دولار الشغور سارح… ولبنان بلا حقوق أممية

لبنان الكبير

هدوء مقلق شهدته الساحة السياسية بالأمس ربما ينذر بالعاصفة الاجتماعية المقبلة التي بدأت بوادرها وطلائعها تظهر من كل حدب وصوب، لكن لا أحد يعلم كيفية اتجاه رياحها خصوصاً أن كل الساحات والقطاعات تشهد غلياناً غير مسبوق على خلفية ارتفاع سعر صرف الدولار الذي أشعل معه الأسعار، حتى رغيف الخبز لم يسلم من نيرانه بحيث بدا المشهد على الشكل التالي: احتقان واختلافات وانقسامات وتعطيل وفراع وشغور وكيديات وعناد وغلاء، في ارتفاع مستمر، بالتوازي مع انحدار دائم ومستدام في الأخلاق والضمير والانسانية لدى السلطة.

انحدار المستوى في التعاطي، لم يقتصر على الداخل وحسب، بل انسحب على الأمم مجتمعة بحيث أن لبنان العضو المؤسس في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أصبح في نظر العالم دولة فاشلة ومتخلفة مع اعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بيان، أن فنزويلا ولبنان وجنوب السودان متأخرة عن سداد مستحقات لميزانية تشغيل الأمم المتحدة، وهي من بين 6 دول فقدت حقوقها في التصويت في الجمعية العامة المكونة من 193 عضواً

ورداً على البيان، أوضحت وزارة الخارجية أن عملية الدفع ستتم مباشرة، لكن الخطوة جاءت متأخرة ليس لأن الصوت اللبناني له تأثيره على القرارات الأممية، وليس لأهمية المبالغ المالية التي ستدفع عاجلاً أم آجلاً بل لأن هذا التخلف عن الدفع، دليل اضافي على سوء الرؤية والادارة والنية لدى السلطة التي باتت أخطاؤها لا تغتفر. من المؤسف أن ننتقل في وزارة الخارجية من شخصية مثل شارل مالك الى شخصية مثل جبران باسيل. وبالتالي، أصبح من الطبيعي والبديهي أن نتحول من دولة مؤسسة في الأمم المتحدة الى دولة لا تدفع اشتراكاتها. دولة هدرت المليارات من الدولارات بسبب فسادها وجشعها، وها هي اليوم تستفيق على واجباتها متأخرة، وفق ما قال أحد الدستوريين لموقع “لبنان الكبير”.

وفي حين أشارت المعلومات الى أن اجتماع باريس الذي توسع من رباعي الى خماسي على مستوى ‏مستشارين ومديري خارجية، تحدد موعده في السادس من شباط المقبل للبحث في تنسيق المساعدات للشعب اللبناني والتحضير ‏لاجتماع المسؤولين، ‏بات مؤكداً أن لا انتخاب لرئيس الجمهورية في المدى المنظور، وفي حال استمر الوضع على ما هو عليه، فإن جلسات الانتخاب العقيمة ستتكرر في مسلسل طويل، مع العلم أن بعض المعلومات الصحافية لفت الى أن رئيس مجلس النواب نبيه بري قد لا يدعو الى جلسة أخرى في ظل الستاتيكو القائم، وربما دعوته لجان المال والموازنة، الادارة والعدل، الصحة العامة، والعمل، والشؤون الإجتماعية، الى جلسة مشتركة يوم الخميس المقبل، خير دليل.

واعتبر أحد النواب المقربين من عين التينة أن “ليس شرطاً أن تكون هناك جلسة كل خميس. الرئيس بري سيتمهل على أمل حصول اختراق في الملف الرئاسي اذ أن اللبنانيين يزدادون احباطاً من جلسات الخميس التي لا تنتج رئيساً كما نرى العديد من الانتقادات. تحديد موعد الجلسات يعود حصراً الى رئيس المجلس النيابي، واذا لاحظ أي نية أو اختراق ايجابي في الملف، لا بد من أن يدعو فوراً الى جلسة. عدم الدعوة الى جلسة لا يفاجئ، بل المفاجأة تكون في الاصرار على الخميس لأن غالبية النواب تأتي الى البرلمان، وتقوم بدور لا تريده ولا ترغب فيه لأنها تريد الانتخاب الذي يجب أن تتوافر له شروط في بلد مثل لبنان، بانقساماته وبالتركيبة التي نتجت عن الانتخابات النيابية الأخيرة”.

ازاء هذا الواقع الذي لم يعد مقبولاً لا بالنسبة الى الشعب ولا بالنسبة الى ممثليه في البرلمان، فإن بعض الكتل اتخذ قراراً بدرس خياراته وخطواته للمرحلة المقبلة لوقف “مهزلة الخميس”، وخرق جدار التعطيل، لكنه بانتظار اجتماعاته للاعلان عن تلك الخطوات.

وفي هذا السياق، فاجأ بعض نواب التغيير زملاءهم بعد جلسة انتخاب الرئيس الحادية عشرة، بقرارهم الاعتصام السلمي والنوم في قاعة المجلس الى حين الوصول الى مخرج يمكن أن يؤدي الى انتخاب رئيس، على اعتبار أن الدورات يجب أن تتوالى بعد الجلسة الأولى، وذلك في سابقة تدل على خطورة الوضع وانسداد الأفق. وكان هناك نوع من اتفاق مبدئي بين نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب والنواب للاجتماع من أجل النقاش في اقتراحات عملية، قد تكون خطوة للخروج من الأزمة، ويمكن نقلها الى الرئيس بري الا أن المزايدات التي حوّرت أهداف اللقاء، أدت الى الغاء الاجتماع وربما يتم الاتفاق على موعد آخر.

وفيما رأى أحد نواب الموالاة في تصريح لـ “لبنان الكبير” أن بقاء بعض النواب في البرلمان، أمر يعود اليهم، “وان كان برأينا لن يؤدي الى أي نتيجة في الاستحقاق الرئاسي لأن الحوار بين الكتل والنواب هو السبيل الوحيد الى انتخاب رئيس”، أوضح أحد النواب المستقلين أن “ما يحصل في البرلمان ليس اعتصاماً لأنه يجري في المكان الطبيعي لتواجد النواب في مرحلة الشغور. النواب يقومون بخطوة تحفيزية لزملائهم كي يتواصلوا مع بعضهم البعض، وايجاد صيغة للتفاهم، وانتخاب رئيس للجمهورية. هناك حالة استثنائية، لذلك نرى بعض الأنشطة والتحركات الاستثنائية”.

معيشياً، وفيما يواصل الدولار تحليقه، مسجلاً أرقاماً قياسية، هرع المواطنون الى شراء الخبز وتخزينه في منازلهم بعد الشائعات عن أزمة خبز تلوح في الأفق حتى أنه فقد من الأسواق والمحال التجارية، الا أن وزارة الاقتصاد والتجارة نفت “الأخبار المضللة والأكاذيب المتناقلة في وسائل الاعلام والتي تهوّل على اللبنانيين بأن أزمة خبز تنتظرهم في المدى القريب”، معتبرة أن من يسوّق لهذه الاخبار إنما هو يفتعل أزمة لا وجود لها، مستهدفاً المواطن في لقمة عيشه.

في حين أشار رئيس اتحاد نقابات المخابز والأفران في لبنان السابق علي إبراهيم الى أن سعر ربطة الخبز إرتفع أمس، ألف ليرة، بسبب إرتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية، فأصبح سعر الربطة الكبيرة 20 ألفاً من 19 ألفاً، والصغيرة 12 ألفاً من 11 ألفاً.

شارك المقال