سلامة “يستقوي” بعد التحقيق… و”تلزيم” التسوية لباريس والرياض؟

لبنان الكبير

فيما السكون الداخلي يخيم على المشهد السياسي بانتظار ما سينتج عن لقاءات ثنائية وخماسية تعقد بين باريس والرياض من أجل لبنان، خرج حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من قصر العدل بعد يومين ماراتونيين من التحقيق معه ليوجه رسائل عدة وفي كل الاتجاهات، ويفرغ بعض ما في جعبته لسيئي النية الذين يزايدون على القضاء من أجل الشعبوية، ناسين أن الأوطان لا تبنى على الأكاذيب.

وقبل الغوص في الملفات الداخلية، لا بد من التوقف عند خبر دولي لافت، اذ أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية، أمس، أمراً باعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا. ورداً على هذا القرار، أعلنت وزار الخارجية الروسية أنَّ “لا صلاحيات للمحكمة الجنائية الدولية على موسكو كونها ليست عضواً فيها”. في حين أكّدت الرئاسة الأوكرانية أنَّ “مذكرة الاعتقال الدولية بحق بوتين ما هي إلا البداية”.

وفي وقتٍ سابق، اعتبرت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، في مقابلة مع صحيفة “لو باريزيان” أن من “المحتمل” محاكمة الرئيس الروسي أمام المحكمة الجنائية الدولية، مؤكدة “أننا نعمل مع المحكمة الجنائية الدولية والمجتمع الدولي بأسره حتى لا يفلت المنفذون والمسؤولون عن الحرب من العقاب”.

إذاً، لليوم الثاني على التوالي، عقدت جلسة الاستماع إلى سلامة أمام الوفد الأوروبي، وأشارت المعلومات الى أنه ظهر هادئاً ومتماسكاً في الجلسة، وأجاب عن كلّ الأسئلة التي طُرحت عليه. وأفيد أن القاضي شربل أبو سمرا عقد إجتماعاً تقويمياً مع الوفد القضائي الأوروبي بعيد جلسة الاستماع إلى سلامة، وأبدى الوفد رغبته بالعودة في نهاية نيسان. ووفق المعلومات، فإن القاضي أبو سمرا رفض اعتبار إعلام سلامة بجلسته في باريس في أيار المقبل شفهياً بمثابة تبليغ رسمي، وطلب أن يتم ذلك وفقاً للأصول بواسطة النيابة العامة التمييزية عبر استنابة قضائية جديدة. وبعد انتهاء جلسة الاستماع إلى سلامة، أعطته القاضية الفرنسية أود بوروزي علماً بوجوب حضور جلسة له أمامها في منتصف أيار المقبل.

وفي حين انتهت مهمة الوفد القضائي الأوروبي الذي غادر بيروت، على أن يعود الشهر المقبل لمتابعة تنفيذ الاستنابات القضائية، اذ أنّ الجلسات المقبلة ستكون مع كلّ من رجا سلامة ومريان الحويك، قيل ان جلسة الأمس كانت الأخيرة لحاكم مصرف لبنان الذي أصدر بياناً قال فيه: “حضرت جلسة دعا اليها الرئيس شربل أبو سمرا، من دون رفقة المحامي، اذ أن حضوري كان كمستمع اليه لا كمشتبه فيه ولا كمتهم، لقد حضرت احتراماً مني للقانون وللقضاة، وتحفظت لوجود حضرة القاضية اسكندر لأنها خصم وقد تدخلت في الدعوى اللبنانية ضدي، وتحفظي ناتج عن الاخلال بمبدأ المساواة بين الفرقاء. أكدت خلال الجلسة، الأدلة والوثائق التي كنت قد تقدمت بها الى القضاء في لبنان والخارج مع شرح دقيق لها. يتبين من هذه الوثائق والكشوفات أن المبالغ الدائنة في حساب المقاصة المفتوح لدى مصرف لبنان والذي حولت منه عمولات الى فوري (foory)، كانت قد سددت من أطراف أخرى ولم يدخل الى هذا الحساب أي مال من مصرف لبنان ولم يكن هذا الحساب مكشوفاً في أي لحظة. كما يتبين من هذه الكشوفات أن حسابي الشخصي في مصرف لبنان غير مرتبط بالحسابات التي تودع فيها الأموال العائدة الى المصرف ولم تحول الى حسابي أموال من مصرف لبنان، وأن التحاويل الى الخارج الخاصة بي، ومهما بلغت، مصدرها حسابي الشخصي. لقد لمست ولأكثر من سنتين سوء نية وتعطشاً للادعاء علي. ظهر سوء النية من خلال حملة اعلامية مستمرة تبنتها بعض الوسائل الاعلامية والتجمعات المدنية منها أوجدت غب الطلب لتقديم إخبارات في الداخل وفي الخارج، وذلك للضغط على القضاء والمزايدة عليه. فأصبح مدنيون وصحافيون ومحامون يدعون أنهم قضاة، يحاكمون ويحكمون بناء لوقائع قاموا بفبركتها. واكبهم بعض السياسيين من أجل الشعبوية اعتقاداً منهم أن هذا الأمر يحميهم من الشبهات والاتهامات أو أنه يساعدهم على التطميش عن ماضيهم أو يعطيهم عذراً لاخفاقاتهم في مواجهة وحل الأزمة، ناسين أن الأوطان لا تبنى على الأكاذيب”.

وبالانتقال الى الشأن السياسي، اتجهت الأنظار الى الاجتماع الثنائي في باريس الذي شارك فيه عن الجانب الفرنسي كل من مستشار الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لشؤون الشرق الأدنى باتريك دوريل والموفد الشخصي للرئيس الفرنسي المكلف متابعة ملف لبنان بيار دوكان، وعن الجانب السعودي المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا والسفير السعودي لدى بيروت وليد بخاري.

وتحدثت المعلومات عن أن الطبق الأساس في النقاش، هو الملف الرئاسي اللبناني، ووضع خارطة طريق للخروج من الأزمة التي تعصف بلبنان في ظل الخشية من تفلت الأوضاع أو تدهور الأمور الى حد الانفجار الاجتماعي الذي ستكون عواقبه وخيمة. كما حكي عن بحث في إنشاء صندوق خاص لمساعدة اللبنانيين لتدارك النتائج الكارثية للتدهور الاقتصادي والمعيشي، وربما توسيع مروحة المساعدات التي تشمل قطاعات واسعة في مرحلة ما بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية .

وفي هذا السياق، لفت مصدر مطلع في تصريح لموقع “لبنان الكبير” الى أن اللقاء الثنائي يبحث عن مخرج علمي وواقعي للأزمة اللبنانية، اذ أن الفرنسيين يحاولون ايجاد حل للأزمة لكن بتسرع فيما السعودية تريد ايجاد الحل لكن ليس بتسرع بل بتأنٍ وديمومة واستمرارية، وبخطوات مدروسة. التوجه السعودي هو الأفضل للبنان ولو تطلب المزيد من الوقت لأنه سيضعه على السكة الصحيحة على اعتبار أن ليس المهم اليوم انتخاب رئيس للجمهورية كشخص انما كمشروع سيتبعه تشكيل حكومة واصلاحات ومشاريع انقاذية، ولكي لا نقع في دوامة الفساد مجدداً. المعلومات تشير الى أن الديبلوماسية السعودية ستفاجئ الكثيرين في المرحلة المقبلة، وهذا سيكون لصالح لبنان. لو لم تكن هناك نظريتان على طاولة البحث لكانت الأمور قد حُلّت سابقاً، اذ أن السعودية ترى المنطقة باقتصاد مزدهر، وهذا يتطلب الأمن والسلام، ولبنان من ضمن هذه المنطقة أي أن يخرج من لعبة المحاور والاصطفافات. وبالتالي، رئيس جمهورية لبنان يجب ألا يكون محسوباً على أي طرف، ولديه مواصفات معينة أصبحت معروفة. ومن يريد استشراف المستقبل في السياسة والتقاط الاشارات، يجب أن يصغي جيداً الى المواقف التي أطلقها رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط من الكويت، اذ أن الاشارات واضحة بالنسبة الى الرئيس المقبل، وكأنه يقول انه يجب نسيان الأسماء المتداولة لأن هناك رؤية جديدة، وأشخاصاً جدداً غير محسوبين على أي جهة ولديهم خلفية اقتصادية ومالية، ويكونون محط ثقة.

أما أحد الخبراء فأكد لموقع “لبنان الكبير” أن الفرنسيين لم يقولوا يوماً انهم يريدون سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، انما اعلام الممانعة الذي يروج لذلك، وليس صحيحاً أن فرنسا تحاول اقناع السعودية به. هناك متغيرات كبيرة بالنسبة الى ايران وأدواتها في المنطقة، وأول اشارة، موقف الرئيس الفرنسي من الملف النووي الايراني ثم موضوع الرهائن الفرنسيين في طهران، كما الموقف الفرنسي بمطالبة لبنان بالتحقيق في انفجار حصل سنة 1983. كل هذه الأمور تدل على أن فرنسا غيّرت في مواقفها عن السابق. اللقاء الثنائي لتقويم الوضع اللبناني بعد الأزمة الخانقة والانهيار الدراماتيكي للعملة الوطنية، ولمناقشة مدى انضباط ايران والتزامها بعدم التدخل في الشأن اللبناني كما والحديث عن الرئيس المقبل للبنان، اذ أن حظوظ فرنجية باتت ضئيلة. اللقاء يدل على أن لبنان في أولويات الدول العربية والأوروبية، اذ أن العرب تمثلهم السعودية والأوروبيون تمثلهم فرنسا. واذا لم يصل اللقاء الى نتيجة فلا بد من أنه سيكون هناك لقاء آخر. وليس مستبعداً أن يكون اللقاء بين فرنسا والسعودية، توضيحياً أو تمهيدياً لتقديم نتائجه الى الاجتماع الخماسي المنتظر. وبات واضحاً لدى الأشقاء والأصدقاء، أنه لا يمكن الاستمرار على هذا النحو لأن هناك فريقاً يريد الحفاظ على سلاحه وعلى دوره في المنطقة كشرطي لصالح ايران التي بدأ دورها يتراجع. وحسب النهج السياسي للمملكة العربية السعودية، فمن الواضح أنها لن ترضى بشخصية استفزازية لرئاسة الجمهورية أو تنتمي الى محور الممانعة. المطلوب شخص له حضور وازن في الداخل والخارج، ولديه خطة مع فريق عمل متخصص. ولا بد من الاشارة الى أن إعلام الممانعة يشوش كثيراً لأنهم يدركون أن النهج السياسي تغير في المنطقة.

إذاً، الاجتماع الفرنسي – السعودي، جاء عشية العودة المتوقعة لممثلي الدول الخمس: فرنسا، الولايات المتحدة، قطر، مصر والسعودية، الى لقاء ثانٍ ليس مؤكداً ما اذا سيكون في الرياض أو في باريس، كما ليس معروفاً إن كانت ستتمثل هذه الدول بوزراء الخارجية، لكن أحد المتابعين اعتبر في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أنه اذا صحّت المعلومات عن اجتماع ممثلي الدول الخمس، فهذا يعني أن هناك مراجعة للمواقف. إذا صدر موقف عام عن المجتمعين، فتكون الخارطة قد بدأت بالارتسام، واذا لم يخرج موقف، فهذا دليل على أن ليس هناك من اتفاق بين هذه الدول على خارطة طريق لانهاء أزمة الشغور في لبنان.

واستناداً الى ما يقوله كثيرون بأن منطقة الشرق الأوسط بعد الاتفاق لن تكون كما قبله، أصبح من البديهي السؤال: لماذا لم تنضم ايران الى اجتماع الدول الخمس المتوقع عقده قريباً؟

أجاب مدير أحد مراكز الأبحاث والاستشارات، بالقول: “ايران حسب الاتفاق وعدت بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، واذا شاركت في الاجتماع الخماسي، فستبدو كأنها تمارس هذا الدور، وأن لها اليد الطولى في لبنان، والايراني يحاول دائماً إنكار ذلك حتى أن وزير خارجية ايران، كرر في زيارته الأخيرة الى بيروت أن بلاده لن تتدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية. كما أن عدم المشاركة كي لا يفسر أن ترشيح حزب الله لفرنجية أتى بدعم ايراني، ولترك مجال المناورة وهامش التحرك للحزب في السياسة الداخلية. انها حسابات ديبلوماسية. من جهة ثانية، هل يمكن لايران أن تقدم أموالاً أو لديها الامكانات المادية خصوصاً أن الاجتماع الخماسي يدرس كيفية مساعدة لبنان للخروج من أزمته؟”.

وسط هذه الأجواء، الاضراب المصرفي على حاله، ولم يتم فكّه، والدولار حلق، متجاوزاً الـ108000 ليرة، فحلّقت أسعار المحروقات، وتخطى سعر الصفيحة المليونين. في حين أشار نقيب الصيادلة جو سلّوم الى أن “معظم الصيدليات باتت على شفير الافلاس وغير قادرة على الاستمرار، ومطلب الدولرة كسائر القطاعات مطلبنا الأوحد كشرط للاستمرار”.

شارك المقال