الجنون في “وطن صيرفة”… وتسيير الدولة بين بري وميقاتي

لبنان الكبير

كم يشبه الوضع السياسي في لبنان المتأرجح بين الهبات الساخنة والهبات الباردة، لعبة الدولار في سقوطه الحر وفي ارتفاعه الجنوني في السوق السوداء حيث لا مبررات لأي شيء، ولا تفسير علمياً لأي هبوط أو ارتفاع. كذلك، اللعبة السياسية التي تهبط هبوطاً قياسياً حراً ومراً وفيه الكثير من الشر والحر المخطط له عن سابق تصور وتصميم، حتى قيل فيها الجنون الذي ما بعده جنون وحيث فقدت السلطة كل القيم والمبادئ والأخلاق من دون أن يرف لها جفن خجلاً من المتاجرة بالناس وبأعصابهم وبصحتهم وبمعيشتهم وبأموالهم وبكرامتهم، فاستخدمتهم في سوقها السوداء الظالمة والمظلمة، وباعتهم والبلد بقرش مبخوش لأن بورصة مصالحها ومكتسباتها وبقائها على العرش الزائف اقتضت ذلك.

الجمود على الساحة السياسية، حرّكه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من البوابة المالية حين فرمل الاندفاعة الجنونية لسعر صرف الدولار ‏الذي لامس عتبة الخمسين ألفاً، وتدحرج الى ما دون الـ42 ألفاً، محدثاً خضّة ‏في الأسواق، مقابل رفع سعر دولار منصة “صيرفة” الى 38 ألفاً ما سينعكس ارتفاعات شاهقة على فواتير الكهرباء والهاتف وبطاقات التشريج وكل ما هو مسعر وفق المنصة.

وبعد البيانين اللذين أصدرهما سلامة حول رفع دولار “صيرفة” وتنفيذ العمليات، سجل سعر الدولار تراجعاً كبيراً بعدما بلغ مستوى قياسياً ليلاً وصل إلى ‏‏47800 ليرة. وعلى الرغم من هذا الانخفاض، سجلت أسعار المشتقات النفطية قفزة نوعية، لكن وزير ‏الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض توقع أن يصدر جدول تركيب أسعار محروقات جديداً اليوم بسعر أقل من الجدول الذي صدر اذا استمر سعر صرف الدولار في الانخفاض.

أما سياسياً، فمسلسل التعطيل والجمود والجنون لا يزال ساري المفعول من دون أن يتدخل أي طرف للجمه على الرغم من الكلام الكثير عن تسويات ومحاولات خارجية، ومؤخراً حكي عن اجتماع أميركي – فرنسي – سعودي حول لبنان سيعقد في باريس ‏في 15 كانون الثاني المقبل بدفع فاتيكاني، لكن لا شيء مؤكد حتى اللحظة، كما أن نتائجه ليست مضمونة بالنسبة الى تسجيل خرق في الاستحقاق الرئاسي وفق ما قال أحد المحللين السياسيين لموقع “لبنان الكبير” خصوصاً أن بعض الأطراف الاقليمية الفاعلة في الساحة الداخلية ليست موجودة ما يعني أنه على شاكلة المبادرات الداخلية “حركة بلا بركة”.

في هذا الوقت، وبينما يحاول النائب جبران باسيل توسيع بيكار لقاءاته السياسية لقطع الطريق على ‏خصومه في السباق الى قصر بعبدا، وقد حكي عن مساع يبذلها للقاء رئيس حزب “‏القوات اللبنانية” سمير جعجع ورئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل، استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري في مقر ‏الرئاسة الثانية في عين التينة، رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وعرضا للأوضاع العامة وآخر ‏المستجدات السياسية. وقال ميقاتي: “زيارتي لمناسبة ‏الأعياد، وبطبيعة الحال تخلل اللقاء البحث في أمور متعددة متعلقة بسير أمور الدولة، وأخذت رأيه فيها ‏ونحن على خط واحد ومتابعة دائمة معه”. كما كانت لافتة الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الوطني في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم صباح امس الى السراي الحكومي حيث بحث وميقاتي في شؤون وزارته وأوضاع الجيش.

وفي هذا الاطار، أكدت مصادر الرئيس ميقاتي لـ “لبنان الكبير” أن كل فريق لا يزال متمسكاً بآرائه لكن رئيس الحكومة يقارب الموضوع دستورياً وقانونياً، ومن واجبه تصريف شؤون الدولة الى حين انتخاب رئيس للجمهورية، وسيستمر في القيام بواجباته الى حين ملء الشغور. اللقاء مع وزير الدفاع للتشاور وتوضيح الأمور، لكن النتيجة إن كانت سلبية أو ايجابية يمكن أن تتبلور في الأيام المقبلة، ولا يجوز أن نستبق الأمور في المرحلة العصيبة والدقيقة التي يمر بها البلد. وليس مستبعداً أن يستتبع اللقاء باجتماعات أخرى، وتتخذ اجراءات معينة لكن لا شيء محدد حتى الساعة. اما اللقاء مع الرئيس بري، فتمحور حول مسألة تصريف الأعمال بالحد الضيق، ويمكن أن تحصل اجتماعات متتالية للتشاور في الشؤون الحكومية لتسيير أمور الناس خصوصاً الملحة منها. مع التأكيد أن الدعوة الى اجتماع مجلس الوزراء من صلاحية رئيس الحكومة، ويدعو اليه حين تقتضي الحاجة.

ووسط هذا الانسداد في الأفق، يعتبر كثيرون أن المرحلة المقبلة سوداوية، والمعطيات الحالية لا تبشر بأن هناك حلحلة أو بوادر ايجابية خصوصاً على صعيد الاستحقاق الرئاسي بحيث أن الشغور يرخي بتداعياته السلبية على القطاعات كافة. وكل الكلام عن طبخة خارجية على طريق النضوج ستتبلور في الاأهر الأولى من السنة المقبلة، وتنتج رئيساً جديداً للبلد، مضخم ولا يستند الى وقائع ملموسة. أما المبادرات والتحركات واللقاءات التي تشهدها الساحة الداخلية فهي بلا مفاعيل ولا صدى لها في ظل تمسك كل طرف بموقفه ورأيه. هذا الواقع يدفع البعض الى الاستنتاج أن الفوضى حاصلة لا مفر منها لكن لا أحد يعلم التوقيت. وهناك من يرى أنها ستكون فوضى اجتماعية على خلفية الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي، وغلاء الأسعار غير المسبوق، لكن مع استبعاد أن تتحول الى حرب أهلية لأن الكل يعي خطورتها ولا يريدها، في حين يتخوف آخرون من حدث أمني كبير تصعب السيطرة عليه قد يذهب اللبنانيون على إثره الى تسوية خارجية، تؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية، وتخرجهم من الوضع المستجد.

وفي هذا السياق، يعترف عدد كبير من النواب الحاليين والسابقين بأن الخروج من المراوحة في البلد، يبدو صعباً، والشغور يشرّع الأبواب أمام الرياح العاتية إن كان على المستوى الأمني أو الاقتصادي أو المعيشي، وله تداعيات خطيرة خصوصاً أننا لسنا في أولويات أي دولة. الخوف اليوم من أن يستغل السياسيون الفوضى الاجتماعية التي يمكن أن تحصل بفعل الجوع والقلة والفقر والبطالة، ويحولونها الى فوضى ذات منحى طائفي ومذهبي، وندخل في نفق لا نعرف كيفية الخروج منه. والخوف أيضاً من عدم قدرة الجيش والقوى المسلحة على القيام بواجباتهم كما يجب لأن الأسلاك العسكرية والأمنية بدورها تعاني كثيراً من الأوضاع المعيشية كما أن عناصرها لن يواجهوا أهلهم في الشارع الذين يجمعهم الجوع. لذلك، الاتكال على وعي الناس واستدراكهم خطورة ما يمكن أن يخطط له الزعماء الذين يجب ملاحقتهم الى داخل منازلهم لما تسببوا به من جوع واذلال واهانة. كما لا يمكن أن نستبعد أي أمر اليوم حتى الحدث الأمني الكبير في ظل الشغور والفوضى، ورأينا مؤخراً بعض الحوادث الخطيرة. ووجود السلاح المتفلت يؤدي الى مشكلات، لكن الحدث الأمني الكبير لا يمكن أن تنفذه الناس انما جهات كبرى مستفيدة، وهنا علينا أن نرى ان كان لدى هذه الجهات مصلحة بذلك حالياً، واذا كانت تريد فرض رئيس للجمهورية ووفق مواصفاتها وشروطها. في الخلاصة، لا بد من القول انه اذا كانت ستحصل أي تسوية وستأتي برئيس على البارد أو الحامي، إن كانت ستعيد تجربة الرئيس ميشال عون، فليستمر الشغور أفضل وأشرف وأقل كلفة على البلد والشعب. مع العلم أن التسوية لن تكون على اسم الرئيس وحسب، انما ستأتي ضمن شروط معينة وخطوط لا يمكن للرئيس المقبل أن يتخطاها، وهنا الخطورة. وبالتالي، لا يجوز أن نفرح أو نهلل للتسويات التي لا بد أنها على حساب البلد لصالح جهة معينة.

على صعيد آخر، وفيما زار قائد الجيش العماد جوزيف عون معسكر شمروك (مقر ‏الكتيبة الايرلندية في جنوب لبنان) لتكريم الجندي شون رووني، الذي فقد حياته في حادثة ‏بلدة العاقبية، سرت معلومات عن تلويح ايرلندا بإمكان سحب قوتها ‏المشاركة في “اليونيفيل” اذا لم تكشف الحقائق كاملة في الحادثة ويتم تسليم جميع ‏المتورطين لمحاكمتهم. وأفادت مصادر بأن “حزب الله” سيسلم شخصين ‏جديدين من غير المحازبين، متورطين في حادثة العاقبية قبل يوم الجمعة المقبل.‏

شارك المقال