بعد خراب القضاء… من يدفع الأهالي ضد الأمن؟

لبنان الكبير

كأن عقلاً خبيثاً يحرّك أيادي أخطبوطية لتدمير كل شيء في هذا البلد، الذي ابتلاه التاريخ بأسوأ طبقة سياسية وأحزاب، لا تتورع عن حرق وطن لتحقيق مصلحة خاصة ضيقة. وإذا كان القضاء الذي يفترض أن يكون محل تطلع اللبنانيين لإخراجهم من الفساد صار هو مشكلة في حد ذاته بحاجة الى من يصلح أمره، فإن الأمن يظل السبب الوحيد للاطمئنان وسط الخراب العظيم، لكن ثمة من يستهدف المؤسسات الأمنية لضرب هيبتها وكسر علاقتها بالناس.

المشهد أمام قصر العدل أمس، بدل أن يكون اعتراض أهالي ضحايا انفجار المرفأ على الشطط القضائي في قضيتهم، والمطالبة بالعدل، تحول إلى مواجهات بين القوى الأمنية والأهالي، الذين حاولوا اقتحام المبنى، وبعد رشق الحجارة وخلع البوابة، سحب المحتجون عنصراً من قوى الأمن وتم ضربه بشدة، فهل يتحقق العدل عبر الاعتداء على القوى الأمنية وتوجيه السهام نحوها؟ وهل المطلوب من العناصر المولجة حماية المبنى وضبط الأمن أن تهمل عملها؟ ثم لماذا التصويب على قوى الأمن التي تحقق إنجازات يومياً عبر كشف شبكات العملاء والإرهاب، وتلقى ثناء دولياً على عملها؟

وبينما انتقلت الأحداث أمس من أروقة قصر العدل إلى الشارع، ثبت فشل مجلس القضاء الأعلى، بل أظهر عجزه عن اتخاذ قرار يعيد تصويب عمل القضاء، وإعادة سكة التحقيقات إلى مسارها الصحيح، بحجة رفض الانعقاد تحت ضغط الشارع وتدخل النواب في عمل القضاء.

وبينما واحدة من أهم مؤسسات الدولة تعاني من تصدع كبير قد يتسبب بانهيارها، يبدو أن هناك نية بضرب آخر المؤسسات التي تحافظ على ما تبقى من دولة، المؤسسة العسكرية، الجيش اللبناني، فالخلاف بين وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري وقائد الجيش العماد جوزيف عون ظهر إلى العلن، وهو ليس خلافاً صغيراً بل إن خوري هدد بطرح إقالة عون على مجلس الوزراء، علماً أن الوزير ومرجعيته لا يعترفان بشرعية عقد الجلسات الحكومية، بسبب الفراغ في الرئاسة، فلمصلحة من ضرب آخر مؤسسات الدولة التي إن ضربت، تكون المسمار الأخير في نعش البلد، ولا يبقى إلا الدفن؟

لليوم الرابع على التوالي، لا صوت يعلو على الأصوات الصادرة من قصر العدل ومن محيطه حيث في الداخل، اجتمع وزير العدل مع وفد من النواب، وأثناء الاجتماع حدث هرج ومرج، وتوترت الأجواء واعتدى عنصر من حماية الوزير على النائب وضاح الصادق ثم خرج النواب وانضموا الى أهالي الضحايا المعتصمين.

من جهتهم، رفض أعضاء مجلس القضاء الأعلى الذين حضروا إلى قصر العدل، الاجتماع تحت ضغط الشارع، وغادروا بعد الظهر مكتب رئيس المجلس القاضي سهيل عبود من دون عقد اجتماع.

وأوضحت مصادر نيابية شاركت في الاجتماع مع القاضي عبود في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أن “الإجتماع كان جيّداً، وموقف عبود كان ‏إيجابيّاً، اذ فهمنا من حديثه أنه لن يسمح بسحب الملف من القاضي طارق البيطار، وأن المجلس سينعقد لاحقاً الا أن هناك من يعرقل هذا الاجتماع”.

من ناحية ثانية، أحال المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات المحقق العدلي القاضي البيطار الى التفتيش القضائي بموجب ادعاء الأخير عليه. كما أصدر قراراً يطلب فيه عدم استلام أيّ قرار أو تبليغ أو مذكرة أو أيّ مستند من أيّ نوع صادر عن القاضي البيطار كونه مكفوف اليد وغير ذي صفة وإعلام قسم المباحث الجنائية المركزية بذلك.

وفي هذا السياق، لفت أحد الدستوريين في حديث لـ “لبنان الكبير” الى أن التفتيش القضائي اذا اعتبر أن هناك مخالفات فعلية، يحيل البيطار على المجلس التأديبي، واذا لم يعتبرها مخالفات، لا يحيله على المجلس التأديبي، ويحتفظ بالملف، معتبراً أن “ما يحصل اليوم صراعات نفوذ داخل العدلية كنا بغنى عنها، ومن سيدفع الثمن ليس السلطة القضائية وحسب، انما المواطن، ونتمنى أن يعي القيمون على العدلية ما يجري وعدم نشر الغسيل على السطح”. وتساءل “هل يجوز أن ننسى القضية الأساس والجوهرية لندخل في متاهات دستورية وقانونية بين المحقق العدلي ومدعي عام التمييز؟”، مشيراً الى أن “البوصلة ضاعت، وما يفعلونه في العدلية ينطبق تماماً على ما فعلوه في الأفران ومحطات البنزين والصيدليات، ليصبح الفران وصاحب المحطة وصاحب الصيدلية أعداء للناس، وهكذا دمروا البلد”.

وكان أهالي ضحايا 4 آب والمتضررون من انفجار المرفأ قد اعتصموا أمام قصر العدل دعماً لمسار التحقيق الذي يقوده البيطار، وحصل هرج ومرج، نتج عنه وقوع عدد من الجرحى، واستقدمت تعزيزات للجيش اللبناني الى محيط القصر حيث أوقفت القوى الأمنية بعض الناشطين على خلفية الاشكال الذي حصل قبل أن تعيد اطلاقهم.

وأشار الاهالي في بيان، الى أن “الأوان آن لينتفض الحق على الباطل”، داعين “القضاء، ممثلاً بمجلس القضاء الأعلى، الى تأمين الحماية لمسار التحقيق ورد الضغوط السياسية التي تحاول تطييره.”

وفي ظل هذه المعمعة القضائية، اعتبر كثيرون أن صفحة التحقيق في انفجار المرفأ قد طويت الى غير رجعة، ليبقى التساؤل عن امكان الاستعانة بتحقيق دولي، ورأى أحد القضاة في تصريح لـ “لبنان الكبير” أنه “لا يمكن القول ان صفحة التحقيق بانفجار المرفأ طويت، لكن ما يحصل اليوم كأننا رمينا طفلاً في مغطس المياه، ولا يزال هناك امكان لانقاذه من الغرق. يجب التروي ورؤية المشهد من بعيد ومعرفة حقيقة ما يجري. من يريد تعطيل التحقيق حقق هدفه اذ أراد ضرب العدلية وتقسيمها على بعضها لأنه لا يريد أن يعيش في دولة القانون”.

في حين أكد أحد الدستوريين الذي نعى القضاء والقضاة، أن هناك عدم جدوى قانونية في إحالة القضية على تحقيق دولي لأن الجريمة قد مضى عليها قرابة 3 سنوات، وبالتالي، اندثرت المعالم كما الدلائل، وإن كان سيعتمد على تحقيقات القضاء اللبناني، فليكمل هذا القضاء تحقيقاته. وفي كل الأحوال، لا شيء يمنع احالة الأمر على القضاء الدولي، وذلك يتطلب قراراً من مجلس الوزراء كما حصل سنة 2005 في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لأن مجلس الوزراء نفسه هو الذي قرر وفق القانون إحالة قضية المرفأ على المجلس العدلي، وبالتالي، له وحده الحق بطلب تدويل القضية ومساعدة القضاء الدولي اما عبر لجنة تقصي حقائق أو عبر احالة القضية برمتها على المحاكم الدولية.

اما بالنسبة الى من يقولون ان هناك ثمة اجراء قد يتخذه مجلس الأمن للتدخل عنوة واجراء التحقيق بقضية المرفأ، فشدد على أن “هذا الرأي مرفوض جملة وتفصيلاً لأنه من ناحية القانون الدولي، ان مجلس الامن لا يتحرك الا بناء على قرار وتصويت ذاتي منه بناء على أي حادثة تمس بالسلم والأمن العالميين. من أهم مبادئ القانون الدولي استقلال الدول وسيادتها، فلا تستطيع أي جهة أن تأخذ تحقيقاً جارياً في بلد ما عنوة عنه. مجلس الأمن يتدخل في تصويت 9 من أصل 15 عضواً من دون أي فيتو في المسائل التي قد تمس بالأمن والسلم الدوليين”.

الى ذلك، لم يمثل البيطار أمام القاضي عويدات في الجلسة التي حددها بالامس. ولفت البيطار في حديث صحافي الى أن كل القرارات التي صدرت عن عويدات مخالفة للقانون، وأنه مستمر بعمله في ملف انفجار المرفأ.

سياسياً، استقبل البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي ‏في بكركي رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية ترافقه عقيلته ريما‎.‎‏ وقال فرنجية بعد ‏اللقاء: “لم أترشحّ لرئاسة الجمهورية لكي أسحب ترشيحي وعندما أشعر أن لدي عدد ‏الأصوات الذي يخولني أن أكون مرشحاً جدياً سأترشّح ولست ضدّ أن يتفّقوا على أي رئيس‏‏. أنا لست مرشح حزب الله و(كتّر خير) أي فريق يرشحني. رئيس ‏التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل لديه أسبابه ليرفضني، فالأمور أكبر من قدرته ‏الاستيعابية ولست ضد قائد الجيش ولكن ما هو مشروعه السياسي؟ أنا لا أريد أن أكون رئيس تحدٍ. نحن مع الطائف ومع تطبيقه بالكامل ‏وهذا موقفنا ولا نُساير به، وإذا وصل النائب ميشال معوّض ليكون رئيساً للجمهورية فسنتعاون معه ولكنّ ‏هذا لا يعني أنّنا سننتخبه”.

شارك المقال