشات والاتصالات التي قادتها باريس والدوحة في الأشهر الماضية مع القوى السياسية اللبنانية. وفي ظل الانهيار الحاصل، والأفق الرئاسي المسدود، لا بد من التساؤل: هل يكتب لهذه المبادرة النجاح، وتكون نتيجتها انتخاب رئيس ترضى عنه أكثرية الأطراف في الداخل أو أنها ستكون مقيدة بالكثير من العقد الداخلية والاقليمية؟

أجاب أحد الوزراء السابقين، بالقول: “جزء كبير من الجمود أو من الأزمة اللبنانية مرتبط بالواقع الخارجي الذي هو بالدرجة الأولى الصراع الكبير القائم بين أميركا والمملكة العربية السعودية من جهة وطهران من جهة أخرى، وما لم يصلوا الى نوع من الحلحلة في هذا السياق، ستبقى الأمور تنعكس على الداخل اللبناني الذي سيبقى معقداً. من هنا، أي مبادرة حيال لبنان يجب أن تسبقها مبادرة لحلحلة الصراع الاقليمي الدائر في المنطقة لينعكس ذلك على الداخل. وفق المعطيات، هناك جهود تبذل لانجاح المبادرة، لكن لا أظن أنه ستكون لها حظوظ كبرى ما لم تشمل طهران التي لديها حليف قوي في لبنان، وجزء من الحالة اللبنانية. المبادرة تذكر بمقولة ان العريس وأهله متفقون، لكن لم يتحدثوا بعد مع أهل العروس. لبنان بانقساماته الداخلية وبفئاته وبأفرقائه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالواقع الخارجي. طالما أن الاميركيين يسلمون المبادرة للفرنسيين يعني أنها غير جدية، والجميع يدرك ذلك”.

وأكدت مصادر سياسية مطلعة على سياسة “حزب الله” لموقع “لبنان الكبير” أن “الاجتماع الرباعي الذي سيضم الطرف الأميركي، الفرنسي، السعودي والقطري ليس سوى استكمال للجهود التي قامت بها هذه الدول، والتي تريد قطر وضعها في حصيلة تلك الجهود، فهل هذه الحصيلة ستكسر الجمود لدينا أم أننا بحاجة الى المزيد من المباحثات؟ البلد نحو المزيد من الزوال، وبالتالي يجب أن نصل الى انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن، ورئيس حكومة بتسوية كبيرة داخلية وخارجية. وفي حال توافقت السعودية، أميركا، فرنسا وحزب الله سنأتي بالرئيس المطلوب”.

في الموازاة، وفيما كان وزير الخارجية والتعاون الدولي الايطالي نائب رئيسة الحكومة الايطالية أنطونيو تاياني، يجول على المسؤولين اللبنانيين في أول زيارة له الى لبنان بعد تشكيل الحكومة الايطالية الجديدة، سُجل أمس لقاء لافت بين رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، الداعي الى الحوار حول ملف الرئاسة، ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل. وأشارت المعلومات الى أن اللقاء يندرج في اطار اللقاءات الدورية بين الطرفين لصيانة العلاقة، وتأكيد التمسك بترشيح النائب ميشال معوض للرئاسة، والبحث في كيفية تدعيمه.

شارك المقال