معادلة بري: “فرنجية أو الحوار”… الخارج يبادر والداخل يعطل

لبنان الكبير

لا تزال القوى السياسية تحاول تفكيك شيفرة الكلام الأخير لرئيس مجلس النواب نبيه بري، فهل هو طرح معادلة سليمان فرنجية أو الفوضى، مما يذكر بمرحلة مخايل الضاهر أو الفوضى، أم يسعى الى أمر آخر؟ من المؤكد أن كلام بري ليس بشخصه فقط، بل هو بالتأكيد مدعوم من قوى الثامن من آذار وعلى رأسها “حزب الله”، ما عدا “التيار الوطني الحر”، وهو أمر مغاير لما حصل عام 2016، عندما رفض بري تأييد انتخاب ميشال عون، وانتخب الورقة البيضاء، في اختلاف نادر بين الثنائي الشيعي في استحقاق أساس كالرئاسة.

بالاضافة إلى تأييد فرنجية في كلام بري، كان لافتاً وقوف الحزب “التقدمي الاشتراكي” إلى جانب رئيس المجلس، بعد الرد الذي حصل من النائب ميشال معوض وبعض السياسيين الآخرين، فهل وليد جنبلاط اتخذ موقفاً إلى جانب صديقه بري، أم أنه يرسل رسالة معينة إلى حلفائه؟ وما هو مضمون الرسالة؟

الدائرون في فلك “الاشتراكي” أكدوا في أحاديث صحافية أن الموقف هو انسجام الحزب مع مبادئه، وإيمانه بأن الحوار والتوافق هما السبيل الوحيد لحل المعضلة الرئاسية وبالتالي الخروج من الأزمة، لافتين الى أن كل كلام يخرج عن الاطار السياسي مرفوض بالنسبة الى الحزب وقيادته، وهو يضيع الحوار والتوافق ويزيد من عمق الأزمة.

وهذا ما أكده عضو كتلة “اللقاء الديموقراطي” النائب وائل أبو فاعور في مناسبة اجتماعية، بقوله: “للأسف الأنانيات الشخصية تخلق أنانيات سياسية، والأنانيات السياسية تمنع الاتفاق على رئيس للجمهورية، وحتى اللحظة، كل الصيغ والأسماء والاقتراحات التي قدمت لا يبدو أنها تسلك مسارها الصحيح للوصول الى رئيس للجمهورية. واذا كان البعض لا يزال يراهن على أن الخارج سينوب عن الداخل في اختيار رئيس للجمهورية فهو واهم، اذا لم تأتِ المبادرة من الداخل، من القوى السياسية اللبنانية عبر الحوار المفتوح الذي يبتعد عن كل أشكال المزايدات، فلن يكون هناك انتخاب رئيس”.

من جهة أخرى، أشار مصدر سياسي مطلع في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن “كلام الرئيس بري جاء لتحريك الجمود في الملف الرئاسي، والردود العصبية التي حصلت ليست بسبب كلام اعتبرته موجهاً اليها، فهي تعلم تماماً أن الرئيس بري لم ولن يهين أي أحد، وجل ما يتكلم به هو توصيف للوقائع السياسية، ولا يقصد اسماً أو شخصاً معيناً، وحتى عندما تعرض له شخصياً جبران باسيل لم ينجر إلى اللعبة الشخصية، ولذلك الردود التي حصلت متعلقة بالجزء الثاني من كلام بري، وهو الأساس، فهي تعلم أنه لن يعلن ترشيحه لفرنجية، إلا إذا كان متأكداً من أنه يمكنه إيصاله، ويبدو أن المعطيات من الخارج، ليست لصالح القوى السيادية، ولذلك شهدنا ردوداً أقل ما يمكن أن يقال عنها انها هستيرية بسبب الخوف من الهزيمة السياسية، ولكن الرئيس بري لا يسعى الى كسر أحد، وتسميته لفرنجية ليست لفرضه بالقوة على أحد، ولكنه لا يمكن أن يستمر في المراوحة، وهو اليوم بعد رفض الحوار من الفرقاء المسيحيين تحديداً، فتح الباب أمام مقاربة جديدة، فليتجه الجميع إلى مجلس النواب، وسط تنافس حقيقي بين المرشحين، ولن تكون هناك جلسات فولكلورية لتمضية الوقت”.

ورأى مصدر وسطي أن “الرئيس بري وضع معادلة جديدة، مستنبطة من معادلة مخايل الضاهر أو الفوضى، ولكنها ليست نفسها، فرئيس المجلس يكره الفوضى، ويسعى دائماً الى لجمها، ومسيرته السياسية الطويلة شاهدة على ذلك، معادلة بري هي فرنجية أو الحوار، فهل يتلقفها الثنائي المسيحي أم أنه عندما سيصل البلد إلى الخط الأحمر الكبير ستسير التسوية رغماً عنه؟”.

وأعرب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في حديث صحافي عن عدم تفاجئه بتبني الرئيس بري ترشيح رئيس تيار “المردة”، مؤكداً أنه كان على علم منذ بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية من ستة أشهر، بأن المرشح الجدي والفعلي لـ “حزب الله” وبري وحلفائهما هو فرنجية.

وأوضح أنه “انطلاقاً من ذلك كان رد فعلنا برفض الدعوات الى الحوار المصطنعة، على خلفية أنها ستكون مضيعة للوقت طالما الفريق الآخر متمسك بمرشحه، وأكبر دليل هو ما صدر عن الرئيس بري”. واعتبر أن “المعطل الفعلي للاستحقاق الرئاسي هو رفض حزب الله لرئيس فعلي جدي للبنان”، متهماً اياه بأنه “يريد إيصال رئيس يكون له مئة في المئة وينفذ سياسته ولا يتجرأ على اتخاذ قرار، وإلا سيعطل الانتخابات”.

داخلياً، يبدو الأفق مسدوداً، أما دولياً فقد برز الحراك الديبلوماسي الذي يبدو منسقاً ومتزامناً لكل من السفيرة الأميركية دوروثي شيا، والسفيرة الفرنسية آن غريو، اللتين تزوران القوى السياسية وتطرحان حلولاً وتسويات لحل أزمة الاستحقاق الرئاسي. ويظهر أن الطرح الدولي هو فرنجية رئيساً للجمهورية ورئيس حكومة مقرب من الغرب والعرب والقوى السيادية، وقد أعلن كل من جعجع ورئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل عن رفضهما لهذا الطرح، فقد أشار الجميل في تصريح لقناة إعلامية الى أن “بعض الديبلوماسيين الذين يحاولون إيجاد حلول مهما كان الثمن طرحوا علينا فكرة رئيس جمهورية تابع للثامن من آذار مقابل رئيس حكومة يرضي العرب والغرب لكننا رفضناها رفضاً قاطعاً لأنها غير منطقية، وهو طرح يرضي فريق حزب الله.” في حين كشف جعجع في الحديث الصحافي نفسه عن تلقيه عروضاً للمضي برئيس تيار “المردة” من أكثر من فريق داخلي وخارجي في محاولة لاقناعه بالقبول به لرئاسة الجمهورية، مقابل رئيس حكومة يكون قريباً من المعارضة، ولكنه رفض هذا الأمر. وقال: “عندما سألني المفاوضون عن سبب رفضي لفرنجية، أوضحت أن المشكلة ليست في شخصه بل تكمن في القيام بخطوات تزيد من تفاقم الأزمة بدلاً من حلها، فإذا أصبح فرنجية رئيساً، سيحكم استناداً الى القوة التي ارتكز عليها للوصول الى سدة الرئاسة، أي حزب الله وحلفاؤه”.

حراك الديبلوماسية الدولية من أجل حل الأزمة الرئاسية يدل على أمر مؤكد، الخارج يحب لبنان أكثر من سياسييه، فبدل أن يبادر زعماء الأمة الى الجلوس على الطاولة من أجل الوصول إلى حل يؤدي إلى تخفيف الضغط على المواطن، لا يزال كل فريق على موقفه، ويرفض أن يتنازل قيد أنملة ويضحي من أجل الشعب والوطن، تحديداً في ظل رفض أحد أركان 8 آذار، “التيار الوطني الحر”، الحديث عن أي مرشح غير رئيسه الحالم جبران باسيل، الذي لو كان يسير مع ترشيح فريقه لحلت الأزمة الرئاسية، ولما كان الشلل والتعطيل يصيبان البلد. ما يبدو أن كل القطاعات وعلى رأسها التربية، أصبحت في مرحلة الضياع الكامل.

شارك المقال