وجع الناس يتفاقم… و”مسرح الخميس” يعاود عروضه

لبنان الكبير

في ظل كل التناقضات والضبابية في الرؤية والأفق المسدود في الملفات كافة، واختلاط “الحابل بالنابل”، تبدو الحالة في لبنان بحاجة الى منجمين أو علماء فلك ليحددوا حركة الكواكب الصغيرة والكبيرة، وتأثيرها علينا لأن السلطة بتصرفاتها وأدائها، وعجزها وفشلها ورسوبها في مقاربة الأمور، تبدو وكأنها تعيش على كوكب خارج الأرض، وتعمل وفق مقاييس ومعايير ومبادئ خاصة بها تخطت العقل البشري، والحدود والمفاهيم المتعارف عليها، وتدوس كل يوم على نداءات الاستغاثة، وتطنش عن أنين الموجوعين والجائعين.

المشهد في الأمس كان سوريالياً يجسد تماماً الحالة اللبنانية حيث الطبقة السياسية في واد والناس في واد آخر، وحيث السلطة تمارس كل بطشها وصلاحياتها وأنانياتها و”عهرها السياسي” للمحافظة على المكاسب والمواقع من دون أن تفكر حتى بخطوة اصلاحية تفيد الناس الذين يموتون ألف مرة في اليوم أمام المستشفيات والمصارف ومحطات الوقود والأفران.

بعد دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى عقد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، قبل ظهر غد الخميس، وهي وفق التسلسل الرقمي الحادية عشرة، والأولى في سنة 2023، والتي ستكون بمثابة رفع العتب لا أكثر ولا أقل بأن الحياة الدستورية تسير على قدم وساق، كانت تداعيات الأزمة السياسية تتجلى في أكثر من قضية عالقة عجزت السلطة عن وضع أي مخطط لمعالجتها، بحيث نفذ صبر الناس من الوعود الكاذبة، والكلام المعسول والفعل غير المسؤول، وما جرى مع أهالي ضحايا المرفأ أمام قصر العدل في بيروت، تزامناً مع اقتحام أحد العسكريين، مصرفاً في صيدا بقوة السلاح حيث وثقت احدى كاميرات الهواتف، عملية قيامه باطلاق النار، خير دليل على أن المرحلة المقبلة ستشهد تصعيداً من كل اللبنانيين لأن جميعهم متضررون، ولن يقبلوا بالاستمرار في حياة الذل والبهدلة.

إذاً، عادت الحماوة لتدب في عروق الحياة السياسية، لكنها لن تتجلى في التنافس الديموقراطي تحت قبة البرلمان، ولن تتعدى الحرارة الرئاسية درجة الصفر في الجلسة الأولى من السنة الجديدة لأن المواقف على حالها ما يعني أن النتيجة لن تتغير، وفي أحسن الاحوال يتقلص عدد الأوراق البيض اذا قرر عدد من نواب تكتل “لبنان القوي” أو كلهم التصويت لصالح مرشح ما، لكن ذلك لن يغير في المسار الرئاسي. مع العلم أن بعض المعلومات يشير الى أن هناك اختلافاً في الآراء داخل نواب التكتل، وربما لن يجمعوا على الأسماء التي يقترحها النائب جبران باسيل. أما النواب التغييريون، فهم أيضاً يعانون من التشرذم وعدم التوصل الى اتفاق على اسم وفق ما أكد أحدهم، في حين أن قوى المعارضة التي تصوّت لصالح النائب ميشال معوض، لا تزال عند خيارها، كما أن “الثنائي الشيعي” لا يزال متمسكاً بالورقة البيضاء.

وفي هذا السياق، أشار أحد السياسيين لـ “لبنان الكبير” الى أن “ما يجري في الاستحقاقات الدستورية خصوصاً الرئاسية منها قمة العهر والاستلشاء والمهزلة، والأنكى من كل ذلك، أنهم يعطوننا دروساً في الأخلاق والدستور والوطنية والعمل من أجل مصالح الدولة العلية. ما رأيناه اليوم أمام المصارف أو تحرك أهالي ضحايا المرفأ ليس سوى عينة عما يمكن أن يحصل في الأشهر المقبلة. تخطينا مرحلة عجز السلطة التي تعيش في عالم آخر، واهتراء المؤسسات وتحللها باستثناء الأمنية والعسكرية منها، ودخلنا في مرحلة جديدة، مرحلة الفوضى والتفلت الأمني حيث ستكون السلطة أمام الامتحان الأصعب”.

في هذا الوقت، يتحدث البعض عن سيناريوهات ممكنة للتغيير في “مسرحية الخميس” في ظل الأفق المسدود، كما يتم التداول بأن يلجأ نواب الى مقاطعة الجلسات طالما أنها لن تؤدي الى أي نتيجة خصوصاً أن بعضهم تحدث عن هذا الخيار في السابق، الا أن عدداً من النواب أكد لموقع “لبنان الكبير” أن النواب لن يتقاعسوا عن واجباتهم وتحمل مسؤولياتهم، وهم بأمس الحاجة الى انتخاب الرئيس اليوم قبل الغد.

ورأى أحد المحللين السياسيين أن “هناك ثنائية شيعية تتحكم باللعبة الديموقراطية وبالاستحقاقات الدستورية. الرئيس بري أمام خيار الدعوة الى جلسات انتخابية ستشكل مسلسلاً مكسيكياً طويلاً. وهناك بعض الخيارات الأخرى كدعوة رئيس المجلس، لرؤساء الكتل الى الاجتماع تحت سقف البرلمان، وطرح أسماء من خارج نادي المرشحين، والتوافق على اسم. أما الخيار الآخر، فيتجسد في عدم اقفال الجلسة، وفتح دورات متتالية والتكفل بعدم تطيير النصاب الى حين انتخاب الرئيس”.

أما الحماوة على الساحة المعيشية والحياتية، فستترجم حرارة مرتفعة في التحركات والفوضى والارتكابات التي ستتنوع، وتتنقل من مكان الى آخر، وتباشيرها بدأت بالأمس مع تحرك أهالي شهداء المرفأ الذين تجمعوا في الباحة الخارجية لقصر العدل في بيروت، بمشاركة عدد ‏من النواب، تحت عنوان “وقف التحقيق كمان جريمة”، تزامناً مع اجتماع مجلس القضاء ‏الأعلى، للمطالبة بتعيين قضاة محكمة التمييز‎.‎‏ وما لبث أن تطوّر الأمر، فاقتحم المعتصمون ‏بوابة قصر العدل، ودخل معظمهم الى الباحة الداخلية، حيث وقع اشكال بينهم وبين عناصر ‏القوى الأمنية. واتهم المعتصمون عدداً من القضاة بأن “لديهم أجندات سياسية، ويمنعون ‏صدور قرار تعيين قضاة التمييز‎”.

وبعدها، اجتمع وفد من الأهالي، مع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، بمشاركة عدد من النواب، وأوضح أحد المتحدثين باسم الأهالي في تصريح لـ “لبنان الكبير” أن “الاجتماع كالعادة، كلام ووعود، لكن لم نلمس أي نتيجة فعلية وعملية، ولم نأخذ من القاضي عبود لا حقاً ولا باطاًل، لكننا أوصلنا الرسالة، وسننتظر أياماً قليلة قبل أن نعود الى الشارع، والى اقفال الطرقات”.

وكشف أن “بعض النواب سينظم وقفة تضامنية مع الأهالي على درج البرلمان بالتزامن مع الجلسة النيابية الخميس، كما سيتواجد الأهالي في باحة المجلس. نحن قررنا القيام بخطوات تصعيدية لأنه على ما يبدو لن نصل الى نتيجة الا بهذه الطريقة، وصبرنا أكثر من سنة، ولسنا مستعدين للانتظار أكثر في ظل هذه المراوحة”.

شارك المقال