قائد جهنم يُسقط القضاء اللبناني

لبنان الكبير

لا تزال الأجواء السياسية هادئة نسبياً بفعل عطلة الأعياد، ومن المتوقع أن تبدأ المشاحنات الجدية الأسبوع المقبل، مع الجلسة الأولى لانتخاب رئيس للجمهورية لسنة 2023، والتي يبدو أنها ستكون كسابقاتها، بحيث لم تلين الأعياد مواقف الكتل النيابية، ولم تنتج اللقاءات عيدية الفخامة.

الهدوء السياسي خرقه الفريق الذي يعتبر نفسه العيدية للشعب اللبناني، “التيار الوطني الحر”، بداية بملف الكهرباء والتصويب على عقد أي جلسة حكومية، اذ فتح اشتباكاً مع رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي وأطلق العنان لنوابه ووزرائه وأبواقه، لمهاجمته و”التفحيل” في الخطاب السياسي، الأمر الذي استدعى رداً من ميقاتي، دخل على خطه رئيس دائرة المناقصات جان العلية، الذي اعتبر نفسه ملزماً بالرد على التعمية عن الحقائق.

أما الملف الثاني الذي قرر العهد السابق الدخول فيه فهو موضوع قدوم قضاة أوروبيين إلى لبنان الأسبوع المقبل، اذ نشر رئيس الجمهورية السابق ميشال عون على حسابه عبر تطبيق “تويتر”: “سقوط القضاء اللبناني فتح الطريق لتدخل القضاء الأجنبي، فهل يستطيع مَن تبقّى من شرفاء القضاة استعادةَ الثقة المفقودة، واسترجاعَ هيبة قضائنا؟”.

إعلان عون سقوط القضاء يجعل من يقرأ للوهلة الأولى يظن أنه ناشط في المجتمع المدني، لا أن عهده الرئاسي الذي استمر 6 سنوات انتهى منذ ما يقارب الشهرين فقط، وأنه مع المقربين والمستشارين وكل من يدور في فلكه ضربوا القضاء من قصر بعبدا، بل أمعنوا في تفتيته، بحيث أن وزير عدل العهد سحب ملف استقلالية القضاء من مجلس النواب، وأقفل عليه في أدراج مكتبه، إضافة إلى ذلك استعمل القضاء مطية لتحقيق مكاسب خاصة له ولصهره، عندما أطلق يد قاضية غب الطلب، تمردت على مرؤوسيها، بجناح برتقالي، يحميها من أي مساءلة أو محاسبة، عبر تدخلات مباشرة من القصر. والمثير للاستغراب أكثر أن قضاة العهد لم يقبضوا على فاسد واحد طيلة الأشهر الستة، بل كانت الملفات تفتح بطريقة يستطيع أي محام مبتدئ إعادة إغلاقها لفقدانها الأصول والقوانين المرعية الإجراء. وكانت تخاض المعارك القضائية البرتقالية بشعبوية، واستبدال قاعة المحكمة بالرأي العام وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحملات الجيوش الالكترونية، ولذلك إن كان القضاء اللبناني فعلاً سقط، فالمسؤول الأول عن سقوطه يكون فخامة الرئيس السابق وحاشيته.

وبالنسبة الى ملف القضاة الأوروبيين، فمنذ الاعلان عن قدومهم إلى لبنان سوّق “التيار الوطني الحر” بأنهم قادمون للتحقيق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ونشر فكرة أنه كان محقاً في حربه على سلامة بناء على هذا الأمر، إلا أن النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات كشف مهمة الوفد الأوروبي، الذي سيصل الى لبنان غداً الاثنين بأنها “لاستجواب أشخاص تم استجوابهم سابقاً لدى القضاء اللبناني بصفة شهود باستثناء شخص واحد سيتم استجوابه بصفة مشتبه فيه. هذا الوفد يريد أن يستطلع أين أصبحت الاستنابات القضائية الموجودة في الملف الذي يتولاه القاضي زياد أبو حيدر، والذي توقف التحقيق لديه بسبب طلبات الرد التي قدمت في حقه.”

وأوضح أن مهمة الوفد تندرج في اطار المعاهدة التي أقرتها الأمم المتحدة عام 2003 ودخلت حيز التنفيذ عام 2005، والتي انضم اليها لبنان عام 2008 بموجب القانون الرقم 33 الذي صدقه مجلس النواب في العام نفسه. وبموجب هذا الانضمام بات لبنان من الأعضاء الملزمين بتطبيق هذه المعاهدة.

وقال عويدات في حديث صحافي رداً على سؤال: “هناك سوابق في هذا السياق سبقت تسلمي مهام النيابة العامة التمييزية، كما تكرر الأمر خلال مهمتي في النيابة العامة، في قضية كارلوس غصن، بحيث حضر وفد قضائي واستجوبه في لبنان في اطار التدابير القضائية المتخذة في الملف خارج لبنان”.

وأكد أن “التدابير المتخذة بشأن زيارة الوفد تنطبق عليها الأصول القانونية والنيابة العامة وضعت الآلية القانونية المناسبة. فالوفود القضائية الآتية الى لبنان هي من ثلاث دول: فرنسا وألمانيا واللوكسمبورغ وليس هناك أي وفد من سويسرا. وقد اشترطنا توحيد الاجراءات لعدم تبليغ الأشخاص المعنيين ثلاث مرات، وسيكون هناك وفد موحّد وتم تقسيم العمل بين أعضائه وتحديد جدول زمني وخطة عمل واضحة والاستجوابات ستتم في قصر العدل.”

واذ أشار عويدات الى أن زيارة الوفد ربما ستليها زيارات أخرى، لكن ليس بالضرورة بطريقة متتالية بل حسب الحاجة، وأن الأشخاص المطلوب استجوابهم عددهم ١٥ شخصاً وليس بينهم حاكم مصرف لبنان، لفت الى أن “الملفات التي سيحقق بها الوفد القضائي تندرج تحت باب الفساد، وهو الملف نفسه الموجود في النيابة العامة الاستئنافية والمتوقف منذ فترة للأسباب التي ذكرتها سابقاً”، مشدداً على أن “في كل معاهدة دولية يقبل بها أي بلد هناك انتقاص ما من السيادة. والمعاهدات الدولية هي تحت الدستور وفوق القوانين”.

وعما اذا كان لبنان ملزماً بالتوقيع على المعاهدة التي تندرج زيارة الوفد تحتها، قال: “هذه المعاهدة وقعتها فقط ١٦٠ دولة وليس كل دول العالم ولبنان هو من ضمن الدول الموقعة عليها.”

رئاسياً، ليس هناك ما يدل على انفراج في الأفق، وربما كان كلام المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أكثر ما يدل على بقاء الفراغ، اذ قال رداً على سؤال عن سبب رفضه الوساطة رئاسياً في النقاش ما بين النائب السابق سليمان فرنجية والنائب جبران باسيل، خلال مشاركته في “منبر المقاصد الثقافي”: “في أي ملف أتعاطى به لا أقوم بدور الانتحاري ولا الاستشهادي، بل أدرس الظروف وعلى أساسها أقرر الدخول مهما كانت المهمة صعبة، وحتى الآن لم أقرر الدخول في هذا الملف، لأن الظروف الدولية والداخلية والاقليمية غير مؤاتية حالياً”.

وعن دور المجلس النيابي في الملف الرئاسي، رأى أن “الرئيس بري اضطر الى ما يقوم به تأكيداً على اصراره على انتخاب رئيس، وهو دعا الى الحوار لانتاج رئيس صنع في لبنان، وهذا الحوار رفضت تلبيته”.

شارك المقال