الفالق اللبناني… زلازل على مقياس ضمائر المسؤولين

لبنان الكبير

عوامل طبيعية أدت الى هزة أرضية مركزها تركيا وشعر بها سكان الدول المجاورة ومنها لبنان حيث عاش الناس الهلع والرعب والخوف في الساعات الأولى من فجر الاثنين، وغادروا منازلهم بملابس النوم، وسط عتمة حالكة، وصراخ الأطفال ليبقى الحديث الواحد بين الجميع كم أن الانسان صغير وعاجز أمام غضب الطبيعة، متسائلين عن همة المسؤولين وقدرتهم في ظروف كهذه، هم الذين تسببوا بفعل عواملهم السياسية الخاطئة والخبيثة، وتعنتهم وكبريائهم وبطشهم، بهزات قوية دمرت البشر قبل الحجر على أمل أن يدركوا أو يتعظوا أو تستيقظ ضمائرهم قبل الارتدادات الشعبية الكبيرة التي ستنزلهم عن عروشهم، وتصدع قصورهم وأبراجهم العالية. الهزة التي تسببت بسقوط آلاف القتلى والجرحى ودمار في الأبنية في تركيا وسوريا، ونجا منها لبنان من دون تسجيل خسائر، وحّدت الجميع حول توصية : الشعب كله أصبح على فالق واحد وأي هزة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو معيشية أو صحية أخرى ستكون ارتداداتها قوية وخطيرة باتجاه المسؤولين الذين عليهم التنحي قبل الدمار الشامل.

الهزة الأرضية وارتداداتها المتتالية شكلت محور الاهتمام بالأمس، وطغت على هزات سياسية وقضائية كانت ستتسبب بأضرار كبيرة لو لم يتم تدارك الأمور في اللحظات الأخيرة، اذ شهد يوم أمس الاثنين تقاطع أحداث ومحطات بارزة داخلياً وخارجياً، سياسياً وقضائياً ومعيشياً بحيث اتجهت الأنظار نحو مسارات ثلاثة: المسار الأول في باريس حيث عقد اللقاء الخماسي الفرنسي – الأميركي – السعودي – المصري – القطري بشأن لبنان. والمسار الثاني قضائي بحيث كان هناك ترقب لجلسات الاستدعاء التي سطّرها المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار. أما المسار الثالث فتمحور حول الجلسة الحكومية التي أقرت بنوداً تربوية.

وفيما أعلن الجيش اللبناني ارساله 20 عنصراً من فوج الهندسة إلى تركيا للمساهمة في أعمال البحث والإنقاذ، لأن الكارثة انسانية وأكثر، ولا يزال آلاف الناس تحت الأنقاض بين الحياة والموت، رأس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، اجتماعاً طارئاً لـ”اللجنة الوطنية لادارة الكوارث والأزمات” التابعة لرئاسة الحكومة في السراي، لمتابعة الاجراءات المتعلّقة بالهزّة الأرضية. وأصدر وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي قرارا أرفقه بعبارة “عاجل جداً”، وفيه يطلب إعلان حال طوارئ بلدي وإجراء مسح بالأضرار الناتجة عن الهزة الأرضية التي ضربت لبنان. وكلف المدير العام للتربية عماد الأشقر مديري التعليم الأساسي والثانوي ورؤساء المناطق التربوية في المحافظات والمسؤولين عن المؤسسات التربوية الخاصة، التعاون مع البلديات ومع الهيئة العليا للإغاثة ونقابة المهندسين، معاينة مباني المدارس والثانويات الرسمية بعد حدوث الهزة الأرضية، وفي حال وجود أي تصدع أو تشقق، ضرورة إبلاغ الوزارة لاتخاذ التدابير اللازمة، حرصاً على سلامة المدارس وتلامذتها وهيئاتها التعليمية والادارية.

وبما أنه لا ينقص اللبنانيين هزات وهزات ارتدادية وما يمكن أن ينتج عنها، وبما أن العاصفة “فرح” ستحمل ثلوجاً تلامس الـ500 متر، فقد أصدر وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي بياناً أعلن فيه أنه “بعد حدوث الهزة الأرضية والتحذير من هزات ارتدادية جديدة، ومع تطور الأحوال المناخية السائدة في لبنان واشتداد العاصفة، إقفال المدارس والثانويات والمهنيات ومؤسسات التعليم العالي الرسمية والخاصة كافة، الثلاثاء (اليوم) والأربعاء (غداً)، ريثما تنجلي العاصفة ويتبين وضع الطرق”. كما صدر عن المكتب الاعلامي في وزارة الصحة العامة بيان أشار الى اقفال دور الحضانة الخاصة كافة، اليوم وغداً.

والبداية مع اللقاء الخماسي في باريس الذي شارك فيه عن الجهة الفرنسية كل من آن غوغين مديرة شمال أفريقيا والشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية وباتريك دوريل مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط، باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى التي رأست الوفد الأميركي، المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا الذي رأس الوفد السعودي، محمد الخليفي مساعد وزير الخارجية القطرية للشؤون الاقليمية مترئساً الجانب القطري، وسفير مصر لدى فرنسا علاء يوسف.

وأكد أحد المحللين السياسيين لموقع “لبنان الكبير” أنه ليس منتظراً من المشاركين في الاجتماع أن “يشيلو الزير من البير”، اذ من يجبر نائباً على انتخاب رئيس أو اسم ما؟ لكن في الوقت نفسه، يعكس المجتمعون عدم رضى المجتمع الدولي عن الأداء اللبناني، ورغبة الدول في المساعدة شرط أن يساعد لبنان نفسه. لطالما توجهت الدول الصديقة والقريبة الى المسؤولين اللبنانيين بلهجة حادة نتيجة ما آلت اليه الأوضاع على المستويات كافة، ولا يحركون ساكناً لإخراج البلد من أزماته. أهمية اللقاء تكمن في أن المجتمع الدولي باستطاعته وضع العقوبات على المعرقلين في الداخل. ايران لا تتم دعوتها الى اجتماعات كهذه لأن الحوار بالنسبة اليها فرض رأيها وعدم المناقشة مع الأطراف الأخرى. أما السعودية، فمشاركتها مهمة جداً ولها دلالاتها بسبب حضورها القوي على الساحة الدولية أولاً، والعربية ثانياً، والمحلية اللبنانية ثالثاً. اما بالنسبة الى مستوى التمثيل، فهذا ليس بالمهم لأنه في حال اجتمع قادة هذه الدول، ولم يتمكنوا من إقناع اللبنانيين بالسير في خطة العمل، ألا يكونون في موقف محرج؟ ولو كانوا على ثقة بأن حضورهم في الاجتماع يحل المعضلات في لبنان لكانوا حضروا جميعاً. ثم ان المشاركين يمثلون دولهم ولا يمثلون أنفسهم. المشكلة في المسؤولين في لبنان وليس عند أي طرف آخر. خلاصات الاجتماع لا تخرج عما جرى التأكيد عليه سابقاً في مقاربة الملف اللبناني، سواءً في المبادرة الكويتية أو في اجتماع نيويورك الثلاثي (الأميركي – الفرنسي – السعودي) أو في قمة جدة الأخيرة. جدول أعمال اللقاء الخماسي تضمن الكثير من البنود التي سيصار الى مناقشتها مع اللبنانيين ودعوتهم الى تنفيذها خصوصاً ما يتعلق بالأمور الاصلاحية بالاضافة الى الاستمرار في تقديم المساعدات للجيش ووزارة التربية وتأمين الدعم المالي لتطوير الادارة العامة، ما يشير الى تبدل في المواقف تجاه الدولة التي كانت كل الدول تحجم عن تقديم المساعدات لها الا عبر هيئات المجتمع المدني. هذا الغطاء الدولي يعني أن الدول لن تسمح بتعميم الفوضى في البلد.

وعلى الصعيد القضائي، جُنّبت البلاد زلزالاً قضائياً أمس بعد أن قرّر القاضي البيطار، تأجيل جلسات التّحقيق المحدّدة خلال شهر شباط، وذلك بالنّظر الى الظّروف المستجدّة المرتبطة بقرارات صادرة عن النّائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، وحفاظاً على سلامة التّحقيق وحسن سيره. وأشارت مصادر قضائية لموقع “لبنان الكبير” الأسبوع الفائت الى أنه في حال سطّر البيطار مذكرات توقيف بحقّ الوزيرين السابقين نهاد المشنوق وغازي زعيتر، فسيُسطّر عويدات مذكرة إحضار بحقه، وحينها كل الخوف من التصادم بين أمن الدولة الذي سينفّذ مذكرة الاحضار وقوّة الجيش المولجة حماية أمن البيطار.

وأوضح مصدر دستوري لـ “لبنان الكبير” أن اصدار مذكرات توقيف غيابية غير قانوني لأنه لكي تصدر يجب أن يصار الى ابلاغ المدعى عليهم أصولاً ولا مجال للحديث عن ابلاغهم لصقاً قبل اجراءات التبليغ وفق الأصول، وهذا لم يتم. وعويدات عمّم على جميع الأجهزة والموظفين ألا يتعاونوا مع المذكرات التي يصدرها البيطار. في كل الأحوال، ثمة مساع نجحت في تأجيل موعد الاستدعاءات والجلسات الى حين البت بالصراع الدائر بين البيطار وعويدات، وايجاد آلية للتعاون بين الاثنين، ويلعب رئيس مجلس القضاء الأعلى الدور الأكبر في هذا الاطار. وهنا لا بد من التأكيد أن ما يحصل بين عويدات والبيطار تخطى ألف باء القانون، واذا أتت المعالجة من خارج القانون فلن تكون نتائجها حميدة على القضاء وسمعته. ومن يراقب المسار القضائي الذي انتهجه البيطار، لن يكون التأجيل خطوة أولى للتراجع عن قراراته انما جاء نتيجة مونة لتجنيب البلاد هزة قضائية وأمنية على أمل الوصول الى التوافق على مخرج يقنع الطرفين.

وحكومياً، عقد مجلس الوزراء جلسة في السراي برئاسة الرئيس ميقاتي الذي هنأ اللبنانيين بالسلامة بعد الهزة الأرضية بحيث “أعطيت التوجيهات اللازمة في ما يتعلق بمواكبة كل ما يحصل وتزويد المواطن بالاجراءات والتوجيهات المناسبة منعاً لحصول أي هلع، والاستعداد لأي طارئ، والكشف الوقائي على المباني والمنشآت التي يقال إنها أصيبت بأضرار، وخصوصاً سد القرعون للتأكد من عدم حصول أي تصدع. ازاء هذا الواقع، وجدنا أنفسنا أمام كمّ هائل من المشكلات والتعقيدات التي ينبغي حلها، مما يفرض تكثيفاً للعمل والاجتماعات الوزارية والحكومية، لتأمين الحلول المطلوبة. وكلما طال أمد الشغور كلما ازدادت التعقيدات والمطالبات”.

وأقرّ مجلس الوزراء غالبية البنود المرتبطة بالقطاع التربوي والتعليمي، والتي ترتبطُ بالأساتذة في التعليم الرسمي بفروعه كافة (الثانوي والأساسي والمهني)، وأيضاً بصندوق التعاقد للمعلمين في التعليم الخاص. كذلك، أقرّ فتح اعتمادات لدعم القمح بقيمة 8 ملايين دولار، في حين أنّ بند دفع لبنان مبلغ المساهمة في الأمم المتحدة لم يُقر، إلا أن المبلغ المتوجب عليه سيُدفع قريباً. كما أقر سلفة خزينة لتسعير أدوية السرطان على سعر صرف الـ1500 ليرة لبنانية. وأرجئ البحث في البند المتعلق بالانتخابات البلدية التي تبلغ تكلفة إنجازها نحو 8 ملايين دولار، فيما أقرّت مساعدات مالية بقيمة تفوق المليار ليرة لبنانية للقطاع العام ككل، كما سيكون هناك مبلغٌ مماثل لوزارة التربية.

شارك المقال