عودة الطوابير… والبحث جار عن مسرحية سياسية جديدة

لبنان الكبير

قبل 4 أيام فقط من انطلاق سنة 2023، أبى عام الشؤم 2022 أن يودع اللبنانيين الا بمزيد من الهموم والمآسي المعيشية عدا عن المشكلات السياسية. ويوم أمس الأربعاء في الثامن والعشرين من كانون الأول، يستحق عنواناً عريضاً هو “يوم الارباك والاحباط والضياع” أو “يوم الارباك اللبناني البلدي الأصيل”.

من البلبلة المالية والارباك المصرفي والسقوط الحر لسعر صرف الدولار في السوق السوداء الى ارتفاعه على منصة “صيرفة” الى 38 ألف ليرة اذ واصل مصرف لبنان الضغوط لفرض تنفيذ تعميمه من قبل ‏المصارف، وأصدر بياناً لفت فيه الى أنه يمكن لجميع المواطنين الذين لم تتجاوب معهم مصارفهم المعتادة، التوجّه إلى بنك “‏الموارد” ‎في كل فروعه لإجراء هذه العمليات فوراً، بحيث أن المصرف المذكور ‏وافق على تنفيذ هذه العمليات. الى أسعار المحروقات التي سجلت انخفاضاً كبيراً في الأسعار مما دفع بعض المحطات الى اقفال أبوابه أمام المواطنين عشية ليلة رأس السنة، فيما عادت ‏الطوابير لتصطف أمام المحطات الأخرى، في ضوء تحذير نقابة أصحاب المحطات من التوجّه قسراً إلى أزمة غير مستحبة، الى وقف توزيع الغاز وتعبئته في كلّ لبنان وصولاً الى الارباك الدوائي، اذ كان ينقص اللبنانيون هماً ليضاف الى لائحة همومهم اليومية بعد أن دخل الدواء الخاص بعلاج مرض السرطان المزور الى لبنان، وأدى الى حالة من الاحباط والبلبلة والهلع في صفوف المرضى الأكثر تضرراً كما في صفوف الجهات المعنية، اذ أصدرت وزارة الصحة، قراراً بسحب الطبخة المزورة من المستحضر الطبي، استناداً الى كتاب التحذير الصادر عن منظمة الصحة العالمية والذي أفاد بوجود طبخة مزورة من المستحضر الطبي تم ضبطها في اليمن ولبنان. علماً أن هذا الدواء غير مسجل في لبنان وأدخل اليه عبر طرق غير شرعية.

أما سياسياً، فالوضع ليس أفضل حالاً لا بل على العكس، فالبلبلة والارباك والضياع والمراوحة تتضاعف، فبكل بساطة حامي اللعبة السياسية حراميها، وقد رحّل الاستحقاق الرئاسي الى السنة الجديدة ليلبسه لباساً جديداً، يشكل نوعاً آخر من الخلافات بين الأفرقاء السياسيين، وهكذا يكسرون روتين جلسات الخميس لتصبح بنكهة مغايرة لكن بنتيجة لن تتغير الا بتدخل خارق أو حصول طارئ ليس في الحسبان .

‎إزاء هذا الواقع، أكد البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي ‏أمام وفد كتائبي زاره في بكركي أن “الوطن في خطر، لأن الدستور في مكان ‏ونحن ذاهبون الى مكان آخر. الشعب يتلقى الضربات ولا يحق للكتل ‏النيابية أن تستمر في ما تقوم به في موضوع رئاسة الجمهورية. نحن نتكلم ‏كبطريركية، ولا نريد أن تطغى المصالح الشخصية على المبادئ ‏الوطنية وأن يكون الولاء للبنان”، مشدداً على أن “الاعتداءات على الأراضي في رميش غير ‏مقبولة، وأن السلطات المعنية، أبلغتهم أنها غير ‏قادرة على القيام بشيء‎. وعندما سألنا: ألا يوجد قانون؟ أجابوا: يوجد، ولكن لا نستطيع تطبيقه‎”‎‏.‏

ولفتت مصادر نيابية مقربة من بكركي في حديث لـ “لبنان الكبير” الى أن البطريرك يشعر فعلياً بالخطر على الوطن وعلى المواطن المتروك لمصيره، والذي تعرض للسرقة والنهب من السلطة التي عطلت الادارات، وفاحت منها روائح الفساد وانتشرت في كل مكان كما النفايات المنتشرة في كل المناطق. هذا هو الوطن المفكك. التفكك الحقيقي هو غياب الدولة الذي يعني غياب الادارة والمؤسسات. الطبقة السياسية أمعنت في الهيمنة على الادارة وشلتها وجعلتها شركات خاصة تابعة لها. هذا ما قضى على الوطن والمواطن.

وفي وقت أكّد رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع أن “ما هو ‏حاصل اليوم ليس بسبب جبروت محور الممانعة وإنما بسبب ضعف من كان يجب عليهم ‏تحمل مسؤولياتهم ويرفضون القيام بذلك”، كشفت المعلومات عن لقاء قريب بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، وعن لقاء آخر مطروح مع رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل، فيما يبدو أن جعجع لا يزال على موقفه من رفض أي لقاء مع باسيل الذي يحضر لمبادرة سيطرحها بعد رأس السنة لكن عناصرها لم تكتمل بعد انما خطوطها العريضة تتمحور حول التوافق على مرشح يكون مريحاً لجو المقاومة، وتكون لديه خلفية اقتصادية للنهوض بالبلد.

وفي مرحلة المراوحة، يجمع المحللون والمراقبون على أن هناك حركة خارجية تحاول خرق جدار الاستحقاق الرئاسي لكنها لا تزال خجولة، ولم تؤدِ الى أي نتيجة الى اليوم. اما في الداخل، ووسط الانقسام الحاصل بين الأفرقاء، فلم يكتب النجاح للمبادرات الحوارية، ولم تصل اللقاءات الثنائية والثلاثية الى أي نتيجة، كما أن الجلسات الانتخابية تحولت الى مسرحية هزلية. الا أن البعض يؤكد أنه على الرغم من عطلة الأعياد، هناك تواصل ولقاءات واجتماعات تحصل بين مختلف القوى بعيداً عن الاعلام على أمل التوصل الى انتخاب رئيس للجمهورية بعد الأعياد، وهذا ما يطالب به البطريرك الراعي. في حين أصبحت هناك قناعة لدى الجميع بأنه لا يمكن الاستمرار في مسرحية الخميس، ولا بد من ايجاد أسلوب جديد في التعاطي مع الاستحقاق الرئاسي كي لا تستمر دوامة “اللاانتخاب” الى ما لا نهاية. من هنا، بدأ الحديث عن أنه مع انطلاقة السنة الجديدة، ستنطلق مقاربات مختلفة للملف الرئاسي، واستبدال التسميات المطروحة بإسم أو اسمين يتم التوافق عليهما من غالبية الكتل النيابية.

هذا ما يتم الحديث عنه في الصحف، لكن أوساط مختلف الكتل النيابية تشير الى صورة مغايرة تماماً لا تبشر بالخير، والتفاؤل بانتخاب رئيس في الأشهر الأولى من السنة المقبلة خصوصاً بين شهري كانون الثاني وشباط لا يمت الى الحقيقة والوقائع بصلة، ولا يتعدى الأمنيات والأمل بحصول ذلك.

في هذا الاطار، اعتبر أحد نواب الموالاة أن “اللقاء بين اللبنانيين ضروري في كل الأحوال والظروف، لأن البلد بتركيبته، يفرض أن يكون الحوار منطقاً دائماً بين مكوناته لتستقيم أموره. هناك تواصل بين الأطراف، والاتصالات واضحة بين القوى السياسية على أكثر من مستوى، لكن لم تتبلور أي أفكار جديدة الى اليوم، ولم تثمر على أمل أن تتبدل الأحوال نحو الايجابية”.

في حين، أشار أحد النواب المستقلين الى أن “هناك حركة للقوى السياسية التقليدية المختلفة، تحاول ايجاد صيغة للتلاقي في ما بينها، لكن هناك حركة جدية أيضاً ولو كانت ديناميتها لا تزال بطيئة لقوى تغييرية ووسطية لاطلاق لائحة من اسمين ثم الاتفاق على اسم واحد، وتسميته في جلسات الانتخاب بدل أن نكون مبعثرين. وقد يشكل هذا الاسم باباً للحوار مع القوى الأخرى. لكن كل هذه الجهود لم تترجم ولم تتبلور الى اليوم. لا بد من التقارب، والمطلوب أن يكون الوسط نقطة استقطاب لكلا الطرفين المختلفين”.

وإذا كان أحد السياسيين يقول ان لا أحد يستطيع أن يتنبأ في مرحلة الشغور، ونحن في بلد المفاجآت، فالمفاجأة أتت جميلة وعيدية سعيدة للعسكريين، اذ بعد الأخذ والرد حول كيفية توقيع مراسيم مجلس ‏الوزراء في ظل الشغور الرئاسي، صدر عن رئاسة مجلس الوزراء المرسوم رقم 10958، ‏القاضي بإعطاء مساعدة اجتماعية اضافية للأسلاك العسكرية في الخدمة الفعلية ‏والمتقاعدين‎.‎‏ ووقع المرسوم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والوزراء في حكومة تصريف ‏الأعمال: الداخلية والبلديات بسام مولوي، الدفاع الوطني موريس سليم والمالية ‏يوسف الخليل‎.‎‏

على صعيد آخر، زار ميقاتي ‏متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده في دار المطرانية، ‏وقال بعد الزيارة: “تحدثنا عن مواضيع عديدة، وأثار سيادته نقاطاً معينة ‏وعبّر عن الهواجس التي يشعر بها كل لبناني مخلص. في الموضوع السياسي، فإن سيادته ‏مع انتخاب رئيس جمهورية بأسرع وقت ممكن ضمن النظام الديموقراطي الحقيقي. ويجب أن يكون الأمن صارماً ولا أعتقد أن أحداً يمكن أن يحل ‏مكان الدولة”.

شارك المقال