الراعي يخشى تغير هوية البلد… وشوشة عن حل مجلس النواب

لبنان الكبير

دخل البلد في حالة المصير المجهول، بعد اتساع الانقسام السياسي والتعنت بين الأفرقاء السياسيين، لدرجة أنه لن تكون هناك جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية هذا الأسبوع، بعد أن دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسة مشتركة للجان الخميس، اليوم الذي كان ثابتاً لعقد الجلسات، حتى ولو أنها كانت جلسات فولكلورية، إلا أن عدم انعقادها، يعني أن الطريق مسدود. في غضون ذلك، مرّ اليوم الرابع لاعتصام النواب داخل البرلمان، الخطوة التي بدأت بنائبين هما ملحم خلف ونجاة صليبا، انضم إليها نواب آخرون، وأيدتها كتل أخرى مثل “الجمهورية القوية” و”الكتائب” وعدد من المستقلين ونواب التغيير، وتترافق مع تحركات شعبية خجولة، ليست على مستوى الاستحقاق فعلياً، والمطلب الكبير هو عقد جلسات مفتوحة لمجلس النواب حتى الوصول إلى انتخاب رئيس، ويعطون مثلاً عن إنتخاب البابا في روما، وكيف أن الكرادلة يكونون في حالة انعقاد دائمة من أجل انتخابه.

الجلسات المفتوحة لن تكون حلاً، هذا ما تؤكده مصادر أكثر من مرجعية سياسية، معتبرة أن المشكلة ليست في عدد الجلسات، فلو عقدت ألف جلسة، لن يتم انتخاب رئيس إلا بعد التوافق، والتوافق يحتاج الى حوار ترفضه الكتلتين المارونيتين الكبريين “الجمهورية القوية” و”لبنان القوي”، وقد أصبحت أسباب رفضهما معلومة للجميع.

أما عن دستورية الجلسات المفتوحة، فلفت مصدر نيابي في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن “الدستور لم يحدد أي شيء يختص بالجلسات المفتوحة، وكل ما حدده أن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس للجمهورية يكون هيئة ناخبة، ولكن عندما ترفع هذه الجلسة يمكن أن يقوم المجلس بعمله الطبيعي، أي يمكن درس القوانين وإقرارها، وهذا سبق أن حصل في فترة الفراغ الرئاسي بين العامين 2014 و2016″، معتبراً أنه “في حال أصبح مجلس النواب بحالة انعقاد دائمة لانتخاب رئيس، قد يعتبرها البعض وسيلة ضغط لإيصال مرشحه هو إلى الرئاسة، عبر لعبة عض الأًصابع، فيعطل عمل المجلس ولجانه، ويرمي الكرة في ملعب الرافضين لمرشحه”.

ورأى المصدر أن “لا سبيل إلى حل عقدة الرئاسة إلا عبر الحوار”، متسائلاً: “لماذا يرفض بعض الأفرقاء اللبنانيين الحوار في ما بينهم، بينما إذا كان هناك حل خارجي تراهم يتهافتون عليه؟ هل هذه هي السيادة؟ وما هي الرسالة التي يريدون إيصالها؟ هل هم يقولون إن لبنان لا يستطيع أن يحكم نفسه؟ هل لبنان بحاجة دوماً إلى وصي خارجي؟ فليخبرنا هؤلاء ما البديل عن الحوار؟”.

الأزمة اللبنانية حضرت في عظة الأحد للبطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي أدان بشدة الأداء الذي أوصل البلد إلى أن يفقد حق التصويت في الأمم المتحدة، متوجهاً الى نواب الأمة والوزراء بقوله: “أنتم مسؤولون عن وصمة العار الجديدة التي تلحق بلبنان من خلال أدائكم غير المقبول، وهي فقدان لبنان حق التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، المكونة من 193 عضواً، بسبب عدم سداد مستحقات الدولة اللبنانية البالغة ما لا يقل عن مليوني دولار. ويكبر حجم مسؤوليتكم بكون لبنان بلداً مؤسساً للأمم المتحدة، ومشاركاً في وضع شرعتها وشرعة حقوق الانسان، وقد مثله آنذاك وجه عالمي ناصع هو شارل مالك! ويظهر أن وقف سداد المستحقات اللبنانية لا يقتصر على منظمة الأمم المتحدة وحسب، بل يشمل أيضاً منظمات عربية ودولية ينتمي إليها لبنان. فإذا كان الأمر مقصوداً فالخطيئة عظيمة، وإذا كان سهواً فالخطيئة أعظم…”.

وعدّد الراعي رعاية الأمم المتحدة وإنجازاتها في لبنان والقرارات التي أًدرجتها من أجله، قائلاً: “يخدم اليوم في لبنان 3800 ضابط وجندي دولي يمثلون 48 دولة وسط أخطار يومية كان آخرها اغتيال الجندي الايرلندي في بلدة العاقبية في الجنوب. كيف للدولة اللبنانية والحالة هذه أن تتوسل التجديد للقوات الدولية في الجنوب ولا تدفع مستحقاتها للأمم المتحدة؟ وكيف للدولة اللبنانية بعد اليوم أن تتقدم بشكاوى أمام الأمم المتحدة وتطالبها بتنفيذ قراراتها المتعلقة بلبنان ولا يحق لها التصويت؟ كيف نناشدها إكمال مهمتها في الاتفاق الثنائي بين لبنان وإسرائيل حول الطاقة وترسيم الحدود الجنوبية؟ كيف نطالبها بمواصلة تقديم المساعدات الانسانية والمعيشية والتربوية؟ كيف نطالبها بهذا وبغيره ولا ندفع مستحقاتنا لها؟”.

كذلك، حضر الاستحقاق الرئاسي وموضوع عقد جلسات الحكومة في عظة الراعي، الذي أشار الى أنه “كان واضحاً في هذا الأمر منذ البداية أن هذه الحكومة مستقيلة، وعملها محصور بالحد الأدنى من تصريف الأعمال، لتسيير شؤون المواطنين الضاغطة ومنع سقوط الدولة”. وأكد أن “ليس خوفنا أن تتغير هوية رئيس الجمهورية المارونية وطائفته، بل أن تتغير سياسته ومبادئه ويلتحق بسياسيات ومحاور ودول تجاهد ليل نهار للسيطرة على البلد وتحويله إقليماً من أقاليمها، لكن هذا الأمر مستحيل لأن قرار التصدي لتغيير هوية الرئيس وكيان لبنان مأخوذ سلفاً مهما كانت التضحيات. ولا يظنن أحد أنه قادر على تغيير هذا التراث التاريخي وهذه الخصوصية الوطنية. ويخطئ من يظن أنه يستطيع خطف رئاسة الجمهورية اللبنانية وأخذها رهينة ويطلب فدية لإطلاقها. لسنا شعب الفديات بل نحن شعب الفداء”.

وعلق عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب غياث يزبك على كلام الراعي عبر تغريدة على “تويتر” قال فيها: “سيدنا البطريرك الراعي، إن المساواة بين نواب يقومون بواجباتهم الدستورية ونواب يتنكرون لها، أمر غير عادل، وأنت سيدُ العدل وصرحُك ملجأ المظلومين… يكفي استخدام تعبير (بعض النواب) أو (عدد من النواب) للتمييز بين الجداء والخراف وتبيان الحق من الباطل، والسلام.” ويبدو أن هناك تباعداً بين “القوات” وبكركي، بعد انتشار معلومات عن تفضيل الأخيرة لرئاسة الجمهورية شخصية مقربة من “التيار الوطني الحر”.

أما في موضوع الأمم المتحدة الذي أشار إليه الراعي، فتخوفت مصادر “سيادية” من أن يكون الأمر مقصوداً، كي يتم إبعاد لبنان أكثر عن المجتمع الدولي ورميه في أحضان المحور الإيراني. وربطت الأمر بملفات عدة أولها التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، الذي أصبحت هناك مطالبة كبيرة بأن يكون تحقيقاً دولياً.

كل هذا التعطيل أدى إلى وشوشات في الأروقة السياسية عن أن البلد لن يستطيع الاستمرار بهذه الطريقة، وأن الانقسام الحاصل لا حل له إلا بإجراء انتخابات نيابية جديدة، الأمر الذي من شأنه أن يزيد الشلل إلى حين حسم نتائج الانتخابات، وتنتج أكثرية واضحة قادرة على الحكم.

شارك المقال