جمهورية “الدولار القوي”… العملة الخضراء تلتهم الليرة اليتيمة

لبنان الكبير

فرص الحل تنخفض الى حدها الأدنى، والدولار يرتفع الى حدود بلا سقف حتى لامس التسعين ألفاً بنسبة تجاوزت الـ 40 ألف ليرة خلال شهر واحد، وشعب تآمرت على تعذيبه سلطة، فقدت ضميرها وحسها الانساني، وأصدرت حكم الأشغال الشاقة بحقه مدى الحياة، ولن تستكين قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، وما يحصل لا يثبت الا ذلك. كيف لا والشغور الرئاسي مستمر منذ أكثر من 4 أشهر، والمسؤولون يتعاطون مع الموضوع ببرودة تامة، والخلافات على قدم وساق في البرلمان، والتعطيل عنوان الجلسات واجتماعات اللجان، والحكومة محاصرة بالكيديات والأنانيات، وبالكاد تجتمع لتمرير الملفات الحياتية الضرورية، وغالبية المؤسسات تتخبط في دوامة الانهيار ما ينذر بتدهور غير مسبوق، مع العلم أن التسعير بدأ في السوبرماركت بالعملة الخضراء غداة قرار رفع الدولار الجمركي الى 45 ألفاً.

لم يُسجل أمس أي تطور على المسرح الداخلي، طالما أن السلطة قائمة شكلاً بلا مفعول أو كهيكل عظمي بلا روح، ولا تخجل من منافسة لبنان على احتلال المركز العالمي الأول في سباق التضخم، ولا من دعوات المجتمع الدولي الى انتخاب رئيس للجمهورية، وآخرها دعوة منسقة الأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا الى “الاستجابة للاحتياجات المتزايدة والمشروعة للشعب التي تتطلب انتخاب رئيس للجمهورية من دون مزيد من التأخير. وعلى القادة السياسيين إعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية في هذه اللحظة الحرجة”.

الجمود خرقه وداع المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم بمناسبة انتهاء ولايته، في حفل تكريمي أقيم في المركز الرئيس للمديرية في بيروت، وأكد خلاله للضباط والعسكريين أنه “سيبقى الى جانبهم وجانب عائلاتهم. منذ 12 عاماً كنا هنا وقلت سأعمل لمديرية تفتخرون بها. وأنا الآن أفتخر بكم كنتم نعم السند ونعم العضد”. وفي دردشة مع الاعلاميين، ورداً على سؤال عن مدى الفراغ الرئاسي، أجاب: “يخلق الله ما لا تعلمون، ولكني غير مطمئن”. وحول الحقيبة الوزارية التي يحب أن يتولاها، قال: “الخارجية. وسأتابع العمل السياسي وأي شيء يخدم لبنان ولن أوفر علاقاتي من أجل الوطن. بيتي سيبقى مفتوحاً، كما كنت في الجيش والأمن العام وسأبقى أستمع الى هموم الناس ومعاناتهم وأقف الى جانبهم. ولم أطلب التمديد مرة وغير صحيح أنني زرت الرئيس نبيه بري أو النائب جبران باسيل لأخذ وعد بالتمديد”.

أما خلفه العميد الياس البيسري فتوجه اليه قائلاً: “مهما تحدثنا لن نوفيك حقك بما قمت به ولا يسعني الا أن أعدك بإسمي وبإسم رفاقي الضباط وكل العسكريين في الأمن العام أن نسعى بكل ما أوتينا من قوة وعزم وارادة من أجل أن نبقى على خطاكم في عملنا داخل المديرية”.

وكان اللواء إبراهيم وضع صباحاً، حجر الأساس لمبنى دائرة أمن عام بيروت الجديد في محلة الكرنتينا قرب فوج إطفاء مدينة بيروت، وأكد أن “لا مكان للتقاعد وسنكمل المشوار في ميادين أخرى”. ورداً على سؤال بعد انتهاء الاحتفال، قال: “ما حدا بيغدرني”.

إذاً، التدهور مخيف، ويلقي بظلاله على المشهد الداخلي على جميع المستويات، السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية والحياتية والتربوية، مترافق مع انهيار سريع وغير مسبوق لليرة اللبنانية، وارتفاع كبير في سعر صرف الدولار. وبحسب أحد المراقبين، فإن الانهيار يسير كالنار في الهشيم الذي تتلاعب به العواصف والرياح من دون أن تحرك السلطة ساكناً لفرملته أو كبحه ربما لأنها أرادت فعلاً لا قولاً أن تحرق البلد وأهله بنار جهنم. ومع اشتداد التأزم غير المسبوق، تبدو الحلول مستعصية، في ظل استمرار سياسة التلكؤ والتقاعس والهروب من تحمل المسؤوليات ما يوحي بأن الامور تفلتت، وخرجت عن السيطرة بانتظار ارتطام كبير أو انفجار اجتماعي أو فوضى أمنية أو تطورات دراماتيكية يمكن أن تؤدي الى انزلاقات خطيرة.

وفي ظل هذا التدهور السياسي والمالي، لا بد من التساؤل: هل وصلنا الى المرحلة الأخيرة من الانهيار أم أن الأسوأ لم يحصل بعد؟ وماذا ينتظرنا في المرحلة المقبلة؟

في هذا السياق، أكد أحد النواب لموقع “لبنان الكبير” أن الوضع الداخلي أصبح صعباً لدرجة أن أي مبادرة داخلية باتت مستعصية نتيجة تموضع الفرقاء خلف متاريسهم السياسية وغياب الأفق الجدي لأي تحرك. ما يحصل خطير جداً، ويستوجب حواراً داخلياً حقيقياً وجدياً للتوافق أقله على فرملة الانهيار رأفة بالناس لأن الأزمة السياسية تنعكس عليهم مباشرة.

في حين اعتبر أحد النواب السابقين أن رئيس الجمهورية السابق ميشال عون بشرنا بأننا متجهون الى جهنم، وها نحن قد وصلنا اليها، وننحدر باتجاه قعرها. ما يحصل اليوم مردّه الى أن هناك طبقة سياسية بأكثريتها الساحقة لا تقيم وزناً للمصلحة الوطنية، وطالما هذه الذهنية سائدة في مقاربة الأمور المصيرية يعني أننا ذاهبون الى الأسوأ، والله يحمي لبنان. نتجه نحو الفوضى التي ربما تتحول الى فوضى شاملة حيث حينها لا يمكن لجمها، وبالتالي، تؤدي الى انهيار أمني. والمؤسسات الأمنية والعسكرية، تطمئن بأن الامن ممسوك حالياً، لكن الى أي درجة؟ اذا لم تٌعد الأحزاب والقوى قراءتها للواقع، فالخطر سيتعاظم ويتكاثر، وربما نصل الى نقطة اللاعودة.

على صعيد آخر، لفت المطارنة الموارنة في بيان اثر اجتماعهم الشهري، الى أن “نواب الأمة أمام مسؤوليتهم الوطنية”، معتبرين أن “تهرّبهم يفاقم من تدهور الأوضاع العامة ويُقدّم البرهان على فراغ رهيب في إدارة البلاد فيما الدول الصديقة تلحّ بدعوتها لهم إلى المبادرة الإنقاذية لخلاص لبنان”. ودعوا “الحكومة إلى العمل في نطاق ما يُجيزه لها الدستور وتحاشي كل ما من شأنه عرقلة سير الشأن العام، ووضع حدّ للصراع العبثي المدمّر الذي وقع فيه القضاء والمصارف والذي قد يؤدي إلى عزل لبنان عن الدورة المالية العالمية وإلى حرمان الأفراد والشركات من تأمين ضرورات الحياة والاستمرار على نحو خطر”.

وفي هذا السياق، عقد وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي لقاءً مع وزير الداخلية في المملكة الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف بن عبد العزيز آل سعود، على هامش مؤتمر وزراء الداخلية العرب في تونس، عبّر مولوي عن “حرص لبنان الدائم على الأمن العربي وخصوصاً أمن المملكة العربية السعودية ومجتمعها”. وشدد على الالتزام بمحاربة المخدرات ومنع تصديرها الى الدول العربية ومكافحة الارهاب وتعزيز التعاون الأمني في هذا الاطار، مؤكداً أن “جهدنا في لبنان سيكون منصباً على بناء الدولة والثقة مع المجتمع العربي”.

شارك المقال