حركة بلا بركة حول الشغور… و”الأرزة” تخرق أجواء “ما خلونا”

لبنان الكبير

الحركة كثيرة بلا بركة، وأصوات تعلو من كل اتجاه كالأصوات الصارخة في البراري حيث لا صدى ولا من يسمعون، وتسابق على المبادرات والخطط بلا نتيجة، ولقاءات ومشاورات واتصالات بلا مفاعيل، وكأن المسؤولين في البلد أصيبوا بإفراط في الحركة مترافقة مع اضطراب وصعوبة في الانجاز وفي تأدية المهام، بحسب علم النفس، ما يفسر عجز السلطة عن فكفكة أي عقدة، وتعمدها دائماً الهروب الى الأمام، والايحاء بانها تعمل جاهدة في سبيل خرق جدار التعطيل، لكن كل ذلك تكتيك لا يرتقي الى مستوى الجد في مقاربة الاستحقاق الرئاسي وفق أحد السياسيين المخضرمين.

بعد عطلة الأعياد التي خلت من أي عيدية للبنانيين، يبدو المشهد الداخلي على الشكل التالي: سيناريوهات وتحليلات وطروحات كثيرة، ولا مؤشرات ولا معطيات فعلية يمكن الاستناد اليها في تسجيل خرق ما في الملف الرئاسي. هناك معلومات عن أن “التيار الوطني الحر” سيتبنى مرشّحاً رئاسياً في جلسة الخميس المتوقع الدعوة اليها اليوم، الا أن الأمر رهن المشاورات التي سيجريها اليوم، لكن ذلك لن يبدِّل في المسار الرئاسي سوى بتراجع عدد الأوراق البيض. وهناك حديث عن أن المعارضة الداعمة للنائب ميشال معوض تستعد لطرح ترشيح جديد اذا تبين للكتل أن ثمة امكاناً لاختراق أوسع، وأن الخطة “ب” ستصبح سارية المفعول في نهاية الشهر الحالي. الا أن مصادرها أكدت أن لا مرشح بديل عن معوض حتى اللحظة، وعندما يتم تأمين 60 صوتاً لمرشح آخر، يمكن الحديث عن الخطة “ب” التي لا وقت محدداً لها.

اما بالنسبة الى التغييريين، فإن الأمور لا تزال تراوح مكانها على الرغم من التداول في سلة من الأسماء، لكن لا توافق على أي منها حتى الآن، اذ أكد أحد النواب التغييريين أن هناك أكثر من وجهة نظر، ونأمل الاتفاق على اسم وطرحه على الكتل الأخرى علنا نسجل خرقاً في الجدار الرئاسي.

على جبهة الموالاة، يبدو التصويت بالورقة البيضاء هو الخيار الوحيد الى اليوم مع العلم أن البعض يتحدث عن “طبخة” رئاسية يحضرها رئيس مجلس النواب نبيه بري، تكون منطلقاً للخروج من حالة المراوحة العقيمة. الا أن مصادر مقربة من بري استبعدت في حديث لموقع “لبنان الكبير” مبادرة من هذا النوع خصوصاً أن الرئيس بري كان واضحاً بأن الحوار هو السبيل الوحيد لانتخاب رئيس للجمهورية، ولن يدعو مجدداً اليه الا حين توافق عليه الكتلتان المسيحيتان الكبريان أو احداهما على الاقل. وطالما التوافق بين “القوات” و”التيار” صعب، ولا يريدان الحوار، فستبقى الأمور على ما هي عليه، وربما سيكون الشغور طويلاً خصوصاً أن العرقلة تأتي من الداخل وليس من الخارج، حتى أن الاجتماع الذي سيعقد في فرنسا ليس مؤكداً الى اليوم، ولن يؤدي الى أي نتيجة لأنه تحاور بين الحلفاء. أين هو الفريق الآخر؟ حتى لو تمت دعوة الجانب الايراني لن يشارك في الاجتماع لأنه سيقول ان الملف الرئاسي شأن لبناني. وبالتالي، أي حلحلة من “القوات” أو “التيار”، باتجاه رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، قد تؤدي الى انتخاب الرئيس اليوم قبل الغد والا سنبقى في الستاتيكو الحالي. اما في حال حصل الحوار، فيمكن أن يتم التوافق على بعض الأسماء، ويذهب النواب الى جلسة انتخابية، ومن يربح يهنأ بالفوز.

وفي هذا السياق، أكد أحد المسؤولين السياسيين في لـ “لبنان الكبير” أن الموضوع الرئاسي لا يُقارب بصورة حقيقية وفكرية وبخلفية واقعية انما بخلفيات تكتيكية بحيث أن كل طرف يحاول التذاكي لتحقيق مكسب، وهذا التفكير لا يتلاءم مع مصالح لبنان. الطريق الوحيد لبلوغ الرئاسة بأن يتفق القادة على مهام يجب أن يكلف بها الرئيس، وقادر على أن يقوم بها، وهذه المهام تتلاءم مع قسمه الدستوري ومع صلاحياته من دون أية أوهام باستعادة أوهام غابرة كما حدث في العهد الماضي. المهام المطلوبة تتعلق بكيفية التعاطي مع مسألة سلاح “حزب الله”، وملف العلاقة مع سوريا وترسيم الحدود، ومسألة النازحين وما يترتب عليها من نتائج، وترميم العلاقة مع الدول العربية خصوصاً المملكة العربية السعودية، وحماية الطائف والتمسك به، ودرس بعض الثغرات فيه، وهوية البلد العربية التي على أساسها أرسيت معادلة لبنان وطن نهائي، بالاضافة الى أمور سيادية أخرى تتعلق بأوضاع المنطقة ككل. وفي نهاية آذار، يمكن أن نعرف ان كان الشغور سيستمر طويلاً لأن المشهد الاقليمي سيتضح حينها.

وفي حين أن جلسة انتخاب الرئيس غير مؤكدة حتى اللحظة، فإن الجلسة ‏الحكومية التي يعتزم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عقدها تبدو مجهولة المصير على خلفية الاختلاف حولها، في وقت لم تتمكن بواخر الفيول الأربع للكهرباء من إفراغ حمولتها لغياب صرف الاعتمادات لها ما يعني أن ‏اللبنانيين سيبقون غارقين في العتمة الى حين الفرج الحكومي.

ويبدو أن لعنة التأجيل لحقت أيضاً بالوفد القضائي الأوروبي للتحقيق في جرائم مالية، الذي أرجأ زيارته الى بيروت ‏الى الاثنين ‏المقبل كما تردد. ‏وأوضح مرجع قانوني في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أن الوفد القضائي الأوروبي (فرنسا، ألمانيا ولوكسمبورغ) سيأتي لاستجواب معنيين في ملفات تتصل بالفساد، وعددهم 15 شخصاً مطلوب الاستماع اليهم بصفة شهود باستثناء شخص واحد سيتم استجوابه بصفة مشتبه فيه. وتندرج مهمة الوفد في اطار المعاهدة التي أقرتها الأمم المتحدة عام 2003 ودخلت حيز التنفيذ عام 2005، والتي انضم اليها لبنان عام 2008 بموجب القانون الرقم 33 الذي صدقه مجلس النواب عام 2008، ونشط في تطبيقها سنة 2020. والهدف من معاهدة الفساد، مكافة الفساد أو الرشوة في أي بلد لاستعادة أمواله المنهوبة، وهاتان النقطتان يمكن أن يستفيد منهما لبنان مستقبلاً. ولا بد من توضيح بعض النقاط، ومنها: أن الوفد يريد التحقيق بجرائم وقضايا ارتكبت على أراضي دوله، ولا يريد التحقيق بالجرائم عن القضاء اللبناني، وبموجب المعاهدة، على لبنان تقديم التسهيلات. ثم من يوجه الأسئلة هم القضاة اللبنانيون، لكن من يضعها هم القضاة الأوروبيون، وذلك للحفاظ على ماء وجه سيادة الدول الموقعة على المعاهدة. ويحق لأي شخصية مطلوبة عدم المثول أمام الوفد كما يحق للبنان عدم التعاون، لكن يصبح دولة مارقة بنظر الدول أي أنها لا تلتزم بتنفيذ المعاهدات الدولية. كما لا يحق لمجلس الأمن ن يفرض عقوبات على لبنان بحسب ما يجري الحديث حالياً. وأكثر ما يمكن أن تقوم به الدول التي طلبت التعاون، مقاطعة لبنان. ليس هناك من مس لسيادة لبنان بهذا التحقيق لأن المحققين لا يحققون بجرائم حصلت على الأراضي اللبنانية، انما هناك عنصر من عناصر الجريمة على أراضيهم. ولا بد من أن لبنان يستفيد من هذا التحقيق لأنه تصبح لديه دلائل ومستندات يمكن للقضاء الاستناد اليها، ويفتح ملف لأي مرتكب ويحاكمه. ولا بد من التأكيد أنه لن تصدر أي أحكام عن المحاكم اللبنانية لأن الوفد جاء وفقاً لمعاهدة تعاون.

أما أحد السياسيين فأشار الى أنه لا يمكن أن نفهم فهماًً عميقا الى أين يريد الوصول هذا الوفد في تحقيقاته، لكن في كل الحالات ان دلّ ذلك على شيء، فيدل على أن القضاء اللبناني قَبِل أن يعلن افلاس نفسه بنفسه، وهذا أمر محزن.

وعلى المقلب المعيشي، وعلى ايقاع معاودة الدولار ارتفاعه، ووسط اضراب في القطاع التربوي وتراجع وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس ‏الحلبي عن اقتراحه القاضي بدفع الخمسة دولارات عن كل يوم حضور لأفراد الهيئة ‏التعليمية، وارتفاع أسعار المحروقات، أكد الرئيس ميقاتي خلال حفل افتتاح مبنى “‏طيران الشرق الاوسط” أن “بين أجنحة الأرز والأرز تاريخ واحد، فالأرزة الشامخة لا ‏يمكن أن تنحني لأحد، وستبقى صامدة على الرغم من كل العواصف. وكما الأرزة رمز الوطن، هكذا ‏الوطن سيبقى متماسكاً وشامخاً وصامداً ولن ينال منه أحد‎.‎‏ يجب أن نكون يداً متماسكة لإنقاذ وطننا والحفاظ عليه، والسلامة تكون ‏بتعاوننا جميعاً لأن نقوم بما يجب القيام به لإنقاذ لبنان”.‏

وقال رئيس مجلس إدارة شركة “طيران الشرق الأوسط” محمد الحوت: ‏‏”شلنا من قاموسنا كلمة (ما خلّونا) وأعدهم في الأيام المُقبلة بأنهم لن يستطيعوا (ما يخلونا)”.‏

واقتصادياً، أوضح نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب بعد ‏جلسة اللجان النيابية المشتركة المخصصة لـ “الكابيتال كونترول” أن “القانون الذي نبحثه يأخذ حقوق المودعين في الاعتبار وضمن المنطق، ‏والودائع (ما طارت). نسعى الى منح كل مودع مبلغ 800 دولار ‏نصفها بالفريش والنصف الثاني بالليرة اللبنانية، لكن وفق السعر الفعلي للسوق. ومبدئياً تبقى جلسة واحدة قبل إقرار القانون مع تعديلاته”.

شارك المقال