تفجير عدالة المرفأ… عويدات يصوّب البيطار

لبنان الكبير

بالتزامن مع جنون الدولار، وكل ما يترتب عليه من اشتداد للأزمة، من سعر ربطة الخبز مروراً بالمحروقات وحتى الدواء، وصولاً الى كل جوانب العيش، دخلنا في فوضى قضائية لم نشهدها حتى في أصعب أيام الحرب، بعدما تحولت العدالة في قضية وطنية كبرى الى “قرار ظني” ملتبس من قبل محقق عدلي كأنه يصفي حسابات ما، في سلوك استحضر مغامرات قاضية العهد البائد غادة عون.

فبعدما فجّر المحقق العدلي القاضي طارق البيطار قضية انفجار مرفأ بيروت، غداة زيارة المحققين الأوروبيين ولقائهم به، بقرارات جدلية، رد عليه مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، الذي أصدر قراراً بإخلاء سبيل الموقوفين على ذمة التحقيق في القضية، ولكن مع منع سفر، أي أنه لم يبرّئهم وعند استكمال التحقيق يمكن استدعاؤهم مجدداً. وكذلك أقدم عويدات على استدعاء البيطار على خلفية دعوى اغتصاب السلطة، إلا أن الأخير رفض الامتثال. وعلى خلفية الخلاف القضائي تحرك أخيراً مجلس القضاء الأعلى، ليبت بأمر القاضي البيطار، الذي أفادت معلومات “لبنان الكبير” أن من المرجح أن يصبح خارج قضية المرفأ.

القاضي عويدات أعاد تصويب التحقيقات في تفجير مرفأ بيروت، ووضعها في إطار يمكن من خلاله المطالبة بتحقيق دولي، هذا ما رأته مصادر مطلعة في حديث لـ”لبنان الكبير”، موضحة أن “البيطار ومنذ تسلمه الملف هناك من يحاول تصفية حسابات سياسية عبره، إن كان يعلم أو لا يعلم، فضلاً عن أن هناك من يريد تسجيل نقاط بالشعبوية المفرطة، مع يقين الجميع بأن القضاء المحلي عاجز منذ البداية عن الوصول إلى الحقيقة في هذا الملف، وكان يجب اللجوء إلى القضاء الدولي”. وتساءلت المصادر “لماذا لم يستدعِ البيطار الرئيس السابق ميشال عون الذي اعترف بنفسه أنه كان يعلم بوجود النيترات ولم يفعل شيئاً، تحديداً أن عون اليوم لا يملك أية حصانة؟”.

نحن نشهد على انهيار أهم ركن من أركان الدولة، القضاء، ولم يعد هناك من مؤسسة قادرة على ضبط الشارع من أي اهتزاز يؤدي إلى فوضى عارمة، الا الأجهزة الأمنية، ولهذا السبب أعلنت الولايات المتحدة دعم رواتب هذه الأجهزة بمبلغ 72 مليون دولار.

وتخوفت مصادر متابعة من أن تتجه الأمور في الشارع إلى التفاقم، وأن يشكل قرار البيطار شعلة تفجير الشارع، التي من غير المعروف كيف يمكن أن تنطفئ، ولكن الثابت أن قضية المرفأ محقة، ولكي تصل إلى خواتيمها وتطمئن أهالي الضحايا وتلجم غضب اللبنانيين يجب أن يكون التحقيق فيها دولياً، لمعرفة من فجّر المرفأ؟ ومن خزّن هذه المواد الخطرة فيه؟ ومن كان ينقلها ولمصلحة من؟ ومن تاجر بها؟ ومن غطى هذه الجريمة التي فجّرت عاصمة التشريع، بيروت؟

وبغض النظر عن المواقف إن كانت مع القرارات والخطوات التي تصدر عن الجسم القضائي المنقسم أو ضدها، لا بد من التأكيد وفق مصدر دستوري أن ما يحصل لم نشهده حتى في عز الحرب الأهلية، ويمكن وصفه بفيلم بوليسي أو action لا يعبّر عن شيم القضاء اللبناني وعاداته ومهنيته وأخلاقه، ولا عن أهم الدساتير والقوانين وأكثرها تطوراً وحضارة. ما يجري لا يليق ببيروت التي لطالما عرفت بـ “أم القانون” ومدرسة الحقوق. لم يعتد لبنان وشعبه على صورة القضاء مهشّمة ومفتتة الى هذه الدرجة، واذا لم يتم تدارك الأمر عبر الطرق والوسائل القانونية بالسرعة القصوى وبصورة استثنائية، فإن الخطر كبير وكبير جداً من انقسام الشعب بين فئتين وشارعين، وانقسام المؤسسات الدستورية والعسكرية والأمنية حيث سيكون البكاء وصرير الأسنان.

إذاً، هي الفوضى القضائية بعينها حيث تزعزعت قصور العدالة تماماً كما تزعزعت بيروت في انفجار الرابع من آب.

وفي قراءة للتطورات القضائية، قال أحد الدستوريين لموقع “لبنان الكبير”: “لا شك في أن المشهد الذي نشهده هو استكمال لمشاهد سابقة لا سيما المشهد الأخير الذي تجسد في القرار الذي صدر عن المحقق العدلي. ولا يمكن التعمق في اعطاء التفسيرات القانونية الدقيقة والمستقرة لما حصل بالأمس انما كما قيل يوم الاثنين عن قرار المحقق العدلي انه اجتهاد استند الى معطيات والى فهم للقواعد القانونية العامة والى مبادئ عامة. يمكن القول ان القرار الذي صدر عن مدعي عام التميير أيضاً ارتكز على مبادئ عامة وعلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، لكن يمكن الجزم بأن هذه المشاهد القضائية يراها رجال القانون غير مألوفة وغير متماهية مع الأحكام القانونية الصارمة، وأننا دخلنا حقيقة في فوضى قضائية لم يشهدها لبنان حتى في ظل الحرب الأهلية. وما أوصل الأمر الى ما وصل اليه كان من الممكن أن يعالج منذ أشهر، وهذا العلاج كان بإمكان مشاركة رؤساء غرف التمييز بالتكليف في الهيئة العامة لمحكمة التمييز من أجل البت بدعاوى مخاصمة القضاة وكان يمكن البت أيضاً بموضوع طلبات الرد ونقل الدعوى لا سيما أنه ليس هناك من نص واضح يمنع العضو في الهيئة العامة لمحكمة التمييز كرئيس غرفة تمييز بالتكليف، لكن الأمور وصلت الى هنا، فما الحل؟ الحل هو في عملية انقاذ القضاء في لبنان وللبنان”.

وأوضح أن “عملية الانقاذ تبدأ في الخطوة الأولى باجتماع الهيئة العامة لمحكمة التمييز بجميع أعضائها الأصليين والمكلفين، وغرف التمييز للبت بطلبات مخاصمة المحقق العدلي، وغرف التمييز المعنية بطلبات نقل الدعوى وطلبات الرد لأنه يمكن أن يصدر قرار عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز أو غرف التمييز سواء في المخاصمة أو بطلبات الرد والنقل، برد هذه الطلبات أو بقبولها. اذا قُبلت فمعناه أننا ذاهبون الى مكان آخر في تعيين محقق عدلي آخر، واذا رُفضت فيستأنف المحقق العدلي أعماله وفقاً للقرار الذي سيصدر سواء عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز أو عن الغرف التمييزية المختصة للنظر في طلبات الرد ونقل الدعاوى. وهذا أمر ضروري وضروري جداً لأنها محاولة انقاذ من هذا الحدث الخطير. لا بد من أن يواجه الخطر بإجراءات سريعة واستثنائية من القضاء وتحديداً من الهيئة العامة لمحكمة التمييز وغرف التمييز المختصة والا سنذهب الى مكان أبعد وأخطر لا ندرك نتائجه حالياً”.

وأكد “أننا سنكون أمام دولة منهارة، لاسيما اذا ضرب العمود الأساس والركن الأساس لها وهو ركن القضاء. من حق أهالي الضحايا والموقوفين أن يتحركوا كيفما يشاؤون لكن من يضبط الايقاع هو القضاء. وبعد أن وصلنا الى هذه الحالة من التفلت والارتطام والاصطدام لا بد من أن تجتمع الهيئة العامة لمحكمة التمييز لاتخاذ القرارات المناسبة وبالسرعة القصوى وكذلك غرف التمييز المختصة، وعلى خط مواز اجتماعات مفتوحة لمجلس القضاء الأعلى. واذا لم يتم التوصل الى معالجة الوضع الراهن قضائياً، فلا بد من أن يجتمع مجلس الوزراء بصورة استثنائية وطارئة انطلاقاً من حالة الخطورة التي تهدد لبنان لدراسة الوضع واتخاذ ما يجب اتخاذه وفقاً لأحكام الدستور والقانون لأن البلد في خطر والقضاء في خطر والشعب في خطر”.

وعلى الضفة القضائية أيضاً، وقبل صدور قرار عويدات كان مقرراً أن يعقد ‏اجتماع لمجلس القضاء الأعلى برئاسة القاضي سهيل عبود في الواحدة من بعد ظهر اليوم الخميس للبحث في المستجدات بعد استئناف المحقق العدلي في القضية عمله، الا أن تطورات الساعة قد تعدل في الموعد أو تلغيه.

وأشار أحد أهالي ضحايا انفجار المرفأ لموقع “لبنان الكبير” الى أنهم سيقومون بتحرك اليوم أمام قصر العدل بالتزامن مع اجتماع مجلس القضاء الأعلى، بحيث يتم تحديد الخطوات والتحركات المقبلة بناء على قرار المجلس. وقال: “ما كنا نتخوف منه حصل بحيث يتحول القضاء الى قضاءين، والعدالة الى عدالتين، لذلك كنا ولا نزال نطالب بتحقيق دولي، وما جرى يدل على صوابية مطلبنا”.

أما على الصعيد السياسي، وفيما الجمود الرئاسي السلبي على حاله، تتجه الأنظار الى استقبالات لافتة ‏مرتقبة للبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي الذي التقى ‏في بكركي أمس رئيسَ “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، ويلتقي اليوم رئيس تيار “المردة” سليمان ‏فرنجية.

أما حكومياً، فقال النائب أكرم شهيب بعد لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على رأس وفد: “القطاع التربوي في غاية الأهمية وأعتقد أن الرئيس ميقاتي سيدعو الى جلسة ‏لمجلس الوزراء وسيكون ملف التربية من أولوياتها”.

شارك المقال