جدل “الدنس” حول الشغور اليتيم

لبنان الكبير

الواقع المرير على المستويات كافة، والافلاس السياسي، والانهيار على مستوى غالبية المؤسسات في البلد، والعجز الكلي عن حلحلة أي عقدة، أصبح يطبق على المسؤولين المثل القائل “القلة بتولد النقار” خصوصاً أنهم استقالوا من الحياة العامة، وتفرغوا للسجالات والمناكفات ورمي التهم والمسؤوليات هنا وهناك، وأصدروا حكم البراءة على أنفسهم، وتنصلوا من ارتكاباتهم الجرمية بحق شعب بأكمله، وبيّضوا سجلاتهم، وأصبحوا في ضفة “لا حكم عليهم”، لكنهم لا يعلمون أن الشعب لن يسامحهم، ولن يغفر لهم، والتاريخ لن يرحمهم، وسيحكم عليهم بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، والتعذيب الجسدي والنفسي حتى الرمق الأخير.

وفي حين لا يتوقف المجتمع الدولي عن التحذير من تفاقم التحديات في لبنان، اذ غردت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا عبر حسابها على “تويتر” كاتبة “بات توسيع شبكات الأمان الاجتماعية والتخفيف من حدة الفقر ومعالجة الأمن الغذائي أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى لحماية شرائح المجتمع الأكثر ضعفاً”، يتابع المسؤولون معارك البيانات، اذ دان “حزب الله” مواقف رئيس جهاز العلاقات الخارجية في “القوات اللبنانية” الوزير السابق ريشار قيومجيان، قائلاً: “تصريحات المسؤول المذكور وما تضمّنته من عبارات مُقزّزة أمر لا يُمكن السكوت عنه في أي حال من الأحوال ويستوجب الرفض والاستنكار من كل المرجعيات الدينية على وجه الخصوص وسائر القوى السياسية عامة، واتّخاذ الاجراءات والتدابير كافة في حقّ الشخص المذكور من الجهات المعنية والمختصة.”

بدوره، قال قيومجيان في بيان: “في معرض الرد على مواقف الرئيس نبيه بري الأخيرة عبر (الأخبار) والتي وصفت مرشح المعارضة بـ(التجربة الأنبوبية، إستخدمت في تغريدتي السياسية الصرف مصطلح (زواج المتعة) لتوصيف العلاقة بين الثنائي حزب الله – أمل وحلفائه. هذا المصطلح مستعمل في الخطاب السياسي كما مصطلح (الزواج الماروني) على سبيل المثال. لكن إن فهم كلامي كإساءة دينية أو مسّ بالفقه معاذ الله من البعض في الطائفة الشيعية الكريمة، فأنا أعتذر لأن ليس هذا هو المقصود حتماً”.

اذاً، العجز يزيد من التفاقم، ولم ترسُ كل المشاروات الداخلية والاقليمية والدولية على برّ انتخاب رئيس للجمهورية، اذ تكثر التحليلات وتنعدم الخطوات وسط تحميل البعض للمسيحيين مسؤولية الشغور، وأنهم متى اتفقوا على اسم للرئاسة الأولى، ينتخب سريعاً، لكن مصدراً مطلعاً سأل عبر موقع “لبنان الكبير”: فيما لو نجحت المساعي البطريركية في لم شمل المسيحيين، وتمكنت من اقناعهم بالتوافق على شخصية، وانتخابها في المجلس النيابي، هل يوافق “الثنائي الشيعي” عليها أو أنه سيعتبرها لا تتطابق مع مواصفاته؟ ثم فيما لو حصل سيناريو التوافق على الرغم من استبعاده، ألن تعلو الأصوات المعترضة على اعتبار أن المسيحيين يصادرون موقع رئاسة الجمهورية الذي هو لكل اللبنانيين وليس لطائفة معينة؟

في هذا السياق، شدد أحد نواب المعارضة على أن المسؤول عن الشغور هم النواب، مسلمون ومسيحيون، الذين لم يلتزموا بالدستور، ولم ينتخبوا مرشحاً، وانسحبوا بعد الدورة الأولى في الجلسات الانتخابية المتتالية. وأي محاولة لرمي كرة التعطيل الرئاسي في ملعب آخر غير صحيح. المشكلة وطنية اذ هناك بعض المسيحيين والمسلمين الذين يطبقون الدستور كما هناك بعض المسيحيين والمسلمين الذين لا يطبقونه.

فيما اعتبر أحد النواب الموالين أن الفريق الذي يرفض الحوار هو حكماً مسؤول عن التعطيل لأنه بعد جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، تبين مدى الحاجة الى الحوار، وعدم قدرة أي فريق على ايصال مرشحه.

وفي وقت يتم الحديث عن مسعى بطريركي لجمع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع برئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، أكد أحد النواب لـ “لبنان الكبير” أن “المشكلة اليوم ليست في لقاء بين شخصين انما هناك مشروعان مختلفان، ومن يريد أن يتحاور يجب أن يقيم نقداً ذاتياً، ويعلم أن تجربته فشلت وأن خياراته أخطأت وأن تكون هناك محاسبة. لا يمكن العودة تحت أي ظرف كان الى تسويات سياسية تعيدنا الى الوراء. المشكلة ليست في الأسماء انما في النهج بحيث أن كل طرف يتعاطى مع الدولة من منظاره فهناك من يريد الاصلاح وبناء الدولة، وطرف لا يريد ذلك. الخلاف على مشروعين حقيقين. نتمسك برئيس يبني دولة بغض النظر عن الاسم وعن شكله وهويته. نريد رئيساً يعيد الجميع تحت سقف الدولة”.

وأشارت مصادر مقربة من عين التينة لموقع “لبنان الكبير” الى أن الرئيس بري سيدعو الى جلسة لانتخاب الرئيس عندما يرى أن الأمور أصبحت أكثر نضوجاً، وعندما يحصل على معطيات تشير الى امكان الوصول الى انتخاب رئيس للجمهورية، بمعنى أنه سيدعو الى جلسة تكون منتجة لأنه لا يجوز الاستمرار في المهزلة التي استمرت على مدى 11 جلسة. ولا بد من التعاطي بموضوعية وواقعية لأن ظروف البلد لم تعد تحتمل الانتظار، والتدهور يزيد يوماً بعد يوم.

وعمن يقولون ان المعطيات تتحدث عن شغور ربما يستمر الى أشهر أو حتى سنوات، شددت المصادر على أن هذا الكلام ليس دقيقاً لأن الاتصالات قائمة ومستمرة على أكثر من مستوى، ويمكن أن يحصل التفاهم في أي لحظة، والرئيس بري لم ولن يتردد في الاتصال والتواصل مع الفرقاء للوصول الى خرق ما في الجدار الرئاسي. الأمل موجود، ولم نصل الى مرحلة اليأس.

واذا كان الجميع ينتظر الفرج من مكان ما في ظل التأكيد أن الموقف السعودي أساسي مهما وردت إشارات أميركية أو فرنسية الى هذا المرشح أو ذاك، فان أحد المحللين السياسيين رأى وفق المعطيات، أن ليست هناك أي أرضية أساسية يمكن البناء عليها للتعويل على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، اذ بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في 31 تشرين الأول الماضي، كان يقال ان الفراغ لن يدوم الى أكثر من نهاية العام 2022 ثم أصبح هناك رهان آخر على أن اللبنانيين يمكن أن يتوافقوا في الربيع بغطاء خارجي، وتصل الأمور الى انتاج رئيس جديد، وهذا لم يحصل. اما اليوم، فهناك رهان على انتخاب الرئيس في تموز المقبل، لكن كلها رهانات ليس لها أساس أو أرضية واقعية الى اليوم بحيث لا نعرف من أين يستمد المراهنون معطياتهم. قد يفاجأ الجميع في لحظة معينة اذا توافر عاملان أساسيان: العامل الداخلي والعامل الخارجي، لكن الى هذه اللحظة لا العامل الداخلي متوافر ولا العامل الخارجي. لذلك، حتى الرهان على شهر تموز المقبل أو على الخريف المقبل لا يقوم على أساس منطقي وعقلاني انما هي رهانات في الهواء لا أكثر ولا أقل. حتى ما يعرف بديبلوماسية الكوارث التي شهدناها بعد زلزال تركيا وسوريا، وانفتاح العالم العربي وحتى المجتمع الدولي على سوريا، كل ذلك يندرج في سياق سوري بحت قد لا تكون له أي تداعيات ايجابية أو سلبية على الواقع السياسي اللبناني الذي له معطياته المختلفة وعناصره وعوامله المختلفة. من أجل الوصول الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية نحن بحاجة الى عاملين غير متوافرين. في لقاء باريس الخماسي، طرحت من خارج جدول الأعمال مجموعة من الأسماء، وكان هناك نوع من التنافر والتجاذب بين القوى المجتمعة، ولم يتم التوصل الى التقارب حول أي اسم على الرغم من أن هناك مواصفات عامة متفق عليها في الداخل والخارج، لكن يبقى الأساس التوافق على رئيس معين أو شخصية معينة، وهذا ليس متوافراً حتى اللحظة. وبالتالي، كل التحليل المرتبط بالانفتاح العربي على سوريا، والحديث عن تقاربات بينها وبين غيرها من الدول العربية، يبقيان محصورين بالداخل السوري، وليس هناك من ارتباط بين الانفتاح العربي على سوريا وبين ما يمكن أن نسقطه على الواقع اللبناني. كلها تحليلات لا تستند الى معلومات ومعطيات، وبالتالي، يمكن أن نشهد انتخاب رئيس خلال وقت قريب انما هذا مرتبط بعامل المفاجأة وبعامل اللحظة الأخيرة، لكن أرضية هذا العامل المفاجئ غير متوافرة.

وعلى الصعيد المعيشي، وفيما ارتفعت الفواتير والأسعار بعد رفع سعر منصة “صيرفة”، قررت جمعية المصارف في الجمعية العمومية تمديد تعليق إضرابها حتى مساء 10 آذار الجاري لتسهيل عمل المؤسسات والأفراد وإعادة تقويم ما قد يستجدّ من تطورات بشأن تنفيذ مطالبها، على أن يفوض مجلس الادارة بتمديد فترة التعليق في ضوئها.

الى ذلك، أعلن وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي أنه تمكن من تأمين مطالب أفراد الهيئة التعليمية في المدارس والثانويات الرسمية من الملاك والمتعاقدين، ودعا “الأساتذة الى العودة إلى مدارسهم واستئناف التدريس خلال هذا الأسبوع والتعويض على التلامذة وفقاً للمناهج المقررة”.

شارك المقال