النكبة السورية – التركية تخفف الوجع اللبناني

لبنان الكبير

لا تزال الزلازل التي ضربت تركيا وسوريا وشعرت بها الدول المجاورة، تحتل الحيز الأكبر من الاهتمامات، ولا تزال المدن المنكوبة تلملم جراحها، وتنقذ الأحياء من تحت الأنقاض وسط ارتفاع مستمر في أعداد الضحايا، وكالعادة للبنانيين في كل “عرس قرص” اذ انتشلت بعض الجثث كما أنقذ بعض العالقين في حين لا يزال البعض في عداد المفقودين.

المصيبة التي تكاد تكون الأقسى خلال العقد الزمني الأخير، وحّدت شعوب العالم في مد يد العون والاغاثة، في وقت أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الزلزال الذي ضرب بلاده من أكبر الكوارث الطبيعية في التاريخ، بينما ناشدت سوريا المجتمع الدولي، مد يد العون لها لدعمها لأنها تتساوى في النكبة والألم.

إذاً، فعلت الطبيعة فعلها، وتحركت الصفائح الأرضية، وتمكنت خلال ثوان أو دقيقة واحدة من تدمير آلاف المباني والتسبب بمقتل واصابة الآلاف، وساعات الرعب التي أمضاها اللبنانيون كانت كفيلة بأن تشعرهم بالضعف والوهن والعجز، وبدت كأنها علامة من علامات يوم القيامة وأن الحد الفاصل بين الحياة والموت، شعرة رفيعة حتى أن البعض اعتبر أنه لا بد من اعادة الحسابات والعودة الى الذات خصوصاً بالنسبة الى المسؤولين الذين وضعوا البلد على فالق خطير من الهزات الناشطة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ومعيشياً، اذ بات اللبنانيون يستغيثون بفرق الانقاذ من كل حدب وصوب لانتشالهم من تحت أنقاض البلد قبل أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة بسبب الاهمال واللامبالاة. والسؤال اليوم على كل شفة ولسان: هل يتعظ المسؤولون، ويغيّرون في سلوكهم لانقاذ البلد أقله من الهزات البشرية؟ الجواب جاء موحداً من أكثر من جهة سياسية: لا هزات ولا نكبات ولا انفجارات تهز ضمائر من هم في السلطة أو تحرك حسهم الانساني لأن مصالحهم فوق كل اعتبار، والشعب في آخر سلم الأولويات، وما مررنا به من أزمات منذ سنوات من دون أي خطة للمعالجة، خير دليل.

في هذا الوقت، شكل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وفداً وزارياً يتوجه اليوم الى سوريا لعقد سلسلة لقاءات مع المسؤولين السوريين، تتناول الشؤون الانسانية وتداعيات الزلزال المدمّر الذي وقع في مناطق عدة في سوريا والامكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الاغاثة، وفتح المرافق الجوية والبحرية اللبنانية أمام الشركات والهيئات التي تنقل المساعدات الى سوريا. كما أعلنت قيادة الجيش عن ارسال ١٥ عنصراً من فوج الهندسة إلى الجمهورية العربية السورية للمساهمة في أعمال البحث والانقاذ. وأشارت المديرية العامة للدفاع المدني الى “أننا سنُرسل 20 عنصراً الى الجمهورية العربية السورية للمشاركة في عمليات البحث والإنقاذ والمسح الميداني الشامل في موقع الزلزال”.

وبالانتقال الى الهزات اللبنانية المتنوعة والمتعددة ، فقد سجلت بعض المواقف الرئاسية التي لا تتخطى الدرجة الواحدة على مقياس التقدم في الاستحقاق الرئاسي بالاضافة الى بعض التطورات القضائية.

ووسط غياب أي معطيات حول مقررات اجتماع باريس الخماسي الذي عقد بمشاركة فرنسية – أميركية – سعودية – قطرية – مصرية، فإن العيون على المبادرات الداخلية التي يتولاها رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط من جهة، والبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي من جهة ثانية.

وفي هذا السياق، أكد مصدر من الحزب “التقدمي” لموقع “لبنان الكبير” أن “دعوتنا لكل الكتل السياسية الى التعاطي بواقعية، والأخذ في الاعتبار الحالة التي وصل اليها الشعب إن حصلت هزة أم لم تحصل. هناك واقع اجتماعي واقتصادي صعب جداً ما يحتّم على كل الأطراف التقدم خطوة باتجاه المنطقة الوسطية التي يحاول ايجادها جنبلاط الذي سيستمر في المسعى على الرغم من صعوبة التقدم، ولن يستسلم للواقع والستاتيكو القائم. ومن الواضح أن الرئيس نبيه بري لا يريد أن يعقد جلسة لانتخاب الرئيس شبيهة بالجلسات السابقة، والتوجه نحو جلسة يكون فيها حل لانتخاب الرئيس”.

أما على خط بكركي التي زارها وفد من نواب تكتل “الجمهورية القوية”، فقد كشف أحد النواب لـ “لبنان الكبير” أن “المساعي الرئاسية لا تزال في المربع الأول وكل الأمور في هذا السياق (مكانك راوح). البطريرك الراعي يريد دعوة النواب المسيحيين الى التوافق على اسم لرئاسة الجمهورية اذا طرحت آلية للاجتماع، وفي حال الالتزام بها تكون الأفضل للوصول الى بر الأمان، وتقتضي أن يحضر كل النواب المسيحيين، وكل طرف يطرح مرشحه، ومن يحصل على أعلى نسبة من الأصوات يكون هو مرشح المسيحيين، ويعلن عنه من بكركي، ويسير به الجميع في البرلمان. وبالتالي، سنلبي الدعوة على أساس هذه الآلية، التي نعتبرها ديموقراطية، وجيدة جداً. نحن لسنا ضد الاجتماع في بكركي على الاطلاق انما ضد الاجتماع الذي لا يؤدي الى نتيجة، ثم ان من المعيب أن تدعو بكركي الى اجتماع للنواب المسيحيين ولا يسفر عن أي نتيجة. نحن حريصون على البطريرك كما على البطريركية مع العلم أنه لم يحدد موعد للاجتماع بعد في وقت لم نبلغ أي دعوة الى جلسة لانتخاب رئيس في البرلمان”.

في حين لفت أحد المطلعين على اللقاء الخماسي في باريس الى أن مؤشراته معروفة أي أن على لبنان حل مشكلاته لتساعده الدول، بمعنى أن انتخاب رئيس الجمهورية من مسؤولية اللبنانيين، وعلى الرغم من اطمئنان المجتمع الدولي الى مواصفات معينة، لكنه لن يدخل في لعبة الأسماء. كما أن المطلوب خطة تعافٍ بحيث أن السلطة لم تطرحها كخطة متكاملة جدية انما على الطريقة اللبنانية “ترقيع بترقيع”. الدول تساعد لبنان، لكن لا تقوم بالواجبات اللبنانية. المؤتمر الخماسي نوع من حث المعنيين على انتخاب رئيس للجمهورية والشروع بالاصلاحات، وذلك لم يحصل. هناك تقاطعات اقليمية اذا لم تتم وفق المصالح اللبنانية، فيمكن القول ان الاستحقاق الرئاسي في مهب الريح والخطر، واذا جاءت لصالح لبنان، نرى رئيساً للجمهورية خلال أيام لأن القيادات اللبنانية غير قادرة وغير جديرة بانتخاب رئيس للجمهورية. المؤتمرات التي تعقد من أجل لبنان يمكن أن تكون لها نتيجة فعلية عندما يتم انتخاب رئيس الجمهورية وتتشكل حكومة بحيث يطرح اللبنانيون طروحاتهم للحصول على المساعدة، وبروحية مختلفة عن تلك الموجودة حالياً أي بعيداً عن التحاصص. في كل الأحوال، الارتياح السعودي للرئيس المقبل يعني الارتياح الخليجي، ومن دون ارتياح خليجي، لا نتيجة من انتخاب الرئيس لأن من ينتشل لبنان من وضعه الدول الخليجية وفي مقدمها السعودية.

وعلى صعيد الهزات القضائية، كان من المقرر أن يعقد مجلس القضاء الأعلى جلسة أمس للبحث في تطورات التحقيقات في انفجار المرفأ الا أن رئيس المجلس القاضي سهيل عبّود والقاضي عفيف الحكيم والقاضي داني شبلي لم يحضروا، بل حضر 4 قضاة فقط، لذلك لم يكتمل النصاب ولم يعقد المجلس جلسته. وقال مدعي عام التمييز القاضي القاضي غسان عويدات تعقيباً: “أقرأ تطيير نصاب جلسة مجلس القضاء الأعلى بايجابية (لأنو ما بدي الحل يطلع الا عن الرئيس الأول سهيل عبود)”.

الى ذلك، تقدّم وكلاء الادعاء عن أهالي ضحايا ومتضرري الرابع من آب، بسلسلة دعاوى ومراجعات تباعاً، تصدّياً للمخالفات القانونية الجسيمة التي يرتكبها القاضي عويدات المتنحي في هذه القضية.

شارك المقال