عون يمدد جهنمه… وبري يرد: وعدت ووفيت

لبنان الكبير

غريب أمره هذا البلد، وكأنه يدور خارج دورة الكرة الأرضية، وخارج النظام الفلكي والشمسي، وخارج النظام العالمي والأسس والمبادئ والركائز والثوابت الدولية، حتى بات يخيّل للبنانيين أن بلدهم يدور حول محور وهمي، وحكامه نزلوا من كوكب مجهول، فحيّروا العلماء والمنجمين والمثقفين وقادة الرأي في كل ما يفعلونه ويرتكبونه بحق البلد وأهله.

وكأنه لا يكفي اللبنانيين المناخات السلبية المشحونة بكل أنواع المشكلات والأزمات ليتحملوا بعد المناكفات والجبهات السياسية المفتوحة على مصراعيها بين القوى كافة، خصوصاًر ما يعرف بـ “8 آذار”، بحيث اشتعلت أمس بين “التيار الوطني الحر” وعين التينة. فرداً على ما جاء في مقابلة الرئيس السابق ميشال عون على قناة الـ OTV والتي اتهم فيها رئيس مجلس النواب نبيه بري بعرقلة عهده، قال الأخير: “بدءاً وبدلاً من أن نقول كل عام وأنتم بخير ألزمتني لأقول لك ما يلي: لم تكن بحاجة الى من يعرقلك فقد وعدتنا بجهنم ووفيت وكفيت. للذكرى وليس للحنين 74 قانوناً صدرت ولم تنفذ وليست في الجوارير، أولها وليس آخرها الكهرباء. حرمتنا رؤية النجوم ليلاً وشوفتنا نجوم الظهر”. واثر موقف بري، ردّ عليه عضو تكتل “لبنان القوي” النائب جورج عطا الله بالقول: “إجا مين يفرجيك يللي فرجيتو لكل اللبنانيي… نجوم الضهر”.

وفيما رفضت مصادر “التيار” التعليق على السجال القائم خصوصاً أنه كان هناك حديث عن زيارة قريبة للنائب جبران باسيل الى عين التينة ضمن الجولة التي يقوم بها على مختلف القوى السياسية، أشار مصدر في حركة “أمل” لموقع “لبنان الكبير” الى أنه “عندما كان التيار لا يزال في الحكم لم نخض المعارك ضده بل اعتمدت الحركة نهج تركه لينهي نفسه بنفسه، وهذا ما حصل بالفعل. وهي اليوم لن تدخل في سجالات مع المنتهي، وأي أمر يتطلب الرد، يرد عليه الرئيس بري من عين التينة مباشرة بهدف إظهار الحقائق للرأي العام وليس للسجال أو لفتح معركة”.

مشهد ينبئ بتمدد عمر الأزمات والفراغ الرئاسي، ومعه عمر معاناة اللبنانييين ما يؤكد رؤية المتشائمين للسنة المقبلة بأنها الاسوأ، والأكثر وجعاً وألماً وضيقاً. وما الأزمات المعيشية والخضات والبلبلة التي شهدتها الأيام الاخيرة من السنة سوى توطئة لما ستكون عليه في سنة 2023. ففرحة هبوط أسعار المحروقات سرعان ما تبددت بعدما تقرّر رسمياً اعادة تسعير المشتقات النفطية على أساس دولار السوق السوداء، وانتقلت الطوابير من أمام المحطات الى أمام المصارف التي تعطي اللبنانيين الدولار حسب تسعيرة “صيرفة”، وأبرزها بنك “الموارد”. اما في ما يتعلق بملف الكهرباء، فيبدو أن تأمين تغذية لـ4 ساعات بات حلماً بعيد المنال اذ تبيّن أن مبلغ السلفة المقدر بـ62 مليون دولار لا يمكن صرفه إلاّ بمرسوم حكومي. بالاضافة الى الاجراءات الضريبية التي جاءت ضربة قاضية على الموظفين والعاملين في القطاعين الخاص والعام. وحبل الضربات على رؤوس المواطنين سيستمر الى ما لا نهاية طالما أن نية السلطة القضاء على آخر نفس.

وسياسياً، لا يزال الملف الرئاسي يراوح مكانه، ولم يسجّل أي خرق ايجابي لا على المستوى الخارجي ولا على المستوى الداخلي. وفي وقت تبذل فيه باريس المساعي وتجري الاتصالات لمواكبة الوضع الراهن ومساعدة لبنان، أكدت مصادر ديبلوماسية أن الاهتمام بهذا الملف وعقد اجتماعات دورية تشاورية لا يعني أن هناك اختراقاً حدث، نافية الأنباء الواردة عن عقد مؤتمر دولي حول لبنان.

وأفادت مصادر فرنسية أن وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لو كورنو سيزور لبنان اليوم حتى الثاني من كانون الثاني، ويلتقي خلال زيارته القوات الفرنسية العاملة في قوات الطوارئ الدولية ويمضي معها ليلة رأس السنة. ومن المتوقع أن يلتقي رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الدفاع موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزيف عون. كما من المتوقع أن يحمل رسالة من الرئيس إيمانويل ماكرون تؤكد على ضرورة اجراء الانتخابات الرئاسية في أسرع وقت ممكن وتشكيل حكومة والمضي ببرنامج الاصلاحات.

أما داخلياً، فكانت الحركة الأبرز أمس في بكركي حيث استقبل البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي الشيخ حسن المصري مع وفد من حركة “أمل”، موفداً من الرئيس بري للتهنئة بالأعياد. وأكد المصري بعد اللقاء أن “هم البطريرك والرئيس بري، هو نفسه، إنتخاب رئيس للجمهورية”. كما زار بكركي، وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي الذي شدد على “انتخاب رئيس لاعادة التوازن الى الحكم. وسنبقى بمؤازرة القوى الأمنية، لتمر الاعياد بسلام”، مؤكداً أن “التحضيرات لانتخابات البلدية بدأت ويجب أن تحصل في شهر أيار ولا تأجيل بالنسبة الينا”.

وفي هذا السياق، لا بد من الاشارة الى أن الانتخابات البلدية والاختيارية قد تأجلت لمدة عام كامل، ففي الخامس من آذار 2022، قرر مجلس الوزراء التأجيل، وفي 30 منه، صادق مجلس النواب على مشروع القانون. وسبق هذا القرار، طلب وزير الداخلية والبلديات التأجيل لأسباب تقنية ولوجستية وللامكانات الضئيلة، ولكون الانتخابات النيابية والبلدية تقتربان في المدة الزمنية. وعلى الرغم من أن الاستحقاق دستوري بامتياز، لكن البعض يعتبر أن ظروفه غير مؤاتية في ظل الاحتقان والاشتباك السياسي، اذ أن الجميع بغنى عن المزيد من الاشكالات والتوتر في المناطق بين مناصري الأحزاب والتيارات. وأشار أحد النواب الى أن “الأولوية اليوم لانتخاب رئيس للجمهورية، وحكومة لديها خطة تعافٍ، لكن هذا لا يمنع الانماء خصوصاً أن البلديات تقوم بجهد استثنائي في المناطق”. في حين أوضح أحد الباحثين أن لا شيء في القانون يمنع تنظيم الانتخابات البلدية في ظل الشغور الرئاسي وحكومة تصريف الأعمال لأن دعوة الهيئات الناخبة تتم بقرار من وزير الداخلية وليس بمرسوم. مع العلم أن اللجنة النيابية الفرعية التي تدرس تعديل قانون الانتخابات البلدية لم تنته بعد من دراسته، وأصبحت في المادة 70 منه، ولا يزال يتطلب المزيد من الوقت، لكن ذلك لا يعوق اجراء الانتخابات في موعدها، اذ تتم وفق القانون الساري المفعول حالياً.

وعلى الصعيد الأمني، وفيما اعتبر المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أن “الظروف التي يمر فيها الوطن صعبة”، رأى الناطق باسم القوات الدولية العاملة في الجنوب أندريا تيننتي أن “عدم وجود صراع هو بحدّ ذاته علامة على نجاح البعثة والقوات المسلحة اللبنانية والناس الذين يعيشون في المنطقة”.

وأسف في حديث اذاعي، لتعكّر فترة الاستقرار بسبب الحادث المأسوي الذي تعرضت له الكتيبة الايرلندية، ووصفه بـ “الجريمة بحق جنود حفظ السلام الذين أتوا من دول بعيدة لدعم الشعب اللبناني والقوات المسلحة اللبنانية والمساعدة في الحفاظ على الاستقرار”. ورفض الخوض في تفاصيل التحقيق الذي تجريه “اليونيفيل” لحماية نزاهته، على أمل الوصول إلى نتائج، ومحاسبة المرتكبين، وإنصاف الجندي شون روني وعائلته. وأكد أن الأخطار والصعاب تفاقمت بسبب حملات التضليل المتعمّدة ضدّ البعثة، والتي تضلّل الناس وتشوّش على ولايتنا وأنشطتنا وأهدافنا في الجنوب اللبناني، مشدداً على أنه “مهما كانت التحديات التي نواجهها، فإنّنا نظلّ ملتزمين بدعم السلطات اللبنانيّة وتنفيذ ولايتنا بموجب القرار 1701”.

الى ذلك، عقد وزير الاعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري، اجتماعاً مع رؤساء ومدراء تحرير وسائل الاعلام، للتداول في الوضع الاعلامي العام في ضوء المستجدات الأخيرة، وإعادة التذكير بالقيم المهنية والسلوكيات التي يُفترض بالمؤسسات الإعلامية والأحزاب السياسية الالتزام بها، تجنباً للإثارة السياسية والطائفية في هذه المرحلة الحسّاسة من عمر الوطن.

شارك المقال